حرب بلا قتال
ل : محمد عبد الحميد
الإهداء
الى المواطن المسلم الذي يعيد صيــــــاغة
تاريخه الانساني و الحضاري و البطولي
من جديد برغم كل قوى الشر و الظـــلام
بسم الله الرحمن الرحيم
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)
تقديم
((الحرب خدعه)) .. هذه هي الفكرة الرئيسية التي تعتمد عليها الحرب .. والتي يعبر عنها الحديث الشريف بأنصع عبارة و أجلى بيان . والواقع اننا اذا تأملنا كيف تدور رحى الحرب.. وماهي الوسائل التي يتخذها كل جانب فيها.. لكي ينتصر على الجانب الاخر..ويفرض ارادته ..و يكفل سلامته ..لوجدنا ان القتال المباشر.. و الالتحام الفعلي..والصدام في صورته النهائية سواء كان ذلك طعناً بالسيف او الخنجر او كان ضربا بالرصاص او قصفاً بالمدافع ..او كان تدميراً بالقنابل و كل اسلحة الحرب الحديثة..أقول ..أننا لو تأملنا حقيقة الأمر لوجدنا ان هذا القتال المباشر و الاتحام الفعلي هو المرحلة الاخيرة التي يلجأ اليها المحارب لكي يحقق الهدف الذي يسعى اليه.. بعد أن يكون قد إستنفد كل ما في جعبته من وسائل و أساليب . فالحرب بالطبع ليست مطلوبة لذاتها إلا في حالات نادرة من جنون الهمجية و الوحشية ..وهي حالات لا يمكن أن تعد قياساً .. ولكنها مطلوبة باعتبارها ضرورة لا مفر منها .. و طريقة يستخدمها المقاتلون بعد أن تكون أعيتهم الحيل و الوسائل ..و لسنا هنا في حاجة الى بيان أن الحرب تنقسم قسمين يختلفان عن أحدهما الاخر أشد الاختلاف ..فهناك الحرب العدوانية أو الإستعمارية التي يشنها طرف معتد بقوته ..صلف بعدته و عتاده .. مدفوع باطماع الثروة ..أو المجد ..أو الإستعلاء ..ضد طرف ضعيف ..أو متخلف ..أو تعوزه القوة المادية و السلاح الذي يدافع به عن نفسه غائلة العدوان..أو ضد طرف منافس له يتسابق هو الاخر بحافز الجشع و الصلف و الإعتداد بالقوة نحو غنيمة مشتركة .. فلا يحل هذا النزاع أو التدافع نحو النهب .. إلا بحرب السيف أو بنيران القتال . وهذه هي الحرب التي أجمعت كل الشرائع الدينيه و الخلقية و الإنسانية على إدانتها وتجريمها .
و هناك الحرب الاخرى المشروعة التي يقاتل فيها الانسان دفاعاً عن وطنه .. أو عقيدته أو حريته .. أو كرامته .. ضد العدوان الذي يستهدف الغزو أو الإمتهان أو الإذلال ..أو القسر الغاشم .. وهي التي إعتبرتها كل الشرائع واجبا مقدساً .. و ميداناً يجود فيه الإنسان بالنفس و النفيس عن طيب خاطر بل يقبل فيه كل تضحية مهما عزت ..إذ الإنسان بطبيعته يعتبر الحياة في ظل الإمتهان و القسر و العدوان .. قد فقدت معناها ولم تعد لها قيمة.
على أن الجانب الجدير بالإهتمام هنا هو أن للحرب وسائلها المختلفة التي توظف كلها لخدمة هدف واحد .. هو الإنتصار على الطرف الأخر ..و فرض التسليم عليه ..
عن طريق ممارسة كل أنواع الضغط عليه .. بكل درجاتها .. إبتداء من ترويج
الشائعات ..و إذاعة البلبلة في النفوس .. و السعي الى أن يفقد الناس- في بلاد العدو-
ثقتهم بقادتهم .. و بأنفسهم .. و بمقدرتهم .. حتى إيقاع الضغط الإقتصادي ..
ومحاربة الناس في أرزاقهم .. و التضييق عليهم في معاشهم و أقواتهم ..و بالتالي التوهين من قوتهم بالفعل .. و خلخلة تماسك صفوفهم في الجبهة العريضة الخلفية التي تعتبر السند الحقيقي و الدعامة الضرورية للطلائع المقاتلة في خطوط النار .
وهذا الكتاب السهل المفيد بما يشتمل عليه من تحليل علمي مبسط و عميق في الوقت نفسه لطبيعة وسائل الحرب بلا قتال.. أي أساليب النفاذ الى الصفوف الخلفية و الأساسية في جبهة العدو.. وبما يحتويه من قصص وعبر شائقة و واقعية تصور هذه الأساليب عبر التاريخ الإنساني ومن خلال تراثنا القومي الغني بالصور و الدروس ..هذا الكتاب في حد ذاته نعتبره سلاحا نافعاً في معركتنا المشروعة و المقدسة ضد العدو الإسرائيلي الإستعماري الشرس .. و وسيلةً من وسائل الدفاع عن حقوقنا التي لا يمكن ان تمس في الحفاظ على أرض وطننا , ومحو آثار العدوان الإستعماري الصهيوني على مقدساتنا .. و العمل على إسترداد حقوق شعب فلسطين في وطنه .
إن الحرب التي يشنها علينا العدو حرب ضارية .. والعدو لا يتورع عن إستخدام كل وسائل الغدر و الخداع فضلاً عن العدوان المباشر .. و هو في حربه القذرة ضدنا يستهين بكل القيم و الشرائع الخلقية و الإنسانية .. و يتحدى الضمير الإنساني و الرأي العام العالمي .. و علينا أن نتدرع في هذه الحرب باليقظة و الوعي .. في ذات الوقت الذي ندعم فيه باستمرار مقدرتنا القتالية ونرفعها الى مستوى معركة تستخدم فيها كل الطرائق التكنولوجية و العلمية .. و أساليب الحرب النفسية و الإقتصادية .
و لكن شعبنا العظيم الذي ظل على مدى التاريخ الإنساني كله .هو شعب الحضارة و البناء و الصمود . هذا الشعب الذي دحر المعتدين .. و جعل من أرض الوطن ..دائماً .. مقبرة للغزاة .. و خرج من كل المحن قوياً ..مؤمناً .. صامداً .. وعلم شعوب العالم كله أبجدية الحضارة .. و العلوم ..هذا الشعب الذي قاتل ببسالة على طول تاريخه ضد المعتدين ابتداء من الصليبيين و انتهاء بالاستعماريين الفرنسيين و الإنجليز و أخيراً ضد الصهيونيين و الإمبرياليين و الأمريكيين .
يوسف السباعي
مقدمة
من يتأمل التاريخ البشري يجد أن الحرب كانت موجودة دائماً بين الأفراد و الجمعات و العشائر ثم القبائل, و عندما تطور الإنسان في ميدان الإرتقاء الإقتصادي و الإجتماعي إستمرت لا تنطفيء لها جذوة .
و الحرب مهما اختلف تعريفها ليست إلا صراعاً دموياً بين إرادتين تبغي كل منهما التفوق على الأخرى و تحطيم مقاومتها بهدف حملها على التسليم , ويتخذ هذا الصراع صورة العنف ومظهره القتال بين قوات الخصمين.
و أحسن صور إدارة الحرب هي تلك التي تستطيع الدولة من خلال أطرها إضعاف موقف عدوها دون قتال , وهذه الصورة من صور إدارة الحرب لا تستخدم فيها المدافع أو الدبابات ولا القنابل الذرية أو الأسلحة الكيماوية وإنما هي مستقلة عن مفاهيم الحرب الفعلية و أقوى منها و أشد أثر وتللك هي الحرب السيكلوجية أو النفسية
والبحث في النفس البشرية علم قديم , كما أن محاولة التأثير على النفس و الروح البشرية محاولة قديمة قدم البشرية نفسها , فقد نشأ النزاع بين الناس منذ بدأ الخليقة , و منذ أن وجدت هذه المنازعات سواء كانت سلمية او حربية يسعى دائماً كل طرف من أطراف النزاع قبل وأثناء المعركة الى إضعاف موقف الطرف الآخرعن طريق شن هجوم عنيف على القوة النفسية لدى الطرف الآخر .
و يحدثنا التاريخ المصري القديم عن استخدام الحرب النفسية أيام تحتمس الثالث و رمسيس الثاني في حروبهما, كما يخبرنا بها أيضا التاريخ الإسلامي فقد استخدمها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في غزواته، و في القرون الوسطى إستخدم جنكيز خان أشد أساليب الحرب النفسية فتكاً
و بالرغم من أن الحرب النفسية عرفت منذ القدم إلا أن أصولها من الناحيتين العلمية و الفنية لم تتضح إلا إبان الحرب العالمية الأولى خاصة بعد ظهور علم النفس و بدء تطبيق هذا العلم بأبحاثه المنهجيه في مضمار حياتنا , و خلال الحرب العالمية الثانية أستخدمت أساليب الحرب النفسية على أوسع نطاق , و أنشأت الدول المتحاربة هيئات إستراتيجية و تكنيكية للقيام بتوجيه الحرب النفسية في مختلف الميادين.
و أصبحت الحرب النفسية في العصر الحديث أحد ميادين الصراع بين الدول الى جانب الميادين العسكرية و السياسية و الإقتصادية , و إتسع نطاق إستخدامها بشكل لم يسبق له مثيل .
ولو تعمقنا في الدوافع الحقيقية لهذا الإهتمام بالحرب النفسية لوجدنا أن الأمر سيكون أعظم فعالية و أكثر إقتصاداً إذا تم نزع سلاح العدو بلاً من محاولة تدميره بالقتال العنيف , إذ ان قتل رجل في أدنى مستويات الحرب يعني فقدان جندي واحد من العدو, بينما إفقاد رجل لاعصابه يعني نشر عدو الخوف بدرجة كبيرة قد تتحول إلى وباء من الذعر كما أن التأثير التأثير الذي يتصلت على قائد الخصم قد يشل مقدرة قواته كلها على القتال لأنه بينما تتمثل القوة الإعتبارية لاي دولة في تعداد سكانها و حجم مواردها فإن تطور هذه القوة يعتمد على سلامة حالتها الداخلية و جهازها العصبي و روحها المعنوية ، فإذا تم إتباع الوسائل التي تحقق إخلال توازن الأعضاء الأعضاء سيكولوجياً سيتم حتماً إنهيارها .
فالتأثير السيكولوجي يمكن أن يتدخل في الإرادة و العزم و التصميم فيجعل الشخص واهن القوى قليل الجهد ضعيف التصميم, و يمكن أن يتدخل في الإدراك فيجعل الشخص يدرك إدراكاً مشوهاً يرى أشياءً لا وجود لها إلا في الخيال, بل و يتعامى عن إدراك أشياء موجودة بالفعل, ويمكن أن يتدخل في التفكير السليم بل قد يجعله عاجز عن التفكير تماماً .
و الحرب النفسية حرب شاملة , بمعنى انه لا يمكن أن تنصب فقط على القوات المسلحة في الدولة ، بل تمتد و تشمل جميع أفرد الشعب مدنيين و عسكريين .. كما انها حرب متصلة و مستمرة في زمن الحرب و السلم على السواء , و تتغلغل في جميع شئون الدولة و مرافقتها سواء السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية أو التربوية, بمعنى أن التمهيد السيكولوجي غير محدد لفترة معينة بل هو عمل مستمر متصل و مسرحها نفسية الفرد, لذلك فهي لا تبدأ من فراغ , بل تحتاج إلى ركائز من الدراسات المختلفة للشعب الذي ستوجه إليه ,طريقة التفكير و الآراء والإنفعالات و الميول و الهوايات و جوانب النبذ و الكره , و ما يطرأ على نفسية الأفرد من مخاوف و ما يتردد على ألسنة بعضهم من أقوال , و نقط الضعف فيهم , و جوانب النقص التي يشعرون بها , و الأحوال المعيشية لهم من حيث درجة التعليم و من حيث الأفراد المؤثرين بشخصياتهم في آراء الأغلبية .
و الحرب النفسية هي معلومات أو أفكار أو مذاهب أو نداءات خاصة .تنشر أو توزع لتؤثر في آراء و معتقدات و إنفعالات و إتجاهات و سلوك فرد أو جماعة أو شعب بأكمله دون إستعمال العنف لكي يستفيد الجانب الذي يوجهها بشكل مباشر أو غير مباشر.
و الحرب النفسية لا شأن لها و لا علاقة بالتنويم أو ما يشابهه من أعمال غيبية , و هي ليس إستعمالاً لسلاح سري كما أنها لا تعتمد على أسلحة مادية , فهي تلعب دورها أمام الجميع , و وسائلها هي الدعاية و الأخبار الكاذبة و الشائعات و الفكاهات , و تنقل من خلال و سائل معروفة هي الأذاعة و المطبوعات المختلفة من صحف و كتيبات و نشرات و الأفلام السينمائية و التلفزيونية و حملات الاشاعة المدبرة .
ومهام الحرب النفسية هي النقاط الأساسية التي تنظم عليها جميع عمليات هذه الحرب
وهذه المهام هي :
1-إنتاج تأثيرات متراكمة في آراء وإنفعالات و إتجهات و سلوك الأفراد .
2- تفتيت وحدة الدولة .
3- الإساءة الى سمعة الدولة في المجالات الدولية.
4-التأثير على الروح المعنوية للشعب عن طريق :
زعزعة ثقة الشعب في زعمائه و قادته بالتشكيك في مقدرتهم و إخلاصهم .
ب- بذر الشقاق و التفرقة بين طوائف الشعب و فئلته المختلفة بقصد الوقيعة بينهم
ج-إثارت الأقليات و دفعها للتمرد .
د- تحريض الحركات و المذاهب و العقائد لمقاومة السلطة.
هـ- زعزعة ثقة الشعب في الجيش وبإمكانية تحقيق النصر أو الصمود أمام الأعداء
5-التأثير على الروح المعنوية للجيش عن طريق :
ا- إنقاص كفاءة القتال لدى أفراد القوات المسلحة .
ب- إضعاف معنويات الجنود و التأثير على مقدرتهم القتالية عن طريق بث روح الهزيمة و التخاذل , و تشجيعهم على الهرب أو التمارض
ج-التأثير على تفكير الجنود ومعنوياته للوصول بهم الى حالة تؤثر بطريقة مباشرة على سير المعركة كالفتنة أو التمرد
د- تشكيك الجنود في شرعية القتال , و إضعاف حماسهم له.
هـ - المبالغة في تصوير قوة العدو وإمكانيته و تسليحهم .
و-تشكيك الجنود في قادتهم و تسليحهم و تدريبهم .
و من المعروف أن القوى الإستعمارية و الصهيونية إستخدمة كل وسائل الحرب النفسية
و بعد عدوان يونيو 1967 نشطت هذه القوى للتأثير على الشعب و التقليل من مقدرته على خوض حرب جديدة ,حتى تتمكن إسرائيل – ومن هم ورائها - من تحقيق أهدافهم من الحرب النفسية .
و لمّا كانت معركة المصير المرتقبة لا تخفى خطورتها على أحد رأينا أنه من واجبنا أن نقدم هذا الكتاب
وهو يتناول بالإيضاح مفهوم الحرب النفسية , و وسائلها , و يبين أهدافها و نتائجها.. ثم يعرض الكتاب عدداً من قضايا الحرب النفسية من واقع الحياة يبرز كلً منها بجلاء خطورة الحرب النفسية , و أساليب إستخدامها والنتائج التي تترتب عليها .
ونأمل بهذه المحاولة أن نوضح مخاطر الحرب النفسية في هذه الحرب النفسية في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها حتى نتوقى شرها لتحقيق النصر و تحرير الأرض .
1- الأعمى و اللحم
كانت مدينة برلين بعد الحرب العالمية الثانية كما كان الحال في ألمانيا تعاني أزمة غذائية عنيفة بسب النقص الفادح في المواد التموينية, وكان سكانها يعيشون حالة عميقة من التوتر النفسي و القلق نظر للتصدع الذي أصاب الحياة الإقتصادية و الإجتماعية في برلين نتيجة لسلسلة من الكوارث لم يسبق لها مثيل من أعمال التعذيب الوحشية التي مارسها رجال الجستابو و ضرب العاصمة الألمانية بقنابل طائرات الحلفاء بقسوة , و أخيراً المجاعة و الهزيمة التي مزقت كيان الشعب و جعلته دائما التفكير طوال الوقت في الطعام .
في وسط هذا الوسط المشحون أطلقت شائعات تروي أن رجلاً كفيفاً كان يسير و يتحسس الطريق . و بينما كان ينتظر عبور الطريق عرضت عليه سيدة أن تساعده فشكر لها مساعدتها , و سألها إن كان بإمكانها أن تحمل رسالة الى أحد اصدقائه الذين يقطنون بجوار المكان الذي يسيرون فيه .
