أكاديمة الإدارة والسياسة
تخصص دبلوماسية وعلاقات دولية
مساق : دراسات إقليمية ودولية
بحث بعنوان :
جمهورية روسيـــــا الإتحادية
إعداد الطالبة :
لينا أبو القمبز
إشراف الدكتور :
د. إبراهيم حبيب
2016-2017
فهرس المحتويات
مخرجات السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط 13
أهداف السياسة الخارجية الروسية في المنطقة 13
الفرع الأول: الأهداف الجيوسياسية والأمنية 13
الفرع الثاني: الأهداف الإقتصادية 16
وسائل تنفيذ السياسة الخارجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط 19
الفرع الأول: الوسائل الدبلوماسية 19
الفرع الثاني: الوسائل الإقتصادية 21
الفرع الثالث: الوسائل العسكرية 23
السياسة الروسية الخارجية (1992-2000) 27
الاقتصاد الروسي في الميزان الدولي نبذة عن الاقتصاد الروسي: 35
موسكو والاتحاد الإقتصادي الأورارسي 38
دول آسيا الوسطى والاتحاد، التحديات والمخاوف 39
روسيا Russian Federation
المقدمة ()
روسيا الاتحادية (Россия)، وأيضاً الفدرالية الروسية ، هي دولة تقع في أجزاء من أوروبا وآسيا. ولروسيا حدود برية مع الدول التالية (عكس عقارب الساعة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي): النرويج, فنلندا, إستونيا, لاتڤيا, ليتوانيا (اوبلاست كاليننگراد), پولندا (اوبلاست كاليننگراد), بلاروس, اوكرانيا, جورجيا, أذربيجان, قزخستان, الصين, منغوليا وكوريا الشمالية. وهي أيضاً قريبة من ولاية ألاسكا الأمريكية, السويد, الدنمارك, تركيا واليابان عبر مساحات مائية صغيرة نسبياً (مضيق برنگ, بحر البلطيق, البحر الأسود ومضيق لا پـِروس, بالترتيب).
الميدان الأحمر مركز النشاط في مدينة موسكو العاصمة و أكبر مدينة في روسياتعتبر روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة؛ فهي ضعف مساحة كندا، ثاني أكبر دولة في العالم. وفي الفترة بين عامي 1922 و 1991 كانت روسيا أكبر الجمهوريات في الاتحاد السوفييتي (السابق) الذي كان أكبر دولة شيوعية في العالم. وفي الثمانينيات من القرن العشرين بدأت عدة جمهوريات من الاتحاد السوفييتي، تطالب بالاستقلال ونشطت هذه الحركات الاستقلالية بعد فشل انقلاب عام 1991م. وفي ذلك العام تفكك الاتحاد السوفييتي، وبدأت روسيا بوضع أنظمة سياسية واقتصادية وقانونية جديدة.
تمتد روسيا عبر قارتي آسيا وأوروبا من المحيط المتجمد الشمالي إلى البحر الأسود جنوبًا، ومن بحر البلطيق غربًا إلى المحيط الهادئ شرقًا.
ومدينة موسكو العاصمة وأكبر المدن الرُّوسيَّة، وهي إحدى كبريات مدن العالم من حيث السكان، ولا توجد مدن تماثلها في عدد السكان، سوى مكسيكو سيتي وسيؤول عاصمة كوريا الجنوبية. و سانت بطرسبرج التي تقع على بحر البلطيق ميناؤها الرئيسي.
ينتمي معظم شعب روسيا إلى الجنس الروسي المنحدر من أصل سلافي، ويُوجد في روسيا أكثر من مائة أقلية وقومية. ويعيش نحو 73% من السكان في المدن التي تحتوي على أفضل المدارس ومراكز الرعاية .
المبحث الاول
الجغرافيا في روسيا
خريطة للاتحاد الروسى () :
تُعدّ روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة؛ إذ تبلغ مساحتها 17,075,400كم²، وهي تقريبًا ضعف مساحة كندا ثاني دولة من حيث المساحة. وتستغرق رحلة بالقطار بين موسكو في الغرب و ميناء فلاديفستوك في الشرق سبعة أيام تمر خلالها عبر ثمانية من أقاليم التوقيت.
الثلوج تغطي أكثر من نصف روسيا لستة أشهر من السنة. تقع هذة القرية بالقرب من مدينة أكستك الجغرافية الطبيعية الصخور متنوعة، ففي القاعدتين القديمتين الروسية والسيبيرية تبرز الصخور المتبلورة والمتحولة: (غرانيت، شيست، كوارتزيت، بيريدوتيت وسواها) والبركانية: (بازلت، غابرو، آنديزيت، تراكيت) والرسوبية: (كلس، دولوميت، حجر رملي والغضار والجص والرمال).
الجغرافية الطبيعية()
الصخور متنوعة، ففي القاعدتين القديمتين الروسية والسيبيرية تبرز الصخور المتبلورة والمتحولة: (غرانيت، شيست، كوارتزيت، بيريدوتيت وسواها) والبركانية: (بازلت، غابرو، آنديزيت، تراكيت) والرسوبية: (كلس، دولوميت، حجر رملي والغضار والجص والرمال).
الأقاليم الجغرافية()
يمكن تقسيم روسيا إلى أربعة نطاقات على أساس ظروف التربة والنباتات التي تعتمد أساسًا على المناخ. وتشكل هذه النطاقات أحزمة واسعة وعريضة عبر روسيا، لا تفصل بينها مناطق انتقالية واضحة والنطاقات هي من الشمال إلى الجنوب: 1- نطاق التندرا 2- نطاق الغابات 3- نطاق السهوب 4- النطاق شبه الصحراوي والجبلي.
يقع نطاق التندرا في أقصى شمالي روسيا، والتندرا عبارة عن سهول خالية من الأشجار، ذات مناخ قصير الصيف وطويل الشتاء، قارس البرودة تتجمد خلاله التربة. وتشكل التربة دائمة التجمد نصف مساحة النطاق وتسمى الجليد الدائم. وفي هذه الأماكن القاحلة يقل عدد السكان وتتكون الحياة النباتية من شجيرات قصيرة وأشجار قزمية والحزاز، وتعيش فيها حيوانات مثل الرنة و الثعلب القطبي و الأرانب البرية والقاقوم واللاموس.
يقع إلى الجنوب من التندرا نطاق الغابات. ويُعرف الجزء الشمالي من النطاق باسم التيغا، حيث تكثر الأشجار الصنوبرية مثل: الأرز والصنوبر والتنوب والبيسيه، و تربة البدزول الفقيرة التي لا تصلح للزراعة. أما الجزء الجنوبي من النطاق، فيتسم بتنوع أشجاره التي تشمل: الصنوبر والحور والبتولا والقيقب والبلوط وأنواعًا أخرى .
أما التربة فتصلح للزراعة في بعض المناطق خاصة في تلك الأماكن التي تتمتع بمناخ أكثر اعتدالاً ورطوبة. وتعيش هنا حيوانات متنوعة، مثل الدب البني والرنة والغزلان والسناجب والقندس.
الغابات الكثيفة تغطي الجزء الشمالي من روسيا امتدادًا من أوروبا حتى المحيط الهادئ، كما تغطي جزءًا كبيرًا من سيبريا، وفي هذه الغابة الواسعة يقل السكان. يقع نطاق السهوب إلى الجنوب من نطاق الغابات ويتكون الجزء الشمالي منه من مروج وسهول تغطيها الغابات، بينما يتكون الجزء الجنوبي من براري شاسعة خالية من الأشجار، وهنا توجد التربة السوداء تشيرنوزيم التي تُعدّ من أجود أنواع التربة في روسيا وأخصبها، ولذلك فإن معظم أراضي السهوب زراعية.
