أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا
تخصــــص: دبلوماسية وعلاقات دولية
مساق: الأمن القومي
عنوان الورقة:
الصراع الروسي الشيشاني
إعداد الطالب
محمد ابراهيم محمد(حماده)
إشراف الدكتور
ابراهيم حبيب
1438هـ - 2017م
مقدمة:
تنظر القيادة الروسية إلى منطقة القوقاز وبحر قزوين، باعتبارهم مناطق ذات أهمية حيوية في الاستراتيجية الروسية، فالسيطرة على القوقاز تعني السيطرة على بحر قزوين بما يشمله من ثروات بترولية هائلة في حين ان البحر الأسود، هو منفذ البحرية الروسية إلى مضايق البوسفور والدردنيل التي هي مفتاح التواجد في البحر المتوسط. وسعي الشيشان للانفصال هو أضعاف للنفوذ الاستراتيجي الروسي في قمم القوقاز، بل تعني تهديد للهوية الروسية ذاتها، لان سهول روسيا مأهولة بالأرثوذكسية، والسماح بجمهوريات إسلامية على قمم جبال القوقاز وعلى حدود تركيا الإسلامية يعني انتشار موجات الإسلام باتجاه سهول روسيا الاتحادية.
ملخص:
بالنسبة لقضية الشيشان فإن الثوابت في السياسة الروسية تتركز في الخوف من حدوث المزيد من الفوضى في المنطقة المتاخمة للحدود الروسية، وعدم تقديم تنازلات فيما يتعلق بأراضيها، إضافة إلى خشية روسيا من سيطرة الإسلاميين على الشيشان، وإذا حصلت الشيشان على استقلالها، فإن نزعة الاستقلال والتشدد الديني قد تمتد وتنتشر خارج الشيشان، وأن المشكلة الشيشانية هي شأن داخلي روسي، لا يجب أن يتدخل فيها أي قوى خارجية. روسيا متمسكة بالسيادة على الشيشان ليس فقط لأهميتها كممر للنفط الأذرى إلى البحر الأسود، ولكن لأنها تشكل أيضا سدا واقيا للدفاع عن حوض بيكا الذى يعتبر أكبر منتج للحبوب في كل روسيا. ثم إن استقلال الشيشان من شأنه أن يفتح ملف التطلعات الاستقلالية لدول القوقاز وحوض الفولجا (وهى دول إسلامية بأكثريتها).
الصراع ..نظرة تاريخية:
1-غزت روسيا المرتفعات الشيشانية الأولى في عهد بطرس الأكبر، في أوائل القرن الثامن عشر. في أعقاب فترة طويلة ومقاومة شرسة خلال حرب القوقاز، أخيرا هزمت روسيا الشيشان وضمتها في 1870. خاض الشيخ منصور الشيشاني معارك عدة مع الروس، بعد أن تجمع لديه جيش ضخم، من المجاهدين، في شمالي القوقاز، ورغم أن "كاترين" الإمبراطورة الروسية (1729 ـ 1796)، لم تكترث في بادئ الأمر بالشيخ منصور، وحركته في بلاد الشيشان، فإن هزيمة الكولونيل بيري، الذي أرسله بوتمكين، للقضاء على الشيخ منصور، جذبت اهتمام كاترينا لهذا الخطر، الذي ظهر، فجأة، في شمال القوقاز. وتمكن الشيشان وحلفاؤهم الداغستان، من قتل الكولونيل بيري، ومعه سبعة ضباط آخرين، إضافة إلى ستمائة جندي، وغنموا الأسلحة التي كانت بحوزتهم.
2-لقد مرت علاقات القوقازيين بالكرملين الشيوعي في ثلاث مراحل أساسية:
كانت المرحلة الأولى في عام 1923 عندما عقد مؤتمر عام لمسلمي روسيا. في ذلك المؤتمر طالب الشيشانيون، كمال أتاتورك، بإعادة الخلافة الإسلامية وبإعلان نفسه خليفة على المسلمين حتى يستقطب مسلمي القوقاز ويساعدهم على تحرير بلادهم من الاحتلال الشيوعي. ولكن أتاتورك كان في وادٍ آخر. كان يتطلع إلى الغرب مديرا ظهره إلى الشرق فتخلى عن الإسلام على أمل أن تحتضنه أوروبا، ولكن أوروبا التي ساعدته في الأمر الأول، لاتزال حتى اليوم تحول دون قبول تركيا عضوا في مجموعة دولها.
وكانت المرحلة الثانية في عام 1930 عندما أمم الاتحاد السوفييتى الأراضي وصادر ممتلكات القبائل الشيشانية. فاعتبر الشيشانيون ذلك بمثابة انتقال لأراضيهم من «الملكية الإسلامية إلى ملكية الإلحاد»، فثاروا ضد التأميم واصطدموا بالجيش السوفييتى.