وافقت السيدة على ذلك و سارت في طريقها , و لكنها إلتفت خلفها مصادفة فاكتشفت أن الرجل الأعمى الذي كان يتحسس طريقه منذ لحظة راح يجري بسرعة مذهلة دون أن يحمل الافتة التي تبين أنه كفيف , وهنا ثار الشك في نفس السيدة , فذهبت الى قسم الشرطة و أبلغت عما حدث وقد وجد رجال الشرطة في المنزل الذي أعطى عنوانه ((جثة آدمي أعدت للبيع على أنها لحم عادي )) .
وبفض الرسالة التي أعطاها الرجل للسيدة وجد رجال الشرطة بداخلها هذه الكلمات
((هذه آخر جثة اليوم)).
وذلك يعني أن اللحم الآدمي كان يؤكل في ألمانيا في ذلك الحين , و إنتشرت الشائعة فأثارت ضجة كبيرة داخل المجتمع الألماني و خارجه و أثرت في السلوك العام تأثير بالغاً !!
و الشائعة بطبيعتها تعتمد في إنتشارها على عملية الإيحاء النفسي الذي يكسر مقاومة متقبل الشائعة و يسهل عليه مأمورية تصديقها و إذاعتها .
و هناك نوع أساسي من الإيحاء هو إيحاء الأغلبية , فكل فرد يميل الى تصديق ما تجمع عليه أغلبية أفراد مجتمعه .. و قد دلت بحوث كثيرة على أثر هذا النوع من الإيحاء , و لعل في إنتشار الشائعة بين عدد كبير من الأفراد ما يدعمها و يزيد من قابلية إنتشارها بردجة كبيرة .
و تنتشر الشائعات بنوع خاص في أوقات الأزمات حينما يختل الإتزان الإنفعالي للفرد , و حين يدفعه هذا الإختلال الى عدم التميز بين ما يتردد ليفرق بين المعقول وغير المعقول .
وكل ذلك ينطبق على واقعة الأعمى و اللحم , فالشعب الألماني في هذا الوقت كان قد ذاق الأمرين من مظاهر الخوف و اليأس و الجوع والحرمان , و لذلك كان نقص المواد الغذائية مناخاً ملائماً لمثل هذه الشائعة التي تذهب الى أن جثث الموتى كانت في هذا الوقت .
2- الرعب قبل الحرب
كان جنكيز خان يستخدم جواسيس عدوه كوسيلة لإرهاب جنود العدو أنفسهم , فما أن يقع واحد من هؤلاء الجواسيس في أيدي رجاله حتى يعرض عليه صورة مذهلة لقوة جيشه من حيث العدد و العدة و الشراسة في الحرب ثم يطلق سراحه يعد ذلك ليعود الى بلده فيروي لقادته بنفسه وكان كل جاسوس يذيع عند عودته ما يشبه البيان الرسمي الذي يلقنه إياه رجال جنكيز خان , فيقول هذا النص المروي في كل كتب التاريخ :
((إن رجال جنكيز خان كاملوا الرجولة و الشجاعة , لهم مظهر المصارعين لا يستنشقون إلا رائحة الحرب و الدماء و يظهرون تشوقاً الى القتال , و يصعب على قادتهم السيطرة عليهم . و مع هذه الوحشية فأنهم يجيدون الضبط و النظام و يطيعون قادتهم طاعة عمياء , ويقنعون بما يصل إليهم من الطعام , و ليس من المدهش أن يفضلوا الوحوش ليأكلوها .أما عن عدد هذه القوات فإنه من المستحيل حصرها أو إحصائها )).
ثم يختتم الجواسيس كلماتهم بقولهم (( و كل جندي في جيش عدونا جنكيز خان يدين بالولاء لأميرهم إلى آخر حدود الولاء)).
وقد إستطاع جنكيز خان بهذه الوسيلة أن يضعف مسبقاً معنويات كثير من الجيوش التي دخل معها في حروب مسلحة .
ولمّا كانت الدعاية التي تأتي من الخارج تلقى بطبيعتها مقاومة من أفراد الجماعة , فإن الدعاية التي تتردد من أفواه الشعب نفسه أو الشائعات التي يروجها لا بد و أن تقل المقاومة لها مهما تضمنت من مغالطات و مفارقات .
وفي هذه القصة جعل جنكيز خان الدعاة من نفس جنود العدو الذي أخضعهم لتأثير دعايته , و بعد ذلك يجعلهم يقومون بالترويج لمشاهداتهم بما فيها من تهويل بين أفراد شعبهم .
ولو كان جنكيز خان يلقن جواسيس أعدائه البيان دون ان يعرض عليهم نماذج حية عن شراسة الجند , و عينات مما يدل على قوتهم لما سهل عليهم إمتصاص هذه الدعاية , و لما سهل عليهم ترديدها , و من ناحية أخرى لو لم تأت هذه الدعاية من نفس جنود أعداء جنكيز خان لاكتشفوا ما بها من مغالطات واضحة يمكن إكتشافها بقدر ضئيل من التفكير فبينما يقول النص أنه من النادر أن يستطيع القادة السيطرة على جنودهم , إذا به يقول انهم يجيدون الضبط و النظام , و بينما يذكر أنهم يقنعون بما يصل إليهم من طعام فإذا به يذكر انهم يفضلون أكل الوحوش .
ولكن الجواسيس كانو يتكلمون عن ثقة وكان زملائهم متأكدون أنهم لا يضللونهم ولا يضيفون شيئاً من خيالهم و أنهم إنما يصفون الواقع .
3- تدمير محطة برلين
في عام 1941 كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها بذلت القوات البريطانية جهوداً متكررة لدمير محطة السكة الحديدية الرئيسة في برلين بإعتبارها مركزاً حيوياً للموصلات , وكان تدميرها يعني إشاعة الفوضى في كل مكان في هذه المدينة الكبيرة , و لكن المحاولات التي قامت بها القوات البريطانية لتحقيق هذا الهدف باءت كلها بالفشل . وكان الألمان يدركون هذه الحقيقة فأرادوا إستغلالها , ولذلك سارعو بنشر تقارير غير مؤكدة توحي بأن الإنجليز قد نجحو فعلاً في محاولاتهم لتدمير المحطة , وعندما وصلت هذه الأخبار الىبريطانيا إعتبرها الإنجليز تأكيدا و إثباتاً لنجاح محاولاتهم , فأذاعوا هذا الخبر من إذاعتهم , و حينئذٍ سارعت وزارة الدعاية الألمانية فدعت مراسلي الصحف الأجانب لزيارة محطة السكة الحديدية التي إدعت الإذاعة البريطانية أن القوات الإنجليزية قد دمرتها , ولم تكن المحطة قد أصيبت بأي سوء فقد بادر مراسلوا الصحف يكتبون الى جرائدهم مكذبين واقعة التدمير التي أذاعتها محطة الإذاعة البريطانية .
وكان هدف وزارة الدعاية الألمانية من هذه الحيلة الذكية كشف كذب الإذاعة البريطانية أمام الرأي العام العالمي فتفقد هذه الإذاعة ثقة المستمعين في كل ما تقدمه لهم .
وفي هذه القصة ناحيتان مختلفتان هما محاولة تدمير محطة السكة الحديدية الرئيسية في برلين , و الناحية الأهم إستغلال الألمان لفشل الإنجليز في هذه المحاولات في تشكيك الرأي العام العالمي في مصادر أخبار بريطانيا بوجه عام ثم التشكيك أيضا في مقدرتها بوجه خاص .
كانت ألمانيا أكثر براعة في الرد على فشل محاولة نسف المحطة , فأصدرت تقارير غير مؤكدة بنجاح هذه المحاولة , و تعتبر هذه التقارير شبيهة بالشائعات التي تسمى الشائعات الكاذبة التي تنشر بسرعة , ذلك النوع من الشائعات التي تسمى شائعات الأمل و التي فيها يصدف الفرد ما يتفق مع آماله و أمانيه من أخبار كاذبة , و لهذا سرعان ما صدقتها بريطانيا , فهي تساعدها على تأكيد ذاتها على قوتها و تزيد من ثقتها بنفسها .
وقد بلغ من شدة إمتصاص بريطانيا لهذا الخبر الكاذب أنها أصبحت تتردد هذا النبأ على أنه صادر منها وهو ما يحدث في الشائعة تماماً حيث يقبلها المستمع و يبدأ في ترديدها و كأنه هو مصدرها بل و يؤكد صدقها.
4-الـفـراش وثــيــر
بعد أن تحقق النصر المؤكد للمسلمين في غزوة بدر الكبرى , ثارت كوامن الحقد الأسود و الفزع و الجنون في نفوس يهود المدينة ,فأرادو أن يشوهوا صورة القائد المثالي في نظر أتباعه , وكان أن أطلق ((عبد الله بن أبي سلول )) مجموعة من المنافقين تشيع بين المسلمين أن محمداً يأمر غيره بلإعراض عن متاع الدنيا بينما ينفق هو أموال المسلمين على طعامه وشرابه وأثاث بيته , فقد إتخذ لنفسه أثاثاً فاخراً كالذي يتخذه كسرى .
وقبل أن يطلق إبن أبي سلول هذه الإشاعة سارع فدس الى إمرأة من الأنصار فراشاً وثيراً ثميناً حملته الى أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , و حين عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة و وجدها مسترخية على هذا الفراش الوثير الجديد سألها صلى الله عليه وسلم في غضب
((ما هذا يا عائشة))
فقالت له (( إمراة من الأنصار دخلت فرأت فراشك فبعثت إليُّ بهذا ))
فأمرها صلى الله عليه وسلم بأن ترده في الحال إليها .
وكانت إشاعة المنافقين قد ملأت المدينة , و بدأ الهمس ينتقل على شفاه المئات ممن سمعوا تفاصيلها , و رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يذهب بنفسه ليتبين الصدق فيما يروج بين الناس فتوجه الى بيت النبي صلى الله عليه وسلم واخذ يتأمل كل ما فيه من طعام و متاع فلم يجد شيئاًجديداً قد أٌ ستحدث فيه و أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يجلس على حصير خشن ففاض الدمع من عيني عمر رضي الله عنه . ولمّا سأله النبي صلى الله عليه وسلم عما يبكيه أجاب عمر
(( و ما لي لا أبكي و هذا الحصير قد أثر في جنبك , و هذه خزائنك لا أرى فيها الا ما أرى ))
وقص عمر ما يرجف به المنافقون في المدينة للنيل من مكانته صلى الله عليه وسلم في النفوس .
و التشكيك في الزعماء و القادة من الأساليب الأساسية في الحرب النفسية ذلك أن الزعيم أو القائد يعتبر رمزاً لقوة الجماعة و ممثل لها, فإذا إختلفت صورة هذا الرمز في عيون الأفراد ضاع حماسهم و ضعف ولائهم للجماعة و يتزعزع إيمانهم بالرسالة التي تهدف اليها الجماعة .
في هذه القصة نجد أن محاولة قد بذلت بعد أن إنتصرالمسلمون إنتصاراً ساحقاً في غزوة بدر و قد زاد هذا النصر بطبيعة الحال مركز النبي صلى الله عليه وسلم و الذي هو صلى الله عليه وسلم في نظر المسلمين رمزاً للرسالة و الدين الجديد , فقد كان هدف اليهود و المنافقين في ذلك الوقت هو تحطيم هذه الصورة المثالية التي اكتسبها قائد المسلمين و هوالنبي صلى الله عليه وسلم و قد أرادو تحقيق هذا الهدف عن طريق تشكيك المسلمين في نزاهته و إيمانه , و في كل ما يقول و ما يشير به على المسلمين , فقد كان يأمر المسلمين بالإعراض عن الدنيا ,و الإهتمام بأمور الآخرة , و قوة المسلمين نابعة من إيمانهم , و هذه البسالة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم و في تعاليمه و أقواله , فإذا بدأ المسلمون يشكون في جدية النبي صلى الله عليه وسلم و في تعاليمه و أقواله و إرشاداته تزعزعت ثقتهم بالرسالة ثم بالإسلام , وبذلك يستطيع المنافقون تحطيم وحدة المسلمين و التفافهم حول شخصية النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي تحطيم الوحدة ضالتهم المنشودة لأن فيها إضعاف المسلمين الناتجة عن وحدتهم و تماسكهم .
وهذا الأسلوب يلجأ إليه كثير من الجيوش المتحاربة , و كثيراً ما يستخدم وقت السلم
ولكن فطنة النبي صلى الله عليه وسلم جعلته يتغلب على هذا الاسلوب في الوقت المناسب , بل إن شخصيته المتكاملة و سلوكه المنطبق على أقواله و أخلاقه التي لا تتعارض مع ما ينصح به ,
كل ذلك جعله يرفض الفراش الناعم الوثير , وكان هذا الرفض فشلاً لإسلوب الحرب النفسية التي شنها أعداء النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين .
5-حــقــيــقــة الخـســـــــــــــائــر
حدث أثناء الحرب العالمية الثانية أن أخذت أجهزة الدعاية و الإعلام اليابانية تروج أخبار مبالغاً فيها عن خسائر الأمريكيين في الإشتباكات البحرية.
و أحست الحكومة الأمريكية بأن إذاعة هذه الأنباء خلقت موقفاً معقداً داخل الولايات المتحدة و أحدثت تأثير سيئاً في معنويات الشعب الأمريكي , فلم يسع الحكومة الأمريكية أمام هذا الموقف الخطير الا أن تطمئن جماهيرها و ترفع من روحهم المعنوية , فتصورت أن نشر الحقائق عن خسائرها هو العمل المضاد الوحيد لإفساد هذه الخطة اليابانية المدمرة.
و كان هذا بالضبط ما أراده اليابانيون للوصول اليه فلقد كانوا حتى ذلك الوقت لا يعرفون حقيقة خسائر أعدائهم الأمريكيين .
و ما أن نشرت السلطات الأمريكية هذه الحقائق حتى إستطاع اليابانيون أن يعرفوها .
و الخدعة في هذه القصة من أنجح الأساليب المستخدمه في الحرب النفسية بوجه عام
فمن العوامل التي تساعد أفراد الشعب على مقاومة الشائعات و تحصنهم ضد الحرب النفسية هي إيقافهم على الأخبار و المعلومات الأساسية في حينها , و عدم ترك الأمورغامضة غير محددة في أذهانهم حتى تتكون لديهم الثقة دائماً فيما يذاع من أخبار وحتى لا يجد العدو الفجوة الناتجة عن الجهل و التي يتطيع أن ينفذ منها بأساليبه المختلفة .
غير أن كثير من الأخبار تعتبر إذاعتها إفشاء لأسرار يتلهف العدو لسماعها و معرفة الكثير عنها , و لهذا ينبغي أن تكون الأخبار التي تذاع على أفراد الشعب من النوع الذي لا ينتج ضرر من إذاعته
والعدو لا ينتظر حتى ينتظر حتى يتلقى أخبار الطرف الآخر بل يذيع أخبار كاذبة مهولة تدعو الى إنخفاض الروح المعنويه للشعي المعادي له , و يضمنها جزءً بسيط من الحقيقة حتى يصدقها الشعب , و في هذه الحالة قد ينزلق المسئولون في الفخ الذي نصبه العدو , فرغبة منهم في رفع الروح المعنوية من جديد يضطرون الى ذكر الحقائق التي تحسن موقفهم أمام أفراد شعبهم فيحقق العدو بذلك هدفه في معرفة أخبار حقيقية لم يستطع الوصول اليها بالطرق العادية .
فالعدو دائماً في لهفة لمعرفة أي خبر مهما كان صغيراً .. والشيء الذي نظنه تافهاً لا يفيد , قد يستفيد العدو منه فائدة لم نعمل لها حساب
6-جـواز مرور شـرعـي
كان بعض قادة جبهة الحلفاء في أوربا خلال الحرب العالمية الثانية لا يتفقون مع الجنرال أيزنهاور على أن الحرب النفسية لها كل هذه الأ همية التي يضيفها هو عليها و حدث ذات مرة أن سأله أحد قادته في تهكم :
ـــ سيدي الجنرال : هل تقتل الحرب النفسية جنود الأعداء ؟!!
وكان الجنرال أيزنهاور مشغولاً مع بعض معاونيه في صياغة منشور يعد لإلقائه على معسكرات الجنود الإيطاليين و الألمان في شمال إفريقيا وقد جاء في هذا المنشور :
ــ( هذا جواز مرور شرعي يسمح لحامله أياً كانت جنسيته بالمرور في خطوط الحلفاء و يعطيه الحق في الأمان و كل ما تفعله هو أن تبرزه لمن يطلب من ذلك)
وكان هذا المنشور مطبوع على ورق مقوى حتى يستطيع صاحبه أن يحتفظ به أطول مدة ممكنة .
وبعد إلقاء هذا المنشور بثلاثة أيام تقاطر على معسكرات الحلفاء عدد من الجنود الألمان و الإيطاليين يطلبون السماح لهم بالإقامة بينهم بعد أن سلموهم أسلحتهم ، فأخذتهم قيادة الحلفاء و إعتبرتهم أسرى حرب .
