الوطن العربي
أولاً: الموقع والمساحة.
يقع بين دائرتي عرض 2° جنوباً و 37.5° شمالاً, وبين خطي طول 60° شرقاً و17°غرباً ما عدا دولة جزر القمر التي تقع عند دائرة عرض 12جنوباً.
تقدر مساحة الوطن العربي بـحوالي 14.291.469 كلم² أي بنسبة 10.2% من مساحة اليابسة.
يضم الوطن العربي 22 دولة عربية،10 منها في إفريقيا تشغل ما نسبة 72.45% من المساحة و 12 دولة في آسيا بنسبة 27.55% من المساحة.
يقدر امتداده من الشرق إلى الغرب بـحوالي6000 كلم, ومن الشمال إلى الجنوب بـحوالي 4000 كلم.
يقع الوطن العربي وسط قارات العالم القديم آسيا إفريقيا وأوروبا.
تمتد أراضية بين قارتي آسيا وإفريقيا ويفصل بينهما البحر الأحمر.
يطل الوطن العربي على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي والبحر العربي ويطل على محيطين هما المحيط الأطلسي غربا والمحيط الهندي شرقاً
ثانياً:التضاريس.
تشكل الهضاب أكثر التضاريس انتشاراً، وتوجد في:
الصحراء الإفريقية الكبرى, وتضم أراضي من مصر والسودان وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا.
صحراء شبه الجزيرة العربية, وتضم أراضي السعودية والعراق وكل دول الخليج.
لا تمثل السهول سوى 6% من المساحة, وتنقسم إلى:
سهول فيضية حول الأنهار, وتوجد على مجرى نهر النيل في مصر والسودان, ونهري دجلة والفرات في سوريا والعراق.
سهول ساحلية على طول السواحل, وتوجد على طول سواحل البحر المتوسط, والخليج العربي.
توجد مجموعة كبيرة من السلاسل الجبلية في الوطن العربي وهي:
سلسلة جبال عسير في السعودية.
سلسلة جبال ظفار في عُمان.
سلسلة جبال اليمن.
سلسلة جبال زاجرس وكردستان في العراق.
سلسلة جبال لبنان.
سلسلة جبال فلسطين.
سلسلة جبال الشراة في الأردن.
سلسلة جبال البحر الأحمر في مصر والسودان.
سلسة جبال أطلس التل والهقار في الجزائر.
سلسلة جبال أطلس الصحراء في المغرب.
ثالثاً: مناخ الوطن العربي.
يضم الوطن العربي أربعة أقاليم مناخية هي:
الإقليم الصحراوي:
ويشمل 80% من مساحة الوطن العربي، حيث يغطي جل مساحة شبه الجزيرة العربية ومعظم مناطق العراق ومصر، وشمال السودان بالإضافة إلى الصحراء الكبرى التي تغطي معظم مساحة المغرب العربي.
إقليم البحر المتوسط:
يمتد على طول السواحل المطلة والمناطق القريبة من البحر الأبيض المتوسط (كبلاد الشام وشمال كل من مصر والعراق والمغرب العربي).
الإقليم الاستوائي:
يسود الصومال.
الإقليم المداري:
ويوجد في شمال الصومال، اريتيريا، جيبوتي، اليمن، جنوب السودان، جزر القمر وجنوب غرب السعودية وبعض مناطق سلطنة عمان.
رابعاً: السكان.
عدد سكان الوطن العربي 338.621.469 نسمةً تقريباً وفق إحصائية عام 2007م.
اللغة الرسمية في الوطن العربي هي اللغة الغربية.
ليس كل سكان الوطن العربي عرباً, حيث يوجد أقليات عرقية في أغلب الدول العربية مثل:
الصومال: غالبية السكان لا يتكلمون العربية, بل يتكلمون اللغة الصومالية, وهم من قبيلتي عفار وعيسى.
جيبوتي: يوجد أقلية تتكلم الصومالية.
جزر القمر: يوجد أقلية افريقية.
السودان: بها العديد من اللغات والقوميات بخلاف العرب حتى بعد انفصال الجنوب, مثل بعض العناصر الإفريقية.
العراق: يوجد الأكراد كأكبر أقلية عرقية, كما يوجد بها أقليات عديدة مثل التركمان, والكلدان, والأشوريين.
سوريا: يوجد بها أقلية كردية إضافة إلى السريان.
لبنان: يوجد بها أقلية أرمنية, وكردية, وتركمانية.
مصر: يوجد بها أقلية من الأمازيغ في الغرب (منطقة الواحات) والنوبيون في الجنوب, إضافة إلى الأقباط.
ليبيا: غالبية السكان عرب باستثناء نسبة من الأمازيغ الذين يسكنون الجبل الغربي ومن أشهرهم قبائل الزنتان.
تونس: يوجد بها أقلية أمازيغية في الجنوب.
الجزائر: يوجد بها أقلية من الأمازيغ.
المغرب: يوجد بها أقلية من الأمازيغ.
يوجد العيد من الأقليات العربية التي تتواجد في دول الجوار غير العربية مثل:
إيران: ويوجد فيها 8 ملايين من العرب في إقليم الأهواز.
تشاد: يوجد بها العرب في الأقاليم الشمالية, وهم من الطوارق.
تركيا: يوجد بها العرب في إقليم الاسكندرون.
اريتريا: يوجد بها أقلية عربية.
إسرائيل: يوجد بها أقلية عربية من الفلسطينيين.
مالي: يوجد بها أقلية عربية من الطوارق.
إندونيسيا: يوجد بها أقلية عربية وخصوصاً من اليمن. و
ماليزيا: يوجد بها أقلية عربية.
يصل عدد المتكلمين بالعربية في العالم حوالي 422 مليون شخص وفق إحصائية 2004م بحسب ما أوردته موسوعة انكارتا.
غالبية سكان الوطن العربي هم من المسلمين مع وجود أقليات من أديان أخرى كالمسيحية، الوثنية، البوذية، الهندوس، السيخ، اليزيدية، الصابئة، البهائية واليهود.
الغالبية الساحقة من المسلمين في العالم العربي هم من السنة مع وجود أقلية شيعية من مختلف فرق الشيعة وغالبيتهم من الإثناعشرية؛ وتوجد أقلية صغيرة من الإباضيين.
غالبية المسيحيين من الأرثوذكس ثم الكاثوليك وأقلية من البروتستانت والمستقلين
الشريعة الإسلامية أحد أهم مصادر القوانين في البلاد العربية خاصة في بلاد شبه الجزيرة العربية. إلّا أنه واضح أنّ الشريعة الإسلامية لا تطبّق بكلّيتها في أيّ من هذه الدول إلا إذا استثنينا المملكة العربية السعودية. وبعض الدول العربية الأخرى هي شبه علمانية.
التركيبة الدينية والمذهبية لسكان الوطن العربي
خامساً: المضائق والممرات المائية التي يشرف عليها الوطن العربي.
مضيق هرمز: يربط بين الخليج العربي وخليج عُمان, وتشرف عليه سلطنة عمان وإيران.
مضيق باب المندب: يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي, وتشرف عليه اليمن وجيبوتي.
قناة السويس: تربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر,وتمر وتشرف عليها مصر كونها تمر بالكامل من الأراضي المصرية.
مضيق تيران: يربط خليج العقبة بالبحر الأحمر.وتشرف عليه السعودية ومصر.
مضيق جبل طارق: يربط بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط, ويشرف عليه المغرب وإسبانيا وبريطانيا,.
سادساً: المعالم الحضارية.
يعد الوطن العربي مكانًا جاذبًا للسياح من جميع أنحاء العالم وذلك لأهميته التاريخية والدينية والثقافية, والاستراتيجية, وتكاد لا تخلو دولة منها, وفيما يلي سرد لهذه الآثار:
مصر:
يوجد بها أهرامات الجيزة وآثار الأقصر وأسوان وتل العمارنة والإسكندرية والقاهرة القديمة وممفيس وطيبة وإدفو وسانت كاترين.
يوجد بها مقام الشهيد بالعاصمة،المدينة الرومانية هيبون عنابة و خليج شطايبي بعنابة, جبال الهقار بتمنراست، تاغيت بشار، الشفة الخلابة بالمدية، ياما قوراية ببجاية، فوهة مادنة ب الأغواط الناتجة عن سقوط ثاني أكبر نيزك، قوس كركلا بسوق أهراس، تيمقاد وجميلة الأثريتين بباتنة وسطيف، القالة، قالمة، غرداية، قسنطينة، سكيكدا، جيجل، تلمسان وكلها مناطق سياحية.
يوجد قلعة نزوى، كهف مجلس الجن، كهف الهوتة، صلالة، مصيرة، الديمانيات، حصن جبرين، العيجة، الأشخرة، ميناء صور، قلعة الجلالي والميراني، مسقط، جامع السلطان قابوس الأكبر، جامعة السلطان قابوس، سوق مطرح.
يوجد بها آثار قورينا ، أبولونيا ، ثيودورياس ، طلميثة ، لبدة، صبراته، بحيرة قبر عون، المدينة القديمة بطرابلس، قوس ماركوس اورليوس، السراي الحمراء.
يوجد بها آثار طنجة، فاس، مكناس، الجديدة والرباط.
يوجد بها أثار تدمر وافاميا وبصرى ودورا أوربوس ودمشق القديمة وحلب وشهبا وراميتا ومعلولا وعمريت وماري واوغاريت وصيدنايا وارواد وكركميش والرصافة, سوريا والبيعة توتل.
يوجد بها آثار جرش واربد والبتراء والبحر الميت والعقبة والزرقاء والسلط وعين غزال ومادبا وعمان وام قيس والكرك وعجلون.
يوجد بها آثار بابل ونمرود وعكَركَوف وأور وبغداد وسامراء وهيت ونينوى وآشور والمدائن وحصن الاخيضر في الفرات الأوسط والدور ملوية أبو دلف.
يوجد بها آثار أريحا والقدس وعسقلان وبيت لحم وبيسان والجليل والخليل وطبريا والنقب ونابلس وسبسطية والبحر الميت.
يوجد بها صيدا، بعلبك، جبيل، صور وبيروت.
تونس:
يوجد بها قصر الجمٌ، قرطاج والقيروان والمهدية.
يوجد بها أهرامات مروي وجبل البركل.
يوجد بها معبد بلقيس وسد مأرب وعدن وصنعاء القديمة.
يوجد بها مدائن صالح ومكة والمدينة المنورة والبلدة القديمة في جدة وآثار أصحاب الأخدود في نجران وقلعة تاروت في محافظة القطيف ومركز الملك عبد العزيز التاريخي وآثار الدرعية الرياض.
سابعاً: ثروات الوطن العربي.
يمتلك الوطن العربي أكثر من 60% من احتياطيات النفط في العالم.
ينتج الوطن العربي أكثر من 22 مليون برميل نفط يومياً.
يمتلك الوطن العربي ثروة سمكية هائلة.
احتياطات الوطن العربي من الوقود الصلب (والفحم على وجه الخصوص) تبدو متدنية للغاية ومحدودة. فالمتاح منها يبلغ حوالي 431 مليون طن فقط لا تمثل غير 4% بالمائة من مجمل احتياطيات العالم من الفحم.
يصل إنتاج الوطن العربي من الحديد إلى 11 مليار طن سنوياً أي ما يشكل 1.9% من الإنتاج العالمي.
يصل إنتاج الوطن العربي من النحاس إلى 200 مليون طن سنوياً.
يملك الوطن العربي احتياطات قد تبدو محدودة من معادن فلزية أخرى، من بينها معادن الزنك والرصاص الكوبالت والمنغيز.
تمتلك البلدان العربية 76 بالمئة من احتياطي العالم من الفوسفات و18 بالمئة من الكبريت.
ثامناً: المشكلات السياسية في الوطن العربي.
مشكلة مياه النيل
حرب فلسطين.
اتفاقية كامب ديفيد.
الجزر السعودية المحتلة
هما جزيرتي تيران وصنافير.
تقع الجزيرتان على مدخل خليج العقبة وتتحكمان فيه بشكل تام. (انظر الخريطة)
جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين
الجزر لها موقع استراتيجي مهم للغاية بالنسبة لإسرائيل لأنها تحرس منفذها الوحيد إلى البحر الأحمر.
الجزيرة الكبرى هي (تيران) وتبلغ مساحتها 80 كم2, أما الجزيرة الصغرى فهي صنافيروتبلغ مساحتها 33 كم2. ولو وضعت أي دولة فيها معدات عسكرية فتستطيع أن تشل حركة السفن الإسرائيلية عبر ميناء ايلات وخليج العقبة تماماً.
كان اغلاق مضيق تيران عامي 1956م و1967م ومنع الوصول الحر إلى ميناء إيلات من أسباب اندلاع الحرب بين مصر وإسرائيل.
احتلتها إسرائيل عام 1967 لأهميتها الاستراتيجية.
تخلت السعودية ومصر عن الجزيرتين في محاولة للتهرب من المسئولية عن تحريرها.
خرجت إسرائيل عسكرياً من هذه الجزر بعد اتفاقية كامب ديفيد ولكن لأهمية هذه الجزر الكبيرة فقد حرصت على أن تفعل شيئا يجعل استغلال هذه الجزر في أمور عسكرية (أو حتى تجارية) شيء مستحيل...فقامت بتفخيخ الجزر بالألغام الأرضية بشكل يتعذر معه الاستفادة من هذه الجزر في تعطيل إسرائيل.
برغم تلغيم إسرائيل للجزيرتين إلا أنها أرادت أن تضمن سلامة هذا المنفذ تماماً وبشكل لا يسبب لها أي صداع مستقبلاً. فتم الاتفاق على أن تتم إدارة هذه الجزر عبر الأمم المتحدة عن طريق القوة متعددة الجنسيات والتي تم فتح مكتب لها في الجزيرة لمراقبة التزام جميع الأطراف.
النزاع الإيراني الإماراتي على الجزر
يدور نزاع حدودي بين الإمارات وإيران على ثلاث جزر صغيرة تقع عند مضيق هرمز وهي طمب الصغرى, وطمب الكبرى, وأبو موسى.
في 29 نوفمبر 1971 دخلت القوات الإيرانية بعد انسحاب البريطانيين من هذه الجزر، وكان ذلك قبل إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بأيام قليلة.
طالبت بها الحكومة الإماراتية، ولكن الحكومة الإيرانية تصر على أنها جزر إيرانية كانت قد احتلت من قبل البريطانيين في السابق.
اكتفت الإمارات بالوسائل الدبلوماسية لحل الأزمة تفاديا لتصعيد النزاع بينها وبين إيران.