أما الحياة الحيوانية فإنها تتكون من:
الطيور والسناجب والظباء والجرابيع. في أقصى جنوب روسيا يقع النطاق شبه الصحراوي والجبلي. ويتسم هذا النطاق بتنوع تربته ومناخه لتباين التضاريس، ويشمل هذا النطاق المنخفضات شبه الصحراوية الجافة حول بحر قزوين ، كما يشمل جبال القوقاز ذات المناخ الرطب والغابات الكثيفة الخضراء.
قسَّم الجيولوجيون روسيا إلى خمسة أقاليم تضاريسية، تتباين فيما بينها وتختلف عن التصنيف السابق الذي يعتمد على التربة والنبات.
وهذه الأقاليم من الغرب إلى الشرق هي: 1- السهل الأوروبي 2- جبال الأورال 3- سهل سيبريا الغربية 4- هضاب سيبريا الوسطى 5- مرتفعات سيبريا الشرقية.
نطاق الأرض الزراعية الغنية يمتد عبر روسيا من الشرق إلى الغرب. وفي الصورة يقوم العمال الزراعيون بحصد محصول القمح في السهل الأوروبي الذي يشكل معظم الجزء الأوروبي من روسيا.
* السهل الأوروبي: يكوّن الجزء الأعظم من روسيا الأوروبية وأكثر أجزائها ازدحامًا بالسكان. والسهل الأوروبي أرض منبسطة في معظم أجزائه، تتخللها مرتفعات لا تتجاوز 180م فوق سطح البحر. وعلى الرغم من افتقاره للموارد الطبيعية، فإن الإقليم يحتوي على معظم الصناعات الروسية. وتغطي الغابات معظم أجزاء الإقليم الذي يرتع فيه العديد من الحيوانات المختلفة. وتحف بالسهل من الجنوب ما بين البحر الأسود وبحر قزوين جبال القوقاز حيث يوجد جبل إلبروس ، أعلى قمة في القارة الأوروبية (5642م فوق سطح البحر).
* جبال الأورال: تشكل الحدود التقليدية بين قارتي آسيا وأوروبا ومن ثم بين روسيا الأوروبية وروسيا الآسيوية، وهي في الحقيقة مرتفعات يصل معدل ارتفاعها إلى 610م، وأجزاؤها الوسطى والجنوبية غنية بمعادن مثل الحديد والنحاس، جعلت الجزء الأوسط منه أكثر مناطقها ازدحامًا بالسكان والصناعات المختلفة.
مرتفعات سيبريا الشرقية مناطق مقفرة من الجبال والهضاب ولكنها تحتوي على موارد معدنية قيمة، يصعب استغلالها بسبب مناخها القاسي. المدن الصغيرة كهذه التي تظهر في الصورة، متناثرة في ربوع مرتفعات سيبريا الشرقية.
سهل سيبريا الغربية. يُعدّ من أبرز الأقاليم المنبسطة السطح في العالم، ويغطي أكثر من 2,6 مليون كم² وبارتفاع يقل عن 150م فوق سطح البحر. ويصرف السهل نظام نهر الأوب الذي يصب في المحيط القطبي الشمالي. والتصريف النهري رديء هنا مما أدى إلى كثرة المستنقعات خاصة في أجزائه الشمالية. ويشهد الإقليم تطورًا كبيرًا بسبب ثروته من النفط و الغاز الطبيعي. ومن أهم مدنه أومسك و نفوز يبيرسك.
* هضبة سيبريا الوسطى: وتنحدر نحو المحيط القطبي الشمالي ، وترتفع كلما اتجهنا جنوبًا ويصل معدل ارتفاعها إلى 610م، وتخترق سطحها أنهار عميقة، وترتفع جبال بيكال وسايان إلى أكثر من 3,350م على طول الطرف الجنوبي للهضبة. وتغطي الغابات الصنوبرية الكثيفة معظم أجزاء الإقليم الذي يسوده مناخ قاري. وتوجد بالإقليم رسوبات معدنية غنية. من أهم مدنه كرازنويارسك واركتسك.
* مرتفعات سيبريا الشرقية: معظمها تتكون من جبال وهضاب مقفرة، وترتفع الجبال إلى 3,000م مكونة جزءًا من مجموعة السلاسل الجبلية التي تمتد على طول الساحل الشرقي لقارة آسيا وبعض الجزر المتاخمة له. وفي شبه جزيرة كمشاتكا يوجد 25 بركانًا نشطًا يرتفع أعلاها إلى 4,750م. ويمنع المناخ القاسي الذي يسود المنطقة من استغلال الثروات المعدنية التي يزخر بها الإقليم ومن أهم مدنه: فلاديفوستك وخباروفسك.
بحيرة بيكال أعمق بحيرة في العالم وتقع في سيبريا. ويصل عمقها إلى 1620مترًا ويعيش مجتمع صغير بين البحيرة والجبال المحيطة بها.
* القفقاس: جزء من منظومة الجبال الألبية، ويمتد بين البحرين الأسود والخزر وأعلى قممه البروس (5642م) وكازبيك (5023م). * جبال الجنوب السيبيري: تتكون من سلاسل جبليـة كثيرة بمسـاحة إجمالية قدرها 1.5مليون كم2، وهي مرتفعة في الشمال (2500ـ300م)، وتنخفض في الجنوب إلى 800ـ1300م. * جبال المحيط الهادئ: تحاذي سواحل المحيط الهادئ، وتقع في المقعر الآسيوي النشط زلزالياً وبركانياً، وهي مرتفعة عموماً (2000ـ2500م).
الأنهار والبحيرات()
تؤدي أنهار روسيا الكبرى دورًا مهمًا في النقل والتجارة، وخاصة بعد شق القنوات العديدة التي تربط بين هذه الأنهار. ولكن بعض هذه الأنهار يصب في المحيط القطبي الشمالي مما يفقدها الأهمية خاصة في مجال النَّقل. وهذه الأنهار هي: لينا والأوب وينيسي وآمور وكل أنهار سيبريا تتجمد لفترة تمتد من 7 ـ 9 شهور في السنة. ومن أنهار روسيا الأوروبية نهر الفولجا الذي ينبع من تلال فالداي غربي موسكو ويجري لمسافة 3,531كم ليصب في بحر قزوين، ويُعدّ من أطول أنهار روسيا بعد نهر لينا (4,400كم).
وهناك أيضًا نهر الدون الذي يصب في البحر الأسود ويرتبط بنهر الفولجا بقناة، و نهر الأورال الذي يصب في بحر قزوين، و نهر دفينا الشمالي. تعج روسيا أيضًا بالعديد من البحيرات التي يبلغ عددها 200,000 بحيرة، أكبرها بحر قزوين الذي يُعدّ أكبر مسطح مائي داخلي في العالم. وهو بحر مالح يصل عمقه إلى 28م تحت البحر. أما بحيرة لادوجا قرب سانت بطرسبرج ـ أكبر بحيرات أوروبا ـ فإن مساحتها تبلغ 17,703كم². وفي سيبريا توجد بحيرة بيكال التي تُعدّ أعمق بحيرة في العالم إذ يبلغ عمقها 1,620م.