وعندئذ إلتفت أيزنهاور الى القائد الذي سأله في تهكم عن أهمية الحرب النفسية
قائلاً : ــ صديقي الضابط .. أليس الجندي الذي يستسلم مثل الذي يقتل تماماً
تبين هذه القصة الأثر البالغ الذي يمكن أن تحدثه الحرب النفسية . فالذين كانو يلومون الجنرال أيزنهاور لإهتمامه البالغ بأساليب الحرب النفسية وما تستنفذه من وقت و جهد و نفقات , والذين كانو يرون أن من الأوفق توجيه هذا كله للحرب العادية ، إنما كانو يجهلون دون شك أثر الحالة النفسية على السلوك و الإدراك و التفكير
فقد بينت التجارب أن التأثير السيكولوجي يمكن أن يتدخل في الإرادة و العزم والتصميم فيجعل الشخص واهن القوى قليل الجهد ضعيف التصميم , و يمكن أن يتدخل في الإدراك فيجعل الشخص يدرك إدراكاً مشوهاً ويرى أشياءً لا وجود لها الا في خياله,بل و تعامى عن إدراك أشياء موجودة بالفعل , ويمكن أن يتدخل في التفكير فيشله و يجعل الشخص غير قادر على التفكير السليم , بل قد يجعله عاجز عن التفكير تماماً , كما بينت البحوث أن الآثار النفسة في كثير من الأحيان قد ينتج عنها أمرض عضوية خطيرة
وقد جاء هذا المنشور بعد دراسة الحالة النفسية للضباط و الجنود الألمان و الإيطاليين وما تبين من ضعف الروح المعنوية بينهم بدرجة تجعلهم أكثر تقبلاً و إستجابة لأساليب الحرب النفسية فأحدث منشور أيزنهاور أثره المطلوب
7-أمـهـر الــرمــــــــــاة
جاءت الأنباء الى ((بهرام جور بن يزدجرد )) ملك فارس بأن جيشاً من جيوش الأعداء قد إستولى على إحدى المقاطعات التابعة له فسكت ولم يعر الأمر إهتماماً كبيراً فغضب وزراؤه و تذمر الشعب كله لأنهم أحسوا أن في موقفه تهاوناً في حماية البلاد , و لكن الملك سارع فطمأنهم الى أنه يعرف متى و كيف يحارب هؤلاء الغزاة .
وبعد أيام دعا اليه ثلاثة من أمهر الرماة في جيشه لمقابلتهم سراً في قصره , و طلب منهم أن يقوموا بتنفيذ خطة تهدف الى إثارة الفزع و قتل الروح المعنوية في نفوس جنود الأعدء , فأمرهم بأن يذهبوا إلى ناحية قريبة من المنطقة التي إحتلها جنود الأعداء بعد أن يرتدوا ملابس صيادي الريف الفقراء و ألا يتركو طيراً و لا حيواناً إلا أوقعوا به.
وتمت الخطة و حدث ما كان متوقعاً , فبينما كان الرماة يقومون بمهمتهم رآهم جنود الأعداء فاقتربوا منهم دون أن يطلقوا عليهم سهماً , لأنهم كانو ينظرون اليهم على أنهم صيادون يرتزقون من عملهم وليسوا محاربين ،
و لمّا سألوهم عن سبب تقعاس جيش الملك بهرام عن الخروج اليهم بعد أن إحتلوا هذا الجزء الهام من بلاده أجاب الصيادون
(( إن بهرام يمتلك جيش كبير من أمهر رماة فارس .. فسألهم الجنود ( و هل في فارس من هو أمهر منكم في الرماية .. ؟ لقد شاهدنكم و أنتم ترمون الطير و الحيوان فما رأيناكم تخطئون الهدف مرة واحدة) فقال الصيادون لو كنا في مستوى رماة جيش بهرام لما تحملنا كل هذه المشاق في سبيل الحصول على طعامنا يوم بيوم )) .
وما أن سمع الجنود هذا الكلام حتى اسقط في ايديهم و أمتلأت قلوبهم بالفزع و الرعب فطلبوا الى قائدهم أن يسرع بالعودة بهم فوراً و إلا إنسحبوا جميعاً و تركوه بمفرده .
في هذه القصة يتضح أمران
أولهما : ان الدعاية لكي تنجح لابد و أن تبتعد عن هدفها الأساسي حتى لا يسهل اكتشافها وعندما تأتي بطريق غير مباشر تكون أقوى تأثيراً و أكثر فعالية ويمكن تصديقها لأنها تبدو بعيدة عن الأهداف الواضحة للعدو.
أما الأمر الثاني : فهو التوقيت فإن توجيه الدعاية ينبغي أن يكون في الوقت المناسب وإلا ضاع تأثيرها و قلت فعاليتها .
فضل ملك فارس إتباع أساليب الحرب النفسية على أساليب الحرب العادية , و ترك من الوقت ما يقلل الحماس لهذه الحادثة من الجانبين ، ثم عمد بعد ذلك الى خطة مخادعة تجعل عدوه يعتقد بأنه لا بد و أن يقهر على أيدي الأبطال من جيش فارس كما صورهم هو بدعايته الغير مباشره
8- هـربـوا مـن قــراهــم
حاول الألمان في بداية الحرب العالمية الثانية ترويج كل شائعة لبلبلة عقول الفرنسيين , وتهيئتها لتصديق كل شيء
و طوال الإضطراب الذي سببه الهجوم الألماني على فرنسا كان كثير من الفرنسيين يتأرجحون بين القلق واليأس , وسرعان ما وصلوا إلى درجة من الحيرة و القلق أصبحوا لا يستطيعون معها أن يميزوا بين ماهو صادق و ما هو كاذب .
و إنتشرت الشائعات في طول البلاد و عرضها تزعم أن الألمان قادمون , و بدأ سكان القرى يهربون من قراهم على غير هدى و في كل إتجاه , معرقلين تقدم وحدات الجيش الفرنسي التي كانت تسعى الى مواجهة الجيش الألماني.
والعدو خلال الحرب يحاول تفتيت الجبهة الداخلية التي تحمي ظهر القوات المسلحة حتى يسهل عليه تحقيق ما يريده , إذ أن أي دولة تنهار الروح المعنوية للمدنيين فيها تخسر الحرب .
فالشائعات التي هي إحدى أسلحة الحرب لها دائماً أثر فعال سواء كان ذلك في وقت الحرب أو في وقت السلم إلا أن أثرها في وقت الحرب يكون مزدوجاً , لأن الشائعة قد يوجهها العدو عن قصد لأهداف مختلفه , وقد تنتشر تلقائياً يبدأها أحد أفراد الشعب نفسه فلا تلبث أن تذاع و تنشر و تعطي تأثيرها في نفسية الشعب وما ينتابه من أمل و يأس.
ففي الحرب العالمية الثانية تأثر الشعب الفرنسي بإنتصارات ألمانيا السريعة المتتالية.
كما تتأرجح بين الأمل و اليأس , تارة يثق في قوة الحلفاء وتارة أخرى يتخيل القوة الهائلة التي توحي بها إنتصارات ألمانيا و وقع الشعب في شَرَك الخوف من المجهول , والمجهول هنا هو مصير الحلفاء لو إنتصرت ألمانيا على العالم قي الحرب العالمية الثانية .
وقد ساعدت الألمان هذه الفوضى لأنها أعاقت تقدم وحدات الجيش الفرنسي .
إن حركة تهجير المدنيين لازمة دوماً في ظروف الحرب , و لكن الأهم هو ضرورة الألتجاء الى التخطيط والتنظيم في حركات التهجير .
9- البرنامج المفضل
في الحرب العالمية الثانية لجأت محطة الإذاعة البريطانية الى وسيلة غاية في الدهاء و التستر ,فقد خصصت برنامج موجه الى الشعب الألماني بالغة الألمانية مدة إرساله اليومي ساعتين , و تعمدت أن تكون المواد المقدمة في هذا البرنامج من التي يفضل الشعب الألماني سماعها دون ملل , مثل الأغاني الشعبية و التمثيليات الكلاسيكية و برامج الترفيه الخفيفه.....إلخ , وكان مقدم البرامج يذيع أسماء مواطنين بريطانيين على أنهم من عشاق هذه المواد الألمانية و أنهم يلحون في طلب سماعها حتى يتصور الألمان أن الشعب الإنجليزي لا يضمر كراهية لهم بدليل أنه يحب فنونهم.
وحرصت الإذاعة البريطانية خلال هذا البرنامج ألا تقحم أية مواد سياسية أو إخبارية , بل تكتفي بإجراء حوار سريع لمدة دقيقة مرة واحدة و أحياناً مرتين أثناء تقديم البرنامج مع مستمع إنجليزي تسأله رأيه في هذه الفقرة, فيبدي إعجابه الشديد من حيث التأليف و الموضوع و الأداء , و يتمنى في النهاية أن تنتهي الحرب ليسافر إلى ألمانيا و يستمتع هناك بأوجه النشاط الفني المختلفة
و الأفراد لديهم ميل للتعاطف و التجاذب مع من يتبادل معهم نفس و جهات النظر , نفس الميول و الهوايات , نفس الإنفعالات و الأحاسيس .
و أدركت محطة الإذاعة البريطانية هذه الحقيقة , و لم تشأ أن تلجأ الى اساليب معروفة من الحرب النفسية , كان من براعتها و مهارتها أنها لم توجه دعاية على وجه الإطلاق .
وقد أجرت الإذاعة البريطانية دراسة علمية لنَفسية الشعب الألماني فدرست طريقة التفكير والآراء و الإنفعال و الميول و الهوايات و جوانب النبذ و الكره , و إستغلت ذلك كله في إذاعة كل ما ينجذب إليه هؤلاء الأفراد , ولم تكتف بذلك بل أذاعت هذه الأشياء و كأنها قد طلبت من أفراد إنجليز و تستطلع رأيهم فيها , و كأنها تريد أن تقول لهم ، أننا أخوة لكم لنا نفس الأحاسيس و المشاعر و يجذبنا و يستهوينا كل ما يتفق مع ميولكم و أهوائكم ,
وفي هذا إستنتاج ضمني أننا بطبيعة الحال لا نضمر الشر لكم ولا نريد لكم إلا ما يريده الأخ لأخيه , ذلك إستنتاج ضمني غير صريح ولو ذكرته الإذاعة البريطانية صراحة لكان ضعيف الأثر قليل الجدوى و إنما تركت الألمان ليصلو إلى هذه الحقيقة بأنفسهم .
10-صـحـف مـزيــفــه
كان الحلفاء يوزعون على الجنود الإيطاليين ألواناً من الصحف التي تشبه الصحف الإيطالية تماماً من حيث التحرير و الإخراج و الإعلان و الطباعة , و هي صحف زائفة ، تتضمن أخباراً كاذبة عن إنهيار الحلفاء في الجبهة الغربية و لكنها تتضمن ايضاً أخبار صحيحة عن إضرابات العمال و إضرابهم عن العمل في مدن ايطاليا الصناعية الكبرى , و كانت هذه المطبوعات الزائفة أثر كبير على الجنود أخذو يفرون من الميدان بالآلاف مما أصاب صفوف الإيطاليين بتصدعات هائلة.
وقد إعتمدت الدعاية على فكرة اساسية و هي أن الأخبار التي تصدر عن نفس الجماعة تكون أكثر قابلية للتصديق من الأخبار الصادرة عن العدو مهما كانت درجة الثقة في في أخباره , فالجماعة الواحدة لها نفس الأهداف والآمال و تواجه نفس الظروف, و هناك دائماً تعاطفاً و مشاركة وجدانية بين أفراد الفريق الواحد ,
إستغل الحلفاء هذه الخاصية في الإنسان و قاموا بتوزيع صحف تشبه الإيطالية تماماً لضمان تلهف الإيطاليين على قرائتها و إهتمامهم بها و خاصة وأن مثل هذه الصحف لم يكن يوفرها لهم الجيش الإيطالي , و ملؤوها بالأخبار الزائفة ,
ومن أهم ما يقلق الجندي في ساحة القتال شعوره بأن الأمن الداخلي غير مستتب , و ان هناك تمرد داخلي في أي قطاع من القطاعات .
وكان هذا ما فعله الحلفاء , فكانوا يضمنون هذه الصحف نوعين من الأخبار :
أخبار زائفة عن إنهيار الحلفاء في الجبهة الغربية مما يبعث اليأس في نفوس الجنود و يجعلهم يدركون أنها يحاربون لهدف قد إنتهى الأمل في تحقيقه ,
و أخبار أخرى صادقة قد أختاروها خصيصاً لتكمل الأثر النفسي للأخبار الأولى , وبذلك يحققون القاعدة الأساسية لنجاح الدعاية و هي إحتوائها على بذرة من الواقع
11- بـلاط الــــــــــــــشــــــــــــهـــــــــــداء
من معارك التاريخ المشهورة التي وقف بعدها تقدم المسلمين في أوروبا معركة ((تور)) أو معركة(( بلاط الشهداء)) , فقد إستشهد فيها القائد المسلم الشجاع البطل ((عبد الرحمن الغافقي)) و قد دارت هذه المعركة في جنوب غربي فرنسا بين المسلمين والفرنسيين .
بدأت بوادر الهزيمة عندما فزع المسلمين لإشارة ترددت بينهم تقول أن بعض الفرنسيين قد تسللوا الى مؤخرتهم وأخذوا ينهبون خيامهم و يعتدون على من فيها من النساء , فكان أن ترك الفرسان المسلمين الميدان ليحموا خيامهم , وظن بقية الجيش أنه توجد رغبة في التقهقر فاقتدت بالفرسان , وبذلك خسر المسلمون تلك المعركة بعد أن كانت لصالحهم في البداية .
في هذه القصة استخدم الفرنسيون الحرب النفسية على هيئة خدعة تنشر في صورة شائعة بين مسلمي الأندلس.
و اعتمد الفرنسيون في نشرها على دراسة الخصائص النفسية للمسلمين , فقد عرفواعنهم الإهتمام بالكرامة و الشهامة و الإندفاع لمساعدة الغير وعدم قبولهم الإعتداء بأي صورة كانت على أفراد العشيرة .
وبالفعل لاقت هذه الشائعة إستعداد لدى المسلمين للتحمس لها و نشرها و التأثر بها , و ترك فرسان المسلمين مواقعهم للدفاع عن الخيام و من تركوهم فيها فاختلت صفوفهم واقتدى بهم باقي الجنود
و أحدثت الشائعة المدروسة أثرها المطلوب.
12- صـــور مـــلـــونــــــــــــــــــــــة
أثناء الحرب العالمية الثانية كانت القوات اليابانية منتشرة في أكثر من موقع من المواقع الإستراتيجية , وكان خطرها يأتي من إرتفاع روحها المعنوية التي كانت تتسلح بها أثناء القتال .
فرأت قيادة الحلفاء ضرورة إستخدام أسلوب حاسم من أساليب الحرب النفسية تنجح به في تحطيم اللروح المعنوية العالية لدى الجنود اليابانيين , فكان أن عملت الى إلقاء صور ملونة عن الأغذية الشهية على الجنود اليابانيين الذين كانوا يحاربون في جبهة شمال بورما وهم يعانون من نقص كبير في مؤنتهم من الطعام ,
كما ألقت كذلك – وفي نفس الوقت ــ على الفرقة اليابانية التي كانت تحارب في ميدان جنوب غرب الباسيفك رسوماً كاريكاتيرية تصور الجندي الياباني وهو يعاني آلام الغربة والحرمان و أخطار الحرب , و تصور قادته يستمتعون بأرقى أنواع الخمور و أفخر وجبات الطعام.
وكانت قيادة الحلفاء تسجل في نهاية كل منشور من هذه المنشورات عبارة موجهة الى الجندي الياباني تقول فيها :
(( مسكين انت أيها الجندي الياباني لأنك تضحي بنفسك في سبيل قضية خاسرة)).
و قد درست قوات الحلفاء حالة الجيوش اليابانية , فوجدت أنها تتمتع بروح معنوية عالية و بقدرة عالية على التماسك لا تتوفر في جيوش الحلفاء أنفسهم , و لكنها درست أيضا الحاجات النفسية و الحاجات البيولوجية فوقفت على ما يعانيه الجيش الياباني من حرمان , حرمان في الغذاء وحرمان في الراحة , ومشاعر الغربة , وقد وجدت دعاية الحلفاء في جوانب النقص هذه ضالتها المنشودة , فركزت عليها لإضعاف الروح المعنوية للقوات اليابانية .
وقد لجأ الحلفاء الى الرسوم الكاريكاتيرية التي تجسم الأفكار و تقربها الى أذهان الجميع و كأنها تعطي أفراد الجيش الياباني حالات حية تجعلها أقرب للتصديق فيحدثون الجندي الياباني حديث الحريص على راحته و مستقبله , و يأكدون له أنه يحارب و يضحي بحياته و راحته في سبيل قضية خاسرة , و بذلك يحوّلون دعايتهم المصورة الى حديث الى قلبه معتمدين في هذا الحديث على إستثارة إنفعالاته و حرصت على حياته .
