التغيير: قراءة مفاهيمية دلالية
أ.د/ بندي عبد الله عبد السلام عميد كلية
العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية جامعة أبو بكر
بلقايد/ تلمسان a_bendiabdellah@yahoo.fr |
أ/ علة مـراد أستاذ مساعد
بكلية العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية جامعة زيان
عاشور/ الجلفة mourad805@gmail.com |
ملخص:
فتحت أجندة الحياة الإدارية
للألفية الثالثة يومياتها على أبجديات جديدة غير التي ميّزتها خلال النصف الأول من
القرن العشرين..، بمعطيات جعلت صيرورة الإدارة تتم في اتجاه واحد مشترك، بل وتتميز
بالاندفاع الإداري المتزايد والمتسارع من الأفراد والمنظمات والكتل الدولية, وقد
كان عمق هذا التطور وسرعته على أشدهما في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
إنتاجاً, نقلاً وتوزيعاً, ففرض على الأفراد والمنظمات والدول شروطاً وآليات عمل
مختلفة، فشروط الميزة التنافسية وعناصرها لم تكن كما كانت عليه في النصف الأول من
القرن الماضي، وبدلاً من ذلك فإن الوجود التنافسي في القرن الحادي والعشرين سيكون
وقوده - وعنوانه العريض - الأساسي
وبلا شك "التغيير", الذي يستلزم قدرة على التكيف والتأقلم.
لذا أصبح موضوع التغيير القضية الأولى في حقل
الإدارة, وبات يشكل قضية محورية متصلة وملحة لجميع المنظمات, مستمرة باستمرارها
ونموها بما يُمكنها من تنفيذ خططها أهدافها, ورسالتها.
Abstract:
According
to the theory of systems, organizations are considered overt to the environment
where it exists. It is a state of continuous and permanent interaction give and
take, and mutual influence. This environment which by the 21st
century become more complex and due to the enormous change in every dimension
and aspect. In all its scope. Be then it local, regional or even international.
Thus organisations has become far flung from being already and stable, and is
in permanent need to change and update to be able to benefit greatly from its
strengths and favourable opportunities in addition to the environmental
variable with all its opposites potential effect. On the hand, it enable us to
eradicate the weaknesses. And to deal effectively with the threats, and all
considerations of potential negative effect: More corporately to succeed in
changing the attitudes of the environment strengths and their variables
appropriating them to the favour of the organization in a way that bring as
much benefits and advantage as possible. For that, the issue of change becomes
the first in the realm of management in world. Today’s world and the core
necessity of every organization. Its growth and continuation is linked the
extent of its realization so it can realize its plan, objectives and mission.
أولاً: « التغيير » : المفهوم و المميزات
1. تعريف التغيير
1.1. التعريف اللغوي:
"التغيير" في
اللغة العربية اسمٌ مشتقٌ من الفعل" غيّر" وغيّر الشيء أي بدله
وجعله على غير ما كان عليه, وغير عليه[1]
الأمر: حوله, وتغير الشيء عن حاله: تحول, وغيره: حوله وبدله, وفي
التنزيل العزيز قول الباري عز وجل" ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها
على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم", قال "ثعلب":
حتى يبدلوا ما أمرهم الله[2],
ولا تقل: تغيير الذات, وإنما قل التغيير في الذات, لأن هناك بوناً
شاسعاً بين المعنيين, لأن تغيير الشيء يعني استبداله بشيء آخر أو تغيير ماهيته
وكينونته إلى شيء آخر تماماً, أما التغيير في الشيء يعني بقاء الشيء على ما هو
عليه مع إجراء تعديلات أو تغييرات محددة فيه.
2.1. التعريف الاصطلاحي:
التغيير في المنظور الإداري له
عدد من التعاريف التي تذخر بها الأدبيات الإدارية عنه, وهذا إن دل على شيء فإنما
يدل على أهمية التغيير في الحقل الإداري, وصعوبة إيجاد تعريف جامع مانع له, إذ شكل التغيير مادة دسمة للكثير من
الباحثين والكتاب الذين تعرضوا لمحاولة تعريفه.
فقد عرفه سعيد يس عامر بأنه:
"استجابة مخططة أو غير مخططة من قبل منظمات العمل الإنسانية للضغوط التي
يتركها التقدم والتطور الفني الملموس وغير الملموس في الماديات والأفكار" .[3]
أما كامل محمد المغربي عرفه بأنه" إحداث
تعديلات في أهداف وسياسات الإدارة أو في أي عنصرمن عناصر العمل التنظيمي استهدافا
لأحد الأمرين:
·
ملاءمة أوضاع
التنظيم مع الأوضاع الجديدة في البيئة التنظيمية, وذلك بإحداث تناسق وتوافق بين
التنظيم والظروف البيئية التي تعمل فيها.
- استحداث أوضاع
تنظيمية تحقق للتنظيم خلافاً على غيره من التنظيمات ميزة تمكنه من الحصول على
عوائد أكبر".[4]
في حين عرف نائل عبد الحفيظ العواملة
التغيير بأنه" انتقال كمي او نوعي من مرحلة أو وضع إلى آخر, ويتضمن ذلك أية
تعديلات مادية أو بشرية أو تكنولوجية أو غيرها من جوانب التنظيم المختلفة".
وعرف هيج التغيير بأنه: "تأثير وتحول
الهيئة أو الصورة (صورة أو شكل المنظمة) لتعيش حياة أفضل في البيئة" [5]
.
وعرف "حنا
نصر الله وآخرون" التغيير بأنه: "الانتقال من وضع أو حالة معينة إلى وضع
أو حالة أخرى", في حين عرف "عمر وصفي عقيلي" التغيير بأنه: "نشاط
يهدف أساسا إلى احداث تغييرات في بعض أو جميع العناصر التي تتكون منها المنظمة من
أجل مواجهة بعض التغيرات والأحداث المؤثرة فيها والتي تحدث بداخلها أو خارجها في
البيئة التي تعيش في كنفها, وذلك من أجل تحسين قدرتها على حل المشكلات وتطوير
نفسها والتكيف مع المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية, ويتم هذا الأمر عن طريق
ادخال التغيير المناسب في المجال المادي أوالبشري أو الاثنين معا بما يتماشى
ويتوافق مع التغير البيئي الحادث".[6]
وعرفBennis التغيير بأنه: " الاستجابة للتغيير نتيجة
لوضع استراتيجية تثقيفية هادفة لتغيير المعتقدات والقيم والهيكل التنظيمي وجعلها
أكثر ملاءمة للتطور التكنولوجي الحديث وتحديات السوق"[7],
بينما عرف "خليل محمد حسن الشماع" و "خضير كاظم محمود" التغير
بأنه: "حركة الانتقال الجذري أو التدريجي من واقع راهن إلى حالة جديدة تختلف
عن سابقتها أو عن الحالة القائمة ".