كان استيلاء إيران على هذه الجزر الثلاث جزء من صفقة تقاسم نفوذ بين إيران وبريطانيا حصلت بموجبها إيران تحت حكم شاه إيران على الجزر الثلاث وأعلنت البحرين كدولة مستقلة.
تكمن أهمية هذه الجزر في موقعها الإستراتيجي والثروات النفطية المحتمل تواجدها بشكل كبير فيها.
معلومات عامة عن الجرز الإماراتية الثلاث:
أولاً: طنب الكبرى.
هي جزيرة تقع في شرق الخليج العربي قرب مضيق هرمز.
تبلغ مساحتها ما يقارب 9 كم2.
يسكنها 700 نسمة.
الجزيرة كانت تتبع لرأس الخيمة قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، واحتلت عن طريق إيران في 1971 تحت غطاء خطة بريطانية مثيرة للجدل لإعادة توزيع واستقلال لمستعمراتها في الخليج العربي.
تطالب الإمارات العربية المتحدة دولة إيران بالانسحاب من جزيرة طنب الكبرى مستندة بأدلة تاريخية لأصل الجزيرة العربي.
ثانياً: جزيرة أبو موسى.
تتبع إمارة الشارقة وهي ضمن الجزر المتنازع عليها مع إيران.
احتلتها إيران عام 1971م.
تبلغ مساحة جزيرة أبو موسى 12 كلم مربعاً.
تقع على مسافة شبه متساوية من إيران ودولة الإمارات.
تعتبر مهمة بفعل موقعها الاستراتيجي واحتياطها النفطي المفترض.
ثالثاً: طنب الصغرى.
تعرف في بعض المصادر باسم جزيرة (نايبو).
تقع هذه الجزيرة على بعد ثمانية أميال غرب جزيرة طنب الكبرى.
مثلثة الشكل ويبلغ قطرها حوالي 2,25 ميلاً .
يبلغ طولها ميلاً واحداً, وعرضها ثلاثة أرباع الميل.
أرضها رملية وصخرية وتتكاثر فيها الطيور البرية والبحرية ولا تتوفر فيها مياه الشرب العذبة.
لذلك الجزيرة غير مأهولة بالسكان, ولكنها كانت بمثابة مستودع ومخزن للمعدات والأمتعة.
تعود ملكية هذه الجزيرة لإمارة رأس الخيمة.
انفصال جنوب السودان.
مشكلة دار فور.جدول التوزيع حسب النسب (يحتسب السكان المواطنين)
ثامناً: ثروات الوطن العربي.
السكان والمساحة في الوطن العربي
علم الثورة العربية: أول علم عربي حديث (علم الدولة العربية الموحدة)، ويستعمل للدلالة على الوطن العربي والوحدة العربية
الأقليات في الوطن العربي
الأقلية: هي الجماعة أو الجماعات العرقية ذات الكم البشري الأقل في مجتمعها، والتي تتمايز عن غيرها من السكان من حيث السلالة، أو السمات الفيزيقية أو اللغة، أو الدين، أو الثقافة، ويكون أفرادها مدركين لمقومات ذاتيتهم وتمايزهم، ساعين على الدوام إلى الحفاظ عليها.
وسنتناول في هذا البحث:
المبحث الأول: الأقباط في مصر
المبحث الثاني: البربر في الشمال الأفريقي.
المبحث الثالث: الجماعات العرقية في السودان
المبحث الأول: الأقباط في مصر
أولاً: موجز تاريخ أقباط مصر:
أقباط؛ جمع قبطي، وهو اسم كان يدل على ساكني وادي النيل من المصريين قبل دخول الإسلام ثم انحصرت كلمه قبطي بعد الفتح العربي لتدل علي المسيحيين المصريين علي مر العصور .
قبل دخول العرب إلى مصر كانت كلمة "قبط" تدل على أهل مصر دون أن يكون للمعتقد الديني أثر على ذلك الاستخدام، إلا أنه بسبب كون المسيحية الديانة السائدة بين المصريين وقت دخول العرب المسلمين مصر.
دخلت المسيحية مصر على يد القديس مرقس الجوارى في عام 61 م في وقت عانى فيه المصريون من مظالم الحكم الروماني واضطهاده الشديد للمصريين. وانتشرت المسيحية في كل أنحاء مصر خلال نصف قرن،
وقد عانى المسيحيون من الاضطهاد الروماني للمسيحية في مصر وبلغت هذه الاضطهادات ذروتها في استشهاد القديس مرقس عام 68م . وفي القرن الثالث وقع أكبر اضطهاد بالجماعة المسيحية على يد الإمبراطور دقلديانوس 248-305 م ، وسمي عصره بعصر الشهداء.
وانتهي هذا الاضطهاد بدخول الإمبراطور قسطنطين عام 324م في المسيحية واعترافه بالمسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية البيزنطية.
وما أن انتهت الاضطهادات الرومانية لتبدأ الصراعات المسيحية بين كنيسة الإسكندرية وكنيستي روما والقسطنطينية، اللتان تتبعان المذهب الكاثوليكي، وأذاقوا الأقباط المصريين أشد أنواع العذاب ليعدلوا عن مذهبهم، حتى أنهم قتلوا شقيق البطريرك القبطي بإسالة شحمه بالشموع المشتعلة.
وتتفق روايات ألد المؤرخين عداوة للإسلام على أنه لو لم يقع الفتح الإسلامي لأبيد الأقباط بإبادة كنيستهم وفتنتهم عن دينهم، حيث أعطاهم عمرو بن العاص الأمان لأنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم ، لا ينتقص شيء من ذلك ولا يساكنهم أحد من غير ملتهم.
وهكذا نشأت يبن العرب المسلمين الفاتحين وبين الأقباط من أهل البلاد علاقات ود حكمتها قواعد الشريعة الإسلامية، ويرى بعض المؤرخين أنه قد حدث تحول منظم للأقباط إلى الإسلام بحيث أصبحت أغلبية سكان مصر من المسلمين مع نهاية القرن العاشر الميلادى وبداية القرن الحادى عشر وحكمت هذا التحول عوامل واعتبارات اجتماعية – اقتصادية – سياسية – ثقافية.
ولكن رغم روح المودة والتعاون إلا أن الأقباط ظلوا يغالبون شعوراً بأنهم أقل من المسلمين فيم يخص المساواة فى الحقوق والواجبات، شأنهم شأن بقية أهل الكتاب (الذميون) فى دار الإسلام نتيجة لفرض الجزية عليهم، وعدم اعطاءهم حريتهم في الدعوة لدينهم، كما انهم تعرضوا فى لحظات تاريخية، وان كانت قصيرة وعابرة لصنوف مختلفة من التفرقة والاضطهاد.
ولم يندمج الأقباط اندماجا كاملا في المجري الرئيسي للحياة السياسية في مصر إلامع ميلاد الدولة الحديثة المدنية بداء بعصر محمد على (1801-1884) ووصل الاندماج إلى أقصاه فيما يسمى بالعصر الليبرالي الأول الذي بدأ بثورة 1919 وانتهى بثورة 1952 في تلك الحقبة تبوأ الأقباط كل المناصب السياسية الذى تبوأها المسلمون من النواب في البرلمان إلى وزراء إلى رؤساء وزراء.
ويعتبر الأقباط عصرمحمد علي وأبنائه (1805-1952) هو العصر الذهبي للأقباط، وهو العهد الذي انتهى في نظرهم بقيام ثورة يوليو، فقد ألغي في عهد أسرة محمد علي قيد الزي الذي كان مفروضا على الأقباط في العصور السابقة ووضعت عنهم الجزية. فقد كان محمد علي أول حاكم مسلم منح الموظفين الأقباط رتبة البكوية واتخذ له مستشارين من المسيحيين، أما سعيد باشا فقد أدخل الأقباط في سلك الجيش والقضاء، أما الخديوي إسماعيل فقد أقر رسميا بترشيح الأقباط لانتخابات أعضاء مجلس الشورى، كما قام بتعيين قضاة من الأقباط في المحاكم.
وينظر إلى ثورة 1919 كمثال ناصع من أمثلة الوحدة الوطنية والتي شارك فيها الأقباط بقوة إلى جانب المسلمين.
وقد أعطى دستور 1923 الحرية للمصريين جميعا في تشكيل الجمعيات مع ضمان كافة الأحكام الخاصة بكفالة المساواة في الحقوق لكل المصريين بصرف النظر عن الدين والجنس واللغة بالإضافة الى حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية. فأنشأ الأقباط مئات الجمعيات التي مُنحت حق الإشراف على تعليم الديانة المسيحية للأقباط في المدارس الحكومية بعد قرار سعد زغلول عندما تولى نظارة المدارس عام 1907 والخاص بإدخال تعليم الديانة المسيحية في المدارس ويقوم بتدريسها المدرسون الأقباط في كل مدرسة .
أما في عهد جمال عبد الناصر، فيرى المؤرخون الأقباط أن إجراءات التأميم التي قام بها عبد الناصر في يوليو 1960-1961 كادت تقضي على نسبة وعدد كبير من الأعمال والصناعات والوظائف التي كان الأقباط فيها بنسب عالية وهي قطاع النقل والصناعة والبنوك، وعين عبد الناصر بدل المديرين الأقباط مديرين مسلمين. وقام بالاستيلاء على الأراضي الزراعية بموجب قانون الإصلاح الزراعي فكانت خسارة الأقباط فيها بنسبة 75%. هذا ويلاحظ أنه عند توزيع هذه الأراضي على الفقراء الفلاحين تم توزيعها على الفلاحين المسلمين فقط.
وفي الحقبة الساداتية و بإعلان السادات في أغسطس 1977، عزم السلطة على إصدار قانون الردة، الذي يعاقب كل مرتد عن الإسلام بالإعدام، شعر الأقباط أنهم مهددون بالرجوع إلى وضع أهل الذمة، وفي 5/9/1977، بناء على نداء من البابا شنودة الثالث، بدأ الأقباط صياماً (وهو تقليد ديني قديم عند الأقباط والمسيحيين عامة، يلجئون إليه عندما يواجهون محنة شديدة)، استمر لمدة خمسة أيام احتجاجاً على القوانين الإسلامية التي تدرس الحكومة المصرية تطبيقها، وأعلن البابا شنودة(( إن مشروع قانون الردة يتنافى مع الدستور وينتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)) لأنه يستبعد أي عقيدة أخرى غير الإسلام، وبعد الضغوط والمفاوضات تتراجع السلطة المصرية. وفي 12-9-1977 زار ممدوح سالم، رئيس مجلس الوزراء المصري، البابا شنودة في مقره البابوي وقدم له ضمانات رسمية بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
ثانياً: تعداد الأقباط في مصر:
لا يوجد إحصاءات رسمية حديثة تحدد عدد الأقباط في مصر، حيث لم تعلن الحكومة المصرية عن تعداد الأقباط لأسباب سياسية منذ وقت طويل، في حين أن الأقباط نجدهم يشككون دائمًا في البيانات الرسمية الحكومية، ويسعون لتضخيم أعدادهم للحصول على امتيازات وجعل مطالبهم ذات وزن سواء على المستوى العالمي أو الداخلي.
تتراوح نسبة الأقباط في مصر ما بين 6% إلى 8% من مجمل السكان، لكن الأقباط أعلنوا أكثر من مرة أنهم يمثلون 10% من مجمل السكان للأسباب التي ذكرناها.
ثالثاً: أزمة الأقباط في المحافل الدولية:
تدويل الأزمة هو الهدف من الشكاوى المتكررة التي يتقدم بها الأقباط إلى المحافل الدولية، مستغلين ضعف النظام المصري، و الموجة الدولية للضغط الإرهابي على الدولة و ملوحين بالتدخل الأجنبي لإحداث نوع من الضغط على الحكومة المصرية لتحقيق مكاسب معينة.
وهكذا فإن عملية التدويل ليست أكثر من ورقة يستخدمها أكثر من فريق؛ فالولايات المتحدة الأمريكية تستخدمها في الضغط على الحكومة المصرية للحصول منها على مواقف سياسية معينة لصالح إسرائيل. والكنيسة المصرية سوف تستخدمها في الحصول على مكاسب معينة. وسنعرض أهم التقارير الدولية التي تناولت المشكلة:
صدر تقرير لمنظمة العمل الدولية تحدث عن وجود تمييز ضد الأقباط في أكثر من مجال، التقرير اتهم الحكومة المصرية بتبني ممارسات تمييزية ضد العمالة القبطية وذلك أن الأقباط في مصر محرومون من الفرص المتساوية في التوظيف والترقي ومن الحق العادل في التعليم على حد تعبيره، كما اتهم التقرير مصر باستبعاد الأقباط من المناصب الحساسة والمؤثرة وذكر أن قلة قليلة من الأقباط عينوا في مناصب رئيسية في الحكومة أو رشحوا لعضوية البرلمان أو في مناصب رفيعة في الجيش والشرطة.
وافقت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة على مناقشة المزاعم القبطية بوجود اضطهاد للأقباط في مصر الذي تقدم به إليها المهندس عدلي أبادير زعيم ما يسمى بأقباط المهجر.
طالب الاتحاد القبطي الأمريكي بفرض عقوبات اقتصادية على مصر، عقابًا لها على ما سماه "الأعمال الإجرامية" التي يقوم بها النظام الحاكم ضد الأقباط العزل".
عقد الأقباط المتحدون مؤتمراً في العام الماضي في الكونجرس الأمريكي ، وتحدثوا عن وجود اضطهاد للأقباط في مصر ، يتمثل في خطف الفتيات وأسلمتهن بالقوة ، وعمل مذابح للأقباط ، كما زعموا أن الأقباط لا يصلون إلى المناصب العليا في الدولة المصرية ، ويتم التمييز ضدهم في الشأن العام.
خلال جلسة الاستماع بالكونجرس الأمريكي 16 نوفمبر 2005 أكد النائب "إنجلش" أن المشكلة القبطية قد أدرجت على جدول أعمال السياسة الخارجية لحكومة الولايات المتحدة، وأصبحت هي المعيار الذي توازن به العلاقات الأمريكية مع النظام في مصر، كما أن المعونات أصبحت تشترط "الحل الجذري للمشكلة القبطية".
رابعاً: مطالب الأقباط وتفنيدها:
يرى الأقباط أنهم مضطهدون في دينهم ومعيشتهم، وأن الدولة لا تعطيهم حقهم الذي كفله لهم القانون، واليكم جملة من أبرز مطالب الأقباط التي جاءت على على ألسنة قادتهم وعبر وسائلهم الإعلامية:
إطلاق أيدي الأقباط في بناء الكنائس والأديرة، دون الحاجة إلى موافقة الدولة.
المساواة في بث البرامج الدينية الخاصة بهم من خلال وسائل الإعلام الحكومية.