13- لـجـنــة هــدنــــــــة
أذاعت وحدة الدعاية الألمانية على الفرنسيين عام 1940 نبأً يقول
((إن لجنة هدنة فرنسية في طريقها الان لتوقيع الهدنة مع السلطات الألمانية ))
وكان لهذه الإذاعة أثر هدّام للروح المعنوية للفرنسيين , فقد ناقش الجنود الفرنسيون الأمر على أساس
(( لماذا نحارب اليوم فنتعرض للموت إذا كانت الحرب ستنتهي غداً ))
ولذا تحطمت المقاومة و أمكن للألمان في النهاية هزيمة الفرنسيين
من أهم أهداف الحرب النفسية إشعار الجنود دائماً بأن الهدف الذين يحاربون من أجله أصبح مستحيلاً أو دونه عقبات لا يمكن تخطيها الى جانب تسخيف الهدف في نظر الجنود عن طريق المغالطات المنطقية فتناقش الدعاية مشروعية القتال و تبين للجنود أنهم إنما يبذلون أرواحهم لفكرة غير شرعية أو صعبة التنفيذ .
الأسلوب هنا قد يختلف قليلاً فالألمان يذيعون عن هدنة فرنسية في طريقها للتنفيذ , وقد يكون في ذلك جزء ولو بسيط من الحقيقة , ولكن الهدف الأساسي في هذه الدعاية هو التسخيف من فكرة التضحية في الساعات او الأيام الباقية إذا كان الفرد يستطيع أن يحتفظ لمدة قصيرة بحايته لينعم بحياة السلم بعد ذلك.
بل قد يستخدم العدو في بعض الأحيان أسلوب مشابهاً حينما يذيع على بعض وحدات الجيش بأن وحدات غيرها إستسلمت وإنتهت حالة الحرب معها .
ففي كل هذه الأساليب كسر لإستمرار الحالة العقلية و تهدئة للإنفعالات الثائرة و هما عدة المحارب , فالجندي يحارب طالما وجدت في ذهنه مبررات لمواصلة القتال وطالما كانت حالته الإنفعالية من الشدة و التوقد بحيث تثير الجوانب العدوانية في نفسه ضد أعداء بلاده .
و هناك فكرة أخرى يمكن إضافتها وهي أن الجندي الذي يعرف أن ولاة الامور في جيشه يفكرون في الهدنة إنما يوحي اليه ذلك بتفوق العدو , لأن هؤلاء القادة الذين يعرفون جيداً قوة جيشهم و قوة جيش عدوهم لا يريدون مواصلة الحرب ,
والإيحاء هنا يدفعه الى عدم التضحية و الفداء
14 ليســـــوا مـحــــــــــــاربين
إستعان التتار في غزو بلاد المسلمين بطريقتين كانتا أشد أثراً على المسلمين من الجيوش المحاربة فعلاً ,
الطريقة الأولى : كانت إرسال مجموعة كبيرة من العملاء تدخل البلد التي يريدون غزوها وتشيع بين الناس قصصاً مخيفة عن التتار وعن المصير المرعب الذي يلاقيه كل من يفكر في مقاومتهم ,و كانت هذه القصص تفعل فعلها ببطء في النفوس فلا يكادون يسمعون باقترابهم حتى يرحل أكثرهم عن البلاد و يتركونها للقلة التي لم تتأثر بما سمعت من القصص و صممت على القتال حتى النهاية .
أما الطريقة الثانية
تتلخص في حشد عشرات الألوف من الناس غير المحاربين و إظهارهم بمظهر الفرسان المحاربين و إذا كانت القوة الحقيقية للجيش المغولي هي خمسة آلاف مقاتل فإن ما يراه أعداؤهم لا يقل عن مائة الف أو ماتي الف يحسبونهم جميعاً مقاتلين , و عندئذ يفكر المدافعون عن المدينة مرتين قبل أن يقاتلوأ هذا الحشد الهائل , بل أنهم غالباً ما كانو يسرعون بالفرار قبل المعركة
و لكن جند الإسلام في مصر كانو قد عرفوا هذه الأساليب فلم يتأثروا بها , حتى مكنهم الله تعالى ونصر جند الإسلام على التتار في عين جالوت
و في هذه القصة يتضح الأثر الفعال للعوامل النفسية في الحروب ويبين أن أهمية هذه العوامل تفوق بكثير قيمة الأسلحة العادية , فقد لجأ التتار الى إثارة إنفعال الخوف و الرعب في نفوس أعدائهم و الإيحاء بأن قوتهم لا تقهر شأنهم في ذلك شأن الجيوش الضعيفة التي تريد الظهور بمظهر الجيوش القوية أو شأن الجيوش التي تريد إحراز نصر خاطف يعلقون بعد ذلك عليه خططهم الطويلة.
و الجزء الأخير من خطة التتار عن تضخيم عدد قواتهم المحاربة يوضح لنا ما تفعله العقيدة و الإيمان بالرسالة , ذلك لأن الخدعة لم تنطلي على جند الإسلام من أهل مصر الذين كان لهم هدف واضح وكانو يحاربون بعقيدة راسخة فحقق الله تعالى لهم النصر على التتار في عين جالوت .
15- الجواهرجي
ذاعت القصة التالية أثناء زيارة مدام شان كاي شيك لأمريكا في عام 1943 .
تقول القصة أن رجلاً دخل محلاً لبيع المجوهرات في مدينة بالتيمور و طلب شراء ساعة ثمنها 500 دولار و لم يكن الجواهرجي يبيع سلعاً بمثل هذا الثمن المرتفع , ولكنه إستطاع لأن يجمع لع عددأ من الساعات يبلغ ثمنها 7000 دولار , وعندما سأله الجواهرجي عن الطريقة التي يسدد بها الثمن قل المشتري أنه سكرتير مدام شان وطلب منه أن يضيف الثمن خصماً على معونة الاعارة و التأجير !!
هذه القصة مثال رائع للدعاية غير المباشرة و قد ذاعت لأنها تتضمن خبراً طريفاً , وهدف القصة أن يتضح للشعب الأمريكي ما تصرفه حكومته في المعونات المختلفة و أوجه الصرف التي تذهب اليه هذه المعونات .
هذه القصة مثال رائع على الدعاية غير المباشرة و قد ذاعت لأنها تتضمن مدام شان كاي شيك .. كما أن القصة تتضمن أن الجواهرجي في مدينة بالتيمور لم يكن معتاداً غلى بيع السلع بمثل هذا الثمن المرتفع .
وكأن هذه القصة تقول للأمريكيين أن نقودكم تُعطى لغيركم لتصرف في أوجه لا ترضون أنتم صرفها فيها , و بعنى آخر أن الأموال التي يحرمون أنفسهم منها تُعطى لغيرهم دون حساب.
وفي هذه القصة دعاية ضد الصينيين الذين يستبيحون لأنفسهم صرف أموال المعونات الأمريكية على ملاذِّهِم و تَرَفهم و كأنهم غير محتاجين لهذه المعونه .
فالدعاية إذن في هذه القصة دعاية مزدوجة و لها وجهان دعاية مضاة لنظام المعونات الأمريكية وفيها نقد لتصرف الحكومة في ذلك , و دعاية موجهة ضد الصينيين .
و مما يزيد من أثر الدعاية ما احتوت عليه الإشاعة من تضخيم و تهويل ، فقد إختار سكرتير مدام شان كاي شيك ساعات ثمنها 7000 دولار و أن الجواهرجي اضطر أن يجمع للمشتري ساعات من أماكن كثيرة و ذلك لبيان مدى البذخ و الإسراف بصورة فيها تضخيم و تهويل حتى يزيد ذلك من روعة القصة و طرافتها فتصبح قابلة للترديد و الإنتشار.
وكان إنتهاز فرصة زيارة مدام شان كاي شيك لأمريكا أنسب الأوقات لتوجيه هذه الدعاية, فانتشرة الإشاعة قائمة على عنصرين أساسيين وهما الطرافة و الإعتماد على جزء من الحقيقة , و زاد من أثرها توجيهها في الوقت المناسب
16- الإ نـتـقــــــــــــــــــــــــــام
في الحرب العالمية الثانية شنت الطائرات الإنجليزية غارات على ليوبك و روشتك من مدن ألمانيا فأحدثت فيهما تدميراً ضخماً و خسائر فادحة, و في اليوم التالي ألقت الطائرات الألمانية منشورات على المدن الإنجليزية فيها صور للتدمير الذي أحدثته الغارات الإنجليزية في ليوبك و روشتك وتحتها تصريح الفوهر في حديثه الى الرشتاغ بأن الغارات الإنتقامية ستأتي فكان لهذه المنشورات فعل كبير لدى الشعب الإنجليزي , و أصبح حديث الناس في الأماكن الخاصة و العامة و الجميع و الجميع في ذعر يتوقعون الغارات الإنتقامية بين لحظة و أخرى.
وفي هذه القصة مثال رائع على قدرة الألمان في إتخاذ الخطوات العملية السريعة في دعايتهم.
و كان من الممكن أن تقتصر دعاية الألمان على التنديد بآثر الغارات الإنجليزية , ولكن الدعاية الألمانية تضمنت صور الغارات الإنجليزية و آثارها حتى يجد الإنجليز للألمان مبرر للغارات الإنتقامية , و كأنهم يقولون لهم هذا ما فعله جيشكم بنا و لعلكم تجدون لنا الحق في الأنتقام مهما كان الإنتقام شديداً .
وهناك ميزة أخرى من نشر هذه الصور و هي أن يوضح الألمان ما يمكن أن تفعله مثل هذه الغارات من تدمير وتلف في الأرواح و الممتلكات العامة وكانت أهداف الألمان تتلخص فيما يلي :
إظهار قسوة الجيش الإنجليزي أمام الشعب الإنجليزي نفسه .
إظهار نتائج هذه الغارات بصورة مجسمة واضحة .
الإيحاء بما سيلقاه الإنجليز على يد الألمان في الغارات الإنتقامية .
وقد ساعد على إنتشار هذه الدعاية حالة التوتر النفسي التي كان يعاني منها الإنجليزي و الإيضاح المجسم الذي أحدثته هذه المنشورات و إنتصارات الجيش الألماني مما ساعد على تقبل الدعاية و امتصاصها , وكان لها في نفسية الشعب الإنجليزي أثرها البالغ .
17ـ إلــى الشــــــــــــــــــــــــام
كانت قبائل (( بني لحيان )) بعد أن غدرت بالمسلمين و قتلت منهم عدداً كبيراً عند منطقة الرجيع تتوقع أن يقوم المسلمون بغزوة إنتقامية عقاباً على هذا الغدر , وكان المسلمون فعلاً ينون القيام بهذه الغزوة , و لكنهم خشوا إن هم أعلنوا ذلك أن يستعد ((بنو لحيان)) و أن يستعينوا بغيرهم من القبائل المعادية للمسلمين , فأشاع المسلمون أن جيشهم سيتحرك الى بلاد الشام لمقابلة أعدائهم هناك , و كان هدف المسلمين من هذه الخدعة هو تحقيق أمرين رئيسيين :
أولهما إشعار القبائل المعادية بأن الجيش الإسلامي قد أصبح قادراً على مواجهة القوى المسلحة في بلاد الشام فتضعف معنوياتهم ولا يفكرون في قتال محمد صلى الله عليه وسلم أو التعرض له بأي عدوان .
اما الهدف الثاني فكان التمويه من جانب المسلمين حتى يستطيعوا مباغتة بني لحيان و غيرهم من القبائل المعادية الأخرى .
وقد تحقق للمسلمين ما أرادوا , فلم تكد تسمع هذه القبائل المعادية عن عزم المسلمين على غزو بلاد الشام حتى إمتلأت قلوبهم فزعاً , إذ أدركوا مدى ما وصل إليه المسلمون من قوة لا قِبَلَ لهم بها فضعفت معنوياتهم ولم يستطيعوا الصمود أمام الجيش المسلم حين غزاهم و انتصر عليهم .
فالحرب خدعة و الخدع تتضمن الكثير من اساليب الحرب النفسية, فكثير منها يهدف الى التأثير النفسي قبل الدخول في الحرب العادية أو بدلاً عنها , والقصة تبين كيف تعمل الخديعة على إحداث التأثير القوي الذي قد تعجز عن إحداثه أساليب الحرب التقليدية .
لما غدرت بنو لحيان بالمسلمين كانت النتيجة المنطقية الطبيعية هي الإنتقام , ولكن براعة المسلمين جاءت عن طريقة الشائعات الهادفة لتحويل أنظار هذه القبائل عن فكرة الإنتقام , ولم يكن تحقيق ذلك سهلاً بل بذل المسلمون فيه جهداً كبيراً حتى تنتشر الشائعات على نطاق واسع و حتى تغطي على فكرة النتيجة المنطقية وهي الإنتقام العاجل بالطريقة التقليدية .
18- جـثـث الـمـوتــــــى
في إبريل1917 نشرت جريدة التايمز البريطانية نبأ يقول : أن الألمان يستخدمون جثث القتلى من أعدائهم من الجنود و المدنيين لإطعام الحيوانات , و ليصنعوا منها سماداً للأرض !!
و قد آثار هذا النبأ ضجة كبرى في أوربا و خاصة في الأوساط الدينية , كما كان بداية لنشاط حركة تطوعية ضخمة في الجيوش التي تحارب ألمانيا , كما أثار حركة المقاومة و شجعها لأن الناس ضاقوا بما يقوم به الألمان من التنكيل بجثث الموتى .
ولم تعرف حقيقة هذا النبأ إلا في 21 أكتوبر 1925 عندما أذيع أصل الحكاية و هي أن مراسلاً لصحيفة بلجيكا المستقلة وهي جريدة سرية عرف أن الألمان يستغلون جثث الموتى من الحيوانات في صنع السماد فبدلاَ من أن ينشر النبأ على حقيقته حُرِفَ ليقول أن الالمان يستغلون جثث الموتى من البشر
و كان الألمان يذيعون عن أنفسهم دائماً أنهم شعب يمتاز في نوعه على باقي الشعوب الأخرى , و كان هذا الشعار مرارة في نفوس هذه الشعوب الأخرى , و ربطت بينها وبين التنكيل بالموتى , و القتلى منهم , وبذلك استطاعت هذه الشائعة الناجحة أن تستثير إشمئزاز الرأي العام العالمي و التأثير عليه بقوة فهي تتضمن الحقئق الآتية .
*أن الألمان لا يراعون التقاليد ولا الشرف في معاملة الأعداء
أن الألمان يُحَّقرون الشعوب الأخرى
أن الألمان قوم إنتهازيون ويستغلون كل شيء لفائدتهم مهما كانت طبيعة الموقف
أن الألمان يتصفون باقسوة ويبتعدون تماماً عن النظرة الإنسانية
19- الـرغـيــف الــطـــــــازج
في السابع من ديسمبر 1941 قامت القوات الجوية اليابانية بغارة تاريخية على الأسطول الأمريكي الراسي في ميناء بيرل هاربور بالمحيط الهندي , ولم يحدث أن حطم طيران دولة أسطول دولة معادية بأكمله كما حدث في بيرل هاربور للدرجة التي أصبح هذا اليوم – في أوربا- يعرف بـ إسم يوم العار .
وفي يناير 1942 إجتاحت الولايات المتحدة شائعات الويل و الهلع وكان مضمونها أن خسائر بيرل هابور أعظم بكثير مما صرحت به السلطات الرسمية , الامر الذي كان يُقَوٍض معنويات الشعب الأمريكي بأسره .
ومن بين الشائعات الساخرة التي راحت في ذلك الحين أنه وجد في جيب أحد الطيارين اليابانيين الذين
أسقطوا يوم الإغارة على بيرل هاربور رغيف طازج و قد لف في أوراق أحد مخابز جزيرة هونولولو التي بها قاعدة بيرل هاربور الأمريكية !!
إن موقعة بيرل هاربور موقعة تاريخية تعتبر من معارك تاريخ اليابان و أمريكا فقد إستطاع الطيران الياباني أن يحطم الأسطول الأمريكي
وقد كان هول نتيجة هذه المعركة سبباً في إذاعة شائعات كثيرة تزيد من ضخامة ما حدث و تسبب للشعب الأمريكي من الرعب و الفزع ما يجعله يستجيب لأية دعاية أو شائعة تضخم من قوة اليابانيين و تقلل صورة القوة الأمريكية في نظرهم .
ومن الطبيعي أن تعتمد هذه الدعايات و الشائعات على ماحدث كجزء من الشائعات التي تذاع ومن طبيعة الدعاية أن تعمد إلى التهويل فتضخم من وصف ما حدث و تزيد من تقدير الخسارة و من الطبيعي كذلك ألا تلقي الدعاية أو الشائعات مقاومة ما دامت تتفق مع جزء من حقيقة ما حدث .