بينما
عرفه "موسى اللوزي" بـ: "إحداث تعديلات في أهداف وسياسات الادارة
أو في أي عنصر من عناصر العمل التنظيمي مستهدفة أحد أمرين هما: ملاءمة أوضاع وأوجه
نشاط جديد يحقق للمنظمة سبقاً عن غيرها".
أما "فاروق السيد"
فقد عرف التغيير بأنه " التحول من نقطة التوازن الحالية إلى نقطة التوازن
المستهدفة, ويعني الانتقال من حالة إلى أخرى في المكان والزمان".[8]
أما "صلاح
الدين محمد عبد الباقي" عرف التغيير بأنه: " هو في الواقع خطة ايجابية
لتطوير أداء الجهاز أو المنظمة وتحسينها ونقلها من مرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر
فعالية ونجاحا وملاءمة لتغيرات البيئة والحياة المتغيرة دائما, لأن منظمة العمل أو
الجهاز الاداري يجب ألا يظل جامدا حتى لا يضطر إلى التغيير الاجباري وغير
المرغوب"[9].
وتعليقاً على ما سبق, يمكن أن نستخلص
من التعاريف السابقة ما يلي:
1- هناك تعدد في تعاريف التغيير ويرجع ذلك إلى اختلاف الزاوية التي ينظر منها
هذا الكاتب أو ذاك للتغيير, فمنهم من يعرفه من ناحية الهدف, ومنهم من يعرفه من
ناحية الوسيلة أو الأداة, ومنهم من يعرفه من ناحية الهدف, ومنهم من يحاول تعريفه
من ناحية المدخل والمجال لاحداث التغيير, منهم من يحاول أن يعرفه بابراز سمة أو
خاصية من خصائصه.
2- هناك خلط كبير من قبل الباحثين أو الكتاب بين مفهومي" التغير" و
" التغيير", اذ حاول بعضهم تعريف التغيير بأنه تحول, وقد سبق و أشرنا إلى
ان التغييرهو عملية تحويل في الظاهرة أو الموضوع الذي يتمحور حوله الحديث,
بينما" التغير" هوعملية تحول في تلك الظاهرة أو ذاك الموضوع.
3- هناك أيضا خلط كبير من طرف الكتاب بين مفهومي التغيير والتطوير اذ أن بعضم
حصر مجال التغيير في الهيكل التنظيمي, مهارات العمل, المجال البشري مع أن مجالات
التغيير لا يمكن حصرها, وبالمقابل التطوير التنظيمي هو الذي يركز على الهيكل
والمهارات والأفراد.
4- هناك أيضا تداخل كبير لدى بعض الكتاب بين مفهومي التغيير والتنمية
الادارية اذ أنهم حصروا مجالات التغيير في أهداف وسياسات الإدارة, الجهاز الإداري
وهي مجالات تهتم بها التنمية الادارية أو التطوير الإداري.
ومن خلال ذكرنا للتعاريف السابقة, نستطيع تصور
تعريف للتغيير كما يلي: التغيير هو نشاط حتمي, مستمر, تفاؤلي, يقوم على استجابة
مخططة أو غير المخططة أو المحتملة تواكب أو تؤثر في التغيرات البيئية الداخلية
والخارجية الحالية أو المحتملة, وذلك باحداث تعديلات في بعض أو جميع العناصر التي
تتكون منها المنظمة تكون عبر مراحل معينة باستخدام أدوات محددة من قبل أعضاء
المنظمة أو من طرف جهات خارجية متخصصة للانتقال بالمنظمة من حيث هي الآن في فترة
زمنية معينة (الوضع الراهن) إلى حيث ترغب أن تكون خلال المستقبل (الوضع المنشود),
من أجل تحقيق أهداف المنظمة بشكل أفضل.
3.1. خصائص التغيير:
تتميز عملية التغيير بعدد من المميزات,
ومن أهمها ما يلي:
(أ)- التغيير أمر حتمي: يقول علماء الاجتماع: «إن الشيء الوحيد الذي
لا يتغير هو التغيير نفسه»,[10]
ذلك أن التغيير أمر حتمي وضروري ولازم, وهذا يتناسق مع طبيعة الأمور والأشياء[11]
فلا شيء يبقى على حاله, ودوام الحال من المحال, فالحياة إلى انتهاء, والدنيا إلى
فناء, كما قال الرحمان في عروس القرآن" كًلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان,
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذًو الجَلاَل وَالاكْرَام, فَبأَيِّ ألاَءِ رَبِّكُمَا
تُكَذّبَان".[12]
ويتجلى هذا الأمر أكثر في عالم
اليوم حيث أصبح التغيير فيه قاعدة وليس استثناءً, فالعصر الذي تحيا فيه المنظمات
الآن عصر مليء بالتغير والديناميكية في شتى المجالات: السياسية, الاقتصادية,
الاجتماعية, القانونية.., مما جعل الكثيرين يطلقون عليه" عصر التغير"[13],
وهذا التغير أصبح كالمد العارم يجتاح كافة المنظمات على اختلاف أنواعها وأهدافها
ونشاطاتها بقوى وظروف بيئية تفرض على المنظمات حتمية التغيير سواء كانت هذه القوى
تأتي من الخارج أو من الداخل تنذر المنظمات بأن تتغير أو تزول.
(ب)-التغيير حركة تفاؤلية: أن حركة التغيير هي حركة ارتقائية
بالضرورة, وأن المنظمات أثناء قيامها بعملية التغيير تنتقل عبر سلسلة من المراحل
والخطوات أو الحلقات التطويرية تقفز بها من الوضع الحالي أو الراهن الذي تكون عنده
في فترة زمنية معينة نحو الوضع المستهدف أو المنشود الذي تأمل في الوصول اليه
مستقبلا, هذا الانتقال يشبه الخط المستقيم .
(ج)- التغيير عملية مستمرة: هناك قاعدة تقول أن "
التغيير مسألة مستمرة على مـر التاريخ", فالتغيير حالة مستمرة يحصل
بتخطيط مسبق أو بصورة عشوائية استجابة للظروف البيئية, كما قد يكون سريانه منظماً
كجريان الماء, أو موسمياً على قفزات نوعية أو كمية, وقد يكون بطيئاً أو سريعاً,
جذرياً أو تدريجياً, فهو من الظواهر التي تتصف بالديمومية والاستمرار ذلك أن
المنظمات تعمل ضمن بيئة داخلية وخارجية تتصف بالحركية وعدم الثبات خاصة بيئة العصر
الحالي, اذ أن السمة الغالبة عليها هي سمة "التغيير المستمر",
لذا على المنظمات أن تعتمد أسلوب التغيير المستمر لكي تحقق البقاء
المستمر في الأسواق[14],
لذا على المديرين أن يتوقعوا التغيير دائما ويعتبروه رحلة لانهائية لها, وكل تقدم
يعتبر نقطة انطلاق لمرحلة ثانية أعلى ولان احداث التغيير في المنظمات يتم على نطاق
كبير لذا لا يمكن اعتباره حدثا واحدا بل عملية مستمرة, وكون التغيير عملية مستمرة
فهو بهذا مرتبط بعنصر الزمن ومن ثم تظهر أهمية الوقت في عملية التغيير.