عدم إهمال التاريخ القبطي في مناهج ا لتربية والتعليم.
استعادة أراضى الأوقاف المسيحية التي وضعت وزارة الأوقاف يدها عليها، بالرغم من صدور حكم قضائي بإعادة تلك الأراضي إلي أصحابها .
إلغاء الخانة التي تحدد ” ديانة المواطن” في البطاقات واستمارات طلب الوظائف، لأنها بداية التمييز .
المساواة في التعيين للوظائف ، وكذلك في الترقية.
عدم تنحية الأقباط عن المناصب الكبرى كالمحافظ، والوزير، والمناصب الكبيرة في الشرطة والجيش والجامعات والمعاهد.
عدم حرمانهم من تولى كافة المناصب السيادية والحساسة فى الدولة مثل (المخابرات العامة أو العسكرية ، ومباحث أمن الدولة آو نيابة امن الدولة، والحرس الجمهوري، وكافة الأجهزة الأمنية ).
إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن "دين الدولة الإسلام وان الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
تفنيد ادعاءات الأقباط:
لقد نبهت الأزمة الأخيرة الكثيرين للابتزاز القبطي، فكلما حصلوا على طلب ظهر آخر وهكذا. مما دعا من لم يكونوا في خطوط المواجهة مع تلك المشاكل القبطية المفتعلة إلى الظهور في خطوط المواجهة وأبرزهم المستشار طارق البشرى رئيس مجلس الدولة السابق، الذي انبرى صارخا ضد دولة الكنيسة التي ظهرت في مصر مستغلة ضعف النظام المصري وعدم وجود رقابة من الدولة على ما تفعله الكنيسة كأنها دولة داخل دولة.
وسنعرض تفنيد الإدعاءات القبطية على أكثر من صعيد:
على الصعيد الاقتصادي.
نشرت الحكومة المصرية على لسان وزير القوى العاملة والهجرة (عائشة عبد الهادي) مؤكدة أنه لا نص في التشريعات المصرية يميز بين المواطنين، و استندت الوزيرة فيما ذهبت إليه إلى تقرير مجلة فوربس (مجلة أمريكية تعنى بإحصاء الثروات ومراقبة نمو المؤسسات والشركات المالية حول العالم) الذي أحصى ثلاثة أقباط من بين أثرى أثرياء العالم كدليل على أوضاعهم الجيدة، أما على الصعيد العربي فقد جعلت مجلة فوربس هؤلاء الأقباط الثلاثة من العشرة الأثرى بين العرب، الرواية الرسمية المصرية تلتقي بدرجة أو بأخرى مع متابعات صحفية مصرية للشأن القبطي جاء في بعضها أن الأقباط يمثلون 25% من أعضاء النقابات المهنية، وأنهم يمتلكون أكثر من 22% من الشركات التي تأسست زمن الانفتاح أي بين سنتي 1974 و1995 ، وتشير تلك الأرقام التي أوردتها الصحافة المصرية إلى أن الأقباط يسيطرون على 20% من شركات المقاولات، وعلى 50% من المكاتب الاستشارية، وعلى 45% من العيادات الطبية, وعلى 35% من عضوية غرف التجارة الأميركية والألمانية، وعلى 60% من عضوية غرف التجارة الفرنسية، والأقباط وفق هذه المعطيات يمثلون 20% من رجال التعليم، وأكثر من 20% من المستثمرين بمدينتي السادات والعاشر من رمضان، وهم على ما تقول التقارير الصحفية يشغلون أكثر من 15% من وظائف وزارة المالية، و25% من المهن المميزة في مصر.
على صعيد التضييق في بناء الكنائس:
ذكرت إحصائية قام بها مركز الأهرام الإستراتيجي (عام 1999م) أن هناك كنيسة لكل سبعة عشر ألف قبطي مقابل مسجد واحد لكل ثمانية عشر ألف مسلم، ورغم ذلك فقد استجابت الدولة لمطالب الأقباط بتسهيل إجراءات بناء الكنائس، وأصدرت قرارًا في (يناير 1998م) يقضي بتفويض المحافظين المصريين في مباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية بالترخيص للطوائف الدينية ببناء الكنائس وترميمها.
على الصعيد السياسي:
جرى العرف السياسي بتعيين اثنين من الأقباط وزراء في كل حكومة.
لا تراقب الكنائس ولا تتدخل الدولة فيها ولا تستطيع منع قسيس لأنه هاجم الدولة أو حتى الإسلام بعكس ما يفعل بالمساجد من منع خطباء ومراقبة وغير ذلك.
لا يتعرض من يخرق منهم الوحدة الوطنية للاعتقال كما يفعل بالمسلمين.
يكرهون النساء اللاتي اسلمن على العودة للنصرانية و تقوم الدولة بمعاونتهم في ذلك، كما حدث في كثير من القصص.
خامساً: العوامل المؤثرة في إثارة أزمة الأقباط، وكيفية الخروج من الأزمة:
الدور الخارجي في إشعال نار الفتنة:
تحاول قوى الهيمنة الأمريكية استغلال هذه القضايا الداخلية لتحقيق رغبتها المعلنة في تقسيم الأقطار العربية على أسس طائفية وقبلية، وتأجيج الصراع الطائفي واستعجاله لخدمة مشاريع الهيمنة الأجنبية وخاصة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يسعى إلى تفتيت الوطن العربي على أسس دينية وطائفية.
نشرت صحيفة واشنطن بوست 6/8/2002 على لسان "لوران مورافيتش" احد دعاة تدويل ما يسميه ب"المسالة القبطية" أن الحرب على العراق مجرد "خطوة تكتيكية" ستغير وجه الشرق الأوسط والعالم، أما السعودية فهي "هدف إستراتيجي"، ومصر هي "الجائزة الكبرى" في نهاية هذا الطريق الذي يبدأ بحرب العراق!.
العوامل الداخلية في تزايد الاحتقان الطائفي والديني:
مسؤولية النظام المصري في تنامي الأحداث الطائفية:
التقارير السياسية والاقتصادية تؤكد أن مصر الحكم تعاني أزمة خطيرة بالرغم شعارات الحداثة والتنمية والتقدم والديمقراطية وحرية الإنسان التي يتغنى بها نظام الحكم، ومن مظاهر ذلك:
انتشار الفقر وازدياد معدلات البطالة وتحول شعب مصر إلى شرائح اجتماعية فقيرة وكادحة .
غياب الديمقراطية وتغييب إرادة المواطنين ومصادرة الحياة السياسية والمدنية.
تحول مؤسسات «الدولة" إلى مجرد جهاز أمني تابع لـ "الحزب الوطني"، وجهاز المخابرات.
أصبحت مؤسسات الدولة عبارة عن ملكية خاصة يتصرف فيها الحاكم كما يريد.
معالجة الدولة الملف القبطي بطريقة أمنية بحته.
الخطاب الديني السياسي وتأجيج الاحتقان الطائفي:
مازالت بعض التيارات الإسلامية المتشددة تصنف الأقباط من جماعة أهل الذمة " يقعون في مرتبة تالية بالنسبة للمسلمين الذين يتمتعون بالحقوق الكاملة للمواطنة في دار الإسلام"، وقد أفتي بعضهم بوجوب دفع الأقباط للجزية، أما بالنسبة للكنائس فقد أفتوا بهدم الكنائس في البلاد التي فتحها المسلمون عنوة مثل الإسكندرية، والبلاد التي استحدثها المسلمون مثل العاشر من رمضان والمدن الجديدة عموما لا يجوز بناء كنائس فيها على الإطلاق.
وعلى الصعيد الآخر يبالغ الأقباط في استفزاز مشاعر المسلمين بالهجوم على الشريعة الإسلامية وتصنيف هذه الحوادث بأنها إرهاب إسلامي . فهناك الكثير من الحالات التي تسلم فيها الفتيات (عن طريق الحب أو غيره) يعتبرها الأقباط بمثابة حرب بين المسلمين والأقباط، ولكن في حقيقة الأمر لا صلة للإسلام فيها.
مقترحات لمعالجة المشكلة القبطية:
التمسك بمبدأ الدولة الحديثة على أسس ديمقراطية تكون قادرة على استيعاب كل المكونات الدينية والعرقية.
فتح باب المشاركة السياسية لكل مكونات المجتمع على أساس المصلحة الوطنية ويكون التشريع نابعا من إرادة الأمة معبرا عنها.
منح كل رعايا الدولة حق المواطنة الكاملة بغض النظر على الانتماءات الدينية أو العرقية أو الطائفية .
تولية مناصب الدولة على أساس من الكفاءة العلمية بعيدا على أية محاصصة طائفية او عرقية.
اعتماد أسلوب الحوار، بين جميع القوى، والفئات الاجتماعية والسياسية، من أجل البحث عن الحلول للاستحقاقات الوطنية، والقومية، التي تواجهها الأمة.
تشكيل لجنة وطنية لمعالجة هذه الأزمة، تكون مهمتها إعادة الثقة بين الطرفين، وحل القضايا العالقة.
عدم التعامل مع الملف على أسس أمنية بحتة.
تبني مؤسسات الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية برامج فاعلة للعمل على ترسيخ قيم الديمقراطية والتسامح وقبول الآخر واحترام حرية العقيدة.
الخلاصة:
لا يوجد اضطهاد حقيقي للأقباط، ولكن هناك احتقان شديد في الشارع المصري بين الأقباط والمسلمين، هذا الاحتقان بسبب استفزاز الأقباط مشاعر المسلمين، وشعور الأقباط أنهم مستهدفون في دينهم، بالإضافة إلى شعورهم بالخطر حيال تنامي الصحوة الإسلامية، وازدياد نفوذ المسلمين وكما وتلعب طبيعة النظام المصري الدور البارز في تنامي الأزمة.
تلعب الإدارة الأمريكية دوراً بارزاً في إثارة القلائل والنزعات العرقية و استغلال القضية القبطية في تحقيق أهدافها الاستعمارية.
المسألة القبطية في جذورها الأعمق والأبعد ليست مسألة دينية بحتة فهناك الكثير من العوامل الداخلية والخارجية التي تغذي الأزمة، وهذه "الانفجارات" الطائفية هي النتيجة المنطقية لسنوات طويلة من سياسة الإقصاء وغلق الفضاء السياسي والاجتماعي، وإبعاد مساهمة شعب مصر في صياغة القرار وتكريس السلطة الاستبدادية التي تتمثل في سيطرة الرجل الواحد على الحزب الواحد ومن خلاله السيطرة على كل مؤسسات الدولة.
ليس من الصعب حل المشكلة، وذلك بأن تقوم الدولة بعمل إصلاحات إقتصادية وسياسية، ونشر الديمقراطية، وفتح الباب أمام الجميع للمشاركة السياسية. والحل الأمثل هو تشكيل لجنة وطنية لمعالجة هذا الملف على أسس ديمقراطية ووطنية.
المبحث الثاني: البربر في الشمال الأفريقي
أولاً:الأمازيغ أو البربر.. التسمية والأصول
التسمية
كلمة أمازيغ مفرد تجمع على "إيمازيغن" ومؤنثه "تمازغيت" وجمع المؤنث "تمازغيين". ويحمل هذا اللفظ في اللغة الأمازيغية معنى الإنسان الحر النبيل أو ابن البلد وصاحب الأرض، وتعني صيغة الفعل منه غزا أو أغار، ويجعلها بعضهم نسبة لأبيهم الأول "مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح".
أطلق اليونان عليهم المازيس Mazyes، وأطلق المصريون القدماء على جيرانهم الأمازيغ اسم "المشوش". أما الرومان فقد استعملوا ثلاث كلمات وهي: النوميديون ، الموريتانيون، والريبو.
أما اسم البربر أو البرابرة فأصله لاتيني ويعني المتوحشين أو الهمجيين، ويظهر أن أول إطلاق له على السكان الأصليين لهذه المنطقة كان من قبل الرومان في غزواتهم المعروفة لبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.
وإذا كانت دلالة مصطلح أمازيغ اللغوية تعني الرجل والإنسان الحر، فإن الدلالة التاريخية تحيل إلى "أمازيغ" الأب الروحي للبربر أو الأمازيغ. وهذا ما ذهب إليه ابن خلدون في تحديد نسب الأمازيغ بقوله "والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح وأن اسم أبيهم أمازيغ".
2- الأمازيغ وإشكالية الأصل
الأمازيغ أو البربر مصطلحان يستعملان في الغالب للدلالة على السكان الأصليين الذين قطنوا شمال أفريقيا، وتبرز في مجال البحث حول الأصول التاريخية للأمازيغ اتجاهات عديدة:
الأصل الأوروبي
يرى البعض أن أصل الأمازيغ إنما يتأصل في أوروبا، إذ ثمة معطيات لغوية وبشرية تشير إلى أن الإنسان الأمازيغي له صلة بالجنس الوندالي المنحدر من ألمانيا حاليا، وسبق له أن استعمر شمال أفريقيا.
ويستند هذا الطرح إلى وجود تماثلات لغوية بين الأمازيغية ولغة الوندال الجرمانية من جهة، وإلى التشابه الذي يوجد بين بعض ملامح البربر والأوروبيين مثل لون العيون والشعر من جهة أخرى.
وذهب البعض إلى أنهم من نسل الغاليين (gaulois) أو الجرمان الذين أتوا مع الفيالق الرومانية أو الوندال، وهو أمر لا يمكن التسليم به لكون هذا النمط من البربر عاش في تلك المناطق قبل الوجود الروماني.
الأصل المحلي :
ويميل اتجاه آخر إلى بناء وجهة نظره على بعض الكشوفات الأركيولوجية والأنثربولوجية، إذ يفترض أنه تم العثور على أول إنسان في التاريخ في بعض مناطق أفريقيا (مثل كينيا وبتسوانا)، وبالتالي فالإنسان الأمازيغي لم يهاجر إلى شمال أفريقيا من منطقة ما ولكنه وجد فيها منذ البداية، والإنسان الذي عثر عليه يترجح أن يكون من السكان القدامى.
الأصل العربي:
ويذهب اتجاه آخر إلى ربط سكان هذه المنطقة بالمشرق وجزيرة العرب، حيث إنهم نزحوا من هناك إلى شمال أفريقيا نتيجة لحروب أو تقلبات مناخية وغيرها.
ونقض ابن خلدون الآراء التي تقول إن البربر ينتمون إلى أصول عربية تمتد إلى اليمن أو القائلة إنهم من عرب اليمن، خصوصا قبائل بربرية مثل "هوارة وصنهاجة وكتامة" أكثر القبائل الأمازيغية ادعاء للعروبة.