وإنتشار الشائعات الساخرة أمر طبيعي في مثل هذا الموقف , وعنصر الطرافة فيها يزيد من قابليتها للإنتقال و الإنتشار , فهي تجذب الأسماع لطرافتها وإن كانت تضمن غالباً عنصراً أشد من عناصر التهويل لا يمكن تصديقه أو نشره إذا لم يتوفر عنصر الطرافة .
20-إذاعة ســــــــوان
في صباح اليوم الثامن عشر من شهر إبريل عام 1961 فوجيء أهالي كوبا ببيان ترسله إذاعة تستخدم الموجة القصيرة معلنة أنها إذاعة جيش التحرير الكوبي , وكان هذا البيان نداء الى جيش كاسترو و قد جاء هذا البيان :
(( لقد حانت الساعة التي يجب فيها عليكم أن تحتلوا مواقعكم الإستراتيجية المشرفة على الطرق و السكك الحديدية , إسجنوا من يرفضون إطاعة أوامركم أو أطلقوا النار عليهم ، يا رفاق الحرية هذه فرصتكم لتقديم الدليل على إخلاصكم , يجب أن تظل كل الطائرات جاثمة على الأرض , إعملوا على ألا تقلع طائرة واحدة من طائرات كاسترو , حطموا أجهزتها الاسلكية , حطموا ذيولها حطموا آلآتــهـا ))
و بعد إذاعة هذا البيان بثلاث ساعات , أذاعت نفس المحطة بياناً آخر جاء فيه :
((يا أهالي هافانا إنتبهوا لما نقول , عاونوا جنود جيش التحرير الشجعان , يجب أن تتوقف محطات توليد الكهرباء عن مد المصانع بالكهرباء , فاليوم في الساعة السابعة و الدقيقة الخامسة و الأربعين حينما تصدر الإشارة من هذه المحطة أضيئوا كل الأنوار الموجودة بمنازلكم , ولا تقلقوا فقوات التحرير سوف تستأنف العمل بهذه المصانع قريباً )).
و أمام هذه البيانات المتلاحقة كادت الفوضى أن تنتشر بين جيوش الثورة من أتباع كاسترو لولا أن تحرك القياديون من رجالها وكشفو للجماهير حقيقة هذه الإذاعة المعادية .
لقد كانت إذاعة (( سوان )) تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A !!
في هذا البيان الذي أذيع من كوبا إستخدام قاعدة أساسية في الحرب النفسية و هي أن الأقوال و الأفكار التي تصدر من أحد أفكار الجماعة نفسها أو فريق منهم تكون أقوى تأثيراً من الأفكار التي تنقل لهم من الخارج بواسطة شعب آخر أو جماعة أخرى , فإن الدعاية التي تصدر من فريق من الجماعة تكون أقل عرضة للمقاومة .
و إذا فحصنا القطعة الدعائية نفسياً وجدنا أنها ترسم خطة محكمة و قد بدأت بفقرة هامة أن الساعة قد حانت لتنفيذ ذلك . أي أن هذه الفرصة موقوته ينبغي ألا تضيع في حينها , كما تتخللها عبارات مثيرة مثل (هذه فرصتكم لتقديم الدليل على إخلاصكم ) و الإخلاص هو السمة الأساسية التي كان يتسم بها جيش كاسترو .
ولم تترك الدعاية أثره يقتصر على جيش كاسترو , بل وجهت لأفراد الشعب . فقد طلبت الدعاية معاونة جيش التحرير . و هو هدف أساسي من أهداف الشعب .
و تحت هذا الإطار فصل البيان أعمالاً يجب عليهم أن يقوموا بها تحقيقاً لهذا التعاون , مثل إيقاف محطات الكهرباء عن مد المصانع باكهرباء , والهدف هنا بطبيعة الحال إشاعة الإرتباك والفوضى و تعطيل المصالح الهامة وإيجاد الجفوة بين الشعب والجيش , و إنقسام الجيش على نفسه , وفي هذا كله تحقيق لأهداف المخابرات المركزية الأمريكية و هي أهداف تتكر من كل زمان ومكان
21- لا يأكـــلون اللحـــــم
في الحرب العالمية الأولى لجأت بريطانيا الى أسلوب بارع الحرب النفسية ، إذ كانت تعمل على نشر بعض القصص في صحف البلاد المحايدة بحيث تبدو هذه القصص في الظاهر و كأنها ضد الحلفاء في حين أنها تحمل بين طياتها ما يفيد في المعركة .
من ذلك مثلاً أن بريطانيا كانت تعلم أن الحكومة الألمانية قد منعت بيع اللحوم ثلاثة أيام في الأسبوع . فعمدت الى إحدى الصحف البلجيكية وطلبت إليها أن تنشر قصة التذمر بين الجماهير البريطانية , لأن حكومتها أصدرت قرار بمنع بيع اللحوم يوم واحد في كل أسبوع , وتصورت الصحافة الألمانية أن نشر أخبار هذا التذمر سيرفع معنويات الشعب الألماني لأنه سيدرك أن الجماهير الغاضبة في بريطانيا لن تقف الى جانب حكومتها , وكان هذا تصور خاطئاً لأن هذه الأخبار لم تحد تنشر في الصحف الألمانية حتى إزداد تذمر الشعب الألماني من حكومته التي تحرمه من تناول اللحوم ثلاثة أيام في الأسبوع بينما لا يحرم منها الشعب البريطاني إلا يوم واحداً فقط ورغم هذا فهو ساخطاً أيضاً .
في هذا المثال نوع جديد من الحرب النفسية يحتاج الى براعة في تنفيذه و إخراجه . فالداعي قد يوجه الدعاية لتظهر و كأنها موجهة ضده , و لكنها تحمل بين جنباتها الكثيرمن الدعاية المضادة لعدوه , و تعمل على إثارة الحماس في الإتجاه الذي يريده هو .
فقد عرف الإنجليز أن الألمان قد نظموا بيع اللحوم في ألمانيا بحيث منعت بيعا ثلاثة أيام شأنها في ذلك شأن الكثير من الدول الأخرى في أوقات كهذه , ولم يكن يشعر الألمان تجاه هذا التصرف بشيء من الإمتعاض أو التذمر لولا إستغلال الإنجليز لهذه الحالة العادية في أوقات الحرب في نشر دعاية مضادة الى الألمان لتثير الإضطراب و الشغب , فقد أخرجت قطعة دعائية وكأنها موجهة ضد الحكومة الإنجليزية و خاصة أنها نشرتها في إحدى الصحف الغير بريطانية .
فإذا رأى الألمان أن الشعب الأنجليزي و هو ما يُعرَف عنه من التضحية و التحمل يثور من أجل الحرمان من اللحوم يوماً واحداً في الأسبوع و هم يحرمون منها ثلاثة أيام فإن ذلك يخلق في نفوسهم مرارة لا تلبث أن تظهر في صورة من صور التمرد علماً بأن إنجلترا كانت تدخل اللحوم ضمن مواد التموين . وقد انطلت هذه الخديعة على الصحف الألمانية و راحو ينقلون هذه الصورة المموهة عن الشعب الإنجليزي للشعب الألماني , وقد وقعو بذلك في الفخ الذي نصبته لهم الحكومة الإنجليزية .
ومن ذلك نرى أن كثيراً من الأخبار التي تبدو طبيعية وعادية , قد تحمل بين طياتها دعاية تسري دون أتتحقق من هدفها ويتبقى لنا تأملها تماماً قبل تصديقها و نقلها
22- خـــــــــــــــداع
أثناء غزوة الخندق التي حاصر فيها المشركون جموع المسلمين داخل المدينة. ذهب الصحابي الجليل نعيم بن مسعود رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم و أخبره أنه حديث عهدٍ بالإسلام و لم يعلم قومه بإسلامه بعد و أنه يستطيع أن يقوم بعمل يضعف به معنويات الأعداء . فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم
(( إنما أنت رجل واحد فخذ عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة ))
فخرج نعيم حتى أتى بني قريظه وكان نديماً لهم في الجاهلية فأفهمهم بأن قريش لو إنتصرت فستكون كل المكاسب من نصيبها ولو إنهزمت فستتركهم يواجهون مصيرهم السيء مع المسلمين , ونصحهم نعيم بأن يأخذوا عندهم رهائن من أشراف قريش !! .
ثم ذهب نعيم بعد ذلك الى قريش فأخبرهم بأن بني قريظة ندموا على نقضهم العهد مع المسلمين و أنهم إتفقوا مع محمد ( صلى الله عليه و سلم ) على أن يسلموه عدداً من أشرافكم ليضرب أعناقهم فإياكم أن تبعثوا اليهم بأحد منكم !!
و قبيل المعركة أرسلت قريش الى بني قريظة تطلب منهم أن يستعدوا لخوض المعركة مع المسلمين فأصر بنو قريظة على عدم الإشتراك في الحرب إلا بعد أن تسلمهم قريش عدداً من أشرافهم ليكونوا رهائن عندهم . وهنا حدثت الفتنة بين الفريقين , وضاعت الثقة التي كانت متوفرة بينهم من قبل وكان ذلك بفضل الله ثم بفضل الحرب النفسية الي شنها إبن مسعود ذكاء في بارع .
فمن أهداف الحرب النفسية الإيقاع بين الدول الصديقة حتى لا يواجهوا عدوهم كفرد واحد .
لقد كان إسلام نعيم بن مسعود رضي الله عنه سراً فرصة ذهبية للعمل مع صفوف المسلمين دون أن يثير شبهة المشركين . فقد إستطاع بحكم علاقته الوطيدة مع كل من قريش و بني قريظة أن يوقع بالفريقين لصالح المسلمين . ولعل رد النبي صلى الله عليه وسلم دليلاً على إيمانه بالحرب النفسية و أهميتها و فائدتها . و بأن الحرب خدعة . فمن إستطاع أن يخدع عدوه إستطاع الفوز عليه .
لجأ نعيم بن مسعود رضي الله عنه الى الخداع و الى الوقيعة بين الفريقين و استطاع أن يشكك بنو قريظة في نوايا قريش , و زعزعة الثقة بين الحلفاء و الأنصار هدف شأئع من أهداف الحرب النفسية حين يوجه الفريق جهده للتفرقة بين جماعتين متحالفتين ضده .
23- سنوافيكم بالأ نباء
في الثامن عشر من شهر يوليو عام 1941 كان تشرشل يخطب في إجتماع عام في مدينة مانشستر , وحدث أن قاطعه أحد الحاضرين أثناء خطبته فسارعت الإذاعة الألمانية لتعلن أنه وقع شغب في الإجتماع أدى الى فضه . و لكي تبرهن على ما أعلنته راحت تذيع أكثر من مرة تسجيلأصوتياً للمقاطعة بحيث لاحت و كأنها مظاهرة في الإجتماع .
و كان تشرشل رمزاً للكفاح الوطني البطولي , و لكن تصويره على النحو الذي قدمته الإذاعة الألمانية الى مستمعيها جعلت الرأي العام العالمي و قطاعاً كبيراً من الرأي العام الإنجليزي نفسه يتصور أن تشرشل فقد مكانته السياسية البارزة لدى مواطنيه ولم يعد له ذلك البريق الوطني الذي كان يتمتع به من قبل .
و لكي تؤكد الإذاعة الألمانية حقيقة ما أعلنته عن تشرشل أذاعت في اليوم التالي أنها ستوافي مستمعيها بآراء بعض المواطنين الإنجليز و هي آراء يفهم المرء من مضمونها أن الشعب الإنجليزي ليس راضياً عن وجود هذا الرجل على رأس جهاز السلطة التنفيذية في بريطانيا .
كان تشرشل في الحرب العالمية الثانية رمزاً للحلفاء جميعاً , ولم يكن قاصراً على إنجلترا وحدها , فقد كان الرجل يتمتع بثقة شعوب كثيرة , وكانت ألمانيا تهدف دائما الى تحطيم هذا الرمز و خلخلة الصورة التي اكتسبها تشرشل بين الحلفاء , ولم تكن الطرق المباشرة لتنجح في ذلك بطبيعة الحال , و لذلك كان على ألمانيا أن تلجأ لأساليب الحرب النفسية في مهاجمة تشرشل .
وقد إستغلت ألمانيا فرصة مقاطعة خطابه في مانشستر و التي قام بها أحد أفراد شعبه و قد كان هدف هذه المقاطعة بعيداً كل البعد عن الهدف الذي كانت تريد ألمانيا أن تضفيه عليه , ولكن براعة ألمانيا تكمن في إنتهاز الفرصة المناسبة فأذاعتها و رددتها عدداً من المرات لتضفي على المقاطعة صورة التمرد و العصيان و عدم الرضى لتقنع الرأي العام العالمي بأن تشرشل لم تعد له المكانة التي كان يتمتع بها من قبل و أن تصرفاته أصبحت مجالاً للطعن و المؤاخذة .
و ارادت ألمانيا أن تحبك هذه الخدعة من الحرب النفسية فأذاعت بعد ذلك بأنها ستوافي مستمعيها بآراء الإنجليز أنفسهم عن تشرشل لتكون أقوى أثراً على الرأي العام .
و هذا يبين بوضوح أن كثيراً من أساليب الدعاية المضادة يوجه الى رمز القوة في الشعب لزعزعة الثقة في الصورة التي تتكون لديهم عن هذا الرمز , فتكون هذه اللحظه هي الفرصة الذهبية لتحقيق الأهداف الهدامة .
24- أبـشـــروا بــالـنـصــــــــر
في يوم السبت الخامس عشر من شوال من السنة الثالثة من الهجرة احتدم القتال في(أُحد) بين جيش المسلمين و جيش المشركين الذي كان يقوده أبو سفيان بن حرب . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر خمسين من أمهر الرماة و على رأسهم الصحابي الجليل عبد الله بن جبير رضي الله عنه بحماية ظهور المسلمين على جبل أُحد و أمرهم بعدم ترك أماكنهم مهما كان الأمر .
و تمكن المسلمون في بداية الأمر من هزيمة المشركين الذين تبعثرت صفوفهم و أخذوا في الإنسحاب دون نظام . و ظن رماة المسلمين أن المعركة قد انتهت و أرادوا أن يشاركوا إخوانهم في الغنائم فخالفوا أمر النبي صلى الله عليه و سلم وانطلقو الى الى إخوانهم يغنمون معهم غنائم المشركين , ولم يبق في مكانه سوى عبد الله بن جبير في نفر دون العشرة من الصحابة رضوان الله عليهم.
و انتهز خالد بن الوليد قائد فرسان المشركين هذه الفرصة فاكتسح بفرسانه موقع الرماة , و اندفع الى ظهر جيش المسلمين الذي شغلته الغنائم , و سرعان ما تبعثرت صفوف المسلمين في الوقت الذي تجمع فيه جيش قريش و عاود الهجوم في شدة و عنف من كل اتجاه
وثبت رسول الله صلى الله عليه و سلم في قلة من أصحابه رضوان الله عليهم , وكانت السهام تأتيه من كل ناحية و وقع في حفرة حفرها أحد المشركين , و انتهز المشركون فرصة اضطراب صفوف المسلمين فقذفوه- صلى الله عليه وسلم- بالحجارة و أخذ الدم ينزف من الجراح التي أصابت وجهه الشريف . و استغل المشركون هذا الموقف السيء الذي واجهه الرسول صلى الله عليه وسلم فأطلقو بين الناس إشاعة خبيثة تقول (( الا إن محمد قد قتل .. )) فكان لها أسوء الأثر في نفوس المسلمين .الذين اعتقدو أن قائدهم قد قتل وأن الله قد تخلى عنهم فتزلزلت روحهم المعنوية , و انقسم المسلمون على أثر هذه الإشاعة الى طوائف مختلفة ففريق منهم ألقى ما بيده من السلاح و عاد الى المدينة منهزماً , و فريقاً آخر وضح نفاقه في هذه المحنة فقالوا للناس ((حيث قتل رسول الله إرجعو الى قومكم يؤمنوكم )) وبعضهم قال (( لو كان نبياً ما قتل , فارجعوا إلى دينكم الأول ))
وطائفة ثالثة ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعوه على الموت و اصطفوا حوله يصدون سهام المشركين بصدورهم ومضوا يشقون الطريق وسط صفوف قريش متجهين الى (( جبل أحد )) حتى وصل الرسول صلى الله عليه وسلم بسلام .
وفي وسط هذه المحنة التي واجهها المسلمون وهذه الحيرة التي إنتابتهم , إرتفع فجأة صوت كعب بن مالك رضي الله عنه يقول (( يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم )) .
فأقبل المسلمون على ندائه و قد تجددت عزائمهم بعد أن علموا بحياة قائدهم العظيم صلى الله عليه و سلم , و أيقنو أن إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت إرجافاً من المشركين لتثبيط عزائمهم , و غلت مراجل الحقد في صدور المشركين بعد أن أخفقت إشاعتهم الخبيثة فاندفعوا اليه ليقتلوه , ولكن صفوف المؤمنين كانت تحيط به يفدونه بأرواحهم , و حفظ الله رسوله صلى الله عليه وسلم , وباءت محاولات المشركين بالفشل .