(د)- التغيير عملية شاملة: ان اعتبار التغيير عملية شاملة
يتماشى مع مفهوم النظم الذي يقضي بالنظرة الكلية والشمولية أو النظام محل
الاعتبار, لذا يتعامل التغيير مع المنظمة بكليتها (بكامله), أي باعتبارها نظاما
كاملا, فالتغيير عبارة عن استراتيجة تسير
المنظمة بأكملها تسعى لإحداث تغييرات في جميع جوانبها وهو بذلك يختلف عن التطوير
التنظيمي والتنمية الادارية التي تعتبر تغييرات جزئية كونها تنحصر في مجالات محددة
على مستوى المنظمة, كما أن النظرة المنظمية للتغيير تقضي بأن المنظمة باعتبارها
تتكون من أنظمة فرعية متداخلة ومتفاعلة, فان أي تغيير في إحدى أنظمتها (عناصرها)
يؤثر في كافة النظم الأخرى بدرجات متفاوتة, فتغيير نظام الرواتب والأجور, نظام
الحاسب الآلي, إجراءات تقييم العمل, ساعات العمل, وما شابه به, له آثار مختلفة على
باقي الأنظمة والعناصر, فتغيير نظام تقييم العمل الذي يصمم للوصول إلى دقة أكبر في
السجلات وتحديد النشاطات والترقيات يؤثر في نظام التحفيز, الصراع الداخلي, ديناميكيات
الجماعات وجوانب أخرى بالمنظمة[15].
ثانياً: « التغيير » : الأنواع, الأشكال والمراحل
إنّ نجاح عملية التغيير يتطلب
فهمهاً كاملاً لأنواع التغيير, وأشكاله, وكذلك لمراحله وهذا ما سنحاول توضيحه فيما
يلي:
1. أنواع التغيير
يجمع أغلب الباحثين في مجال التنظيم الاداري على
أن هناك نوعين أساسين للتغيير لابد من التفرقة بينهما كما يلي:
1.1. التغيير المخطط:
إنّ أحد طرق تعامل المنظمات مع
القوى للبيئة الخارجية والداخلية هو التوقع المسبق لاتجاهات هذه القوى وتغيراتها,
وقد ثبت عمليا أن المنظمات التي تشعر بالحاجة إلى التغيير قبل حدوث التغيرات
البيئية, ثم تخطط للتعامل مع تلك التغيرات عند حدوثها بطريقة منهجية, هذه المنظمات
أكثر فعالية وكفاءة, هذه العملية يطلق عليها مسمى"التغيير المخطط",
بناء عليه فان التغيير المخطط يتضمن توقعا للتغيرات البيئية المحتملة التي يتحتم
على المنظمات أن تتجاوب معها, وكيفية هذا التجاوب بصورة مخططة طبقا لمتطلبات تحقيق
الأهداف العامة أو الخاصة في المنظمات ذاتها[16],
وقد عرف "سكبنز" التغيير المخطط بأنه: "الأسلوب الإداري الذي يتم بموجبه تحويل المنظمة
من حالتها الراهنة إلى صورة أخرى من صور تطورها المتوقعة",[17]
وعرفه عبد الله عبد الغني الطجم والسواط طلق بن عوض الله بأنه" التغيير الذي
يتحكم فيه وفي مساره ويخطط له فيحدد أهدافه وسرعته ومجالاته "[18],
وعرفه أيضا زكي محمود هاشم بأنه: "محاولة مدروسة لتعديل وظيفة التنظيم الكلي
أو أحد أجزائه المهمة لزيادة الفاعلية ويمكن إحداث هذا التغيير بواسطة جهات خارجية
متخصصة".[19]
ومهما اختلفت هذه التعاريف إلا
أنها تجمع على أن التغيير المخطط هو منظمي
كونه يقع داخل المنظمات, ويتناول عناصرها وأبعادها في سكونها وحركتها, وأنه مخطط
لكونه يستلزم الاتفاق المسبق على إجراءات محددة من جميع الأطراف حول أسلوب جمع
البيانات تحليلها والحلول المقترحة, وطريقة تطبيقها, ومتابعة آثارها والتدخل
لتعديل مسار التطبيق عند الحاجة لذلك[20]
وأنه نابع عن قصد "إرادي" ويتبع خطة واضحة ويسعى إلى تحقيق أهداف ملموسة
مخطط لها سلفا, وأنه يتسم بالفعالية, قائم على الابداع واقتحام مجالات جديدة.
إنّ المنظمات الناجحة في ظلال
القرن الحادي والعشرين سوف لن تكون سوى تلك المنظمات التي يتوافر بها قادة يؤمنون
بحتمية التغيير المخطط الذي يقوم على فكرة التوجه بنشاط المنظمات نحو خلق المستقبل, التي تنظر للمستقبل من موقع الفاعل القادر على احداث التغيير وصناعته,
هؤلاء القادة فعلا القادة المستقبليون أو صناع التغيير القادرين على تحديد ما يرغبون في حدوثه ثم
يعملون على جعل تلك الرغبات حقيقة واقعة, الذين يقومون بالانتقال من الاستمرار في
احداث ردود فعل قصيرة الأمد إلى توجيه وقيادة الامد القصير من خلال الأمد الطويل,
وتوفير الوقت والجهد والموارد اللازمة لاستكشاف الفرص المتاحة والأساليب التي تؤدي
إلى الحد من المشاكل والتعامل مع المشاكل قصيرة الأمد بابداء ردود أفعال مفيدة
وفعالة بمعنى التصرف بشكل يقرب المنظمات من الأهداف الطويلة الأمد بدلا من
الاكتفاء بمعالجة المشاكل الفورية, والحرص - بصورة دائمة - على مواجهة المواقف أو
الظروف التي تتسم باستمرارية تغيرها بمزيج من الإجراءات الوقائية والمتوازنة
توازنا صحيحا تجمع ما بين الأمد الطويل والقصير في أفضل صورة.