الشتاء بارد طويل في معظم أجزاء روسيا. تغطي الثلوج منطقة موسكو لمدة خمسة أشهر في السنة. تبين الصورة شارعًا في موسكو خلال الشتاء.
المنــــــــــــاخ()
تشتهر روسيا بشتائها الطويل القارس الذي ساعد في صد الغزاة وشل حركتهم، مثل جيوش نابليون عام 1812م وجيوش هتلر إبان الحرب العالمية الثانية. وفي إقليم موسكو تغطي الثلوج الأرض لمدة خمسة أشهر في السنة بينما تمتد فترة الثلوج في أقاصي روسيا الشمالية إلى أكثر من ثمانية أشهر. ولذلك فإن النسبة الضئيلة من أراضي روسيا الصالحة للزراعة، تعاني من فترة نمو أقصر وأمطار غير كافية، فالتربة في نصف أراضي روسيا في حالة تجمد دائم، كما أن معظم سواحل البلاد وبحيراتها وأنهارها تتجمد معظم شهور السنة.
درجات الحرارة في يناير في شرقي سيبريا، تُعدّ من بين أبرد المناطق في العالم إذ تنخفض إلى 68°م تحت الصفر. وفي أقصى المناطق الغربية من روسيا تنخفض الحرارة في الشتاء إلى أكثر من 12°م تحت الصفر.
مناخ روسيا مناخ قاري، يتسم بالتباين الشديد في درجات الحرارة بين فصلي الصيف والشتاء. ففي شمال شرقي سيبريا توجد أبرد منطقة في العالم (فيرخويانسك) حيث يصل معدل الحرارة في يناير إلى أقل من 46°م تحت الصفر (سُجّلت درجات وصلت إلى 68°م تحت الصفر) بينما تبلغ درجة الحرارة في يوليو إلى 16°م، وقد ترتفع إلى 38°م أحيانًا، مشيرًا إلى أعلى مدى حراري في العالم.
تهطل أكثر الأمطار في السهل الأوروبي ومرتفعات سيبريا الشرقية والجبال الممتدة على طول الحدود الجنوبية. وهناك مناطق شاسعة في الأجزاء الداخلية يسقط فيها قليل من المطر.
أما كمية التساقط، فإنها تتراوح بين قليل ومعتدل، فتهطل معظم الأمطار على السهل الأوروبي وبعض أجزاء مرتفعات سيبريا الشرقية، بينما يقل نصيب المناطق الداخلية فيها. أما في غربي ووسط سيبريا، فيكون التساقط في شكل ثلوج غزيرة تصل إلى 120سم في السنة.
تباين درجة الحرارة في يوليو في روسيا من منطقة لأخرى. في معظم البلاد يبلغ المعدل أكثر من 16°م وقد ترتفع إلى 38 ° م في شمال شرقي سيبريا و تنخفض دون الصفر في جزر المحيط القطبي الشمالي.
النبات والحيوان()
تتوزع النباتات نطاقياً على النحو الآتي:
*النطاق القطبي: نباتاته طحلبية وأشنية وحشائش، ويعيش هنا الدب القطبي و الثعلب القطبي و عجول البحر والفقمة وطيور الغاق.
*النطاق التوندري: تكثرفيه النباتات المستنقعية وشجيرات قزمة من السرو والصفصاف والدلب و الترب توندرية متجمدة طينية ومستنقعية هلامية، ويصادف هنا الدب الأسمر والثعالب والوعول والبومة والبط.
*نطاق التايغا الغابي: تكثرفيه الأشجار الابرية: السرو، الصنوبريات و الترب بدزولية راطبة ويعيش فيه الذئاب والدببة السمر والثعالب والوعول وكثير من الطيور.
*نطاق الغابات المختلطة والعريضة الأوراق: فيها البلوط والسنديان والشوح والدلب والصفصاف والحور، ونصادف هنا الحيوانات الآنفة الذكر وتكثر القوارض والزواحف، والترب رمادية غابية جيدة.
*النطاق السهبي: تسيطر فيه الحشائش النجيلية السهبية ، والترب ممتازة سوادء وبنية وكستناوية وعدد الزواحف والقوارض كبير جداًَ وتكثر الثعالب والأرانب و بنات آوى والطيور المحلية والمهاجرة.
الجغرافية البشرية()
التركيب العرقي: الأعراق في روسيا كثيرة جداً (100ونيف) وتراوح أعدادها فيما عدا الروس ما بين بضعة ملايين إلى أقل من 10 آلاف نسمة، وأبرز الأعراق ما يأتي: *السلاف: ممثلون بالروس خاصة، ثم الاوكرانيين والروس البيض. *الطورانيون الأتراك ، ومنهم: التتار، البشكير، الالطائيون، الياقوت والقره قلبق. *الفينيون ـ الأوغوريون ومنهم: الكاريليون،
الكوميون، الأودموريتون، الماريون, الموردوفيون.
القفقاسيون: الداغستان، الشيشان، الآنغوش، الابخاز، الشركس.
المنغوليون: البوريات، الكالمو
المبحث الثاني
مخرجات السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط
تعتبر منطقة الشرق الأوسط من المناطق ذات الأهمية البالغة في السياسات الروسية منذ عهد القياصرة، وازدادت هذه الأهمية في ظل المبادئ البراغماتية التي تبنتها روسيا في سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية، وسيتناول هذا المبحث بالدراسة مجموعة الأهداف الروسية في المنطقة، ووسائل وآليات تنفيذها.
أهداف السياسة الخارجية الروسية في المنطقة:
خلال الحرب البارد، حظيت منطقة الشرق الأوسط بأهمية استراتيجية، حيث خلقت هذه الحرب ضرورات الحصول على تسهيلات عسكرية في المطقة وتشكيل تحالفات في إطار التنافس بين القوتين العظميين.()اذ كانت العلاقات السوفياتية مع الشرق الأوسط ترتكز على نقل السلاح والتكنولوجيا،() وكانت القيادات السوفياتية السابقة تقارب العلاقات السياسة والثقافية مع دول المنطقة ببعد إيديولوجي واضح المعالم.() لكن مع انهيار الإتحاد السوفياتي، تراجعت الأهمية النسبية لهذه الدول في سلم أولويات السياسة الروسية، وأعادت هيكلة أهدافها ومصالحها في المنطقة بحيث تراجعت الأهداف الايدلوجية مقابل الأهداف الإقتصادية.()
الفرع الأول: الأهداف الجيوسياسية والأمنية:
تمتلك روسيا أهداف جيوسياسية كثيرة في المنطقة، حيث نجد أن الشرقين الأوسط والأدنى والعالم العربي وتركيا وإيران وأفغانستان والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، تشكل معاً النطاق الحيوي للمصالح الروسية. ومن المنظار الإستراتيجي العسكري، تحتاج روسيا إلى التقليل من حجم التهديدات المحتملة على حدودها الجنوبية. وهو ما يدفعها إلى إقامة شراكة استراتيجية مع العالمين العربي والإسلامي، حيث تسمح هذه الشراكة لروسيا بالقيام بدور أكبر على الساحة الدولية. كما أن العمل علىبناء علاقات جيدة مع العالم العربي- الإسلامي، سوف يساعد في حل المشكلة الشيشانية، وبالتالي إلى مزيد من الإستقرار الداخلي في روسيا. كما تتقاطع في هذه المنطقة المواصلات الجوية والبرية التي تربط أوروبا بآسيا.() وكذلك ارتبطت هذه الأهداف منذ البداية بالموقع الجغرافي للإتحاد السوفياتي، الذي يتميز بالكثير من الخصائص السلبية. إذ كان يعد أكبر موقع جغرافي في العالم من حيث المساحة (22.402.200 كم()) وهو أمر أدى إلى ارتباطه بحدود طويلة مع الكثير من الدول وقد دفع هذا الواقع، متفاعلاً على الهاجس الأمني التاريخي الناجم عن تكرار عمليات الاختراق العسكري الخارجي للحدود السوفياتية، إلى أن تولى الإستراتيجية السوفياتية إحتمالية التهديد من جميع الإتجاهات أهمية كبيرة. لذلك فقد كان السوفيات ينظرون إلى المنطقة الشرق أوسطية كجزء من محيطهم الأمني، وذلك لوقوعها جغرافياً قرب حدود الإتحاد السوفياتي الجنوبية.