وينفي ابن خلدون نسبة البربر إلى العرب عبر اعتبارهم كنعانيين من ولد كنعان بن حام بن نوح، فالكنعانيون ليسوا عربا، وليسوا من أبناء سام.
ويرفض كثير من المعاصرين نسبة البربر إلى العرب، ويؤكدون أن العرق الأمازيغي أحد الأعراق القديمة وأنه سابق للوجود العربي، وذلك استنادا إلى دراسات تفيد بأن أقدم الشعوب فوق الأرض 32 شعبا منها البربر، ولا وجود للعرب آنذاك.
المجموعات الأمازيغية الكبرى
يعيش الأمازيغ في شمال أفريقيا في المنطقة الممتدة من غرب مصر القديمة إلى جزر الكناري، ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر ومالي. ومع حلول الإسلام في أفريقيا استعرب الكثير منهم بتبنيهم اللغة العربية، باستثناء أمازيغ جزر الكناري فهم يتكلمون اللغة الإسبانية.
(صورة توضح انتشار المجموعات الأمازيغية الكبرى في شمال أفريقيا. المصدر: الجزيرة)
ويتحدث الأمازيغ لهجات تختلف من منطقة إلى أخرى. وينتشرون في دول لم تعترف كلها بحقوقهم، غير أنهم أصبحوا أكثر نشاطا في المطالبة بما يعتبرونه حقوقهم السياسية والثقافية. ويمكن الحديث عن المجموعات الأمازيغية الكبرى من خلال التقسيم التالي:
أمازيغ الريف:
يستوطنون في الشمال الشرقي للمغرب. والجماعة التي تتكلم باللهجة الريفية أو الزناتية تغطي منطقة تازة باتجاه الشمال في قبائل الريف، وشرقا في الحدود مع الجزائر، مثل قبائل "آيت ورياغلة" و"آيت وازين"...
وقد عرف الريف الأمازيغي في التاريخ المعاصر في تلك المناطق بالمقاومة الشديدة للاستعمار الفرنسي، وشهدت جبالها معركة "أنوال" -أشد معارك المقاومة الكبرى- سنة 1921 بقيادة الأمير الأمازيغي عبد الكريم الخطابي.
الشلوح:
وهم في وسط الأطلس الكبير وغربه وفي منطقة سوس، وكذلك الأطلس الصغير. وتستخدم لهجة الشلوح في مناطق الجنوب الشرقي، وسهل سوس التي كانت تعرف قديما باسم "جزولة".البربر:
ويوجدون في الأطلس المتوسط وشرق الأطلس الكبير في أودية "زيز ودرعة وسرغاو" وواحات الجنوب.
ويستعمل أمازيغ المغرب خط "التيفناغ" وهو أحد أقدم خطوط الكتابة، وقد نجح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في معيرته، وهو الخط الذي تبناه النظام التعليمي لتدريس الأمازيغية في المغرب.
القبائل:
تشكل القبائل مجموعة أمازيغية كبيرة في الجزائر، وتتمركز في شمال وشرق الجزائر. ومنطقة القبائل صغيرة جغرافيا بالمقارنة مع نسبة سكانها الكبيرة، وأهم مدنها "تيزي وزو".
وتتميز مجموعة القبائل الأمازيغية بانخراطها الواسع في العمل السياسي من خلال الأحزاب السياسية ذات البعد الثقافي الأمازيغي المطالبة بالمزيد من الحقوق للأمازيغ.
وتعرف منطقة القبائل في الجزائر توترا كبيرا في علاقتها مع السلطة وصلت أحيانا إلى المواجهات الدامية كما حدث سنة 2001 في ما سمي "ربيع البربر".
الأوراس:
في اتجاه الشرق قريبا من الحدود التونسية توجد جبال الأوراس. وتعد مدينة "باتنا" أهم مدن الأوراس، وهي منطقة ضعيفة اقتصاديا، ومعظم الذين يقطنون الأوراس من "الإنشواين" الأمازيغ.المزاب والزناتة:
وهي مناطق صحراوية، وينتمي المزاب إلى المذهب الإباضي وقد كانوا من الخوارج تاريخيا. وتعد "غرداية" أهم مدنهم. ورغم كون المزاب قد تأثروا بالتعريب فإنهم ظلوا محافظين على بنية ثقافتهم الأمازيغية.
الطوارق:
طوارق الصحراء: ويوجدون في الجنوب الجزائري ومنطقة "فزان" في ليبيا. وأهم قبائلهم الهقار أو "كل هغار"، وتبدأ أسماء القبيلة بـ "كل" أي "أهل" و"بنو"، وأيضا "كل آجر" في صحراء الجزائر. وغربا حول تمنراست يوجد "كل ريلا"، وكذلك في مدينة غدامس الليبية في الحدود مع كل من تونس والجزائر.
طوارق الساحل: وهم في الأساس قبائل "كل أيير" بصحراء تنيري، و"كل يلمدن" بمنطقة غاوة بالنيجر، و"كل آيترام" و"كل إيلمدن المتونة" و"كل تدمكت" (حول تمبكتو ومنعطف نهر النيجر) و"كل غزاف" في منطقة "أزواد"، و"آدرار أيفوغاس" بجمهورية مالي. وتمتد مجموعات الطوارق إلى بوركينا فاسو.
وكل هذه القبائل تتكلم لغة "التماشق" الأمازيغية باستثناء قبائل جنوب النيجر. وقد ظل الطوارق محافظين على استقلاليتهم وخصوصيتهم بلغتهم "التماشق"، وهم يكتبون بخط "التيفناغ"، ولم يندمجوا مع أي من الأعراق الأخرى في المنطقة.
وقد تم تقسيم أراضي الطوارق وتفريقهم بين دول هي الجزائر وبوركينا فاسو وليبيا ومالي والنيجر سنة 1960. وتشكل نسبة الطوارق في مالي والنيجر أعلى نسبة وجود لهم في أفريقيا.
ثانياً: الثقل البشري والسياسي للأمازيغ:
تعداد الأمازيغ:
تتضارب الأرقام فيما يتعلق بنسبة الأمازيغ في أفريقيا، ففي تقدير للمجلة الدولية في فرنسا عام 2001 فإن عدد الأمازيغ في الشمال الأفريقي حوالي 20 مليونا.
يوجد منهم 12 مليونا في المغرب، و6 ملايين في الجزائر، وبين 20 و50 ألفا في تونس، ومن 300 إلى 500 ألف في ليبيا، وبين 12 ، و20 ألفا في مصر ومليونان موزعون بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
لكن مصادر أخرى تذكر أن الأمازيغ في الجزائر على سبيل المثال يشكلون 27% وعددهم 8 ملايين، وأنهم يشكلون 40% من سكان المغرب وهي نسبة تتجاوز حدود 12 مليونا، و25% من سكان ليبيا، وأن الطوارق حوالي مليونين موزعين بين مناطق عديدة من أفريقيا.
إن التركيبة السكانية للمناطق التي يوجد فيها الأمازيغ غير معروفة بطريقة علمية دقيقة، ولهذا فهي محل استخدامات أيديولوجية في بعض الأحيان.
أوضاع الأمازيغ واختلافه حسب الدولة:
منذ النصف الثاني من القرن العشرين وموضوع الأمازيغ مطروح وإن تفاوتت حدة طرحه من مكان إلى آخر نظرا لاختلاف أوضاع الأمازيغ من بلد إلى آخر. فهم في مصر في حالة نسيان، وفي ليبيا ظلوا حتى وقت قريب في حالة إقصاء، وفي الجزائر هم أقرب إلى الاستقطاب والصدام مع السلطة، أما في المغرب فقد ظلت السياسيات تحاول استيعابهم، بينما هم في تونس وموريتانيا مندمجون في المجتمع المتعرب، وهم ثائرون في النيجر ومالي، وفي جزر الكناري تبنوا الثقافة واللغة الإسبانية. ويوضح الجدول التالي خصائص كل مجموعة أمازيغية حسب الدولة التي توجد بها.
ثالثاً: الأمازيغ والإسلام
إن دخول الإسلام إلى المغرب العربي لم يكن بالمسألة الهينة، ذلك أن المقاومة التي لقيها القادة الفاتحون من أمثال عقبة بن نافع وأبي المهاجر بن دينار على يد كسيلة والكاهنة تعتبر من أشد المقاومات في تاريخ الفتوحات الإسلامية. فالطريق نحو أسلمة الشمال الأفريقي لم يكن بالسهل، بدليل المحاولات المتكررة لعقبة ابن نافع الفهري وارتداد الأمازيغ عن الإسلام اثنتي عشرة مرة في ظرف سبعين سنة.
المجتمع الأمازيغي ودخول الإسلام:
كان الأمازيغ قبيل مجيء العرب المسلمين يمثلون الغالبية العظمى من سكان المغرب العربي، وأما الفئات الأخرى فكانت ممثلة في البزنطيين والأفارقة. ويتفرع الأمازيغ إلى فئتين، هما: البرانيس والبتر.
بالنسبة للفئة الأولى –البرانيس- فإن موطئ قدمها كان السهول الساحلية والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، ويعتبر البرانيس أو كما يسميهم الرومان بالموريطانيين، بمثابة سكان الحضر وكانوا شديدي التمسك بالديانة المسيحية.
أما بالنسبة للفئة الثانية، فإنهم كانوا يقطنون في الجبال والبوادي وبحكم صعوبة الحياة في هذه المناطق فإنهم كانوا كثيري الترحال والتنقل. ومن أشهر قبائل البتر نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الزناتة، البرغواطة، النفوسة، اللواتة والهوارة.
ويعتبر عقبة بن نافع الفهري من أبرز فاتحي الشمال الأفريقي. وقد كان كسيلة من أبرز ملوك الأمازيغ الذين تصدوا للزحف الإسلامي. وكانت مقاومة كسيلة، بالإضافة إلى تلك التي خاضتها الكاهنة، تعبيرا عن رفض الأمازيغ للغزو الأجنبي. بيد أنه تجدر الإشارة إلى أن انتفاضة كل من كسيلة والكاهنة لم تتم باسم جميع الأمازيغ.
فكما يذهب إليه الكثير من المؤرخين فإن القبائل التي عبرت عن رفضها لمجيء العرب المسلمين هي تلك التي كانت تقطن المدن أو كما تسمى البرانيس، حيث كان هؤلاء أكثر ميلا لليونانيين وللبزانطيين، وكان رفضهم التخلي عن المسيحية في حقيقة الأمر تعبيرا عن تخوف من فقدان مركزهم كقبائل مهيمنة. أما القبائل الأخرى أي البتر فقد كانت السباقة لاعتناق الإسلام وقد ساهمت تحت لواء قائدها ابن معاد، في المعارك التي شنها عقبة ابن نافع وأبو المهاجر بن دينار ضد كسيلة والكاهنة.
عوامل انتشار الإسلام بين الأمازيغ:
إن انتشار الإسلام بين الأمازيغ مرجعه إلى عدة عوامل لكننا سوف نركز على العاملين التاليين:
في المقام الأول اعترى المجتمع الأمازيغي نوع من الفوضى تجلى على وجه الخصوص في الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين أهل البادية (البتر) وأهل الحضر (البرانيس). يضاف إلى هذه الفوارق الانقسامات الدينية بين الطوائف المسيحية، وهي انقسامات عمقت من الفوضى التي كانت تعم هذا المجتمع.
وفي المقام الثاني نجد أن قبائل البادية يشتركون مع العرب في الكثير من الخصائص من ذلك التقسيمات القبلية، أسلوب العيش، حب الغزو وغير ذلك من الخصائص. هذه الخصائص جعلت قبائل البتر يتقبلون بسهولة الدعوة التي جاء بها العرب المسلمون.
على نحو آخر يشير العديد من المؤرخين إلى أن الأمازيغ البتر قد ساهموا بحماسة في نشر الإسلام سواء أكان ذلك عبر تدعيم الجيوش الإسلامية بالمقاتلين والمشاركة في فتح بعض الأقطار كالأندلس على يد طارق بن زياد أو عبر إثراء التعليم الديني وتعميمه من خلال إيفاد بعثات إلى مصر والعراق لتعلم الفقه والحديث أو من خلال بعض المؤلفات كتلك التي أنتجها ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين. فلقد عمد هذا الأخير الذي كان حريصا على تعميق الوجود الإسلامي بالجزائر على توضيح وشرح تعاليم الدين الإسلامي للأمازيغ من خلال إصدار بعض الكتابات على غرار "التوحيد" ، و"المرشد"، و"العقيدة". ويعكس لجوء بعض الملوك الأمازيغ إلى لغتهم لتعليم الدين الإسلامي مدى حرص الفاتحين العرب على أن يظل السكان الأصليون للجزائر متمسكين بلغتهم الأصلية فلم يكن العرب المسلمون يرغبون في أن يعربوا الأمازيغ على حساب لغتهم وثقافتهم الأمازيغية.
لماذا ارتد الأمازيغ عن الإسلام اثنتي عشرة مرة في ظرف سبعين سنة؟
قد توحي الردات المتتالية للأمازيغ عن سطحية تعلقهم بالإسلام وارتباطهم العميق بديانتهم الأصلية. غير أن الحقيقة هي عكس ذلك. لقد ارتد الأمازيغ لا لأنهم كانوا غير مقتنعين بالإسلام، بل لأنهم ضاقوا ذرعا من التعسف والاستبداد الذي كان يمارسه بعض الحكام المسلمين.
ولئن كان العرب المسلمون قد اعتمدوا على ما يشبه نوعا من اللامركزية في تسيير الشؤون الإدارية للجزائر من خلال تشجيع الأمازيغ على إدارة شؤونهم بأنفسهم وهو ما حدث بالفعل مع عبد الرحمن بن رستم مؤسس الدولة الرستمية أو مع محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين، فإن رغبة الأمازيغ في الاستقلالية السياسية كانت قوية. يعكس هذا في حد ذاته روح الاستقلالية التي تميز الشخصية الأمازيغية الرافضة لأي خضوع أو تبعية. وأصدق تعبير عن روح الاستقلالية الأمازيغية هذه الانتشار السريع لمذهب الخوارج بين بعض القبائل الأمازيغية التي كانت تقاسم معارضي مذهب بني أمية نظرتهم إلى الإمامة.