2.1. التغيير العشوائي:
على العكس من التغيير
المخطط, هناك تغيير قائم على رد الفعل, ويحدث عندما لا تعطي إدارة المنظمات
اهتماما بالغا في توقع التغييرات البيئية, بل حتى هذه التغيرات بالفعل, وتتحرك حين
تشتد عليها الضغوط الخارجية أو الداخلية حينها فقط تقرر ماذا تفعل حيال تلك
التغيرات, وتقوم بسلسلة من الإجراءات الفورية الملموسة الروتينية القصيرة الأمد,
أي أنها إدارة مشاكل وإدارة بالأزمات, والتغيير الذي تعتمده هذه الإدارة في مواجهة
تحديات البيئة وتهديداتها هو المسمى بـ :" التغيير العشوائي",
وقد عرفه موسى اللوزي بأنه : "
التغيير الذي لا يكون مبنيا على خطة واضحة كما انه لا تبذل فيه أي محاولة لتحقيق
أي هدف".
إنّ التغيير العشوائي هو أسلوب
دفاعي تتخذ فيه الادارة مجموعة من الاجراءات العلاجية في مواجهة التغيرات والأزمات
فلا توجد خطة واضحة المعالم تضع المستقبل في حسابها, وتعد العدة لمواجهة مشكلاته
أو منعها قبل وقوعها.
إنّ الإدارة التي تلجأ إلى
التغيير العشوائي, هي تلك الادارة التي تترك الامور تجري, والأحداث تتداعى حتى تقع
الأزمات, حينئذ فقط تتحرك, وتنفق أو تقوم بسلسلة من الجهود المكلفة والشاقة, والتي
غالبا ما تكون نتائجها غير الفعالة أقل من الكلفة والجهد المبذول, وحين تنقضي
الأزمة تعود إلى سكونها, وتركن إلى قوقعتها مرة أخرى, فهي ادارة ساكنة وقتية جامدة
لا تظهر الا وقت الأزمات وتنتهي بانتهائها, لذلك فان مصيرها الحتمي سيكون نحو هوة
الفشل لسببين رئيسيين:
أولهما: أن المنظمات التي تعتمد هذا الأسلوب سيزداد ضعفها أمام المنافسة وغيرها من
التهديدات الخارجية الأخرى لعدم تمتعها ببعد النظر والتخطيط الاستراتيجي للتنبؤ
بالتهديدات والضغوط واعداد الخطط الكفيلة باحداث التغيير المناسب لمواجهتها.
ثانيهما: عجزها عن القيام بمعرفة واستغلال فرص رئيسية كانت ستحقق لها قدرا كبيرا من
النجاح.[21]
و بمقارنة بسيطة بين نوعي
التغيير المخطط والتغيير العشوائي, نجد أن التغيير المخطط هو أفضل نوع في احداث
التغيير لأنه يقوم بوضع الاستراتيجيات الضرورية للتعامل مع التغيير بأسلوب هجومي
تتخذ الادارة فيه مجموعة من الاجراءات الوقائية لمنع حدوث التغيير المتوقع خاصة
اذا كان هناك رغبة بعدم حدوثه, فالتغيير العشوائي أمر سهل وبسيط, ويمكن
البدء به بسرعة, لأنه هدم والهدم أمره سهل وبسيط, خصوصا في الجماعات التي يعاني
أفرادها من أزمة الوعي, أو تعاني صفوفها من التراكمات, والتواترات السلبية الكامنة
أو المحدودة, لذلك فان مجرد الدعوة اليه, والسير باتجاهه يؤدي إلى تمزيق وحدة الصف
وتفكيك الأوامر, والانتهاء بالمنظمة والعاملين فيها إلى أسوء الأوضاع, بخلاف
التغيير المخطط فهو أمر صعب, ويحتاج إلى المزيد من العناية والتفكير والتصميم
والارادة, وقبل كل ذلك الوعي الخلاق, وادراك ضرورة التغيير وضرورة العمل عليه.
لذلك فانه اذا تم الاعداد المناسب له, فانه سيحدث قفزة نوعية في العمل
والعاملين, في أي منظمة كانوا, وعلى أي صعيد عملوا.
2. أشكال التغيير
هناك عدة أشكال وأنماط للتغيير, وذلك حسب
المعيار المستخدم في التصنيف فيما يلي:
1.2. حسب نطاق التغيير:
حسب هذا المعيار نميز أشكال
التغيير الآتية:
أ- التغيير الجذري الشامل: هو ذلك التغيير الذي يشمل كافة جوانب المنظمة دون حصر أو اشتثناء, أي أنه
يتناول المنظمة بكاملها, ةكما أنه تغيير جذري راديكالي كونه يمس صلب أساسيات
المنظمة, اذ أن المنظمة تصبح مختلفة كلياً بعد انتهاء مشروعه, فهو تغيير كبير
ومصيري, لذا يطلق عليه أيضا مسمى: "التغيير الثوري" لأنه يحدد
ثورة داخل المنظمة بشكل يغير ملامحها كليا وجذرياً, لذا لا يتصف هذا الشكل بالبطء, وانما يكون تغييرا سريعا, من
أمثلته نذكر:
E إعادة الهندسة: تقوم فكرة هذا المدخل الإداري الحديث على إعادة التفكير الأساسي وإعادة
التصميم الجذري الراديكالي الشامل للعمليات الإدارية بالمنظمة من أجل الوصول إلى
تحسينات كبيرة في الأداء وإعادة الهندسة
لا تتضمن إصلاح أي شيء, ولكن كما يشير المصطلح فإنها تعني البدء من الصفر فيما
يتعلق بالطرق الأساسية التي يتم بها أداء الأشياء, والمنظمات التي تستخدم إعادة الهندسة
تنسى كيف كان يتم أداء العمل في الماضي وتبدأ من جديد.[22]
ب- التغيير الجزئي التدريجي: هو عكس الأول إذ
أنه لا يتناول المنظمة بكاملها, بل يتجه نحو جانب واحد فقط أو عدد من جوانب
المنظمة, كما أن هذا الشكل من التغيير لا يتم دفعة واحدة أو مرة واحدة بل يحدث
تدريجيا في جزء هنا, ثم جزء هناك, على قفزات متنوعة كمية أو نوعية في الأنظمة
الفرعية للمنظمة.
من أمثلة نذكر :
E التطوير التنظيمي: هو محاولة طويلة
المدى لإدخال التغيير بطريقة مخططة يركز على تغيير اتجاهات ومدركات وسلوكيات
وتوقعات الأفراد, وكذا هيكل المنظمات ومهامها, وكذلك التكنولوجيات المستخدمة وذلك
بغية زيادة فعالية لتنظيم وإحساسه بالصحة, من خلال مدخلات مدروسة في عمليات
التنظيم, وذلك باستخدام نظرية العلوم السلوكية,[23]
ويعرف أيضا باسم: "التنمية التنظيمية" .