وتجمعت صفوف المسلمين مرة أخرى حول الرسول وبايعه الجميع على الموت , وما أن أدرك المشركون ذلك حتى انصرفوا بخيلهم و رجالهم الى مكة وخشوا من خوض معركة أخى يفقدون فيها النصر الذي حازوه .
في هذه القصة إعتمد المشركون على الشائعة كوسيلة من وسائل الحرب النفسية لإضعاف الروح المعنوية للمسلمين و هم مدركون في هذا مدى الأثر البالغ لمثل هذه الشائعة في تماسك الجند و التفافهم حول رمز واحد لتحقيق هدف واحد , و إدخال فكرة أساسية في أذهانهم و هي أنهم لن يستطيعوا بذلك تحقيق النصر .
والدعاية الحربية تهدف الى أمور كثيرة أهمها العمل على إضعاف الروح المعنوية و محاولة تفكك وحدة القوة المحاربة و التشكيك في الهدف و إمكان الوصول إليه , ثم التشكيك في مقدرة الزعماء على قيادة العركة , أو في إخلاصهم في هذه العملية ,
ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة يمثل قائداً فحسب , و إنما كان يمثل رسالة وهدفاً وإيماناً كان المسلمون يضعون ثقتهم الكاملة فيه يأخذون عنه إيمانهم بالوحدة و القوة و يتلقون منه تعليماتهم و توجيهاتهم . و لهذا اعتمدت الشائعة على فكرة نبوته و أن النبوة تتعارض مع الهزيمة بقولهم (( لو كان نبياً ما قتل , فارجعوا إلى دينكم)) أي أن النبي الذي يساعده الله لنشر رسالته كان يجدر به الا يقتل في حرب تهدف الى نشر الرسالة وفي هذا بطبيعة الحال مغالطات منطقية كثيرة , ولكنها أثرت على النفوس التي إعتقدت أن الدين الجديد (الإسلام) لن يؤمنهم و أنه من الأفضل أن يرجعو الى دينهم الأول .
أما النفوس التي لم تؤثر فيها الشائعة , فقد التفوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم لحمايته و مثل هذه الفئة كعب بن مالك رضي الله عنه الذي كان لندائه (( يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم )) . أبلغ الأثر في نفوس المسلمين فقد أعاد هذا النداء الى الثقة و أدركوا أن رواية مقتله –صلى الله عليه وسلم – كانت شائعة كاذبة كان هدفها إضعاف الروح المعنوية .
25- الكتيب
في عام 1944 أصدرت قيادة الحلفاء كتيباً ألقت بالآلاف منه بالطائرات على معسكرات الألمان جنوب إيطاليا . و كان هذا الكتيب مطبوعاً باللغة الألمانية و يتضمن نقداً لثلاثة من كبار القادة الألمان تمس موضوعات شخصية تقلل من مكانتهم في نظر جنودهم و تجعلهم يفقدون الثقة بهم . وما أن قرأ الجنود هذه الكتيبات حتى شعروا بالإشمئزاز من سلوك قادتهم الثلاثة و ساد المعسكر كله جوا من التذمر و السخط .
وهنا اجتمع القادة الثلاثة وأصدرو كتيباً باللغة الإنجليزية أنكروا فيه كل التهم التي وجهت إليهم و وزعوه على جنود الحلفاء . وحين قرأ جنود الحلفاء هذا الرد و لم يكونوا قد عرفوا من قبل عن الكتيب الذي أصدرته قيادتهم عرفوا أن القادة الألمان ليسوا فوق مستوى الشبهات في سلوكهم , ولهذا فهم أضعف من أن يكونوا قادة يُخشى بأسهم.
كانت قيادة الحلفاء تتوقع أن هذا الموقف سيحدث و أنه لو حدث فستكون نتيجته فقدان ثقة الجندي الألماني في قادته و كشف جوانب ضعف هؤلاء القادة أمام جنود الحلفاء .
إن الهالة التي أحاطت بها ألمانيا قادتها جعلتهم يظهرون في مركز ممتاز , و فوق الشبهات لدى جنود الحلفاء والجنود الألمان أنفسهم , و لكن الكتيب الذي طبعه الحلفاء بالغة الألمانية قد أضعف من قوة هذه الهالة في نفوس الجنود الألمان أنفسهم ذلك لأن الكتيب قد تضمن طعناً في ثلاثة من القادة الأساسين في الجيش الألماني .
ولو إنتهت الدعاية الى هذا الحد لكانت دعاية عادية إلا أن الحلفاء كان لهم هدف أبعد بكثير , فقد كانوا يتوقعون أن يجتمع القادة الثلاثة و يصدرون تكذيباً لهذه الطعنات الموجهة في الكتيب الذي وزع في صفوف الجنود الألمان .
لقد وقع هؤلاء القادة في خطأ جسيم حين طبعوا التكذيب باللغة الإنجليزية , و وزع على الجنود الإنجليز فلم يكن هؤلاء الجنود على علم بما احتواه الكتيب الأول , و بذلك أصبح الكتيب الثاني دعاية موجهة ضد الألمان , ذلك لأن التكذيب قد فتح أذهان الجنود الإنجليز للطعنات التي وجهت ضد القادة الألمان وبذلك أصبحت دعاية الألمان مكملة لدعاية الحلفاء من تأكيد الطعن الذي لحق بمسلك القادة الألمان الثلاثة .
26- فرقع بصوت هائــل
في أيام الحملة الفرنسية على مصر دعا الفرنسيون الشيوخ و العلماء المصريين لزيارة المجمع العلمي الذي أنشأوه في القاهرة , و قاموا أمامهم ببعض التجارب الكميائية و الطبيعية ليبهروهم بتفوقهم العلمي . و وصف الجبرتي هذه الزيارة فقال :
((من أغرب ما رأيت في ذلك المكان أن بعض الموجودين أخذ زجاجة فيها ماء و صب منها قليلاً في كأس ثم صب عليه ماء من زجاجة أخرى فغلى ما في الكأس و تصاعد من دخان ملون حتى انقطع و جف ما في الكأس و صار حجراً أصفر قلبه أمامنا و أخذناه بأيدينا و نظرناه , ثم فعل ذلك بمياه أخرى فجمد حجراً أزرق , و بأخرى فجمد حجراً أحمراً ياقوتياً , و أخذ مرة قليلاً من غبار أبيض و وضعه على السندان و ضربه بلمطرقة بلطف فخرج له صوت هائل كصوت البندقية انزعجنا منه فضحكوا منا , وأخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة فغمسها في ماء قراح موضوع في صندوق من الخشب مصفح من الداخل بالرصاص و أدخل معها أخرى على غير هيئتها و أنزلهما في الماء و أصعدهما بحركة إنحبس الهواء في أحدهما و أتى آخر بفتيلة مشتعلة قربها من فم الزجاجة فخرج منها الهواء المحبوس و فرقع بصوت هائل . و لهم في هذا أمور و أحوال و تراكيب غريبة لا تسعها عقول أمثالنا )) .
و الذي قام به الفرنسيون من أعمال أمام المصريين هو في النهاية من صميم عمل الحرب النفسية التي تعتمد على إثارة الأنفعالات و إستغلال هذه الإثارة في عملية الإيحاء . فهي تقوم على إلغاء العقل و الإهتمام باجانب الإنفعالي من شخصية الإنسان , لأن العدو إذا إستطاع أن يتحكم في إنفعالات أفراد الشعب كان من السهل عليه بعد ذلك التأثير عليهم بأي نوع من أنواع الإيحاء .
و تطبيقا لهذه القاعده إستغل نابليون كبار علماء الثورة الفرنسية في إستخدام التفاعلات الكميائية العلمية لإستثارة دهشة أفراد الشعب و تعجبهم لما يحدث أمامهم يرونه و يسمعونه , فاستغل العلماء مثلاً تفاعل المواد الكميائية في إنتاج مواد جديدة ذات ألوان مختلفة و ما قد ينتج من هذه التفاعلات من أصوات غريبة , إستغل العلماء كل هذا في إستثارة دهشة الشعب المصري . و في هذا بطبيعة الحال إقناع ضمني على مقدرة الفرنسيين في التحكم في الظواهر و إحداث المعجزات , و قد ساعد على ذلك تأخر المصريين في ذلك الوقت في هذه الفنون والعلوم نسبياً , كما في ذلك إشعار المصريين بضعفهم إزاء تلك القوة الخارقة التي أظهرها الفرنسيون على هذا النحو .
و اليوم تشهد موقفاً قريباً من هذا , أثر التقدم التكنولوجي في فن الدعاية و التأثير و إستخدام كل ذلك بأسلوب من أساليب الحرب النفسية . هذا التقدم لا ينبغي التقليل من أهميته , فكل دولة تسعى في الوقت الحاضر لأن يكون لها نصيبها الموفور في هذا المجال . و لكن الذي يحدث كثيراً أن الإيمان بالرسالة و الثقة في أحقية الهدف , و ثقة الشعب بنفسه و قادته كثيراً ما تغطي الفرق في هذا التقدم التكنولوجي .
27- حرب الكراهية
حاولت ألمانيا في بداية سنوات الحرب العالمية الثانية أن توقع العداوة و الكراهية بين شعوب الحلفاء , فأخذت تذيع عبر إذاعتها الموجهة لبريطانيا أن الشعب الفرنسي شعب منحل لا يعير أدنى إهتماماً للقيم الأخلاقية , و أن الإعتماد عليه ضرب من الخطأ و سوء التقدير , ثم أخذت تروج من ناحية أخرى بين الشعب الفرنسي عن طريق إذاعتها الموجهة الى فرنسا أن بريطانيا لن تحاول التضحية بجنودها من أجل مساعدة حليفتها فرنسا في حربها مع الألمان و أن المسئولين الإنجليز يرفعون شعار (( على بريطانيا أن تحارب الى آخر جندي فرنسي ))
ثم راحت تذيع على الشعب الأمريكي عن طريق إذاعتها الموجهة الى غرب المحيط أن ضعف بريطانيا و عدم قدرتها على إستمرار الحرب أمام القوة الألمانية سيلقي بالمسئولية على الشعب الأمريكي , وعلى أمريكا أن تدرك أنها قد أقدمت على أخطر خطوة حين أقدمت على التحالف مع دولة ضعيفة مثل بريطانيا دون أن تكون لها مصلحة واضحة في هذه الحرب . وتختم الإذاعة الألمانية حديثها للأمريكيين قائلة (( أيها الشعب الأمريكي لا زالت الفرصة أمامك لإنقاذ مستقبلك من الدمار )) وكانت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية تدرك بحق أن قوة الحلفاء في تكتلهم و اتحادهم . فبالرغم من قوة ألمانيا التي بدأت بها الحرب العالمية الثانية إلا أن تكتل الحلفاء وحدة واحدة تتكون من أمريكا و إنجلترا و فرنسا ثم روسيا كان يقض مضجع الألمان و يخيفهم . و كان من الطبيعي أن يركن الألمان الى تفتيت هذه الوحدة , و لا يكون ذلك إلا عن طريق إيجاد تضارب بين القوى المتحدة في صفوف الحلفاء .
وقد بنت ألمانيا جهودها في ذلك على دراسة لنفسية الشعوب في هذه الدول الثلاثة , كما درست ما يطرأ على نفوسهم من مخاوف وما يتردد على ألسنة بعضهم من اقوال و أرادت أن تنفذ من هذه الفجوات لتحدث تأثيرها في إيقاع هذه الأقطار بعضها ببعض . و معنى هذا أن الحرب النفسية لا تبدأ من فراغ بل تحتاج الى جهود متصلة .وقد إنتهت من دراستها لـنفسية هذه الشعوب إلى أن الشعب الإنجليزي يهتم بالتقاليد والمباديء , و إستطاعت أن تنفذ من ذلك لتوقع بين الشعب الإنجليزي و الفرنسي . لان الشعب الفرنسي وما يعرف عنه يصلح لأن يكون طُعماً يُستغل فيه هذا الأسلوب . فأشاعت على الشعب الإنجليزي بأن الشعب الفرنسي شعب منحل عديم الخلق و المباديء , ومن ثَمُّ فهو غير جدير بالمساعدة والتضحية . و أرادت أن توجه دعاية مضادة على الشعب الفرنسي لينفض يده من يد إنجلترا فلم تجد أوفق من فكرة الإستغلال , فأذاعت بأن الجيش الإنجليزي يستغل الجيش الفرنسي و أنه يضحي به في سبيل حصوله على النصر الذي يريده .
وقد بذلت نفس هذا الجهد لتوقع بين الجيش الإنجليزي و الأمريكي فاستخدمت فكرة ضعف إنجلترا , و أشعرهم بأنهم قد أقدموا على معركة خاسرة حين تحالفوا مع الإنجليز .
28- بَــــــــــرادوك
خلال الحرب العالمية الثانية أسقط الحلفاء بالطائرات من أربعة الى خمسة ملايين لفافة من المتفجرات الحارقة الزمنية القوية ذات الحجم الصغير على مناطق في ألمانيا و النمسا حيث كان يتجمع العمال الأجانب , و كانت كل كل رابطة من المواد المتفجرة تتضمن كارت تعليمات يصف طريقة الإستعمال و مكتوباً بتسع لغات . و سميت هذه العملية (( برادوك )) وكان هدف الحلفاء :
* الإستفادة بأكبر قدر ممكن من أعمال التخريب الفعلية التي يقوم بها العمال الأجانب
* زيادة خطر ملايين العمال الأجانب في ألمانيا على أجهزة الأمن الداخلي الألماني
* تحطيم أعصاب قوى الأمن الألماني الى أقصى درجة ممكنة
و في هذه العملية يتضح كيف يستطيع العدو أن يستغل نقطة الضعف في عدوه , و يَنفذ من خلال الفجوات و المناطق ضعيفة المقاومة .
فوطنية الألمان أنفسهم سواء في قطاع العمال أو في غيره من القطاعات كانت مشهوداً لها بالقوة و ولائهم لزعمائهم كان أمراً مفروغاً منه , ولم يجد الحلفاء جانباً من الضعف يمكن إستغلاله إلا العمال الأجانب , ولم تكن تربطهم بألمانيا تلك العاطفة القوية التي يشعر بها الألمان لألمانيا
وكان الحلفاء يدركون ما بنفوس هؤلاء العمال من ضعف وإكراه وما يحملون في أنفسهم من ميل للتمرد و المقاومة للألمان , كما كانوا يدركون أن هؤلاء العمال كانت تنقصهم أدواد العدوان و التخريب التي لم تكن بطبيعة الحال تصل الى أيديهم .
كل هذه الحقائق أدركها الحلفاء و كان هذا الإدراك جزءا هاماً في هذه الحرب النفسية , لأنهم إستغلوها خير إستغلال .
فإلقاء عدة ملايين من الفائف المحتوية على المتفجرات الحارقة الزمنية ذات الحجم الصغير يتيح لمن لديه الرغبة في العدوان فرصة تحقيقها , فصغر الحجم يساعد على الإختفاء و هذا يجعل من الصعب إكتشافها , كما أن المتفجرات الزمنية يسهل إستخدامها ! و لكن الحلفاء لم يتركوا أمر إستخدامها للصدفة أو الخبرة , بل كتبوا طريقة إستخدامها بأغلب لغات العالم لأنهم يدركون أن هؤلاء العمال يتكلمون خليطاً من اللغات .
والواقع أن الحلفاء قد لمسوا بذلك سلاح جباراً من أسلحة الحرب النفسية و هو إستخدام هذا العدد الهائل ممن لا يدينون بالولاء و الوطنية شأنهم في ذلك شأن الجنود المرتزقة الذين يسهل التأثير عليهم و توجيههم الوجهة التي يريدها العدو .
29- روايـــة الإفـــــــــك
بعد أن أتم الرسول صلى الله عليه وسلم إخضاع بني المصطلق , أمر رجاله بالعودة الى المدينة , وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها قد رافقت الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة , وكانت نحيفة خفيفة فكانوا إذا جائوا بالهودج الى بابها خرجت إليه فأخذه الرجال وشدوه الى البعير وهم لا يكادون يشعرون بها لخفة وزنها . ولمَّا إقترب الركب من المدينة نزل منزلاً بات به بعض الليل ثم أ ذِّن في الناس بالرحيل . وكانت أم المؤمنين عائشة قد خرجت من خيمة النبي صلى الله عليه و سلم لبعض حاجتها و الهودج موضوع أمام الخيمة في إنتظار دخولها فيه , و كان لعائشة عقد قد إنسل من عنقها و هي تقضي حاجتها فلما قامت عائدة الى الرحيل التمست العقد فلم تجده فرجعت أدراجها تبحث عنه . ولمَّا رجعت الى المعسكر لتستقل هودجها فإذا بالقوم قد شدوه الى ظهر البعير وهم يحسبونها فيه و ارتحلو في إتجاه المدينة , ولم يساور السيدة عائشة الخوف لعلمها أن القوم إذ إفتقدوها فلم يجدوها رجعوا إليها . فالتفت في جلبابها و انتظرت عودة الباحث عنها , و أنها في إنتظارها إذ مر بها صفوان بن المعطل السلمي وكان تخلف عن المعسكر لبعض حاجته , فلما بصر بها على هذا الحال تراجع دهشاً و قال ((ظعينة رسول الله , ما خلفك رحمك الله؟ فلم تجبه فقرب بعيره منها و إستأخر عنه)) و قال: ((إركبي فركبت وانطلق بالبعير سريعاً يطلب القافلة فلم يدركاها , ودخل صفوان المدينة في وضح النهار بأعين الناس , و عائشة على ظهر بعيره حتى وصلت الى منزلها )) .