وتعتبر روسيا منطقة محرومة تقريباً من المنافذ البحرية الحرة، فالامحيط المتجمد الشمالي مغلق بالجليد معظم شهور السنة، والبلطيق يتصل بالبحار المفتوحة عبر مضائق ليس عميقة ولا آمنة في حالات النزاع، ويقى البحر الأسود مغلقاص مضائق البوسفور والدردنيل.()
ومنذ ما يقرب من قرنين رأي نابليون أن "سياسة الدولة تكمن في جغرافيتها"()، لذلك تبرز الوضعية الجغرافية كإحدى الثوابت الأساسية في السياسة الروسية. وعليه، يعتبر هذا الطموح الروسي القديم منطقياً، يهدف إلى تعديل الوضعية الجغرافية لروسيا، مهما كان نظامها السياسي. ولذلك تسعى روسيا لزيادة منافذها على البحر نحو الجنوب الغربي (أفغانستان، تركيا، إيران). وقد تمحورت التطلعات الروسية في الوصول إلى المياه الدافئة حول طريقتين اثنتين هما: المضائق التركية باتجاه البحر الأبيض المتوسط، وإيران وأفغانستان بإتجاه الخليج العربي إلى بحر عمان.()
وعندما تولى الرئيس فلاديمير بوتين الحكم، أعلان أنه " يتعين أن تبني روسيا سياستها الخارجية انطلاقاً من تعريف واضح للأولويات القومية، ومن البراغماتية والفعالية الإقتصادية"()، ولطالما شكلت دول "الخارج القريب"() وغيره من الدول المجاورة لروسيا تحدياً رئيساً لمؤسسة السياسة الخارجية الروسية. فلروسيا حدوداً مع 15 دولة، وليس هناك من دولة أخرى في العالم لها دول مجاورة بمثل هذا التنوع السياس والديني والثقافي والإقتصادي والديمغرافي، وقد حال ذلك دون تشكل سياسة خارجية موحدة بعيدة الأمد، كما جعلها رهينة للأوضاع الناشئة بين الدول المجاورة لها والمعروفة بعدم استقراراها.()
وأشارة الرئيس بوتين أن لكل دولة محور شر خاص بها. وبالنسبة لموسكو، فإن هذا المحول يتضمن باكستان التي تملك صورايخ يصل مداها إلى روسيا، بالإضافة إلى الممركة العربية السعودية، التي كانت حتى عهد قريب طرفاً في هذا المحور بالنسبة لموسكو التي من أهداف سياستها الخارجية في منطقة الخليج أن تحول دون تدفق الأموال من المنطقة إلى الشيشان.() وما زالت موسكو تأخذ في الإعتبار خطر وقوع اضطرابات أو حدوث حالة من عدم الاستقرار في بعض دول الخليج، وذلك بالترافق مع المشكلات في العراق. فموسكو التي لها حدود مع العديد من الدول الإسلامية تبدو حذرة من التسييس المحتمل للإسلام في منطقة الخليج العربي، حيث سيترتب عن الصراعات في المنطقة آثاراً سلبية للغاية على الأمن القومي الروسي، بل ومن شأنها أن تضعف وحدتها الداخلية.()
كما تتوجه روسيا إلى منطقة الشرق الأوسط لمزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية فيها بالقدر الذي ينهكها استراتيجياً، وذلك للمشاركة في إعادة حساب موازين القوى العالمية عندما تسمح الظروف بذلك. فموسكو تحاول أن تتخلص من مكانتها كقوة عالمية من الدرجة الثانية، وتعمل لإعادة تشكيل ميزان القوى العالمي.() لذلك تقوم الإستراتيجية الروسية في المنطقة على اعتبارات عدة، منها:()
السعي الروسي إلى تحقيق الأمن للحدود الجنوبية في وجه التهديدات التي تقع نتيجة فشل روسيا والدول المستقلة في إيجاد مؤسسات ذات كفاءة ورقابة على استخدام القوة، وذلك من خلال العمل على وضع حد للنزاعات المنتشرة على مقربة من حدودها، ولا سيما النزاعات ذات المشاعر الإسلامية، خاصة وأن التجارب التاريخية أثبتت أن النزاع قد يعرف ظاهرة الإنتشار الإقليمي في حالة وجود عامل مشترك يسارع بإثارة النزاع العنيف في المناطق التي تتميز بالهشاشة كمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى التي تعرف نزاعات تتعلق بقضايا الهوية والإنفصال بعد سقوط الإتحاد السوفياتي.()
إن دخول روسيا المنطقة من جديد هو سياسة وقائية لمنع الإندفاع الإسلامية، أو مواجهة ما يوصف بالتهديد الإسلامي الشامل، حيث تسعى إلى خلق نظام إقليمي مستقر قرب حدودها. وترى روسيا أن اعادة تأكيد مصلحتها الوطنية في إيجاد النظام المستقر أصبحت أكثر إلحاحاً من أجل الوقوف في وجه التحديات الخارجية.
السعي الروسي إلى إيجاد حزام أو كتلة من الدول تقف في وجه القطبية الأحادية. وهو ما يفسر اسعي إلى إقامة علاقات مع الدول المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، مثل إيران وسوريا وقبلهما العراق ومن أجل الظفر بالتّوازن الذي تستطيع من خلال مواجهة الهيمنة الأمريكية.
إعادة تأكيد الوجود النسبي الروسي في منطقة الشرق الأوسط. إذ ترى روسيا أنه اذا ما أرادت أن تحفظ هيمنتها على آسيا الوسطى، فيجب أن تعمل على تطوير العلاقات مع إيران وتستعملها كورقة ضغط لمواجهة أي ضغوط أمريكية.
الفرع الثاني: الأهداف الإقتصادية
واجه الإتحاد السوفياتي السابق تحديات إقتصادية متنوعة، كان أهمها ما يتعلق بالجانب النفطي، حيث أشارت بعض الدراسات أن الاستهلاك السوفياتي الداخلي من النفظ سوف يزداد إلى الدرجة التي ستضطر روسيا إلى الاستيراد. من هنا ازدادت أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للإتحاد السوفياتي كمنطقة غنية بالنفظ من ناحية، وكان الإتحاد السوفياتي يعي مدى أهمية هذه المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية واليابان من ناحية ثانية. وقد تفاعلت الحاجة إلى النفظ مع حاجة أخرى هي بناء علاقات إقتصادية وتجارية واسعة أريد بها تحقيق هدفين أساسين هما: الحصول على الموارد الأولية التي لا يتمتع الإتحاد السوفياتي بإكتفاء ذاتي فيها، واستثمار العلاقات التجارية لأغراض الاستفادة المالية، للحصول على العملات الصعبة.()
وتسعى روسيا إلى شراكة استراتيجية مع دول المنطقة بالمعنى الإقتصادي والتقني تكون ذات عائد اقتصادي مباشر لروسيا وعائد تنموي حقيقي لدول المنطقة. وفي هذا الإطار، ترتبط الأهداف الروسية بثلاث قطاعات رئيسية، وهي: الطاقة (النفط والغاز)، والتعاون التقني في المجالات الصناعية والتنموية، والتعاون العسكري.