E التطوير الإداري: هو عملية تغيير
الأنماط والضوابط السلوكية للجهاز الإداري كماً ونوعاً.., لتطوير وتنمية قدرات
الفريق الإداري الذي يعمل بالمنظمة, ويتضمن هذا الفريق المديرين التنفيذيين ومديري
الإدارة الوسطى, والمشرفين[24]
وفقا لتغيير مخطط وهادف له بطريقة علمية, ويعرف أيضا باسم"التنمية
الإدارية", وتهدف برامج التطوير الإداري إلى تنمية المهارات القيادية لدى
المديرين وكذلك تنمية قدراتهم على التفكير الخلاق واتخاذ القرارات الصحيحة,
والتنمية الإدارية لا تختص بتطوير الطاقات الإدارية لرجال الإدارة الحاليين, بل
تمتد لتشمل تهيئة مديري المستقبل, وتسليحهم بالقدرات الإدارية التي تمكنهم من تولي
المناصب القيادية في المستقبل.[25]
E التدريب: هو عملية نظامية لتغيير سلوك العاملين باتجاه
تزويدهم بالمعلومات والمعارف والمهارات والخبرات التي تؤدي إلى زيادة كفاءتهم
الحالية والمستقبلية.[26]
ويلعب التدريب دوراً
كبيرا في تنمية وتطوير الأداء لكافة القوى العاملة في المنظمة, وزيادة إنتاجيتهم,
مما يساعد على تحقيق أهداف المنظمة, والوصول بالأداء الإنساني في العمل إلى أقصى
حد ممكن بالشكل والأسلوب الذي يحقق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية المتاحة على
مستوى المنظمة.
2.2. حسب الشكل القانوني:
هناك عدة أشكال يمكن أن يتم
بها تغيير الشكل القانوني للمنظمات, ويختلف شكل التغيير ما إذا كانت المنظمة منظمة
قطاع عام أو منظمة قطاع خاص, أو منظمة أجنبية خاضعة لقانون الاستثمار أو منظمة
مشتركة أو فرع لمنظمة دولية, أو غير ذلك من أشكال التكامل التي تجمع بين عدة
منظمات, ومن أشكال التغيير حسب الشكل
القانوني نذكر مايلي:
أ- التغيير في شكل الملكية من القطاع العام إلى ملكية القطاع الخاص: وهو ما يطلق عليه بمصطلح "الخصخصة"
وهي سياسة ضمن مجموعة من السياسات التي تحث على الإصلاح الجذري اقتصاديا مع اعادة
الهيكلة الصناعية والادارية, تعتبر الخصخصة جزء من سياسة أعم تحوي بداخلها أنشطة
خاصة كانت من قبل تعالج بمعرفة القطاع العام, والخصخصة تعني تمويل عدد كبير من
القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية من ملكية الحكومة (القطاع العام) إلى ملكية القطاع الخاص[27].
ب- التغيير في شكل الملكية من القطاع الخاص الملكية الحكومة: سواء بالحراسة أو التأميم والحراسة نمط من أنماط التغيير القصري أو
الاضطراري ويحدث هذا النمط عندما تفرض الحراسة على المنظمة لصالح طرف من الأطراف
أو طبقا لقرار من المدعي الاشتراكي, أما التأميم فيعني تحويل الملكية
الخاصة إلى ملكية عامة, ومن السهل تأميم المنظمات (بجرة قلم من القوانين) وبمقتضاها تتحول المنظمة الخاصة (من خلال نزع الملكية الخاصة للأموال إلى
ملكية الدولة), أما في الخصخصة فان تحويل المنظمات من عامة إلى خاصة تشوبه الكثير
من الصعوبات, خاصة بعد أن تردت الكفاءة, وتغيرت القيم وانهارت نظم وأساليب العمل.
ج- التغيير في ملكية المنظمة ن خلال الاندماج أو الاستحواذ: تدعو التغيرات الجديدة في الساحة
العالمية مثل الاتجاه نحو التكتلات الاقتصادية العالمية إلى البحث عن بديل
المنافسة الشرسة, وايجاد صيغ من التعاون بين المنظمات بدلاً من التنافس, والتطاحن[28]
لأجل السيطرة على المخاطر والتهديدات, والمشاركة في المنافع والمكاسب الملموسة
وغير الملموسة[29],
فظهر ما يسمى بالتحالفات الاستراتيجية التي أصبحت أكثر من ضرورة في ظلال القرن
الحادي والعشرين ومن أكثر أنواع التحالفات الاستراتيجية شيوعا ما يسمى بـ: الاندماج
والاستحواذ, وكلاهما يغيران في شكل ملكية المنظمة, ويعرف الاندماج على أنه:
" اتحاد مصالح بين منظمتين أو أكثر, وقد يتم هذا الاتحاد في المصالح من خلال
المزج الكامل بين منظمتين أو أكثر لظهور كيان جديد أو قيام أحد المنظمات بضم منظمة
أو أكثر اليها كما قد يتم الاندماج بشكل كلي أو جزئي, أو سيطرة كاملة أو جزئية,
وكذلك قد يتم الاندماج بشكل ارادي أو لاإرادي[30]
", أما الاستحواذ فهو نوع من الاندماج اللاارادي يطلق عليه أحيانا الاندماج
العدواني خارج الخطوط التقليدية, ويحدث عندما تسيطر ادارة منظمة قوية وناجحة على
مقدرات منظمة ذات امكانات جيدة من أجل الاستلاء عليها, والاستغلال الأمثل لإمكاناتها.
3.2. حسب مصدر التغيير:
يمكن تصنيف التغيير حسب مصدر التغيير إلى ثلاثة
أشكال أو أنماط هي:
E التغيير المتعمد
Intentional
Change: يكون ها التغيير متعمدا,
أي صادرا من السلطة الداخلية للمنظمة, وينسب التغيير المتعمد إلى دور المدير
ونشاطاته في إتخاذ القرارات, فالتغيير هنا هو البديل الذي إختاره المدير, وأصدر به
قراره وتم تطبيقه ليعالج به مشكلة أويحسن به الأداء.
E التغيير المفروض
Obligatory
Change: في هذا النمط يفرض التغيير حرفيا على المنظمة عن
طريق قوى معينة في البيئة الخارجية,[31]
أي أن المنظمة لا تقرر ذلك التغيير بنفسها بمعنى أن قرار التغيير يصدر من سلطات
خارج أسوار المنظمة, وعليها أن تنفذه, كأن يكون التغيير اجباريا عن طريق القانون
مثل أن تغير المنظمة بعض سياساتها الإدارية لتتماشى مع بعض التشريعات أو التعليمات
الحكومية الصادرة كتخفيض ساعات العمل, أو زيادة عدد أيام الإجازات الإدارية
للعاملين, أو أن يكون مفروضا نتيجة التأثر بممارسات موظفي جمعيات حماية البيئة
والمستهلك , أو بسبب تعليمات ضبط التلوث.[32]
E التغيير التكيفي Adaptable
Change: هذا التغيير ليس متعمدا صادرا عن السلطة الداخلية, وليس مفروضا
من السلطات الخارجية, وإنما يحدث بناءا على إقتناع شخصي من المرؤوس, وبدون علم
رئيسه, أي أن هذا التغيير ليس له قنوات رسمية تدعمه وتتابعه, ويحدث التغيير
التكيفي بسبب من الأسبابا التالية:
أ- التطوير بعض إجراءات العمل.