لقد انتفض الأمازيغ لاسيما عبر بعض القبائل كصنهاجة والزناتة على حكم الأمويين بزعامة يزيد بن مسلم، وكانت انتفاضتهم هذه إيذانا ببداية انفصال الأمازيغ عن المركز في المشرق العربي وانقسام المجال الأمازيغي بدوره إلى فرق وأحزاب: خوارج، شيعة وسنة. لكن سرعان ما انحصر مد الخوارج ليترك المجال أمام الشيعة وتتشكل بذلك دويلات على غرار الزيرية ( 973 إلى 1060م) والحمادية (1015 إلى 1060م) من طرف قبيلة صنهاجة، ودويلة سجيلماسة من طرف قبيلة الزناتة. وبدوره انحصر المذهب الشيعي أمام المذهب السني الذي تمكن من فرض نفسه خاصة بعد قيام دولتي المرابطين والموحدين بعد ذلك.
لقد ساهم انتشار المذهب السني، من خلال نشر تعاليم الإمام مالك بن آنس، في تحقيق التجانس والتلاحم بين الأمازيغ الذين ظلوا متمسكين بالدين الإسلامي بالرغم من معارضتهم لبعض الحكام العرب. واستمر حال الأمازيغ في ظل الحكم الإسلامي إلى غاية مجيء العثمانيين الذين أصروا -رغم حرصهم على أن تظل راية الإسلام تعلو جبال الجزائر- على فرض ثقافتهم ولغتهم على الأمازيغ، وهو ما سبب انتفاضة هؤلاء الأمر الذي صعب من مهمة الأتراك في التوغل إلى منطقة القبائل.
ويروي العديد من المؤرخين في هذا المجال أن ثورة القبائل على الأتراك دامت قرابة قرن ولم يتمكن الأتراك من بسط حكمهم على هذه المنطقة إلا بعد توقيع الباي محمد الميلي مع أهم أعيان منطقة القبائل على معاهدة سنة 1823.
خلاصة القول أن الأمازيغ لم يرفضوا الإسلام بل بالعكس اعتنقوه بحماسة وساهموا في توسيع رقعته بقوة لاسيما من خلال نشاط الزوايا على غرار الزاوية الرحمانية. من جهتهم لم يلجأ العرب المسلمون إلى الإكراه لنشر الإسلام، والمقاومة التي لقوها على أيدي الأمازيغ كانت نتاج سياسة التعسف التي انتهجها بعض القادة المسلمين وليست نتاج رفض للسكان الأصليين اعتناق الإسلام والتفاعل معه.
رابعاً: أبرز مراحل المسألة بالجزائر:
مرت القضية الأمازيغية بمراحل متعددة فكانت في البداية قضية ثقافية مدارها على اللغة، حيث طالب نشطاء الأمازيغ بتخليص لغتهم مما لحقها -في نظرهم- من تهميش وإقصاء أمام انتشار اللغة العربية منذ مجيء الإسلام إلى اليوم، ثم تطور المطلب ليصبح مطلبا سياسيا تتبناه جمعيات وتنظيمات.
وقد تفاعلت هذه المطالب خلال السنوات العشرين الأخيرة من القرن الماضي وعبرت عن نفسها في مجالات جغرافية متعددة، فكان لها في الجزائر ظهور مختلف عنه في المغرب، وتجلت في ليبيا بشكل مغاير لما تم في المغرب والجزائر. ولم تظهر المسألة لا في تونس ولا في موريتانيا رغم دخولهما في المجال الأمازيغي لأسباب محددة.
محطات أمازيغية:
التعريب
اعتبر إعلان الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة في خطاب له يوم 5 يوليو/تموز 1962 أن "التعريب ضروري لأنه لا اشتراكية بلا تعريب ولا مستقبل لهذا البلد دون التعريب"، بداية تفاعل المسألة الأمازيغية في تاريخ الجزائر الحديث.
إنشاء حزب جبهة القوى الاشتراكية برئاسة حسين آيت أحمد يوم 29 سبتمبر/أيلول 1963، وقد دخل الحزب منذ إنشائه في صراع مسلح مع الرئيس بن بلة.
توقيع الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين مرسوما يوم 26 أبريل/نسيان 1968 يلزم كل الموظفين الجزائريين بأن يكونوا على "معرفة كافية باللغة العربيةعند توظيفهم.
منعت السلطات الجزائرية في ما بين عامي 1974 و1975 التسمي بأسماء غير عربية.
رفع مناصرو فريق شبيبة القبائل يوم 19 يونيو/حزيران 1977 أثناء مباراة بحضور الرئيس بومدين شعارات معارضة مثل "اللغة الأمازيغية ستعيش". وقد أدى الحادث إلى تغيير اسم فريق شبيبة القبائل إلى فريق إلكترونيك تيزي وزو.
الربيع الأمازيغي
وقعت أحداث ما عرف بالربيع الأمازيغي عام 1980 إثر خروج مظاهرات أمازيغية ضد الحكومة الجزائرية بسبب منعها محاضرة عن الشعر الأمازيغي القديم كان مولود معمري ينوي إلقاءها في جامعة تيزي وزو. كما ألغي حفل موسيقي لفرقة أمازيغن إيمولا.
اندلاع احتجاجات واسعة ومواجهات دموية بعد مقتل الشاب ماسينيسا قرباح يوم 18 أبريل/نيسان 2001، وتلت ذلك موجات من المظاهرات والاعتقالات.
إضراب منطقة القبائل:
ومع توسع ظاهرة الإرهاب انتهز النشطاء البربر ضعف السلطة لتحقيق مآربهم، وشهدت منطقة القبائل- وهي تضم ولايتي بجاية وتيزي وزو إضافة إلى أجزاء من ولايات محاذية (بومرداس، البويرة، السطيف، برج بوعريري) - إضرابا مدرسيا عام 1994-1995 احتجاجا أيضا على قانون تعميم استخدام اللغة العربية، تم إنهاؤه بموجب اتفاق أبريل/ نيسان 1995 بين السلطة والحركة الثقافية البربرية، واتخذ الرئيس الأمين زروال قرارات تاريخية هي:
إدخال اللغة الأمازيغية في التعليم بالمنطقة.
إنشاء المحافظة السامية للأمازيغية.
تدعيم برمجة نشرة إخبارية مسائية في التلفزيون (باللهجات الأمازيغية بالتناوب).
إدراج البعد الأمازيغي كأحد مقومات الهوية الوطنية وثوابتها (إضافة للإسلام والعروبة) في دستور 1996.
الربيع الأسود:
وجاءت أحداث الربيع الأسود (أبريل/ نيسان 2001) لتشكل المحطة التاريخية الثانية لهذا المطلب، التي انطلقت في بلدة بني دولة بولاية بجاية إثر مقتل الشاب قرماح مسينسا في مقر الدرك الوطني بعد اعتقاله عندما كان يتظاهر هو وغيره احتفالا بذكرى الربيع البربري. وقوبلت المظاهرة بالقمع فتوسعت لتعم كل منطقة القبائل وليرتفع عدد ضحاياها إلى 123 قتيلا.
في هذا الجو السياسي المشحون تأسست تنسيقية العروش لتتولى قيادة حركة الاحتجاج ولتبلور لائحة مطالب عرفت بأرضية القصر. التي أعلنت عنها في يونيو/ حزيران 2001 في مدينة القصر بولاية بجاية.
تنسيقية العروش
تأسيس تنظيم تنسيقية العروش في يونيو/حزيران 2001 وضم أبرز العائلات في القبائل الأمازيغية وممثلين عن البلديات والدوائر والعشائر (العروش) في منطقة القبائل.
دعى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر/أيلول 2001 "تنسيقية العروش" إلى تسليم عريضة مطالب فاجتمع أبرز قادة التنسيقية وصاغوا ما عرف "بأرضية القصر" (نسبة إلى البلدية التي حررت بها المطالب) والتي تحمل 14 مطلبا على رأسها هذان المطلبان:
ضرورة رحيل الدرك الوطني عن المنطقة.
الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية.
وهناك مطالب تتعلق بفض الاشتباك بين الطرفين السلطة والتنسيقية، مثل الإفراج عن المعتقلين وإيقاف المتابعات القضائية، إضافة إلى بعض الشروط المتعلقة بالديمقراطية وإحلال العدالة على التراب الجزائري.
وقد تحقق المطلب الأول كليا بينما تحقق المطلب الثاني جزئيا حيث اعترفت السلطة باللغة الأمازيغية لغة وطنية ولكن رفضت الاعتراف بها كلغة رسمية إلى جنب اللغة العربية.
اتفاق الحكومة والعروش.. البت في أمهات الأمور:
التزمت السلطة الصمت حيال الأحداث ثم قررت الحوار مع العروش، لكن الجولات الأولى باءت بالفشل فيما استمرت الاحتجاجات ميدانيا ورفضت السلطة لائحة القصر، إلا أنها راجعت جزئيا موقفها في مارس/ آذار 2002 بجعل الأمازيغية لغة وطنية دون استشارة الشعب.
وبعد عدة جولات من الحوار توقفت المفاوضات في يناير/ كانون الثاني 2004 جراء الخلاف حول ترسيم الأمازيغية، حيث صرح رئيس الحكومة أويحيى المنحدر بأن الأمر يتعلق بـ"قضية وطنية" تستوجب استفتاء شعبيا للفصل فيها.
لكن الطرفين قد توصلا إلى برتوكول اتفاق قبلت بموجبه الدولة تلبية المطالب المتعلقة بمعالجة انعكاسات الأزمة:
منح صفة الشهيد لضحايا الأحداث.
محاكمة المسؤولين عن هذه الأحداث أمام محاكم مدنية.
العفو الضريبي لفائدة التجار وأصحاب المهن الحرة.
حل المجالس المحلية المنتخبة عام 2002.
وباستئنافها الحوار في مطلع هذا العام بدعوة من الحكومة، عادت العروش إلى التفاوض دون تغير في الموقف الرسمي من القضية موضوع الخلاف مما يعني أنها عادت بسقف مطالب أدنى، وهذا ربما لتآكل قوتها التعبوية.
واتفق الطرفان في 15 يناير/ كانون الثاني 2005 على وضع "آلية مشتركة" لتطبيق لائحة القصر دون توضيح ما إذا كانت بنودها الأساسية ستطبق بحذافيرها أم لا.
ويبدو أن الطرفين دخلا مرحلة التنازلات المتبادلة، وأن العروش بدأت تتفاوض حقا بعدما كانت تقول إنه لا تفاوض على مطالبها. وقد اعتبر بلعيد أبريكا المتحدث باسم العروش الاتفاق انتقالا "من مرحلة المواجهة إلى مرحلة الشراكة".. وهكذا فبعد الاتفاق على المسائل الأقل شأنا ستبدأ المحادثات بشأن القضايا الجوهرية.
انقسام تنسيقية العروش:
انقسمت تنسيقية العروش وظهر جناحان متعارضان،هما:
الطرف الأول هم الذين قادوا حوارا مع السلطة وتزعمهم شاب يدعى سليم عليواش.
الطرف الثاني هم الذين استمروا في معارضتهم للسلطة وتزعمهم بلعيد أبريكا.
أما الاعتراف بالأمازيغية فقد دق إسفينا بين العروش، حيث انتزع القضية جزئيا من أيدي الراديكاليين وشجع المحاورين على التفاوض.
واتضح فيما بعد أن السلطة أربكت العروش وجرت المتشددين للحوار. وانقسمت العروش حول الرئاسيات، فمنها من ساند بوتفليقة، ومنها من ساند سعيد سعدي، ومنها من قاطعها.
الاعتراف باللغة الأمازيغية
تم الاعتراف رسميا باللغة الأمازيغية كلغة وطنية دون مساواتها بالعربية أوائل عام 2002 بمبادرة من الرئيس بوتفليقة دون استشارة الشعب.
أصبحت وسائل إعلام الدولة تقدم نشرات مفصلة بالأمازيغية وذلك منذ العام 2002.
التشكيلات السياسية الأمازيغية في الجزائر:
"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"جبهة القوى الاشتراكية" إضافة إلى "تنسيقية العروش" هي التشكيلات السياسية الرئيسية التي تمثل "الأمازيغية السياسية" الجزائرية، ولكن لا يعني هذا أنها تمثل كافة الأمازيغ، لأن هناك بعدا أمازيغيا في الأحزاب الأخرى القائمة على أسس وطنية أو دينية، كما أن هناك حضورا أمازيغيا في الدولة وكافة أجهزتها العسكرية والأمنية والسياسية وغيرها.
جبهة القوى الاشتراكية:
أسست عام 1963 على يد حسين آيت أحمد وهو أحد القادة التاريخيين لثورة التحرير الجزائرية، ووقفت الجبهة في وجه الحزب الحاكم رافضة نظام الحزب الواحد، فحكم على زعيمها آيت أحمد بالإعدام ثم عفي عنه. فاختار النفي الطوعي الذي استمر من عام 1989 حتى عام 1992.
ويتبنى الحزب العلمانية ويدعو إلى الاعتراف بالفرنسية والأمازيغية لغتين رسميتين إلى جانب اللغة العربية.
التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية:
يترأسه سعيد سعدي منذ تأسيسه عام 1989، يعتبر الحزب نفسه الممثل لطموحات ومطالب الأمازيغ في الجزائر.
يطالب التجمع بإقامة دولة جزائرية علمانية، ودعا عام 1991 إلى وقف الانتخابات التشريعية ووقف في وجه التيار الإسلامي -المعتدل منه والمتشدد- في أحداث الجزائر.
وتقدم رئيس التجمع سعيد سعدي للانتخابات الرئاسية عامي 1995 و2004 ولم يفز في أي منهما.
تأخذ بعض الأطراف السياسية على التجمع ارتباطه الوثيق بفرنسا خاصة من الناحية الثقافية، ويأخذون عليه المغالاة في مناهضته للقوى الإسلامية، وأن ممارسته السياسية تخلق تناقضات بين العربية والأمازيغية.
خامساً: أبرز مراحل المسألة في المغرب:
عندما تعرض المغرب للاستعمار قاومه المغاربة بشدة، وكانت المناطق البربرية أشد مقاومة حيث استمرت مقاومتها إلى سنة 1936، كما أن عددا من أشهر المقاومين كانوا من الأمازيغ.
وبعد الاستقلال مباشرة في سنة 1956، كانت الملكية معرضة للتهديد من قبل بعض فصائل الحركة الوطنية التي كانت تحلم بفرض النظام الجمهوري على غرار التجربة التونسية، ولكن سرعان ما تحركت القبائل الأمازيغية سواء عبر قياداتها القبلية التقليدية أو عبر مؤسساتها الحزبية لحماية الملكية من المخاطر المحدقة بها.