وبدأ الناس يتهامسون ! ما بال عائشة قد تأخرت عن المعسكر و جاءت مع صفوان على بعيره , و صفوان شاب وسيم الطلعة مكتمل الشباب؟ وانتهز عبد الله بن أبي زعيم المنافقين في المدينة الفرصة فأخذ يذيع هذه الشائعة الخبيثة التي تتهم أم المؤمنين عائشة في عرضها و التي أخذت تنتشر بسرعة في كل مكان بالمدينة , و الناس بين مصدق و مكذب حتى كاد الأمر يؤدي الى فتنة في عاصمة الرسول صلى الله عليه و سلم .
و بلغت هذه الأخبار محمداً صلى الله عليه و سلم ولم يُبلغ السيدة عائشة و إن أنكرت من زوجها جفاء لم تعرفه عنه , و لمَّا إشتد عليها المرض طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم السماح لها بالانتقال الى دار أبيها أبي بكر رضي الله عنه لتقوم أمها بتمريضها .. و انتهى الخبر آخر الأمر الى أم المؤمنين عائشة , فلمَّا عرفته كاد يُغشى عليها من هوله و انطلقت تبكي حتى شعرت كأن كبدها تتصدع , ودخل النبي صلى الله عليه و سلم و عندها أبوها و قد إشتد حزنها لِما رأته من ريبة زوجها بها . و لمَّا طلب منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتوب إلى الله إن كانت قد إقترفت سوءاً , أجابته و هي تبكي بحرقة : و الله إني أعلم أنك أقررت بما يقول الناس و الله يعلم بأني بريئة
إنما أنا كما يقول أبو يوسف
((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ))
ولم يبرح النبي صلى الله عليه و سلم مجلسه حتى جاءه الوحي و لمَّا سرى عنه جعل يمسح عن جبينه و يقول :
(( أبشري يا عائشة قد أنزل الله براءتك)) قالت عائشة الحمد لله
و خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى المسجد فألقى على المسلمين هذه الآيات الكريمة ومنها قوله تعالى في سورة النور
((إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) )) .
في هذه القصة إيضاح لفكرة أساسية تبين كيف يستطيع العدو أن يَنفُذَ من نقطة في المجتمع الذي يوجه إليه الحرب النفسية .. فالعِرض لدى العرب دائماً هو المظهر الهام من مظاهر الحياة , والطعنة في العرض من أقوى أنواع الطعنات و من الطبيعي أن يكون أثرها أضعاف تماسك الجماعة التي توجه إليه مثل هذه الدعاية .
ففي هذه القصة شكك العدو في سلوك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و شكك في أخلاقها و طعن المسلمين بذلك في عرضهم .
و قد بلغ من هول الشائعة و اتصالها القوي بحياة العرب , أن بدأ يصدقها حتى المسلمين , إلى أن نزل الوحي يبرأها و يزيل عنها أثر هذه الشائعة .
كما أن في شائعة الإفك مظهر آخر و هو أن العدو الماهر هو الذي يستطيع أن يشكك أفراد الجماعة في قائدهم و زعيمهم .
والقائد والزعيم هنا يتمثل في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم و أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها , وكان إرتباطها بشخصية الرسول صلى الله عليه و سلم هو الهدف من هذه الشائعة . لأن الشائعة لو تناولت شخصاً آخر يرتبط بغير شخصية الرسول صلى الله عليه و سلم نفسه لما كان لها من أثر .
وهناك هدف آخر يضاف الى أهداف هذه الشائعة الخبيثة و هو محاولة زلزلة الصورة التي أخذتها عائشة بخروجها مع النبي صلى الله عليه وسلم في معركة حربية . تلك الصورة البطولية الرائعة التي تزيد من تماسك قوى جيش المسلمين , و إندفاعهم لتحقيق رسالتهم , و كأن الشائعة تقول (( هذه عائشة التي تدعي البطولة بينكم )) و لكن أراد الله تكذيب هذه الشائعة بطريقة قاطعة عن طريق الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم .
30- مـواطـن الـضـعـف
في اليوم الخامس من شهر ديسمبر عام 1942 طبعت الحكومة الألمانية سراً صورة طبق الأصل من صحيفة ((واشنجتون بوست )) الأمريكية واسعة الإنتشار زيفتها بطريقة محكمة و دقيقة لدرجة يصعب معها على أي أمريكي يواظب على قراءة هذه الصحيفة أن يكتشف هذا التزيف و التقليد . ثم هربت الآلاف منها الى معسكرات جنود الحلفاء داخل القواعد الأوربية بطريقة غاية في التمويه عن طريق جواسيسهم .
وفي هذا العدد نشرت الحكومة الألمانية الى جانب المواد العادية مقالاً ذيلته بتوقيع كاتب أمريكي معروف , يتضمن نقداً للشعب الألماني يجعل شعوب الحلفاء يتعاطفون معه لأنه يجعلهم في صورة الشعب المغلوب على أمره .
ثم تناول المقال بعد ذلك مواطن الضعف في قوات الحلفاء و بالغ فيها . وهذا هو جانب الخطورة في المقال , لأنه تحدث عن هذه الجوانب و كأنها خلل لا يمكن تداوله , الأمر الذي كاد أن يشيع اليأس في نفوس الجنود الذين كانوا يحاربون حتى ذلك الوقت بروح معنوية عالية , و الذين لم تكن لديهم فكرة حول مواطن الضعف التي تحدث عنها المقال و التي لم تكن أبداً على هذا المستوى من المبالغة والتهويل التي صورها به .
يُستخدم هذا الأسلوب كثيراً في الحرب النفسية . فالألمان حين يطبعون سراً مجلة أمريكية شهيرة هي ((واشنجتون بوست )) , ويقلدونها تقليداً محكماً إنما يريدون بذلك أن يجعلوا دعايتهم تأتي من أفواه الأمريكيين أنفسهم , و بذلك تكون أقرب للتصديق , و أقل مقاومة . ذلك لأن كلاً منا لا يقاوم الأخبار أو الأفكار التي يقرأها في مجلات بلاده بقدر ما يقاوم الأخبار أو الأفكار التي يقرأها في مجلة عادية .
و قد نجح الألمان في عملية التقليد هذه الى حد بعيد لدرجة جعلت من الصعب على الأمريكيين تمييزها . كما أن النجاح الثاني يتمثل في تهريب هذه المجلة بأعداد ضخمة الى المعسكرات الأمريكية . لأن هذا النجاح يضفي على السلطات الألمانية براعة أخرى الى براعة تقليد المجلة ذاتها .
و بذلك إستطاع الألمان بهذه الخطة المحكمة البارعة إضعاف الروح المعنوية في نفوس الحلفاء بطريقة فنية ماكرة .
31 – الـبـالـونـات
إبتداء من آخر ابريل حتى أوائل خريف 1954 أُسقطت على الأراضي التشيكية ما يزيد على مائة الف بالونة مصنوعة من مطاط النيوبرين المملؤة بالهيدروجين و يستطيع كل منها حمل ثقل وزنه 3 أرطال وبذلك أُسقط بين الشعب التشيكوسلوفاكي حوالي خمسين مليون من النشرات و الإعلانات و بطاقات الإنتخابات و الصحف المضادة لنظام الحكم .
و في نفس الوقت , أذاعت أجهزة راديو أوروبا الحرة القائمة في ميونخ بيانات تفسيرية لشعب تشيكوسلوفاكيا عن هذه النشرات و البطاقات , وقد دل ذلك على بداية جهد مستمر يستهدف التأثير على الأوضاع الداخلية في تشيكوسلوفاكيا .
كانت النشرات و البطاقات عبارة عن إعلانات صغيرة الحجم يمكن إخفاؤها في راحة اليد , و هي تتناول ما أسموه بالمطالب العشرة للمعارضة الشعبية , وجاء فيها
(( إن البطاقة الإنتخابية للمعارضة الشعبية في تشيكوسلوفاكيا لا تخص صناديق الإنتخابات الحكومية بل تخص أيدي المواطنين الذين سيستخدمونها كل بحسب إمكانياته كدليل على تضامن الشعب , و كجزء أول من البرنامج التدريبي ضد النظام و أن تحقيق هذه المطالب العشرة سوف يشكل مرحلة تاريخية على الطريق نحو تشيكوسلوفاكيا الحرة في أوروبا المتحدة ))
وقد أدرك مخططوا هذه الدعاية أولاً أثر الكلمة المطبوعة على المعتقدات و على تغيير الرأي العام و التأثير عليه ..
والكلمة المقروءة لها أثر يفوق أثر الكلمة المسموعة لدوام أثرها . فالورقة التي تحوي أفكاراً معينة مطبوعة تكون أطول بقاءاً و يمكن ترديدها و تبادلها بسرعة محققة أكبر الأثر في إتجاه التفكير المُعتَقَد .
و لهذا اُستخدمت البالونات مع تعزيزها بإذاعات راديو أوروبا الحرة حتى يكون لها أثر مضاعف .
و بفحص هذه النشرات والبطاقات نجدها إعلانات صغيرة الحجم يمكن إخفاءها في راحة اليد مما يساعد على سهولة الإخفاء و قراءة الإعلان في أمان . كما أن وضعها في بالونات عامل يثير الدهشة , و يجذب الإنتباه و الحماس في الإستحواذ على الإعلانات الصغيرة . و بالنسبة لمضمون هذه النشرات و البطاقات نجد أنها تمس مشكلات أساسية في حياة أفراد الشعوب
32- الـهـزيـمـة قـبـل الـمـعـركـة
بعد سلسلة طويلة من المعارك بين المسلمين و الفرس تأهب الجيشان للمعركة الفاصلة التي قدر لها أن تدور في ساحة القادسية وهي مدينة تقع جنوبي العراق .
كان الجيش المسلم بقيادة سعد بن أبى وقاص الصحابي الجليل و البطل القرشي رضي الله عنه و الذي طالما جاهد مع النبي صلى الله عنه وسلم في غزواته وقاتل دونه قتال الأبطال , و كان واثقاً في قوة جيشه و في النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين .
أما الفرس فقد دعا عاهلهم ((يزدجرد)) أعظم قادته (( رستم )) لتولي قيادة الجيش الكبير الذي كان يحتشد في المدائن و قبل رستم هذا التعيين على مضض فقد هزته إنتصارات المسلمين و ملأ قلبه خوفاً ما سمعه عن إيمانهم و تكالبهم على الموت , و خشى من هزيمة يكون فيها القضاء على سمعته الحربية . فأخذ يلتمس المعاذير للتهرب من هذا المنصب و البقاء في المدائن , و لمَّا أصر يزدجرد على توليته قبل على مضض , و تقدم أخيراً بجيشه الذي بلغ مائة و عشرين ألف مقاتل ليواجه الجيش المسلم الذي لم يزد على إلا قليلاً على الثلاثين ألف مقاتل .
و بالرغم من تفوق الجيش الفارسي بنسبة 4 الى 1 على جيش المسلمين , وبالرغم من تفوق الفرس في المعدات و احتواء الجيش على عدد كبير من الأفيال , فقد ظل قائده رستم مخلوعاً يحاول عبثاً إقناع يزدجرد لإعفاءه من منصبه , فلما أدركه اليأس , أخذ يتلكأ في التقدم عسى أن يمل المسلمين من وقفتهم فينصرفون دون قتال .
قال المارشال نوش
(( إن المعركة التي ينتصر فيها القائد هي المعركة التي لا يعترف فيها لنفسه أنه قد هزم))
و إذا طبقنا الرأي على معركة القادسية لأدركنا أن هزيمة الفرس حدثت قبل أن تبدأ المعركة, لأن قائدهم رستم أدرك في قرارة نفسه أنه سائر نحو الهزيمة .
و أخيراً سار رستم متباطئاً و متخاذلاً الى الحيرة ومنها الى النجف تجاه القادسية , حيث ضرب معسكره , وزاد الطين بلة أن رستم بدأ يرى أحلاماً مزعجة في منامه فتارة يرى الملائكة تقاتله و تارة يراها تختطف أسلحة الفرس و تختم عليها في أعماق المخازن , ولم يكد يصل تجاه القادسية و يرى خلال إستطلاعه معسكر المسلمين و ما هم عليه من قوة و بأس حتى إنهارت شجاعته , و بدلاً من إشتباكه في الحال بمقدمة المسلمين التي كانت سراياها تجول و تصول أمام معسكره , إذا به يكتب الى سعد بن أبي وقاص ليبعث له بعض أصحابه ليتحدث في الصلح . و لمَّا فشلت محاولات الصلح بعد أن حاول رستم عبثاّ إقناع المسلمين بالتنازل عن مطالبهم , أدركه اليأس ولم يجد رستم مفراً من القتال , فهزم شر هزيمة في معركة القادسية ,و أصبح الطريق من بعدها مفتوحاً أمام المسلمين الى المدائن عاصمة الفرس .
وانتصرت قصة الصراع بين الإيمان بالرسالة و بين الإعتماد على القوة المادية فقط , فقائد الجيش المسلم سعد بن أبي وقاص يقاتل بدافع الإيمان بالرسالة , وبثقة كبيره بأن النصر حليفه لأنه يجاهد في سبيل الله و أن الله وعد النصر عباده المؤمنين . بينما كان الدافع ضعيفاً أو يكاد يكون منعدماً لدى قائد الفرس . الذي كان يدرك إقتقارجنوده الى مثل هذه القوة الداخلية عند المسلمين .
وكان رستم حكيماً في إدراكه بأن الإيمان بالهدف يتفوق كثيراً على الخبرة الحربية و القوة المادية , و لهذا طلب الصلح و لم ينجح , وكانت النتيجة هزيمة الفرس .
33 – إحتلال جزيرة كريسماس
في أوائل عام 1942 كانت قيادة الحلفاء تدرك عدم أهمية جزيرة كريسماس . و تركت اليابانيين يحتلونها ضناً بجهد يجب أن يوفر الى معركة حاسمة أخرى . وقد نجحوا في ذلك الى حد بعيد .
و لكن اليابانيون إستغلوا الفرصة و أخذت الإذاعة اليابانية تذيع أخبار و تعليقات عديدة عن جزيرة كريسماس باللغتين اليابانية و الإنجليزية بإعتبارها جزيرة ذات أهمية هائلة من حيث الموقع الإستراتيجي البحري . ولم تكن هذه الجزيرة في الواقع على هذه الدرجة من الأهمية الإستراتيجية كما صورتها الإذاعة اليابانية يومذاك , و
لكن المسئولين اليابانين أرادوا بهذا الإسلوب من التركيز على أهمية الجزيرة إشاعة الفزع أولاً في نفوس جنود الحلفاء و إشعارهم بأن الجيش الياباني قادر في أي وقت على إحتلال أي جزء تابع لعدوه ,كما أن المسئولين اليابانيين ثانياً كانوا يهدفون من وراء هذه العملية الى إدخال الثقة في نفوس أبناء الشعب الياباني بمقدرة جيشهم على تحدي قوات أعدائهم و الإستيلاء على أي موقع يريدون الإستيلاء عليه .
و للحرب النفسية هدفان أساسيان هما : رفع الروح المعنوية للشعب و إضعاف الروح المعنوية للعدو بما في ذلك قواته المسلحة .
ومن هذه الأساليب القيام بأعمال صغيرة لا تكلف كثيراً من الجهد أو الأرواح أو الوقت , ولكنها تظهر الجيش بمظهر من أحرز نصراً كبيراً له أهمية خاصة , فتموه بذلك على أفراد الشعب و الشعوب الموالية و تضع نفسها في موقف المنتصر الذي يستطيع أن يحقق أهدافه بسهولة , و يستولي على ما يستطيع إذا أراد . كما يموه على أفراد الجيش المعادي فيقلل من روحهم المعنوية و يزعزع ثقتهم بقواتهم و بقدراتهم على النصر و تحقيق الهدف و الرسالة التي يحاربون من أجلها , وقد إستخدمت القوات اليابانية هذا الأسلوب البارع بتوجيه دعاية كافية لهذه الجزيرة التافهة , و إستطاعت بهذا العمل الضئيل رفع الروح المعنوية لدى اليابانيين , و خفضها لدى شعوب الحلفاء , و استطاعت بدعايتها أن تضفي على هذا العمل مسحة البطولة و القوة .