ويحتل التعاون والتنسيق في مجال الطاقة قمة أولويات السياسة الروسية في دول المنطقة، وحوله يتمحور حوله كل الدبلوماسية الروسية والتقارب الروسي مع هذه الدول، خاصة دول الخليج العرب. ويلي ذلك أوجه التعاون الأخرى سواء في المجال التقني أو في المجال الإستراتيجي العسكري. فقطاع الطاقة هو جوهر الشراكة الروسية العربية في المستقبل ودعامتها الأساسية.
إن روسيا تنظر إلى دول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، كحليفاً لها وليس منافساً في سوق الطاقة العالمية. ويتم التعاون والتنسيق بين روسيا ودول المنطقة في مجال الطاقة في إطار محورين أساسيين:
أولهما؛ الحفاظ على استقرار السوق النفطية وضمان حد أدنى لأسعار النفط، وذلك من خلال التحكم في الإنتاج، خاصة أن روسيا تشارك في منظمة أوبك كمراقب.() وكانت روسيا قد دعّمت عام 2001م فكرة إقامة حوار بين الدول المستوردة للنفظ والمصدرة له. وهو ما يتوافق مع المحاولات التي بذلتها المملكة العربية السعودية لتجميع الموارد النفطية للدول المصدرة للنفظ من أجل أن تستقر أسعار النفظ العالمية.()
ثانيهما؛ الإستثمارات الروسية في قطاع النفط العربي، والإقبال الشديد من جانب شركات النفظ الروسية على الإستثمار في قطاع النفط في دول المنطقة من خلال المشاركة في عمليات البحث والتنقيب وتطوير الإنتاج. فروسيا تمتلك التكنولوجيا والخبرة اللازمة في مجال الكشف والتنقيب عن البترول واستخراجه. كما تمثل المنطقة سوقاً مهمة ذات قوة استيعابية كبيرة للصادرات الروسية من السلع الاستراتيجية والمعمرة، مثل الآلات والمعدات والأجهزة والحبوب.()
وتبقى من أولويات السياسة الخارجية الروسية الأساسية إيجاد ظروف دولية مواتية لإقتصادها.
فقد شدد الرئيس بوتين على ضرورة تركيز الدبلوماسية على الجانب الإقتصادي للعلاقات الخارجية الروسية، مع مراعاة مصالح روسيا كدولة كبرى، التي تتوزع في كل أنحاء العالم. فمن المهم لها جذب الإستثمارات، وبخاصة الخليجية، وتنشيط العلاقات التجارية،() ومنها تجارة السلاح، حيث تعتبر البلاد العربية سوقاً مهمة لمثل هذه التجارة. وفي هذا السياق، أعلان ميخائيل ديميترييف – رئيس إدارة التعاون الفني والعسكري في الحكومة الروسية- أن حجم صفقات الأسلحة التي أبرمت في 2011، وصلت إلى نحو 48 مليار دولار؛ أي بزيادة 9.5 مليار دولار عن العام 2010.()
كما تكمن المصالح المشتركة بين روسيا ودول الشرق الأوسط في ما يلي:()
زيادة مداخيل الصادرات النفطية بما يؤمن الإستقرار الاجتماعي في روسيا والدول النفطية في المنطقة.
السيطرة على أسعار النفظ إلى أن يتسنى للاقتصاد العالمي الاستعداد لمرحلة "ما بعد النفظ".
تأمين سيطرة استراتيجية على مصادر الثروات الطبيعية في الأزمات.
ابتكار آليات للأمن البيئي.
كذلك لروسيا مصلحة في جذب الأموال العربية للإستثمار في صناعات التكنولوجيا العالية. حيث بلغت هذه الاستثمارات مئات المليارات من الدولارات خلال السنوات الأولى لحكم بوتين من جهة. كما تعد دول المنطقة من أهم مستوردي الصناعات الحربية في العالم من جهة أخرى. وبما أن تجارة السلاح ترتبط بالسياسات الحكومية بعيدة المدى، فإن شراكة قوية في هذا المجال ممكنة فقط في الاطار الاستراتيجي. لكن المستثمر العربي يواجه صعوبات كثيرة في المساهمة في رأس مال المصارف الروسية. وفي الوقت نفسه، يواجه المصدر العربي صعوبات كثيرة في البلاد العربية. لذا قبل الحديث عن تبادل الاستثمارات، لا بد من تأمين الشروط المناسبة للإستثمار في كل من روسيا ودول المنطقة.()
وتعود روسيا إلى المنطقة العربية من منظور جديد، يرتبط ارتباطاً شعورياً وثيقاً برغبتها في تحقيق مصالحها الوطنية المحددة، والتي تشمل استعادة دورها ومكانتها لعالمية من خلال رفع مستوى اقتصادياتها وتحقيق ارتفاع في المستويات المعيشية من خلال الإعتماد على أهم القطاعات لديها، وهو قطاع الطاقة، بالإضافة إلى ما تدره عائدات بيع السلاح من عوائد تساعد على تحديث البلد واعطائه دفعة قوية باتجاه تحقيق مرتبة اقتصادية وسياسية مهمة على الساحة الدولية.
وسائل تنفيذ السياسة الخارجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط
استخدمت روسيا مجموعة من الوسائل لتحقيق مجموعة الأهداف التي ذكرناها سابقاً من بينها الوسائل الدبلوماسية، والإقتصادية والعسكرية.
الفرع الأول: الوسائل الدبلوماسية
تعتبر الدبلوماسية واحدة من الأدوات المستعملة من طرف الدولة في تحقيق أهداف سياستها الخارجية، حيث تلعب هذه الأداة دوراً بارزاً في تخفيف حدة الصراعات المسلحة، وإنهاء أو حل البعض منها. كما تعتبر الأداة المفضلة في أوقات السلم.