اعتمدت معظم أركان الدولة العسكرية والأمنية بعد الاستقلال في قاعدتها البشرية وقياداتها على المناطق القبلية وخصوصا الأمازيغية منها، وحتى حينما تعرضت الملكية لانقلابين عسكريين هددا وجودها في سنوات 1971 و1972، اعتبر البعض ذلك بمثابة تمرد من داخل البيت الأمازيغي نفسه خصوصا وأن معظم القادة الانقلابيين كانوا من القبائل الأمازيغية، كما أن الذين أحبطوا المحاولتين معا كانوا من نفس الطينة أيضا، كما أن القادة العسكريين الذين تم إعدامهم أو محاكمتهم هتفوا بحياة الملك، أو عبروا عن أنه تم التغرير بهم لأنهم إنما تحركوا بهدف حماية الملكية.
مع نهاية ستينيات القرن العشرين أسست جمعيات تدعو إلى الاهتمام بالثقافة واللغة الأمازيغيتين، وربما جاء ظهورها كرد فعل على الحركات السياسية القومية وحركة التعريب المركزية، ولكنها في معظمها لم تعلن نقض الولاء للملكية بل كانت تتوجه بمطالبها الثقافية إليها. لكن التجربة أثبتت أن الخطورة تكمن في عدم الاهتمام بمثل هذه المطالب الثقافية بادئ الأمر، إذ سرعان ما تتحول إلى مطالب سياسية في مرحلة لاحقة، ثم تتبلور المطالب السياسية إذا لم تتم معالجتها بسرعة كذلك إلى حركات مسلحة أو ربما انفصالية.
ومنذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي، تكاثر عدد هذه الجمعيات في مختلف مناطق المغرب -يفوق عددها الآن 600 جمعية- وبدأت مطالبها تتسيس: ومنها تعميم تدريس اللغة الأمازيغية على المغاربة، واعتبارها لغة رسمية، والتنصيص عليها في الدستور المغربي. ولم تشكل هذه المطالب قلقاً مع الدولة فقد تحركت الملكية هذه المرة تجاه الحركة الأمازيغية لاحتضان بعض مطالبها.
أنشأ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في يناير/كانون الثاني 2002 للحفاظ على التراث الأمازيغي، وجعل ميزانية هذا المعهد جزءا من الميزانية العامة للقصر الملكي، كإشارة للرعاية الملكية لهذه المطالب وأكد الملك محمد السادس في افتتاح المعهد أن الهوية المغربية متعددة لأنها بنيت على روافد عدة: أمازيغية وعربية وصحراوية أفريقية وأندلسية.
اعترف الملك محمد السادس في يناير/كانون الثاني 2003 بحرف تيفيناغ كحرف رسمي للكتابة الأمازيغية تنفيذا لتوصية المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتم الاعتراف رسميا باللغة الأمازيغية وظهرت مطبوعات عديدة بها كما بدأ تدريسها في نحو 300 مدرسة ابتدائية مغربية تمهيدا لتعميم تدريس الأمازيغية في جميع المدارس.
سادساً: أبرز مراحل المسألة بليبيا
قانون منع الأسماء الأمازيغية
صدور القانون رقم 24 لعام 2001 الذي يمنع التسمي بالأسماء غير العربية في السجلات الحكومية ويفرض عقوبة على المخالف.
المعارضة الخارجية
نظمت المعارضة الليبية في الخارج يوم 16 يناير/كانون الثاني 2004 مظاهرة شارك فيها نشطاء أمازيغ طالبوا بالكف عن قهر الأمازيغ سياسيا وثقافيا واضطهاد أتباع المذهب الإباضي وبالسماح بإقامة مؤسسات تعليمية ودينية للإباضية.
عقد المؤتمر الليبي للأمازيغية يوم 24 سبتمبر/أيلول 2004 اجتماعا موسعاً بمدينة لندن لمدة 3 أيام، وقد أوصى باستمرار حملة "الحق الأمازيغي" تحت شعار "لا تقتلوا اسمي الأمازيغي".
كما أصدر المؤتمر يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2004 بيانا ندد فيه بقيام السلطات الليبية بإعداد قوائم سوداء تضم نشطاء الحق الأمازيغي داخل ليبيا وخارجها والمطالبين بالاعتراف باللغة الأمازيغية وذلك للتحريض على ملاحقتهم داخليا وخارجيا.
الاعتراف بإقصاء الأمازيغ
اعتبر سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي في سبتمبر/أيلول 2005 أن الأمازيغية جزء من الثقافة الليبية، وانتقد أثناء زيارته للمناطق الأمازيغية القانون رقم 24 الذي يمنع التسمي بالأسماء الأمازيغية.
استقبل العقيد معمر القذافي بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2005 رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي الدكتور بلقاسم لوناس، رغم عدم اعتراف أي من دول المغرب العربي بالمؤتمر الذي يضم ناشطين أمازيغ من ليبيا والجزائر والمغرب ومالي والنيجر.
وصف اللغة الأمازيغية بالتخلف والمطالبين بها عملاء للإستعمار:
وصف العقيد القذافي اللغة الأمازيغية بخرافات العجائز فقال في خطابه عام 1983 "بالله كلام الجدات وخرافات العجائز، لا بد أن ينتهي بربر ما بربر، لغة قديمة ما لغة قديمة".
كما ودعى إلى انهاء اللغة الأمازيغية ليقول عام 1985 "فإذا كنت تسير في هذا المخطط، إذا تسير في مخطط الأعداء لا بد من محاربتك.. حتى هذه اللغة دعها تنتهي.. لغة لم تعد تنفعنا في شيء ولا نريدها.. فإن كانت أمك تدربك عليها فهي رجعية ترضعك حليب الاستعمار وتسقيك السم".
كما واعتبر القذافي أن الأمازيغية ليست لها قيمة وأن الأمازيغيون هم عملاء الاستعمار فقال في أغسطس/آب 1997 "هذه مؤامرة استعمارية.. الدفاع عن الأمازيغية مؤامرة استعمارية". وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة قال في رد على مذكرة للمطالب الأمازيغية على ما يبدو "ما هي الأمازيغية؟ هم أصل العرب.. نحن ليس لدينا أقلية حتى نتكلم عنها ونقول يأخذون حقوقهم الثقافية أو لغتهم، هؤلاء عرب.. إنها ردة للعصور القديمة.. لأن الأمازيغية ليست لها أي قيمة.. الأمازيغيون الذين يطالبون بهذا عملاء الاستعمار.. هؤلاء يتقاضون رواتب من المخابرات الأجنبية".
المادة 24 من القانون الليبي تمنع التسمي بأسماء غير عربية.
لم تبد السلطات الليبية أي حسن نية تجاه مطالب الحركة الأمازيغية، فهي ترفض أن تناقش إمكانية تعليم اللغة الأمازيغية، أو تسمح بتأسيس جمعيات أهلية أمازيغية، أو تسمح بنشر وتداول الكتب المتعلقة بالموروث الأمازيغي الليبي، أو السماح بالتغني والاحتفال بالأغنية الأمازيغية.
ففي العام 2000 سجنت السلطات الليبية فرقة تتكون من شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما كانوا يغنون باللغة الأمازيغية.
سابعاً: موريتانيا و الأمازيغية:
أسباب غياب المسألة الأمازيغية عن موريتانيا
قدمت قبائل صنهاجة (أكبر الإتحادات القبائلية الأمازيغية) إلى موريتانيا ضمن هجرة البربر التي غادرت أفريقيا الشمالية خلال القرن الثالث الميلادي وتوجهت نحو الغرب، وبدأت احتلال الصحراء من الشمال وأصبح البربر حاضرين في عموم المنطقة . قد عُرفت قبائل صنهاجة في تلك العهود بقبائل الملثمين نسبة للثام الذي كانوا يلتزمونه، كما سميت بلادهم تبعا لذلك بلاد الملثمين.
ومنذ الفتح الإسلامي لشمال أفريقيا وصلت سرايا الفاتحين إلى التخوم الصحراوية في عهد عقبة بن نافع ثم بشكل أعمق مع أحفاده ومع بعض الفاتحين القادمين من السوس.
عرفت موريتانيا بداية القرن 8هـ/14م وفود قبائل بني حَسّان العربية التي جاءت مع الهجرة الهلالية إلى شمال أفريقيا، وتمكنت من بسط سلطانها السياسي والعسكري على السكان الذين كانوا يعمرون البلاد وهم قبائل بربرية اللسان، مسلمة إسلاما سنيا موروثا عن حركة المرابطين.
وقد أرغمت قبائل بني حسان العربية القبائل الصنهاجية المهزومة بعد صراعها معها على التفرغ للنشاطات التجارية والشؤون العلمية والدينية.
تخلصت القبائل الصنهاجية بسرعة من لغتها القديمة وتقاليدها في الزي، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الدارجة في موريتانيا بعد احكام القبائل الحسانية سيطرتها على البلاد، واليكم بعض أسباب انتشار العربية وعادات الأعراب بين السكان المحليين.
أ - التعرب
لقد تخلى السكان القدماء عن لهجاتهم البربرية لصالح لهجة عربية مضرية متأخرة هي "الْحَسَّانِيَّة" المنسوبة إلى قبائل بني حسّان المذكورة. ولم تكن لغتهم قادرة على الوقوف أمام لغة الفاتحين، فهي شفوية أكثر منها كتابية وذلك ما يفسر قلة النصوص التي وصلت إلينا بالبربرية وانحصارها في بعض النقوش المكتوبة التي وردت أحيانا بلغتين، سواء البربرية والفينيقية أو البربرية واللاتينية.
ب - السياسة
وهي ممثلة في الدور الذي لعبه السلطان العربي الحسّاني في فرض العربية على البربرفأصبحت اللغة العربية الدارجة "الحسّانية" رمزا للقوة والنفوذ فكان ذلك هو البريق إلذي جذب الفئات المهزومة نحوها وفقا لمقولة ابن خلدون "المغلوب مولع بتقليد الغالب".
ويدللون على ذلك بتخلي صناهجة الصحراء عن لغتهم السريع للحسانية كما تخلوا عن ظاهرة التلثم بينما بقيت لدى إخوانهم من الطوارق لأن الهجرة العربية الحسانية لم تشمل بلادهم.
ويرى البعض أن شدة وطأة العرب الحسّانيين بث الرعب من العرب في النفسية الصنهاجية ورسخ حالة من "التقية" لضرورة التعامل مع السادة الجدد.
ج - التجارة
ولكن لا يكفي السلطان السياسي في نظر البعض لتفسير سرعة انتشار الحسانية وتخلي البربر عن لغاتهم، بل لا بد من عامل خاص باللغة الوافدة نفسها وهو الفاعلية.
ولعل ذلك راجع إلى أن اللهجات البربرية لم تكن لغة جهاز إداري قائم، كما لم تكن قادرة على حل مشاكل الصفقات التجارية والتبادل بين طرفي الصحراء.
ويبدو أن اللغة العربية قد قامت بذلك الدور منذ القديم "صفقات التجار في أوداغست"، لكن انتشار الحسانية ودوره في تطوير العربية أدى إلى "الانتقال من الاقتصاد الشفاهي إلى الاقتصاد الكتابي". فصارت العربية لغة التجارة ولغة الفقه أي المعاملات والعبادات، ثم لم تلبث أن صارت لغة الشارع نفسه.
د - المثاقفة والتعرب:
والحق أن هناك عوامل مختلفة متساوقة أسهمت في صياغة المجال اللغوي والحضاري للمجموعة الموريتانية القديمة صياغة جديدة أحدثت قطيعة صارمة مع العصر الصنهاجي "البربري" ووفرت عناصر إدماج قوية ذاتية وخارجية في العهد العربي.
ولذلك أصبحت هناك وبشكل قوي مظاهر تبني التراث العربي الذي قامت عليه الحياة الثقافية في موريتانيا وأصبحت أنساب العرب وأيامهم وعلوم لغتهم ودواوين شعرائهم دعائم لثقافة الموريتانيين.
وكان وقع تلك المثاقفة قويا على شجرات الأنساب الصنهاجية حيث تعربت بسرعة وانتقل الصنهاجيون من تقليد الانتساب للأم إلى تقليد الانتساب للأب!
ذ- دور الاستعمار
لم يسع الاستعمار الفرنسي إلى خلق "حالة أمازيغية" في موريتانيا، بفعل أسباب موضوعية منها:
ارتباط العرف المحلي بالاختيارت الفقهية للمذهب المالكي، ولذا لم تكن هناك حالة فراغ تشريعي كتلك التي كانت قائمة في المغرب مثلا بين بربر الجبال وسكان المدن
قام الاستعمار الفرنسي في موريتانيا "بإصلاح" القضاء والتمييز بين القضاء الأهلي "الشريعة" والمدني "الفرنسي" سعيا لعلمنة المجتمع وليس لتكريس "ظهير بربري" آخر لانتفاء مقوماته.
فرنسا والمسألة الأمازيغية
تعد علاقة فرنسا بالقضية الأمازيغية من القضايا الخلافية التي يطبعها غالباً الغلو الأيديولوجي، حيث يكيل فيها كل طرف وابلاً من القدح في حق الطرف الآخر. وسنركز في هذه المساهمة على تحليل بعض المعطيات وتفكيك الخطاب الأمازيغي السائد.
هناك تيار يقول بوجود سياسة فرنسية بربرية إبان الاستعمار تفرق بين البربر والعرب ويتهم بعضهم دعاة الأمازيغية بالارتباط بفرنسا بينما يقول دعاة البربرية إنه لا توجد هناك سياسة بربرية، بل إن فرنسا عمدت إلى تعريب الأمازيغ.
التيار الأول محق في القول بوجود سياسة بربرية تفريقية لضرب الإسلام، لكنه مخطئ في تهمة الارتباط بفرنسا. أما التيار الثاني فهو محق جزئياً فيما يتعلق بتعريب البربر (في الجزائر) فالدولة الفرنسية شيدت على دحر الخصوصيات لكنها استغلتها خارج حدودها. ثم إذا كانت قد ساهمت لوقت في تعريب القبائل فإن المسألة نسبية للغاية، إذ كيف لاستعمار أعلن عام 1936 العربية لغة أجنبية في الجزائر أن يساهم بالدوام في نشرها؟!
لقد أصر الاستعمار على التفريق بين البربر والعرب وعلى التقريب بينهم وبين الأوروبيين وعمد إلى إقصاء نحو 12 قرناً من التاريخ الإسلامي التي لم تتمكن من التأثير على البربر حسب خطابه. "من هذه الاعتبارات ستولد سياسة فرنسا البربرية لأن المسؤولين سيفاقمون هذه الاختلافات لهدف في منتهى السياسة".