أما المرحلة الثالثة فقد جرت أثناء الحرب العالمية الثانية عندما وصلت القوات الألمانية في تقدمها إلى القوقاز الشمالي. وجد الشيشانيون والشركس والتتار وغيرهم من سكان القوقاز في الألمان عونا لهم ضد الشيوعية ووجدت ألمانيا في معاناة هذه الشعوب حصان طروادة لضرب الاتحاد السوفييتى من الداخل. ولكن عندما خسرت ألمانيا الحرب وانسحبت جيوشها من القوقاز، قام الرئيس السوفييتى جوزيف ستالين بعملية انتقام جماعية ضد شعوب القوقاز؛ تمثل ذلك في تهجير هذه الشعوب ونقلهم في العربات المخصصة للحيوانات إلى سيبيريا حيث مات منهم هناك مئات الآلاف.
استمر هذا الوضع حتى عام 1956 عندما أعاد الاتحاد السوفييتى النظر في سياسة ستالين وقرر مجلس السوفييت الأعلى تجديد اعترافه بالأمة الشيشانية وسمح للشيشانيين بالعودة إلى وطنهم الأصلي، ولكن العودة من سيبيريا إلى الوطن الأم لم تضع حدا للحرمان الذى كانوا يعانون منه. حتى أن ميخائيل جورباتشوف (آخر رئيس للاتحاد السوفييتى) اعترف أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في 19 سبتمبر 1989 بأن الشيشانيين محرومون من التنمية وبأن تخلفهم يعود في الدرجة الأولى إلى هذا الحرمان.
من هنا يمكن القول: إن الحرب الأولى ضد الشيشان جرت في العهد القيصري. وأن الحرب الثانية جرت في العهد الشيوعي. أما الحرب الثالثة فإنها تجرى في العهد (الديمقراطي الإصلاحى) الذى بدأ بالرئيس بوريس يلتسين والمتواصل مع الرئيس فلاديمير بوتين ومع الرئيس ميدفيديف. عندما اتخذ الرئيس الروسي " فلاديمير بوتين" عشية أحداث سبتمبر 2001، قراره بالمشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب، كان في الواقع يفتح الباب لروسيا أن تلعب دور عالمي، إضافة إلى إيجاد حلول لقضايا داخلية، وقد أوضح تقرير أمني أمريكي إن من بين أهداف موسكو حاليا هو وقف الانتقادات الغربية ضد سياستها في الشيشان، واعتبار المقاتلين الشيشان جزءاً من جبهة الإرهاب العالمي.
أضافت بعض الدراسات الأخرى لأهداف موسكو هو الحصول على اعتراف الولايات المتحدة بأن منطقة القوقاز هي منطقة نفوذ روسية، ووقف توسع حلف شمال الأطلسي نحو الشرق، وفتح اعتمادات مالية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
سعت روسيا لتحقيق هذه الأهداف من خلال تأييد الحملة الأمريكية وبالتالي الخيار التغريبي وتضمن روسيا بذلك حرية العمل في الشيشان التي تعد من أولويات السياسة الروسية، وأن تكون روسيا جزء من المنظومة الأمنية الغربية، إضافة إلى الحصول على تسهيلات مالية لدعم الاقتصاد الروسي المتدهور، وتغطية نفقات الحرب في الشيشان التي تكلفها 300 مليون دولار شهرياً، إضافة إلى تخطي روسيا معوقات الحصول على قروض من الصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بسبب الحرب في الشيشان.
تعمدت روسيا بعدها إلى قطع المفاوضات مع الشيشانيين والتي كانت قد بدأتها في يونيه 2001 بحجة تشدد الرئيس الشيشاني "أصلان مسخادوف" في مطالبه، وأعلن "بوتين" مرارا منذ أحداث سبتمبر 2001 أمام الدول الأوربية أن المقاتلين الشيشان هم طالبان روسيا. كما تعمدت القيادة الروسية إلى تصعيد العمليات العسكرية ضد المقاتلين الشيشان.
وربما ساعد بوتين على الترويج لحربه هو ما حدث من نقل جغرافية الصراع بين الطرفين من موقع المعارك في الشيشان أو الجمهوريات القوقازية المجاورة إلى قلب العاصمة موسكو. وفتح المقاتلون الشيشان -الذين اكتسح الجيش الروسي تحصيناتهم ومعاقلهم- كتاب فنون الحرب مع عدو بحجم قوة عالمية على أبسط الدروس وأخطرها : الهجمات الفدائية.
انتهى