و لو راجعنا أساليب التلفيق و الخداع التي يقوم بها الإسرائيليون في الوقت الحاضر لشاهدنا نماذج من هذا القبيل , فمحاولة القوات الإسرائيلية الإستيلاء على الجزيرة الخضراء التي باءت بالفشل الذريع تشابه الى حد كبير هذا الأسلوب من الخداع الذي دأبت إسرائيل على التأثير به على الإسرائيليين , ولكنها لم تنجح به في التأثير على الشعب المسلم بحكم ما لديه من وعي و إيمان
34 –الجنرال مـيـنـو
وجد الجنرال جاك مينو أن أفضل طريقة يأمن بها مقاومة المصريين للإحتلال الفرنسي هي أن يعتنق الإسلام فعلاً و يتزوج بسيدة مصرية , و وقع إختياره على واحد من العلماء ليصاهره و هو الشيخ الجارم و لكن الشيخ لم يرض بأن يكون اداة يستغلها المستعمر لتخدير الشعب , و كانت له إبنتان فأسرع بتزويجهما بإثنين من المصريين قبل أن يفاتحه الجنرال رسمياً . و واصل الجنرال خطته حتى إستطاع أن يتزوج بسيدة مطلقة اسمها (( زبيدة )) من أهالي رشيد . و في 2 مارس سنة 1799 أشهر إسلامه رسمياً (( بحضور كل من نقيب الأشراف و مفتي الشافعية و مفتي المالكية و مفتي المذهب الحنبلي في رشيد )) و تَسَمى منذ هذه اللحظة بــ إسم عبدالله باشا مينو .
و بعد فترة إغتال البطل الشجاع سليمان الحلبي الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية , وعين الجنرال مينو بدلاً منه . و بالغ في خداع المصريين فسمى إبنه من زوجته زبيدة بـ إسم سليمان , وكان يصلي التراويح في رمضان في المساجد . ولكن كل هذا لم يؤثر على المقاومة التي استمرت مشتعلة في كل مكان , حتى انتهت بخروج الفرنسيين من مصر . و لقد دفعت السيدة زبيدة ثمنا غالياً لزواجها من مينو فقد هجرها في إحدى مواني ايطاليا بعد خروجه من مصر و تركها هناك فريسة للفقر و المرض حتى ماتت .
و كثير من أساليب الحرب النفسية تعتمد على تكوين علاقات إنفعالية حميمة بين العدو و أفراد الشعب المعادي , و يلجأ العدو الى التظاهر بالتعاطف و الإهتمام باتجاهات الشعب المعادي , واحترام مبادئهم و عاداتهم و تقاليدهم . و العدو في هذه الحالات من التظاهر يعتمد على خاصية لدى الإنسان . وهي المشاركة الوجدانية , و هي طبيعة لم تكتسب . فنحن نميل لإظهار الود لمن نشعر أنهم يكنون لنا نفس المشاعر و يظهرون لنا نفس اللإنفعالات .
و في التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك فلقد أعلن هتلر في الحرب العالمية الثانية أن إسمه هو الحاج محمد هتلر , و كأنه قد إعتنق الإسلام و أكمل أركانه الى آخرها , وفي ذلك تظاهر باحترام الدين الإسلامي و الشعوب التي تعتنقه تقرباً لهم و تعاطفاً معهم , و الهدف من ذلك أن تذوب مقاومة الشعوب الإسلامية له و يتقبلونه على أنه ناصر لدينهم و مبادئهم .
35 – الـكـسـاد
لم يكد المهاجرون المسلمون يستقرون في يثرب تسودهم روح الإخاء و المحبة و التعاون مع إخوانهم من الأنصار الذين أسلموا , حتى تفجرت دوافع الحقد في نفوس اليهود الذين كانوا يستوطنون هذه المدينة , فراحوا يوغرون صدور أهل يثرب على الرسول و المهاجرين معه بإستخدام شائعة خبيثة تعمدوا فيها أن تكون ذات أثر على جانب حيوي في حياتهم .
ذلك أن كثير من أهل يثرب يشتغل بالتجارة و كانت لهم علاقات إقتصادية قوية مع تجار مكة , بل أنهم كانو يستفيدون كثيراً من حماية قوافل قريش أثناء مرورها بصحراء يثرب و هي في طريقها الى الشام أو عائدة منها .
و رأى اليهود في التلويح بخطورة الأوضاع الإقتصادية التي ستواجه تجار يثرب فرصة لتأليبهم على الرسول و المهاجرين , وكان هذا موقفاً تم الإتفاق عليه سراً بين زعماء قريش و قادة اليهود في المدينة و تحرك اليهود يروجون هذه الشائعة الخطيرة
(( إن قريش ستلجأ الى أسلوب المقاطعة الإقتصادية مع المدينة و من ثَم تتعرض تجارتها للكساد , و ستعدل قريش أيضاً عن الطريق الذي كانت تسلكه لأنها لم تعد تأمن على قوافلها من إعتداء محمد و أتباعه عليها منذ أن حل بالمدينة ))
وكاد كثير من تجار المدينة أن يتأثر بهذه الشائعة و أن يقع فريسة لها خاصة وأن منهم من لم يدخل في الإسلام بعد , لولا أن بعض العقلاء من تجار المدينه أنفسهم تنبه الى هذا الأسلوب الخبيث من الإشاعات المغرضة التي كان اليهود يهدفون من ورائها الى تأليب أهل المدينة على الإسلام و المسلمين .
في هذه القصة نلاحظ استخدام الحرب النفسية بأساليب مختلفة . فقد استخدم اليهود وسيلة الشائعات بهدف تقسيم وحدة المسلمين في المدينة بل و تأليب غير المسلمين على المهاجرين من المسلمين .
و قد استخدم اليهود الجانب الإقتصادي مادة للشائعة , وهو جانب له أثره و أهميته لأهالي المدينة التي يعيش كثير من أهلها على التجارة .
و بذلك كان للشائعة قوتها التي تساعد على إنتشارها و تساعد على الإهتمام بها لولا يقظة المسلمين و إيمانهم و تعرفهم على أساليب أعدائهم من اليهود و المشركين .
36 – معركة نهر المــــارن
في عام 1914 توغل الألمان في فرنسا ولم يتمكن الحلفاء من إيقاف تقدمهم إلا عند نهر ( المارن ) بالقرب من باريس و كانت المعركة محتدمة بينهم و الحلفاء الذين تقهقروا مسافات طويلة أوهنت قواهم .
و قبل المعركة الحاسمة بأسبوعين وصلت الى سمع الألمان شائعة مفادها أن جنوداً روس شوهدوا في إنجلترا , فخاف الألمان أن يكون ذلك مقدمة لنزولهم في بلجيكا ليقطعوا خطوط مواصلات الجيش الألماني فيصاب بكارثة و لذلك خصصوا فرقتين لحراسة الساحل البلجيكي .
وكان هذا أحد العوامل التي ساعدت الحلفاء على كسب المعركة و هزيمة الجيش الألماني الذي كان يتوقع إشتراك الجيش الروسي مع الجيش الإنجليزي ضدهم .
و حقيقة الشائعة هي أن قطاراً مليئاً بجنود (الهايلاندرز) و قف في محطة بجنوب إنجلترا فدهش أحد الحمالين و سألهم عن المكان الذي جاءوا منه فأجاب أحدهم جئنا من ( روسشاير) . فالتبس الأمر على الحمال و ظنه يقصد روسيا و روج الشائعة حتى وصلت الى سمع الألمان فكان أن اتخذت قيادة الجيش الألماني قرارها بتخصيص فرقتين لحراسة الساحل البلجيكي و بذلك خسرت المعركة .
و في هذه القصة يتضح لنا كيف تنتقل الشائعة من فم الى فم , ومدى ما يحدث بها من تحريف يبعدها تدريجياً عن الحقيقة . فجنود الهايلاندرز عندما وقف بهم القطار جنوب إنجلترا لم يسمع الحمال عن مكان مجيئهم جيداً أو ربما إختلط عليه الأمر حين ظن أنه روسيا بدلاً من روسشاير , وسواء كان هذا او ذاك فإنه ناتج عن حالة التوتر النفسي التي كان يعانيها الشعب الإنجليز في ذلك الوقت .
كما أن الحمال وجد في هذا التحريف ما يتمشى مع رغبة الشعب الإنجليزي في المعاونة , كما وجد فيها أيضاً ما يضفي على الخبر الذي سمعه وردده أهمية تجعله موضع الإهتمام من كل من يسمع الخبر .
و لذلك انتشرت الشائعة حتى وصلت الى الألمان فصدقوها , واتخذوا قرارهم بتخصيص فرقتين لحراسة الساحل البلجيكي مما أضعف قوتهم .
37 – كـوبـون للغــداء
في الحرب العالمية أستخدمت القوات الأمريكية و سيلة تجعل الجنود الألمان ينقضون الأوامر و يحتفظون بالنشرات التي يسقطونها . فقاموا بوضع كوبون داخل النشرات , وكان هذا الكوبون بمثابة جواز مرور عبرخطوط القتال للجندي الذي يعتزم الإستسلام , كما تضمن أيضاً بيان عن وجبات الغداء التي تصرف للجندي الأمريكي و وعد لأسرى الحرب بنفس مقادير الغداء . و لمَّا كان معظم الجنود الألمان في ذلك الوقت مجهدين و يقاسون الجوع لقلة الأغذية فقد إحتفظوا بهذه الكوبونات بأمل استخدامها .
و تظهر مهارة الحرب النفسية الأمريكية الموجهة ضد الألمان أن الأمريكيين لم يكتفو بإلقاء النشرات المثبطة لهمم الجنود الألمان و إضعاف فكرة التضحية و الفداء في نفوسهم فحسب , و لكنهم درسوا أيضا نفسيات الجنود الألمان في هذه الفترة و انتهزوا فرصة الوقت الذي بدأ فيه الجيش الألماني يضيق ذرعاً بالحرب , وقاموا بتمهيد السبيل لهم للتخلص من كل ذلك وفي هذا الإجراء أمران هامان :
أولهما : دراسة شاملة لنفسية جنود العدو
و الأخرى : توقيت دقيق لتوجيه الدعاية و الحرب النفسية .
هذا الإجراء لو تم قبل ذلك لما وجد نجاحاً و لكنه أتى في الوقت المناسب كما أن وضع الكوبون داخل النشرات يساعد على الرواج والتداول ، لأنه منح كل جندي شعوراً بأنه يستطيع أن يتخلص من جميع ما يلقاه من مضايقات و ضغوط إذا حصل على منشور داخله كوبون .
و كأن الدعاية الأمريكية تريد أن تقول للجندي الألماني
(( أنت سيء الحظ ما دمت في جانب الألمان و ستلقى الخير العميم إذا انتقلت الى حالة أسرى حرب )) .
38 – وســـيلة ســــهلة
(( إننا نستهلك الكثير من القنابل لندمر بها مدفعاً واحداً في يد جندي , أليس الأرخص من ذلك أن نبحث عن وسيلة تسبب اضطراب الأصابع التي تضغط على زناد المدفع في يد هذا الجندي )) .
في هذا التعبير يتعجب القائد من هذا الجهد و الوقت والنفقات التي تبذل في تدمير مدفع واحد في يد جندي واحد , و يتسائل عما إذا كان من الأجدى و الأسرع أن نؤثر على نفسية الجنود و إشاعة القلق بين صفوفهم و نشر حالة اليأس و تثبيط الهمم بينهم و قد عبر عن ذلك تعبيراً مختصراً و بليغاً حين قال
((أليس الأرخص من ذلك أن نبحث عن وسيلة تسبب اضطراب الأصابع التي تضغط على زناد المدفع في يد الجندي, وذلك لن يتم الا بمحاولة التحكم في حالة الجندي النفسية)) .
فلو تصورنا جيشاً على جانب كبير من التدريب و الإمكانيات و لكنه يحارب دون أن يكون له هدف واضح أو أنه يحارب دون أن يكون له هدف واضح أو أنه يحارب و هو في حالة معنوية سيئة , فلا يمكن أن ينتصر و لا تستطيع خبرته و تدريبه و إمكانيته أن تسد وجه النقص في روحه المعنوية .
فإضعاف الروح لها تأثيها البالغ في الدافع و الحماس و المثابرة و التحمل , وهذه هي العمد الأولى التي عليها قوة الجيش .
و لو تصورنا عكس ذلك جيشاً آخر ا أقل في إمكانيته و لكنه يحارب بهدف واضح يقتنع به و من أجل تحقيق رسالة يعتنقها و يحارب بهدف واضح يقتنع به و من أجل تحقيق رسالة يعتنقها و يحارب في حالة أمن و اطمئنان . واثقاً في قادته وفي قدراتهم على قياجة المعركة .
مثل هذا الجيش لابد أن ينتصر , وغذا توفر للجيش الجانبان معاً فكان مزوداً بالإمكانيات و في حالة أمن واستقرار و مؤمن بالرسالة التي يقاتل من أجلها فإن إنتصاره يكون مؤكداً و كاملاً بإذن الله ,
فهرس
الموضوع ................................................. رقم الصفحة
الغلاف ..........................................................................2
الإهداء ..........................................................................3
تقديم بقلم الأستاذ يوسف السباعي ....................................................4
تقديم ...........................................................................6
1- الأعمى واللحم ....................................................................10
2-الرعب قبل الحرب ...............................................................12
3- تدمير محطة برلين ..............................................................13
4 – الفراش وثير ..................................................................14
5 – حقيقة الخسائر .................................................................16
6- جواز مرور شرعي ............................................................17
7- أمهر الرماة .....................................................................18
8- هربو من قراهم ................................................................19
9- البرنامج المفضل ..............................................................20
10- صحف مزيفة ................................................................21
11 – بلاط الشهداء ...............................................................22
12 – صور ملونة ................................................................23
13- لجنة هدنة ...................................................................24
14 – ليسوا محاربين .............................................................25
15 – الجواهرجي ................................................................26
16 – الإنتقام .....................................................................27
17 – الى الشام ...................................................................28
18 – جثث الموتى ..............................................................29
19 – الرغيف الطازج ..........................................................30
20 – إذاعة سـوان ..............................................................31
21- لا يأكلون اللحم .............................................................33
22- خداع ........................................................................34
23 – سنوافيكم بالأنباء .........................................................35
24 – أبشروا بالنصر ..........................................................36
25 – الكتيب ....................................................................38
26- فرقع بصوت هائل ......................................................39
27- حرب الكراهية ...........................................................40
28 – برادوك ..................................................................41
29 – رواية الإفك .............................................................42
30 – مواطن الضعف ........................................................44
31 – البالونات ................................................................45
32 – الهزيمة قبل المعركة ...................................................46
33 – إحتلال جزيرة كريسماس .............................................48
34 – الجنرال مينو ...........................................................49
35 – الكساد ..................................................................50
36- معركة نهر المارن .....................................................51
37 – كبون للغداء ...........................................................52
38 – وسيلة سهله ...........................................................53
خاتمة
الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله
أما بعد
في نهاية هذا العمل أوجه شكراً خاص الى مؤلف الكتاب الدكتور محمد عبد الحميد
والى مقدمه الأستاذ يوسف السباعي و أرجو من الله أن يجعله في ميزان حسناتهما و أن يجعله علم ينتفع به.
كما أرجوا من الله تعالى أن ينفع به المسلمين و أن يبطل به كيد الأعداء الذين لا يتورعون من إستخدام أي سلاح ضد أمة الإسلام بما في ذلك سلاح الحرب النفسية .
فها هم يصورون بغداد وهي تسقط و يصورون معها بعض السرقات من قلة من الناس و يصورون ترحيب بعض العملاء بهم على أنهم محررين ليكسروا بذلك نفوس المسلمين و يحطموا معنوياتهم و لينهش اليأس أمة الإسلام
ولكن هيهات أن تيأس أمة قائدها محمد صلى الله عليه وسلم
ثم بعد ذلك يصورن صدام حسين في حفرة و لحيته طويلة و أحد أطبائهم يتفحصه بشكل مهين .
و ها هم يصورون أنفسهم و أسلحتهم المتطورة والتي تعمل بأحدث التقنيات من أقمار صناعية و اشعة تحت الحمراء و .... و .... الخ
و عندما بدأ المجاهدون بالرد و فضحهم عن طريق الأفلام الجهادية والمنتديات الجهادية بدأ الأعداء يدسون بعض عملائهم في تلك المنتديات و يدسون السم في العسل
و قد وجدت في هذا الكتاب الكثير من الأمثلة التي تنطبق على واقعنا الان لذا احببت أن يقرأه إخواني المجاهدين خاصة والمسلمين عامة حتى يفطنوا لما يدبره لهم أعداء الإسلام ولا ينخدعوا بظاهر القول و أن يفكروا جيدا فيما وراء ما يحدث أو يسمع
ولا تنسونا من صالح دعائكم
اللهم صلي على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
تم بحمد الله