ب- لجعل أنشطة الأداء أكثر ملاءمة.
ج- لمواجهة موقف إستثنائي.
د- للإستفادة من فرص مواتية.
3. مراحل التغيير
أشهر من كتب في عمليات التغيير
هو:Kurt Lewin , والذي يرى بأن أي تغيير لا بد
وأن يمر بثلاثة مراحل أساسية وهي:
v مرحلة الإذابة Unfeezing Stage
v
مرحلة التغيير Changing Stage
v مرحلة التجميدRefreezing
Stage
1.3. مرحلة الإذابة:
هي أهم مراحل التغيير لأنها تتعلق بحالة النظام (المنظمة), وبمدى استعداده لممارسة
التغيير, ولا شك في أن نجاح عملية تغيير النظام يتأثر إلى حد كبير باستعداد النظام
الاجتماعي/النفسي للتغيير.[33]
تهدف هذه المرحلة إلى إعداد العاملين نفسيا
ومعنويا لاستقبال التغييرات المزمع إحداثها وذلك بإشعارهم بالأمان تجاه التغييرات
التي قد تحدث في بيئة المنظمة, وبأنها لا تمس مصالحهم بسوء, وهذا بإبراز العوائد
والفوائد التي قد تترتب على التغيير, والتخفيف من قيمة أي سلبيات محتملة, وكذا
البدء في التغيير القوى البيئية الأخرى التي تؤثر في العاملين كنمط القيادة, نظم
الحوافز, وغيرها, بما يشجع العاملين على تقبل التغييرات المتعلقة بهم مباشرة,
ولهذا يتم في هذه المرحلة العمل على التخلص من الاتجاهات والقيم والممارسات
والسلوكيات التي يمارسها الأفراد داخل المنظمة في الوقت الحالي, ثم العمل على
تهيئة الأجواء الملائمة لخلق دوافع جديدة عند الأشخاص لعمل شيء ما, ثم العمل على
تقوية الشعور لدى هؤلاء الأشخاص بضرورة استبدال الأنماط السلوكية, والقيم
والاتجاهات القديمة بشيء جديد, ولا يمكن للمنظمة أن يتم لها ذلك مالم تقم بتهيئة
الأفراد والمديرين, ويطلق على عملية التهيئة بـ : "الإذابـة",
حيث يتم تحرير الموقف الذي يتعرض له الأفراد والأقسام والمنظمة من أي متغيرات تؤدي
إلى ثبات هذا الموقف, ومن ضمن أساليب تحرير وإذابة الموقف مايلي:[34]
ü منع أي مدعمات لأنماط السلوك التي تمثل نوعا من المشاكل التي يجب تغييرها
وذلك بإظهار أن أنماط السلوك السيئة هي شيء غير مرغوب فيه.
ü
انتقاد التصرفات
التي تؤدي إلى مشاكل, وقد يصل الأمر بالانتقاد إلى زرع الإحساس بالذنب, والبخس من
القدر أو الحط من القيمة.
ü
إشعار العاملين
بالأمان تجاه التغييرات التي قد تحدث مستقبلا.
ü
نقل الفرد من بيئة
العمل التي تشجع على التصرفات السيئة, قد يكون النقل إلى أحد الأقسام أو إلى دورة
تدريبية تدور حول المشكلة المعنية.
ü
تغيير بعض الظروف
المحيطة بالتصرفات السيئة فإذا كانت هي مثلاً: التأخير والغياب, فان التغييرات
التي تشعر العاملين بسوء هذه التصرفات قد تكون مثلا تغيير مواعيد الحضور
والانصراف, وعدد ساعات العمل والراحة. إن تفكيك أو إذابة الموقف تسهل للقائمين على
التغيير من التبصير والوعي بوجود مشاكل تحتاج إلى تغيير, ولزيادة هذا التبصير
والوعي بوجود مشاكل يمكن إجراء مقارنة أداء أجزاء المنظمة بعضها ببعض ودراسة
تقارير الأداء, وتقارير الرقابة بشكل جاد, وأيضا إجراء البحوث الميدانية داخل
العمل عن درجة الرضا, وتغيير قيم العمل, ومشاكل العاملين, وإجراءات العمل والإنتاج,
والأساليب الفنية وغيرها من الدراسات.
2.3. مرحلة التغيير:
تعني هذه المرحلة التدخل الذي يقوم به
القائمون على التغيير على الأنظمة وأساليب العمل والإجراءات التنظيمية, وعلى
السلوك الفردي والجماعي في المنظمة, وينظر بعضهم إلى مرحلة التغيير ليس فقط أنها
مرحلة تدخل, بل إنها مرحلة تعلم, أي مرحلة يكتسب فيها كل فرد من الأفراد, وكل
جماعات العمل, والمنظمة أنماط جديدة من التصرف والسلوك , والتي تساعدهم في مواجهة
مشاكلهم وفي التغيير إلى الأحسن.
ولهذا, فإنه يجب في هذه المرحلة التركيز على
ضرورة تعلم الفرد أفكارا وأساليب ومهارات عمل جديدة, بحيث يتوفر لدى الأفراد
البدائل الجيدة لأداء الأعمال, من خلال ما تقدمه الإدارة لهم. وفي هذه المرحلة
أيضا يتم العمل على إجراء تغيير في الواجبات والمهام, كذلك في الهياكل الموجودة
حاليا, الأمر الذي يتطلب من الإدارة ضرورة العمل على توفير معلومات ومعارف جديدة
وأساليب عمل جديدة للأفراد العاملين للمساهمة في تغيير مهارات وسلوك هؤلاء
وتطويرها.