رأت فرنسا أن من مصلحتها ربح البربر إلى جانبها بالاعتراف لهم بخصوصيتهم. وتداركاً لأخطائها في الجزائر، عزلت مناطقهم عن تلك الواقعة تحت سلطة المخزن، وسعت إلى فرض نظام قضائي خاص بالبربر يقصى فيه التشريع الإسلامي لصالح الأعراف، لكن بإخضاعه عملياً للقانون الفرنسي,
لم تكن سياسة فرنسا موالية للبربر على حساب العرب بإعطائهم مزايا سياسية أو اقتصادية، إذ لم تمنحهم مثلاً مقام المواطنة وأبقتهم ضمن فئة الأهالي كغيرهم. كما أن فرنسا لم تفلح في خلق قاعدة أمازيغية موالية لها تجندها ضد غيرها.
وتشهد الانتفاضات على أن البربر لم يتخلفوا عن النضال التحريري قط، وإنما استغل الاستعمار بعض الاختلافات بين المجموعتين، ومن هنا فسياسته ليست ممالأة للبربر أو دفاعا عن لغتهم وثقافتهم فهي لم تقم بترقيتهما، وبالتالي فقد أساء فهمَها مَن يقول بوجودها ومَن يعتبرها أسطورية. فهي كانت كرهاً للعرب والمسلمين وليست حباً للأمازيغ.
إن فرنسا لم تبتدع المسألة الأمازيغية من العدم وإنما خلقت لها الظروف السياسية لتوظيفها، ولولا وجود العامل الاجتماعي السياسي لهذه القضية لما نجحت في ذلك.
المبحث الثالث: المجموعات العرقية في السودان
أولاً: معلومات عامة:
الموقع والتضاريس:
يقع السودان في شمال شرق القارة الأفريقية، بيـن دائرتي عَرض 4 ْ و22 ْ شمالاً، وخطي طول 22 ْ، و28 ْ شرقاً، وهو أكبر الدول من حيث المساحة في أفريقيا و الوطن العربي، حيث تبلغ مساحته 2.505.810 كيلومتر مربع. وتحيط به تسع دول، هي إريتريا وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا ومصر، كما يحاذي البحر الأحمر من جانبه الشرقي، وتمتد حدوده مسافة 7687 كم.
وتغلب الطبيعة الصحراوية وشبه الصحراوية على الجزء الشمالي والشرقي من البلاد، في حين تغطي الغابات والمساحات الخضراء معظم أجزاء الجنوب الذي يحوي أيضا جزءا من النفط والثروات الطبيعية.
السكان:
عدد سكانه حوالي ( 40.000.000 ) نسمة ، ويتركز معظمهم في أواسط وشمال البلاد حيث يلتقي رافدا نهر النيل، النيل الأبيض تمتاز التركيبة السكانية في السودان بالتنوع العرقي والديني واللغوي، فهناك الزنوج والعرب والبيجا وغيرهم.
اللغات الأساسية:
اللغة العربية هي اللغة الرسمية والرئيسية في السودان، عدا الجنوب حيث تعتبر اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة هناك.
يوجد في السودان عدد كبير من اللهجات واللغات المحلية ، مثل اللغة النوبية أصل لهجات ( الدناقلة والسكوت المحس ..الخ ). ومثل اللغة التبداوية أصل لهجات البجة ، ولغة التقري و لغة الهوسا و الرطانة والبداويت. في شرق السودان إضافة الى لهجات القبائل الافريقية في الغرب مثل الفور والزغاوة والمساليت . او لهجات القبائل النيلية من شلك ودينكا ونوير ..الخ ، ولكن العربية ظلت هي لغة التخاطب في السودان ، والقاسم المشترك بين كل القبائل والثقافات ، ولغة الشعائر الدينية ، ولغة المعاملات التجارية والرسمية ، وإن حاول المستعمر أن يغرس الإنجليزية بديلاً لها في الجنوب.
الدين:
يشكل المسلمون 73%، معظمهم في شمال البلاد، والوثنيون والأحيائيون 22%، و5% مسيحيون يعيشون في العاصمة الخرطوم وفي جنوب البلاد.
الاستقلال:
استقل السودان عن الإدارة البريطانية المصرية المشتركة في الأول من يناير/ كانون الثاني 1956، واتخذ شكل الحكم الجمهوري، و أصبح عضوا في جامعة الدول العربية في نفس العام 1956 .
نظام الحكم:
نظام الحكم فى السودان جمهوري رئاسي ينتخب الرئيس مباشرة .
يتبع السودان نهج الحكم الاتحادى (الفدرالى) والذى بموجبه تم توزيع السودان الى 26 ولايه ولكل ولايه حكومة برئاسة والى (حاكم) ومجلس وزراء ومجلس تشريعي ومجالس محلية ذات سلطات واسعة .
تعتبر ولاية الخرطوم هى العاصمه القومية للسودان ومقر الحكومه والمجلس الوطنى الاتحادى (الجهاز التشريعي) .
يُنتخب المجلس الوطنى الاتحادى (الجهاز التشريعي) مباشرة من عامة الشعب .
ثانياً: التركيبة السكانية والعرقية:
موقع السودان جعله بوتقة انصهار للعديد من المجموعات العرقية العربية والزنجية ، الحامية منها والسامية ، و لقد استقبل السودان على مر عهوده الكثير من الهجرات البشرية من داخل وخارج إفريقيا أهمها على الإطلاق الفتح الإسلامي على يد القائد المسلم عبد الله بن أبي السرح مما أعاد صياغة التركيبة السكانية والثقافية و الاثنية.
أما بالنسبة للمجموعات العرقية في السودان فتشكل الأفريقية 52% ؛ العربية 39% ؛ البيجا 6% الأجانب 2% ؛ والمجموعات الأخرى 1%.
تتركز المجموعات العربية ( الجعليين ، الرباطاب ، الميرفاب ، الشايقية ، والحسانية والجموعية وهم من العرب العدنانيين) في الشمال والوسط .
وفي الوسط نجد قبائل (الشكرية والكواهلة والعركيين والاحامدة والخوالدة و اللحويين والشبارقة ).
و في شرق السودان نجد البني عامر وهي القبيلة العربية المعروفة اضافة للبجا (الهدندوة ، الامرأر ، البشاريين و الحلنقة و الحباب ، الارتيقة ، وغيرهم ) وفي الجنوب الشرقي (منطقة الجنوبا لنيل الازرق) فتتمركز مجموعات الفونج والبرون والفلاتة والقمز وهم ذو سحنة زنجية واضحة .
إما الجنوب فيغلب عليه العنصر الزنجي ( الدينكا ، الانواك ، الشلك ، التبوسا ، الباريا ، الزاندي ، النوير ، الاشولي ، الفراتيت ، المنداري وغيرهم )
بيما تختلط الاعراق العربية والزنجية وتتداخل في مناطق غرب السودان والعرب منهم ( الحوازمة ، بني حسين ، الرزيقات ، بني هلبة ، المعاليا ، الهبانية ، البديرية ، الحمر ، المسيرية وغيرهم) اما المجموعات الزنجية فمنهم ( الزغاوة ، البرتي ، الفلاتة ، الفور ، المساليت والنوبة .
أهم المجموعات العرقية في السودان:
أعراق جنوب السودان:
النيليون: وتضم:
النيليون الحاميون: قبائل الباري والمنداري والتوبوسا والتوركاتا.
قبائل ذات امتداد خارج حدود السودان:
قبائل جبال النوبة:
تنقسم قبائل جبال النوبة إلى مجموعات إثنية حسب اللغة على النحو الآتي:
مجموعة الكواليب: وهي أكبر المجموعات وتضم الكواليب ومورو وهيبان واتورو وتيرا وليرا وام حيطان والهدرة وكاو ونارو وفنقر وشاويه.
مجموعة النمانيج: وتضم قبائلها القاطنة القرى التالية : النتل وتندرية وسلارا وكلارا وكرمتي(هل تعني تيمنا بارض الجدود كرمةفي الشمال) وحجر سلطان و والفوس وافتي التي تسكن شرق جبل الدائر.
مجموعة تلودي والمساكين وتضم قبائل تلودي والمساكين واجرون وكلولو وقبائل طجة وغيرها.
مجموعة لفوفا وتضم لفوفا واميرا وقبائل اخرى.
مجموعة تقلي وقبائلها: الرشاد وكجاكجة وتقوى وتملي وترجك وتكم ووتيشان واخرى.
مجموعة كادقلي: وتضم قبائل كادقلي كرنقو وميري وتلشي وكاتشا وكمدة واخرى .
مجموعة تيمن وتضم قبائل كيقا وجرو وتيمن وسرف الضي وتيسي واخرى.
مجموعة كتلا وقبائلها: جلد وتيما واخرى. مجموعة الاجانج: وتضم قبائل الجبال السته وهي ( كرورو وكدرو كافيرا وكلدجي ودباتنا ووكارتالا بالاضافة لقبائل كاركو وغلفان ووالي وفندا كاتشا وطبق وابو جنوك والدلنج والكدر والشفر وكجوريه وقبائل كاجا وكتول في شمال كردفان واخرى.
مجموعة الداجو: وتضم شات، لقوري، صبوري، تيمن، لقاوة وابو سنون وتلو واخرى .
مجموعة الدواليب فهم نوبة مختلطون مع العرب فقدوا جزء من تراثهم النوبي وهم يسكنون شمال كردفان والروايه تقول ان الدواليب جزء من الكواليب (نفس الاسم قرية في وادي حلفا)
قبائل أبيي
تتكون قبائل أبيي من المجموعات الآتية: الشات، الرنقة، المادي، الدينكا أنقوك، الجور،الداجو، البيقو، الفرتيت ، النيالقلوقي (داجو)، المسيرية والرزيقات وبعض البرقو والفلاتة امبررو. علما أن سكان منطقة أبيي والمجلد الأصليين هم الداجو والشات وكانت حتى سنة 1764م، حسب المؤرخ هندرسون، تحكم بواسطة سلطنة الداجو بكردفان إلى أن تفرقت السلطنة بعد غزوها من قبل وداعة قائد جماعة المسيرية الحمر وتحالف بعض القبائل الأخرى القادمة من جهة الغرب. هجر معظم الداجو ديارهم بأبيي وأتجهوا جنوبا نحو راجا وواو وملكال.
الهجرات العربية ودورها في التنوع العرقي:
السودان هو أكبر الاقطار الافريقية والعربية مساحة ، لذا فإن هذه الرقعة الواسعة تضم العديد من الأجناس والمجموعات العرقية والسلالات ذات الأصول السامية والحامية والزنجية ، والتي امتزجت واختلطت عبر مئات السنين ، وكونت المجموعة العرقية والقبلية المعروفة اليوم ، وتؤكد الدراسات أن بالسودان الآن أكثر ن 572 قبيلة تتفرغ إلى عشائر وبطون لا حصر لها.
وفي بداية القرن الثالث عشر الميلادي ـ أي بعد ستة قرون من محاولة الفتح الاسلامي الأول التي انتهت بمعاهدة البقط ـ تكاثفت الهجرات العربية بشكل كبير من مصر ومن الجزيرة العربية نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية ، وانفتح المهاجرون العرب على الشعوب السودانية معايشة واختلاطا ، فقد صاهرت قبيلة ربيعة البجة في الشرق، وقد أدى هذا التوافد العربي الكثيف الى إسقاط الكيانات السياسية التي كانت موجودة ونشأت على أثرها مشيخات وإمارات عربية .
وفي منتصف القرن الرابع عشر سقطت مملكة النوبة المسيحية على يد بني عكرمة ـ إحدى بطون جهينة- ودان الكيان المسيحي الذي كان يصد توغل العرب ، فاندفعوا بأعداد كبيرة خلال لقرنين الرابع عشر والخامس عشر الى مملكة ( علوة ) آخر معاقل النوبة المسيحيين ، وغلبوها على أمرها ، وتمكنوا من إزالتها من الوجود في منتصف القرن الخامس عشر على الأرجح ، حيث انقضت جموع هائلة من القبائل العربية بقيادة عبد الله القرنياتي المعروف ب ( جماع ) على سوبا وقضوا على ملكها تماماً في السودان.
وهكذا أضفت الهجرات العربية صبغة جديدة على التركيبة السكانية في السودان ، فنتيجة لحركة المصاهرة والاختلاط والحركة والتنقل ظهرت الكيانات القبلية الموجودة الآن في السودان. فالقبائل النوبية في الشمال دخلت في الإسلام ونالت حظاً من الاستعراب ، ولكنها ظلت محتفظة بلغاتها ولهجتها وعاداتها المتوارثة و كذلك الأمر بالنسبة للقبائل البجاوية في الشرق ، وقبائل الزغاوة والمساليت والفور والتاما في الغرب .
ثالثاً: دخول الإسلام للسودان:
في السودان القديم كانت تسود الوثنية جميع أجزائه بأديانها المختلفة ومعبوداتها المتعددة ، كالمعبودات الفرعونية في ممالك النوبة آمون وايزيسوحورس ، او مثل المعبودات المحلية كأبادماك إله الحرب والنصر عند المرويين وسيبومكر ، وارينوسنوفس ، او المعبودات المأخوذة من الطبيعة مثل الأفعى والأشجار ، او مثل عبادة الطوطميات في الجنوب .
وفي منتصف القرن الرابع الميلادي دخلت النصرانية الى السودان عن طريق الإرساليات البيزنطية ، وما لبثت أن صارت هي الدين الرسمي لممالك النوبة الثلاثة : ( نوباطيا ، المقرة، وعلوة ) ، وانتشرت الكنائس فيها .
وفي القرن السابع الميلادي والأول الهجري 31هـ / 651 ـ 652م توغلت لجيوش الإسلامية في بلاد النوبة وحاصرت دنقلا عاصمة المقرة ولأن غرض المسلمين لم يكن الفتح ، بل وضع حد لهجمات النوبة على الحدود المصرية ، فقد انتهت هذه المرحلة بإبرام ما عرف ب ( اتفاقية البقط ) ، لكنها كفلت حق التوغل السلمي والتبادل التجاري للجانبين ـ مجتازين غير مقيمين ، وهو الأمر الذي كان له أكبر الأثر في نشر العقيدة الإسلامية عن طريق التجار المسلمين .