وقد لعبت الدبلوماسية دوراً لا يستهان به في إعادة النظر في أولويات وأهداف أطراف هذه النزاعات ومن ثم التقريب بين وجهات نظرها، وأهدافها بما يمهد لحلول سلمية للمواضيع الصراعية. وفي هذا السياق، يستعمل أحياناً ما اصطلح على تسميته دبلوماسية الإكراه Coercive Diplomacy، والتي تتمثل في استعمال التهدييد لإقناع أو ارغام طرف أو مجموعة من الأطراف عن عدم اللجوء إلى أسايب التصعيد العسكري والأخذ بالأساليب السلمية في التعاطي مع نزاعات معينة.()
وتشمل هذه الوسيلة قنوات التفاوض الدبلوماسي بين الدول والمساعي الحميدة، وإجراءات التسوية القضائية الدولية، والاعتراف القانوني بالحكومات التي يستدعى وصولها إلى السلطة إثر انقلاب أو ثورة تجديد الإعتراف بها من قبل الدول الأخرى، وكذا الإعلان عن حياد دولة الإجراءات الدبلوماسية الأخرى كتسليم مذكرة موقعة من رئيس الدولة إلى الممثل الدبلوماسي إلى رئيس دولة أخرى... إلخ. وتكتبس هذه الآليات مغزى وأهمية سياسة خاصة عندما يجري استخدامها بدقة في موقف خارجية معينة.()
وظفت روسيا الوسيلة الدبلوماسية في إدارة علاقاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط، وذلك في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة. حيث توالت الزيارات سواء من الجانب الروسي أو من طرف مسؤولي دول المنطقة إلى موسكو، وذلك لأسباب عديدة منها، منها: ازدياد الثقة لدى شعوب المنطقة بالدبلوماسية الروسية المتمسكة بقواعد القانون الدولي، والتي أدت على توجهها الجيوسياسي، وأعلنت أنه على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتعامل مع روسيا وفق معاملة الند للند.()
ونشطت الدبلوماسية الروسية في العديد من قضايا المنطقة. فعلى مستوى الملف النووي الإيراني؛ نجد أن التصريحات الصادرة عن الدبلوماسية الروسية حول الأزمة وضعت خطوط حمراء ثابتة لا تحيد عنها. أولها؛ عدم تأييد التعامل العسكري مع الأزمة بأي شكل من الأشكال. وثانيهما؛ عدم تأييد فرض عقوبات إقتصادية شاملة ضد إيران بشكل يؤثر على المصالح الإقتصادية الروسية معها. وكذلك، عدم فرض حظر شامل على البرنامج النووي الإيراني.()
أما في الأزمة السورية، فقد رفضت موسكو رفضاً قاطعاً أي تدخل خارجي مباشر أو غير مباشر في الأزمة السورية، واستخدمت الفيتو داخل مجلس الأمن 3 مرات للحيلولة دون ذلك، وأكدت على حتمية الحل السلمي وجلوس كل الأطراف المعنية على طاولة المفاوضات.()
الفرع الثاني: الوسائل الإقتصادية
تعتبر الوسائل الإقتصادية من أبرز وسائل تحقيق أهداف السياسة الخارجية، حيث ازدادت أهمية هذه الوسائل بفعل تقوية وانتشار دعائم وميكانيزمات الإعتماد المتبادل والعولمة. وشهدت مرحلة ما بعد الحرب الباردة تحول الإهتمام من القضايا الايديولوجية والعسكرية إلى القضايا الإقتصادية. وقد تكون هذه الوسائل موجهة لتحقيق مصالح إقتصادية كضمان موارد استراتيجية، وزيادة الاستثمارات، والحصول على أسواق جديدة. وتؤثر الإستثمارات والمساعدات الاقتصادية تأثيراً ايجابياً في مستوى معيشة الأفراد في الدول المستقبلة، وهو ما يؤدي إلى ظهور موقف جماهيري إيجابي، يضغط بإتجاه تغيير مواقف وتصورات وأفعال صناع القرار تجاه الدولة الموظفة لهذه الوسيلة.() ووظفت روسيا هذه الوسيلة لأجل تحقيق أهدافها الإقتصادية المذكورة سابقاً، حيث تمثل المنطقة الشرق-أوسطية سوقاً هاماً ذات قوة استيعابية كبيرة للصادرات الروسية من السلع الروسية، مثل الآلات والمعدات والأجهزة والشاحنات والحبوب وغيرها، لذلك فقد اهتم روسيا بتطوير علاقات اقتصادية وتجارية مهمة مع مختلف دول المنطقة إذ كان العراق أكبر شريكاً تجارياً لروسيا في المنطقة حتى الإحتلال الامريكي عام 2003. حيث بلغت الديون الروسية على العراق، 8 مليارات أغلبها موروثة عن الإتحاد السوفياتي وتعود لصفقات مبيعات الأسلحة،() لتصبح مصر أكبر شريكاً بعدها لروسيا. وعادة ما يميل المزيان التجاري لصالح روسيا بفارق كبير جداً. فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين مصر وروسيا 2 مليار و 68 مليون دولار عام 2008، مقارنة بحوالي 872.4 مليون دولار عام 2005، ومثلت الصادرات الروسية 95% منها؛ أي 827.8 مليون دولار.()
وقد تم توقيع اتفاقية حول إقامة مجلس الأعمال الروسي- العربي بين الغرفة التجارية الصناعية في روسيا الإتحادية والإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية ومنتديات أعمال و"طاولات مستديرة" في روسيا والبلدان العربية، بالإضافة إلى إقامة اتصالات مباشرة بين رجال الأعمال الروس والعرب والعمل على تحليل ونشر المعلومات. ويعقد مجلس الأعمال الروسي-العربي اجتماعات مشتركة للجانبين الروسي والعربي مرتين في السنة، وذلك للبحث في اجراء عدد كبير من الفعاليات: ندوات ولقاءات ومؤتمرات ومعارض شارك فيها رجال الأعمال البارزون من روسيا وبلدان العالم العربي. كما ساهم مجلس الأعمال الروسي-العربي خلال أعوام عمله، في حل الكثير من القضايا الاقتصادية على مستوى العلاقات الروسية- العربية. ولا يزال التعاون الروسي-العربي يتطور في مجالات الطاقة والاتصالات والنقل والبناء والتشييد والسياحة والقطاع المصرفي.
وتعمل في إطار مجلس الأعمال الروسي- العربي حالياً 15 من المجالس الثنائية. إذ تم توقيع اتفاقيات بشأن إنشاء هذه المجالس مع كل من مصر ولبنان والأردن والمملكة العربية السعودية واليمن وتونس والجزائر وعمان والسودان والإمارات العربية المتحدة والمغرب والبحرين وقطر والكويت.()
وفضلاً عن ذلكن عملت روسيا على تطوير علاقاتها مع دول الخليج العربي، وبلغ حجم التبادلات التجارية مع هذه الدول 0.641 مليار دولار عام 2004، حيث مثلت 0.622 مليار دولار صادرات روسيا لهذه الدول، و0.08 مليار دولار صادرات هذه الدول إلى روسيا. في حين لم تتجاوز تجارة السلاح لدولة الإمارات العربية المتحدة تحديداً 0.163 مليار دولال بين عامي 2000-2004.()
ولروسيا علاقات وثيقة بالمملكة العربية السعودية، حيث قام ولي العهد السعودي آنذاك عبد الله بن عبد العزيز بزيارة روسيا في سنة 2003، تم التوقيع خلالها على مجموعة من الإتفاقيات وقواعد التعاون الروسي-السعودي. حيث تلتي مصالح البلدين في مجالي النفط والغاز، باعتبارهما من أكبر المصدرين للمحروقات في العالم ولهما دور مهم في استقرار أسواق النفظ العالمية.() وكان مجال الطاقة من أهم المجالات التعاونية بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي. ويرجع ذلك إلى تزايد النفوذ الروسي في أسواق النفظ العالمية. لذلك أصبح التعاون في مجال الطاقة محور المباحثات الثنائية بين روسيا ودول المجلس.()
ومن بين القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الطرفين، نجد:()
تنشيط حركة الإستثمارات المتبادلة خاصة في مجال الطاقة في دول الخليج.
توسيع فرص الشركات الروسية في المنطقة.
العمل على الوصول إلى تنسيق للمواقف في مجال أمن الطاقة، خاصة فيما يتعلق بمناقشة فكرة بناء منظمة للدول المصدرة للغاز.