وفي هذه المرحلة أيضا يحذر لفين
من عدم الإقدام بشكل متسرع على تنفيذ هذه المرحلة وإحداث التغيير, لأن ذلك سوف
يترتب عليه ظهور مقاومة شديدة ضد التغيير, الأمر الذي يؤدي إلى الإرباك والتشويش,
وعدم الوضوح ومن ثم عدم تحقيق المطلوب, ويتراوح مدى التغيير من تغيير محدود إلى
تغيير رئيسي وجوهري, فبرنامج تدريب بسيط لتنمية المهارات, أو تغيير إجراءات
التعيين, يعد تغييرا محدودا, طالما يتضمن مجموعة محدودة من الأفراد, وعلى العكس من
هذا فإن التغييرات الجوهرية التي تتضمن عدد كبير من الأفراد قد تتمثل في إثراء
مكثف للعمل, أو إعادة الهيكلة, أو المحاولات الجادة لزيادة صلاحية الأفراد لإتخاذ
القرارات.[35]
ومن الضروري بأن نفهم أن هذه
المرحلة تتطلب فترة زمنية طويلة نسبيا قد تستغرق عدة شهور أو أحيانا عدة سنوات
لوضع التغييرات موضع التنفيذ.[36]
3.3. مرحلة التجميد:
كما بدأت مراحل التغيير بضرورة إذابة الموقف, ثم
انتقل الأمر إلى التدخل بتغييرات مطلوبة, يكون من اللازم بعد التوصل إلى النتائج,
والسلوك المطلوب أن يتم تجميد ما تم التوصل إليه ويمكن القول بأن هذه المرحلة تهتم
بحماية وصيانة التغيير الذي تم التوصل إليه, وبمعنى آخر هي محاولة التثبيت والحفاظ
على المكاسب والمزايا التي تم تحقيقها من التغيير, فإذا كانت هناك تغييرات في
أساليب العمل السياسات والإجراءات, واكتساب الأفراد والجماعات والمنظمة أنماط
جديدة, وجيدة من السلوك, فيجب إذن حماية ذلك والإبقاء عليه ( أو ما يطلق عليه بتجميد
الوضع) أطول فترة ممكنة, بل
وضمان إستمراريته وثباته.[37]
إذ أنه لا يكفي إحداث
التغييرات, بل من المهم جداً حماية ما تم إنجازه, والحفاظ عليه وعلى المكاسب الناتجة
عنه, من خلال المتابعة المستمرة لنتائج عملية التغيير, وتقييمها والاستمرار في
تدريب المشاركين في التغيير وتطوير أنظمة حوافزهم, كما أنه من المهم جدا إنشاء
أنظمة تشجيع الاقتراحات الخاصة بالتغيير, ومما يساعد في تثبيت التغييرات التأكيد
على التغييرات في القيم والاتجاهات وتوضيح العلاقة بين أنماط السلوك الجديدة
والقيم السائدة[38],
كما ويتم التأكيد في هذه المرحلة على أن ما تم إكسابه للأفراد العاملين من مهارات
وأفكار وإتجاهات جديدة في مرحلة التغيير, يتم دمجه في الممارسات الفعلية عن طريق
مساعدة الأفراد في العمل على دمج الاتجاهات والأفكار, وأنماط السلوك التي تم
تعلمها في أساليب وطرق عملهم المعتادة مما يؤدي إلى سهولة الطرق والأساليب
الجديدة, وعلى الإدارة هنا أن تعطي الفرصة الكاملة للأفراد لإظهار ممارساتهم
السلوكية الجديدة, وضرورة العمل على تعزيز السلوكيات الإيجابية, حتى يستمر الأفراد
في مواصلة هذا السلوك برغبة ورضا.
خلاصة:
ومن نافلة القول, أنه على المنظمات جمعاء أن
تتنبأ بالمستقبل, وتدرس أوضاعها وأفكارها, وتخطط للتغيير كلما أدركت أن هناك حاجة
تدعو إليه, أو ضرورة تطلبه, لأنها بهذا الأسلوب تكون قد احتوت التغيرات المحيطة
بها, واستثمرتها على أحسن وجه, وإلا فإن الأمور قد تسوء, وهذا ما نجده ملاحظاً وجلياً
في العديد من المنظمات التي تتبنى الأنظمة القديمة, والأساليب المتحجرة الجامدة المغلقة.
وعليه, وجب على أي منظمة - مهما كان نشاطها,
حجمها ودورها - أن تعمل على تحقيق وتكريس فكرة التغيير الذي سيضمن وبلا شك بقاءها,
نموها وانطلاقتيها.
قائمة المراجع المعتمدة:
1)
القرآن الكريم، الجزء السابع والعشرون، سورة الرحمان، الآية:26-27.
2)
إبراهيم مصطفى و أحمد عبد القادر و أحمد حسن الزيات و محمد علي النجار، المعجم
الوسيط، تركيا, المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بدون سنة نشر.
3)
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم، لسان العرب،
لبنان, دار صادر، المجلد الخامس، بدون سنة نشر.
4)
سعيد يس عامر، الإدارة وتحديات التغيير، مصر، مركز وايدسرفس
للاستشارات والتطوير الإداري، 2000.
5)
كامل محمد المغربي، السلوك التنظيمي - مفاهيم وأسس سلوك الفرد
والجماعة في التنظيم -، الأردن, دار الفكر، 1994.
6)
ريتشارد هال، ترجمة سعيد بن حمد الهاجري, المنظمات - هياكلها، عملياتها،
ومخرجاتها -، المملكة العربية السعودية, معهد الإدارة العامة للطباعة
والنشر، 2001.
7)
عمر وصفي عقيلي، الإدارة - أصول وأسس ومفاهيم -،
الأردن, دار زهران للنشر والتوزيع، 1997.
8)
[1]- خليل محمد حسن الشماع، خضير كاظم محمود، نظرية المنظمة،
الأردن, دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 2000.
9)
فاروق السيد عثمان، قوى إدارة التغيير، مصر, دار الوفاء
للنشر والتوزيع، 2000.
10)
صلاح الدين محمد عبد الباقي، السلوك الفعال في المنظمات،
مصر, دار الجامعة الجديدة، 2002.
11)
ظاهر محمود كلالدة، الاتجاهات الحديثة في القيادة الإدارية،
الأردن, دار زهران للنشر والتوزيع، 1997.
12)
مصطفى كامل أبو العزم عطية، مقدمة في السلوك التنظيمي، مصر,
المكتب الجامعي الحديث، بدون سنة نشر.
13)
حنا نصر الله وآخرون، مبادئ في
العلوم الإدارية - الأصول والمفاهيم المعاصرة -، الأردن, دار زهران للنشر والتوزيع، 1999.
14)
علي شريف، الإدارة المعاصرة، مصر, الدار الجامعية، 2003.
15)
زكي محمود هاشم، تنظيم وطرق العمل، الكويت, مطبوعات الجامعة،
1984.
16)
عبد الكريم أحمد الخزامي، المنظمات والتغيير بين المدير والخبير،
مصر, مكتبة ابن سينا، 1998.
17)
محمد سعيد سلطان، السلوك الإنساني في المنظمات، مصر, دار
الجامعة الجديدة، 2002.
18)
راوية حسن، إدارة الموارد البشرية: رؤية مستقبلية، مصر,
الدار الجامعية، 2000.
19)
صلاح الدين محمد عبد الباقي، الجوانب العلمية والتطبيقية في إدارة
الموارد البشرية بالمنظمات، مصر، الدار الجامعية، 2001.
20)
مصطفى نجيب شاوش، إدارة الموارد البشرية، الأردن, دار الشروق
للنشر والتوزيع, 1996.
