موقف جريء وهام
هذا ما نشرته *منى حوا* مراسلة الجزيرة المفصولة من عملها حول الهولوكوست
توضيح: فيما يخص الجدل حول قصة الهولوكوست أجدني ملزمة بتقديم هذا التوضيح العام، على أنني لن أعقّب على ما يتبعه من تعليقات. وبالطبع، هناك تفاصيل لا تقلّ أهميّة سيبقى توضيحها مرهوناً بالوقت:
* لم تنكر القصة حدوث المحرقة ولا تبرر لها ولا تجادل في كونها جريمة إنسانية تستحق الإدانة إذ إنها وبالفعل واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها التاريخ. أما ما جاء في الفيديو فيما يتعلق بالتوظيف الصهيوني لآلام ومعاناة ضحايا المحرقة، فهو أصبع اتهامٍ جرى توجيهه من أكاديميين ومؤرخين وإعلاميين عديدين ضد هذه الحركة الاستعماريّة العنصريّة.
* الهولوكوست كارثة إنسانيّة، يجب أن تجمع البشريّة على رفضها بالمطلق، والأهم من ذلك أن تتعلّم منها أن تتعلم خطورة فكرة "التفوّق القوميّ"، و قدسيّة حقوق الإنسان، والواجب الأخلاقيّ في ألا يخضع الإنسان لأصحاب السلطة فيما يُخالف ضميره. أما إسرائيل فهي دولة قائمة على التفوّق القوميّ (منذ بذور الصهيونيّة وصولًا إلى قانون القوميّة)، وعلى الانتهاك الصارخ لحقوق الانسان، وعلى سياسات الضغط والترهيب لكتم أصوات الناس والصحافيين والناشطين وإخضاعهم.
* آثرت الكتابة على الصمت، وهو ما كنتُ مستعدّة للالتزام به لو كان الأمر يتعلّق بشخصي فقط. ولكنني أرى بأنّ المسألة لم تعد تقتصر على (تعليق عمل)، بل باتت تمسّ كلّ العمل الإعلاميّ، وتهدّد سقف حريّته، وتطعن في التزامه القيمي، وتزرع الخوف في قلب كلّ صحفيّ يعمل على حمل قضاياه العادلة. ما المطلوب أن يتعلّمه الصحفي بعد هذه الحادثة؟ أن يُفكّر ألف مرّة قبل انتقاد الصهيونية، كي لا يتعرّض لـ "التأديب"؟
* إنّ السكوت اليوم من شأنه أن يُكرّس السطوة الصهيونية ويجعل كلّ صحفيّ يخشى على مستقبله المهني في حال أقدم على انتقادها. لقد تحوّلت تهمة معاداة السامية إلى تهمة فضفاضة تواجه كلّ من يتجرأ على انتقاد السياسات الإسرائيليّة، وليس آخرها إدانة البرلمان الألماني لحركة مقاطعة إسرائيل (BDS). هل يعني ذلك أنّ أيّ صحفيّ يتفق مع مبادئ حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) قد بات مُعرّضاً للاتهام بمعاداة السامية!؟ إنّ من الواجب اليوم كسر هذا الترهيب قبل أن يستقرّ كـ "تابو"، ويمنعنا من مواصلة مهمّتنا الإنسانية والأخلاقية في مناصرة القضايا الإنسانية
* إنّ وظيفة الصحفي أن يسأل الأسئلة الصعبة على الرغم من نفوذ وسطوة جماعات الضغط.. وهو معرّض في طريقه هذا للوقوع في خطأ هنا أو زلّة هناك في اختيار التعبير أو مراعاة السياقات، ولا عيب أبداً في الاعتذار عن هذا.
* أنا منى حوا، فلسطينية من صفد، أعرف جيّداً ما تعنيه سياسات الاقتلاع والتهجير والترهيب، التي تعرّض لها شعبي وأهلي. ولذلك أنحاز –كإنسانة وكصحفية- لجميع ضحايا الاضطهاد والعنصريّة والتمييز أينما كانوا وأيًّا كان دينهم أو عرقهم. وانطلاقًا من هذا فالإدانة يجب أن توجه إلى من يُفاضل بين جريمة وأخرى، ويسخّف أفظع الجرائم ويتاجر بها لأطماع سياسيّة واستعمارية، وهي الصهيونية كما نعرف جميعاً.