في حين هناك مجموعة من العراقيل تواجه تطوير التعاون بين الطرفين، من بينها الوجود الأمريكي في الخليج العربي، ما يجعلها تبذل جهوداً كبيرة لتطوير آلياتها وقدراتها الدبلوماسية لترسيخ هذه الشراكة بالشكل الذي يخدم مصالحها.()
الفرع الثالث: الوسائل العسكرية
تستخدم الوسيلة العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية عندما يتعلق الأمر بمواقف دولية ذات صلة بمتطلبات الأمن القومي، لكن استخدام هذه الوسيلة يكون في حدود ضيقة، حين يستحيل تحقيق أهداف السياسة الخارجية بوسائل أخرى، إذ تعبتر بمثابة الملاذ لاأخير في سلم الخيارات المتاحة للدولة فبإمكان هذه الآلية أن تسبب عواقب وخيمة تفوق المكاسب المحققة منها، خاصة في ظل انتشار أسلحة الدمار الشامل. كما تتواجد مجموعة من الصيغ الأخرى التي توظف بها هذه الأداة من بينها تقديم المساعدات العسكرية، ومبيعات الأسلحة، حيث بإمكان هذه الصيغ أن تحقق الكثير من المكاسب الإستراتيجية والسياسية والإقتصادية،() وذلك من خلال عقد المحالفات العسكرية الدفاعية أو الهجومية، أو تلقي المساعدات العسكرية، أوتزويد الغير بها.() وكانت مبيعات السلاح إحدى الأدوات التي اعتمدت عليها روسيا لتنشيط علاقاتها مع دول المنطقة. ففي مجال التعاون العسكري؛ اكتسبت منطقة الشرق الأوسط أهمية بالغة كسوق مهم للسلاح الروسي. ومن أمثلة ذلك؛ صفة إمداد سوريا بـ 36 وحدة من نظام "بانتسير-س1" الذي يعتبر أحد أحدث أنظمة الدفاع الروسية، إلى جانب التعاون العسكري بين البلدين، في إطار اتخاذ روسيا لمينا طرطوس السوري كقاعدة بحرية في البحر الأبيض المتوسط.()
فضلاً عن صفقة توريد منظومات صورايخ "بانتسير-س1" للإمارات العربية. كما تم التوقيع على اتفاقية بين روسيا والسعودية عام 2008، للتعاون في المجالين العسكري والتقني. حيث تم في غطارها إبرام صفقة توريد منظومات من طراز "س-400"، و"انتاي-2500"، وثلاثون مروحية روسية من طراز "مي-171" للسعودية بقيمة إجمالية تتجاوز 350 مليون دولار أمريكي.() وعليه يمكن القول ان التعاون في هذا المجال يبقى له أهدافاً إقتصادية وتجارية بحتة.
لذلك وظفت روسيا مجموعة من الأدوات والآليات لتحقيق مجموعة الأهداف المرسومة مسبقاً من طرفها في منطقة الشرق الأوسط، والتي ترتبط أساساً بالحاجات الأمنية والإقتصادية لروسيا. وذلك من خلال مجموعة من المواقف والسلوكات والافعال التي ترجمت في شكل اتفاقيات وعقود اقتصادية وعسكرية في المنطقة.
سياسة روسا الخارجية اليوم:
بداية التسعينيات ، شهد النظام الدولي تحولات عميقة، نتج منها تشكيل نظام جديد للعلاقات الدولية تمثل بالانتقال من الثنائية القطبية، إلي القطب الواد. وفي هذه الأوضاع الدولية اتضح أن روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي، ليست في الحقيقة قوة عظمى، فباستثناء قدرتها العسكرية فإنها لا تملك المقومات التي تجعل منها قوى عظمي اقتصادياً وسياسياً. ورغم هذه، فقد أبقت روسيا علي صورة القوة العظمى ويرجع ذلك إلي امتلاكها القدرة على تدمير الغرب بقوتها الاستراتيجية الضخمة. ومع هذه أصبحت روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي قوة ضعيفة، فكيف استرجعت موقعها كقوة عظمى ذات تأثير كبير في السياسة العالمية وفي النظام الدولي؟
واجهت روسيا مشكلة عويصة تتعلق ببناء مفهوم جديد للسياسة الخارجية يضع في الاعتبار مكانتها في النظام الدولي الجديد، وأوضاعها الداخلية والخارجية يجب أن تكون مختلفة عن سياسات أمريكا، لأن أهمية روسيا ودورها الفعال، لا يظهر إلا إذا كانت لها سياسة داخلية وخارجية مستقلة (1).
غير أنه أهم معضلة واجهتها في تحقيق ذلك هي كيفية اعادة بناء سياسة خارجية جديدة ي ظل نظام دولي جديد، تهيمن عليه وتنفرد بإدارة شؤونه قوة واحدة هي أمريكا. وكذلك في ظل الأوضاع السيئة التي عاشتها روسيا داخلياً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي . فقد تراجع أداء الاقتصاد، وحدثت حالة عامة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني، كما علت الحركات الانفصالية . ومن ثم واجهت روسيا مشكلة إعادة بناء سياستها الخارجية في ظل الضعف العام الداخلي، وفي ظل وضع دولي تهيمن عليه أمريكا. وتوازي هذا مع صعود قوى جديدة في العالم، كالاتحاد الأوروبي والصين والهند والنمور الآسيوية... وغيرها. وهكذا أصبح علي روسيا بناء مفهوم جديد للسياسة الخارجية، في التعامل مع هذه المتغيرات الدولية الكثير، ومع الأوضاع الداخلية السيئة المتعاظمة. فكيف أمكن ويمكن لروسيا بناء سياسة خارجية جديدة تتماشى مع مقدراتها العسكرية، ومع الظروف التي خلفتها هزيمتها في الحرب الباردة، ومع معطيات النظام الدولي الجديد ومتغيراته المختلفة والمتنوعة؟
أولا: وضع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي
بانهيار الاتحاد السوفياتي وتجزئه، واجهت روسيا مشاكل عويصة، وبخاصة حماية امنها القومي، واستعادة مكانتها ودورها كقوة عظمي في السياسة الدولية لأنها تعتبر الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي الذي كان قوة عالمية ثانية في العالم. فقد أصبحت روسيا ضعيفة، فداخلياً يعاني المجتمع الروسي حالة سيئة للغاية في كثير من المجالات: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وخارجياً فقدت روسيا مكانة الاتحاد السوفياتي السياسية والاستراتيجية العالمية السابقة، بل إنها أصبحت تابعة وملحقة بالسياسة الأمريكية، لأن النظام الروسي بين أعوام 1991و2000 ظن أن الانفتاح على الغرب وجعل سياسة روسيا الخارجية تابعة له، هو الطريق الأمثل والخيار الوحيد لإنقاذ البلد من الفوضى في جميع الميادين، للعودة إلى النظام الدولي. ولهذا كانت الآمال المعلقة على الغرب كبيرة جداً، من خلال الحصول على القروض والمساعدات الاقتصادية والمالية، فكان طرق الولاء له بعامة ولأمريكا بخاصة، والانقياد الاقتصادية العالمية ومشاكل روسيا الاخرى، كل ذلك ادي دوراً في تقهقر روسيا اقليمياً وعالمياً، ما أدى الي تحولها من فاعل رئيس مؤثر في السياسة العالمية، الي مجرد مراقب رمزي للأدوار، رغم إنها ما زالت القوة النووية الثانية في العالم، وتملك القوة الفعلية وإمكانيات القوة الكامنة، ومكانة في منظمة الأمم المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن، وما زالت قوة كبرى من حيث المساحة والسكان والناتج القومي والثروات الطبيعية، وكذلك القوة العسكرية التقليدية.