21)
أنطوان الناشف, الخصخصة: مفهوم جديد لفكرة الدولة ودورها في إدارة
المرافق العامة, مراجعة: نوال ثلج مسعود, لبنان: منشورات الحلبي الحقوقية,
2000.
22)
فريد النجار، التحالفات الإستراتيجية من المنافسة إلى التعاون - خيارات
القرن الحادي والعشرين -، مصر, إيتراك للنشر والتوزيع، 1999.
23)
طارق عبد العال حماد، اندماج وخصخصة البنوك، مصر, الدار
الجامعية، 2002.
24)
صلاح الدين محمد عبد الباقي، السلوك الإنساني في المنظمات،
مصر، الدار الجامعية، 2002.
25)
راوية حسن، السلوك التنظيمي المعاصر، مصر, الدار الجامعية،
2002.
26)
منال طلعت محمود, أساسيات في علم الإدارة, مصر, المكتب الجامعي
الحديث, 2003.
27)
محمد قاسم القريوتي، نظرية المنظمة والتنظيم، الأردن, دار
وائل للنشر والتوزيع، 2000.
[1]- إبراهيم مصطفى و أحمد عبد القادر
و أحمد حسن الزيات و محمد علي النجار ، المعجم الوسيط، تركيا:
المكتبة الاسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بدون سنة نشر، ص:668.
[2]- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين
بن مكرم، لسان العرب، لبنان, دار صادر، المجلد الخامس، بدون سنة نشر،
ص:3325.
[3]- سعيد يس عامر، الادارة
وتحديات التغيير، مصر، مركز وايدسرفس للاستشارات والتطوير الاداري، 2000،
ص:255.
[4]- كامل محمد المغربي، السلوك
التنظيمي (مفاهيم وأسس سلوك الفرد والجماعة في التنظيم)، الأردن, دار
الفكر، 1994، ص:321.
[5]- ريتشارد هال، ترجمة سعيد بن حمد الهاجري, المنظمات،
هياكلها، عملياتها، ومخرجاتها ، المملكة العربية السعودية, معهد الإدارة
العامة للطباعة والنشر، 2001، ص:416.
[6]- عمر وصفي عقيلي، الادارة:
أصول وأسس ومفاهيم، الأردن, دار زهران للنشر والتوزيع، 1997، ص:356.
[7]- خليل محمد حسن الشماع، خضير كاظم
محمود، نظرية المنظمة، الأردن, دار المسيرة للنشر والتوزيع
والطباعة، 2000، ص:370
[8]- فاروق السيد عثمان، قوى
ادارة التغيير، مصر, دار الوفاء للنشر والتوزيع، 2000، ص:9.
[9]- صلاح الدين محمد عبد الباقي، السلوك
الفعال في المنظمات، مصر, دار الجامعة الجديدة، 2002، ص:380.
[10]- ظاهر محمود كلالدة، الاتجاهات
الحديثة في القيادة الادارية، الأردن, دار زهران للنشر والتوزيع، 1997، ص:283.
[11]- صلاح الدين محمد عبد الباقي، مرجع
سبق ذكره، ص:375.
[12]- القرآن الكريم،
الجزء السابع والعشرون، سورة الرحمان، الآية:26-27.
[13]- مصطفى كامل أبو العزم عطية، مقدمة
في السلوك التنظيمي، مصر, المكتب الجامعي الحديث، بدون سنة نشر، ص:169.
[14]- خليل محمد حسن الشماع، خظير كاظم
محمود، مرجع سبق ذكره، ص:37.
[15]- حنا نصر الله وآخرون، مبادئ في العلوم الإدارية: الأصول والمفاهيم المعاصرة، الأردن, دار زهران للنشر والتوزيع، 1999، ص:92.
[16]- علي شريف، الادارة
المعاصرة، مصر, الدار الجامعية، 2003، ص:320.
[17]- خليل محمد حسن الشماع وزميله، مرجع
سبق ذكره، ص:370.
[18]- عبد الله عبد الغني الطجم والسواط طلق بن عوض الله، مرجع سبق ذكره، ص:09.
[19]- زكي محمود هاشم، تنظيم
وطرق العمل، الكويت, مطبوعات الجامعة، 1984, ص:222.
[20]- عبد الكريم أحمد الخزامي، المنظمات
والتغيير بين المدير والخبير، مصر, مكتبة ابن سينا، 1998، ص:159.
[21]- عبد الرحمان توفيق، مرجع سبق
ذكره، ص:73.
[22]- محمد سعيد سلطان، السلوك
الإنساني في المنظمات، مصر, دار الجامعة الجديدة، 2002، ص:461.
[23]- صلاح الدين محمد عبد الباقي، مرجع
سبق ذكره، ص:362.
[24]- راوية حسن، إدارة الموارد
البشرية: رؤية مستقبلية، مصر, الدار الجامعية، 2000، ص:181.
[25]- صلاح الدين محمد عبد الباقي، الجوانب
العلمية والتطبيقية في ادارة الموارد البشرية بالمنظمات، مصر، الدار
الجامعية، 2001، ص:209.
[26]- مصطفى نجيب شاوش، ادارة
الموارد البشرية، الأردن, دار الشروق للنشر والتوزيع, 1996، ص:231-232.
[27]- أنطوان الناشف, الخصخصة:
مفهوم جديد لفكرة الدولة ودورها في إدارة المرافق العامة, مراجعة: نوال
ثلج مسعود, لبنان: منشورات الحلبي الحقوقية, 2000، ص:9.
[28]- فريد النجار، التحالفات
الاستراتيجية من المنافسة إلى التعاون، خيارات القرن الحادي والعشرين، مصر,
إيتراك للنشر والتوزيع، 1999، ص:30.
[29]- فريد النجار، مرجع سبق ذكره، ص:14.
[30]- طارق عبد العال حماد، إندماج
وخصخصة البنوك، مصر, الدار الجامعية، 2002، ص:5
[31]- ريتشارد هال، مرجع سبق ذكره ، ص:440.
[32]- ريتشارد هال، مرجع سبق ذكره، ص:422.
[33]- صلاح الدين محمد عبد الباقي، السلوك
الإنساني في المنظمات، مصر، الدار الجامعية، 2002، ص:361.
[34]- أحمد ماهر، مرجع سبق ذكره، ص:437-438.
[35]- راوية حسن، السلوك
التنظيمي المعاصر، مصر, الدار الجامعية، 2002، ص:349.
[36]- منال طلعت محمود, أساسيات
في علم الإدارة, مصر: المكتب الجامعي الحديث, 2003، ص:308.
[37]- أحمد ماهر، مرجع سبق ذكره، ص:442.
[38]- محمد قاسم القريوتي، نظرية
المنظمة والتنظيم، الأردن, دار وائل للنشر والتوزيع، 2000، ص:264.