كما تم عقد اتفاقات مماثلة مع البجة في القرن الثامن الميلادي ، مكنت من فتح الموانيء السودانية مثل عيزاب وسواكن لنقل الحجيج ، والتجار القادمين من مصر ، وهكذا تسربت المؤثرات الإسلامية تدريجياً حتى جاء القرن لثالث عشر الميلادي ، وبدأت القبائل العربية تتدفق بأعداد كبيرة الى السودان ، وتداخلت مع السكان المحليين من النوبة والبجة ، وفي منتصف القرن الرابع عشر سقطت مملكة النوبة المسيحية على يد بني عكرمة ـ إحدى بطون جهينة ودان الكيان المسيحي الذي كان يصد توغل العرب ، فاندفعوا بأعداد كبيرة خلال لقرنين الرابع عشر والخامس عشر الى مملكة ( علوة ) آخر معاقل النوبة المسيحيين ، وغلبوها على أمرها ، وتمكنوا من إزالتها من الوجود في منتصف القرن الخامس عشر على الأرجح ، حيث انقضت جموع هائلة من القبائل العربية بقيادة عبد الله القرنياتي المعروف ب ( جماع ) على سوبا وقضوا على ملكها ، وهكذا انهزمت المسيحية تماماً في السودان ، ولكنها عادت مرة أخرى على يد المبشرين الاستعماريين خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، وأفسح لها الاستعمار الانجليزي المجال للعمل منفردة في المناطق التي يضعف فيها الأثر الإسلامي مثل الجنوب وجبال النوبة ، حتى صارت دين النخبة السياسية والمثقفين في تلك المناطق .
رابعاً: الاحتلال البريطاني واستقلال السودان.
احتلال بريطانيا للسودان:
دخلت القوات البريطانية السودان الذي كان يتبع مصر اداريا منذ ايام محمد علي باشا ، بقيادة الجنرال كتشنر ومعاونة الجيش المصري ، الذي واجه مقاومة كبيرة من رجال القبائل بقيادة محمد المهدي عام 1898 وفي عام 1899م وقعت مصر وبريطانيا اتفاقية ثنائية بينهما لحكم السودان، وقد كان الوجود المصري اسمياً وشكلياً، والوجود الإنكليزي هو الفعلي وهو الذي يحكم البلاد وينهب ثرواتها ومقدراتها.
لم تدخر القيادات الوطنية السودانية وسعاً في تحريك مشاعر المواطنين وإثارة نقمتهم ضد الإنكليز، وحثهم على الثورة ، ومن أهم تلك الثورات ثورة عام 1924م واستمر الشعب السوداني بالمطالبة في الاستقلال إلى أن تحقق في 19 ديسمبر كانون الأول عام 1955م، حيث أعلن عن ذلك إسماعيل الأزهري زعيم الحزب الوطني الاتحادي السوداني من داخل البرلمان السوداني،وفي 1 يناير كانون ثاني 1956م تم إعلان الاستقلال.
جمهورية السودان بعد الاستقلال.
تميزت الدولة السودانية خلال فترة الاستقلال وتشكلت بالموقع الذي يشغله رجل قوي مركزي في رأس السلطة، وتميزت أيضاً بالمشاركة السياسية المحدودة في فترات الديمقراطية، كما تميزت بعدم الاستقرار بسبب الحرب في الفترات العسكرية، وبسبب الصراع الناتج عن عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية، وتناوب على السلطة في ظل النظام الجمهوري منذ الاستقلال العديد من الرؤساء والحكومات كان على الشكل التالي:
خامساً: دور الإسرائيلي في أزمة السودان:
كشف وزير الأمن الإسرائيلي آفي دختر في محاضرة ألقاها في يوم 4 يوليو من العام الحالي عن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه كل من لبنان، وسوريا، والعراق، وايران، ومصر والسودان. وقال أنه كان لزاما على اسرائيل ان تنزع المبادرة من يد السودان حتى لا يتمكن من بناء دولة قوية ومستقرة، وكان هذا العمل بمثابة التنفيذ الفعلي للاستراتيجية الاسرائيلية التي تبنتها رئيسة الوزراء الاسرائيلية جولدا مائير منذ العام 1967 والخاصة بإضعاف الدول العربية واستنزاف طاقاتها في اطار المواجهة مع اعدائنا. وكشف الوزير الاسرائيلي عن بؤر ومرتكزات اقامتها اسرائيل حول السودان لكي ينطلق منها المخطط الاسرائيلي. قال الوزير الاسرائيلي ان تلك البؤر أوجدت في اثيوبيا وأوغندا وكينيا وزائير، واشرف عليها قادة اسرائيل المتعاقبون من بن قوريون وليفي شكول وجولدا مائير ومناحم بيغن واسحاق شامير واسحاق رابين وارييل شارون. وذكر الوزير أن اقامة تلك المرتكزات والبؤر في الدول المذكورة والمجاورة للسودان حتمه بعد السودان الجغرافي عن اسرائيل. ويرى الوزير الاسرائيلي ان المخطط قد نجح في اعاقة قدرة السودان على اقامة دولة سودانية قادرة على تبوء موقع الصدارة في المنطقتين العربية والافريقية.
كشف السفير إدريس سليمان عن أن حكومة الخرطوم ضبطت أسلحة إسرائيلية في دارفور بأيدي حركات التمرد؛ وهو ما "يؤكد التورط الصهيوني هناك". كما أشار إلى أن المخابرات الأردنية كشفت هي الأخرى عن شبكة لتهريب أسلحة إسرائيلية لدارفور متورط بها نجل "داني ياتوم" مستشار الحكومة الإسرائيلية، و"أن الصهاينة أكدوا أن هدفهم هو زرع دارفور بالسلاح ودعم المتمردين كي تظل منطقة توتر وقلاقل مستمرة".
الصلة الوثيقة التي تربط بين عبد الواحد النور زعيم الفصيل المسمي باسمه من حركة تحرير السودان والكيان الصهيوني وزياراته المتكررة لها، وتأكيده على اعتزامه زيارتها مرات عديدة وفتح سفارة لها وقنصليات في أقاليم السودان المختلفة عندما يتولي الحكم. وقد صرح عبدالواحد النور في حوار لقناة «العربية» بأن زيارته إلى إسرائيل جاءت للوقوف على أحوال اللاجئين السودانيين هناك، وعما اذا كانت الحركة لها مكتب في إسرائيل، قال نور: «نعم لدينا مكتب»، مشيراً إلى أن هناك تطبيعاً على المستوى الشعبي، حيث إن اللاجئين يعملون ويأكلون ويتعلمون مع الإسرائيليين.
يرى مراقبون أن العدو الصهيوني المتمثل في الموساد يشجع السودانيين على الهروب لدولة العدو الصهيوني وهناك تتم عمليات تأهيلهم وتدريبهم وتجنيدهم كعملاء للموساد ومن ثم نقلهم لمناطق مختلفة في دول القارة الإفريقية في محيط السودان أو وصولاً لبيوتهم الأصلية، وما عمليات التحريض وإشعال نار الفتنة في الجنوب السوداني إلا وتهدف لتفتيت السودان من خلال احتضان الأقليات و استيعابها وما هروبهم لدولة العدو إلا مخطط لتجد دولة العدو فيه تحقيقاً لأهدافها وهي الظهور بالمكان الآمن بالنسبة للمهاجرين ومن ثم تجنيدهم وتحريض العالم على النظام الحاكم في السودان وأخيراً تحقيق الهداف الاستراتيجي وهو السيطرة على المفاصل الأفريقية المحيطة بأمن وسلامة دولتها .
سادساً: الحركة الشعبية لتحرير السودان:
تمردت إحدى الكتائب العسكرية المسلحة في جنوب السودان عام 1983 إثر إعلان الرئيس السوداني السابق جعفر نميري إلغاء اتفاقية أديس أبابا التي أنهت 17 عاما من القتال بالجنوب، فأوفد نميري العقيد جون قرنق الضابط بالجيش السوداني آنذاك للتفاوض مع الكتيبة المتمردة، لكن قرنق وبدلا من إخماد التمرد تحالف مع المتمردين وأنشأ الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي ذراعها المسلح.
وأعلن قرنق أن هذه الحركة لا تطالب بانفصال الجنوب، وإنما بإعادة صياغة منهج الحكم فيه وتفكيك قبضة المركز على الأقاليم.
وقد كانت النبرة اليسارية واضحة في خطاب الحركة في بداياتها، لكن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي سرعان ما غيرت مفردات خطابها لتقيم بعد ذلك علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
تعرضت الحركة الشعبية لتحرير السودان لانشقاقات عديدة في صفوفها، وتشكلت عدة فصائل جنوبية منافسة لها، ورغم ذلك ظلت تقاتل الحكومات المتعاقبة في الخرطوم، إذ لم يقنعها سقوط نظام نميري بإلقاء السلاح، ولا تشكيل حكومة انتقالية بقيادة المشير سوار الذهب ولا قيام حكومة ليبرالية تعددية بقيادة الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني.
في الوقت الذي واصل فيه الطرفان قتالهم كانت هناك جولات متعددة من المباحثات بين الحركة وحكومة الخرطوم في العديد من العواصم الأفريقية، ولكن كان يغلب على هذه الجولات الفشل، واستمر الحال كذلك إلى أن توصل الطرفان أخيرا إلى نقاط اتفاق بينهما ظهرت في مشاكوس.
ثم مفاوضات نيفاشا التي فصلت الترتيبات الأمنية والعسكرية في الفترة الانتقالية التي تسبق الاستفتاء على تقرير المصير.
وقد بدأت الحركة الشعبية الآن ترتيباتها لإنشاء حزب سياسي في الخرطوم، وتعهدت بدعم خيار وحدة السودان عند الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب.
سابعاً: هل التنوع الثقافي والعرقي هو سبب المشكلة في السودان؟
مكمن الخلل:
الإقصاء السياسي والاقتصادي هو سبب الأزمات وليس التنوع الثقافي والعرقي.
حقيقة الأمر أن ما نصنفه اليوم علي أنه صراع عرقي وثقافي في السودان ما هو في واقع الأمر إلاّ صراع حول السلطة والثروة وتكالب علي منفعة آنية لا تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
الأمر في مجمله إن مجموعة محددة تداولت السلطة فيما بينها علي مدي العقود المنصرمة دون إشراك ا لآخرين بل غيبتهم تغييبا كاملا، حتى لم يكن هناك تمثيل نوعي وكمي لمشاركة للأقاليم في السلطات المركزية والإقليمية.
إن مكمن الأدواء التي أصابت السودان منذ الاستقلال سياسي في صميمه و نابع من أزمة مستديمة في أسلوب الحكم( مركزي قابض) وغياب الإرادة السياسية للفئات الحاكمة للالتزام باي اتفاق او عقد سياسي ينظم العلاقة بين الاقاليم المختلفة والمركز بالتراضي و المشاركة الحقيقية والفاعلة في التخطيط وصناعة القرار واتخاذه.
هذه الممارسات وغيرها هي التي نقلت التنوع الثقافي والعرقي في السودان من خانة المسالمة والمعايشة لعدة قرون من الزمان إلي خانة الواقع المرير الذي يطفح بالعداوة والبغضاء .
و لعل الخبير في القانون الدولي كلافام وفق في تفسيره للإضطرابات في القرن الإفريقي حيث يقول " إن التهميش الإقتصادي هو السبب الرئيس للحروب في تلك المنطقة ولا سيما عندما يرتبط ذلك بإقصاء سياسي ". وبالعكس فالتنوع الثقافي والعرقي إذا أحسن استغلاله للسعي نحو التراضي الإجتماعي وتقبل الآخر، بما يمثله من إفكار ورؤي يكون كفيلا لخلق أرضية مشتركة ونواة مركزية تتعايش حولها قوميات السودان المختلفة بعيدا عن الإحتكاكات العرقية والإنزلاق نحو الفوضي والإنفلات الأمني الأعمي الذي سوف لن يسلم منه أحد بصرف النظر عن إنتمائه العرقي أو الجهوي.
لذلك يري كثير من المهتمين بنشوء الإضطرابات الإجتماعية وأسبابها بأن التعدد الثقافي والعرقي لا ينبغي أن يكون سببا مباشرا للإزمات والإضطرابات ولكنه يصير ذلك عندما يرتبط بإقصاء سياسي وهضم حقوق الآخرين و بعدم المساواة الإجتماعية والإقتصادية. .
ماهو الحل للخروج من الأزمة؟
يجب أن ينصب البحث لإيجاد نظام يخفف من حدة التنوع العرقي والثقافي ويقلل من دورهما كمسبب للحروب والأزمات الطاحنة.
ليس هنالك ما يمنع أن تعمل كل هذه المتناقضات في فناء واحد وجنبا لجنب من غير تهميش أو تغول علي الآخرولا سيما أن الأعراق المختلفة , ولكنها المتجاورة والمتعايشة لفترة طويلة من الزمان لا بد أن ربطت بينها أواصر القربي وأنها أوجدت لنفسها بيئة ثقافية مشتركة كالتي نشاهدها في أبيي بين الدينكا والمسيرية أو البجا وقبائل شمال ووسط السودان, وكما هو الحال أيضا فيما يسمي بالقبائل العربية وغير العربية في كردفان ودارفور.
في هذه المناطق وما يشابهها نجد قواسم مشتركة بين القبائل المتجاورة قوامها أواصر المصاهرة والمعايشة ونمط الحياة المتشابه والتجارة المتبادلة , كل هذه جسورتربط بين هذه المجموعات العرقية المختلفة وهي سبب في تقريب الناس أكثرمن تفريقهم . ويأتي هنا دورالسلطة بأجهزتها المختلفة وفي معيتها الشرائح المثقفة في هذه المجتمعات في أن تستغل هذه القواسم وتجعل منها إطارا جامعا لتقارب إجتماعي وثقافي ولوحدة طوعية تكاملية .
قد يكون أمثل وعاء لمثل هذا التوجه هو النظام الفيدرالي الذي يكفل لكل أقاليم السودان حقهم في إبراز هويتهم الخاصة وإرضاء طموح أبنائهم في حكم أنفسهم بأنفسهم ومشاركتهم الفعلية في الأجهزة المركزية فضلا لإستغلال مواردهم المحلية بالشكل الأمثل من غيرنهب أوإستغلال من المركز.
وفي نفس الوقت يسعي لتنمية إقتصادية وبشرية متوازنة ولبناء علاقات وصل وبني تحتية لربط أقاليم السودان وشعوبه مما يساعد علي حركة تجارية وبشرية نشطة بين المجموعات العرقية المختلفة .
خلاصة البحث:
التنوع العرقي واللغوي ظاهرة اجتماعية وتاريخية قل ما يخلو منها مجتمع.
التنوع العرقي في ذاته ليس مشكلة إذا ما أحسن معالجته بخلق أرضية مشتركة للتعايش والحوار بعيداً عن الفوضى والانفلات.
في الحالات الثلاثة التي يتناولها البحث نجد أن أيدي خارجية تغذي وتؤجج الصراع الطائفي وتستغله لخدمة مشاريعها الاستعمارية.
الوطن العربي ككل يقع ضمن مخطط أمريكي لتمزيقه وتقسيمه إلى دويلات متناحرة.
من المرفوض أن نسلب أياً كان حقه في إبراز هويته الخاصة وأن نفرض عليها لغتنا وثقافتنا وهويتنا الخاصة.