الوضع الداخلي
رأي الرئيس يلتسين (1991-2000) أن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، يكون بالتحول الي النظام الرأسمالي دفعة واحدة (سريعاً)، أي العلاج بالصدمة، عكس آلية العلاج التدريجي(2). وهذا الانتقال السريع تطلب اتخاذ عدة اجراءات مهمة وخطيرة منها: خفض الميزانية، تحرير الأسعار، إصلاح النظام الضريبي وخصخصة القطاع الاقتصادي ... الخ. لكن هذه الإجراءات أدت إلي فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، إذ إنها أضعفت دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، ما أدى الي الانخفاض المستمر في الانتاج الصناعي والزراعي، وتدهور الأوضاع الداخلية بشكل حاد. كما تدهور الاقتصاد الخارجي، وزادته الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية والآسيوية بخاصة تدهوراً. هذا أدى بدوره إلى انخفاض 50 بالمئة من صادرات روسيا، وتدهور التبادل التجاري لها، كما تفاقمت الديون عام 2001 فبلغت 175.9 مليار دولار، ما أدى إلى دخول البلاد في فوضى عارمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وتحولت روسيا من بلد منتج إلى بلد يعتمد على استيراد أكثر من 70 بالمئة من المواد الغذائية وغيرها وأصبحت فقط مصدرة للمواد الخام كالمعادن والأخشاب والذهب والألماس والبترول والغاز.
أدت الإصلاحات المتطرفة إلى رفع يد الدولة في تحديد أسعار السلع وتركها إلى آلية السوق المجحفة، أي تحريرها المفاجئ والسريع من دون وضع قيود محددة، وتركها لفوضى السوق، أي السماسرة والمافيا والطفيليين. كل هذا أدى إلى ارتفاع فاحش في الأسعار وبخاصة أسعار المواد الضرورية، نتج منه انفجار التضخم، والذي أدى بدوره إلى انهيار شبه كلي للاقتصاد الروسي، وإلى أزمة مالية حادة، أدت إلى انهيار شبه كامل للنظام المالي، مع هبوط قيمة العملة الروسية الروبل. كما كان هناك انخفاض في ميزانيات التنمية الاقتصادية، وانخفاض الإنفاق والاستهلاك، وانخفاض الضمان الاجتماعي، وفي متوسط الأجور ورواتب التقاعد. هذه الأوضاع انعكست سلباً على المستوى المعيشي للغالبية العظمى من السكان، والذي كان له تأثير في الانخفاض المستمر للإنتاج الصناعي والزراعي... وغيرهما. وهذه الانعكاسات السلبية الاقتصادية والاجتماعية، أدت إلى انعكاسات أخلاقية وأمنية، فارتفع.( معدل الجريمة والفساد وانعدام الأمن والاستقرار.
الوضع الخارجي
بسقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه، وجدت روسيا نفسها معزولة عن العالم الخارجي. إضافةً إلى مواجهتها مشاكل ومصاعب داخلية كثيرة، واجهت مصاعب ومشاكل خارجية معقدة، بسبب الأوضاع الدولية المتوترة اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وبسبب ما شهده العالم من تطورات وتحولات بل وتغيرات مهمّة غيرت كثيراً من المفاهيم التي ظلت سائدة، إذ أصبحت العلاقات الدولية أكثر ترابطاً وتعقيداً وتداخلاً في عدة مجالات: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية وأمنية. وشملت هذه التغيرات أسس النظام الدولي كلّها، ومهدت لبداية مرحلة جديدة تعرف أشكالاً وتفاعلات مختلفة، حيث تراجعت بعض القوى وبرزت أخرى بدلاً منها، وتقهقرت استراتيجيات وتقدمت أخرى، وتكونت علاقات جديدة تحكمت في مصير العالم. لقد حدث تغير جوهري في النظام الدولي، الذي شهد تقسيماً جديداً للعمل وكل هذه المتغيرات والأحداث، تركت انعكاسات سلبية على روسيا وعلى سياستها الخارجية.
السياسة الروسية الخارجية (1992-2000)
إنَّ انتهاء الحرب الباردة وبروز متغيرات جديدة في النظام الدولي، إضافة إلى العوامل الداخلية الروسية، أثرت كلها في مكانة روسيا دولياً، وفرضت على سياستها الخارجية معطيات جديدة، لزم التكيف معها وإدارتها بما يحقق بعض المكاسب، ويحفظ بعض المصالح الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية. ولهذا وجب على صنّاع السياسة الخارجية، الأخذ بهذه المعطيات الدولية والظروف الداخلية والخارجية في الاعتبار عند تحديد مختلف التوجهات الكبرى الهادفة إلى بناء سياسة روسيا الخارجية خصوصاً ما يحقق المصلحة المرجوَّة:الاقتصادية والأمنية بخاصة. وكان يلتسين من أنصار الاتجاه الغربي الذي يرى أن روسيا دولة. غربية، فكانت توجهاته متوافقة والسياسات الخارجية الأوروبية والأمريكية بخاصة.
إذاً أثرت متغيرات البيئة الداخلية والخارجية في توجهات السياسة الخارجية الروسية، وشكلت قيوداً حقيقية عليها في هذه المرحلة التي سميت مرحلة إعادة البناء، ووجد يلتسين نفسه مجبراً على العمل في عدة جبهات للخروج من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني. فهو يحتاج إلى المساعدات الخارجية للاستجابة للمطالب التنموية والاجتماعية، وهو أيضاً يحتاج إلى المحافظة على استقلال روسيا وحرية قرارها، وبناء سياسة خارجية مستقلة .وإنه لمن الصعوبة قيام سياسة خارجية تبحث عن المساعدات الأجنبية وتعتمد أساساً على النصيحة الغربية في التخطيط وتنفيذ برنامج اقتصاد السوق والخوصصة، وفي الوقت نفسه تحقيق سياسة خارجية مستقلة وهكذا فإن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لروسيا، اقترن باتباع سياسة خارجية ضعيفة في هذه الفترة والتي جعلت هدفها الاندماج مع العالم المتحضر، وتجاهل المصالح القومية الروسية، ولأهمية الجوار الإقليمي فأصبحت روسيا دولة منقادة سياسياً واقتصادياً، تسير في فلك السياسة الأمريكية كانت هذه حال روسيا الداخلي والخارجي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وكذا كانت سياستها الخارجية. لكن هذه السياسة تغيرت بوصول بوتين إلى الحكم سنة 2000، والذي أعاد لروسيا مكانتها وموقعها في السياسة العالمية معتمداً في ذلك على مقومات مهمّة تملكها روسيا، ساعدتها في تبني وتنفيذ سياسة خارجية قوية ومؤثرة. فما هي السياسة الخارجية الجديدة؟ وما هي مقوماتها؟ وكيف نفذت؟ وما هي الصعوبات التي واجهتها؟
ثانياً: السياسة الروسية الخارجية (2000-2015)
وصلت إصلاحات يلتسين سنة 2000 إلى طريق مسدود في كل المجالات، وصلت إصلاحات يلتسين سنة 2000 إلى طريق مسدود في كل المجالات، وأوصلت روسيا إلى حافة الانهيار التام كدولة كمجتمع، وتراجعت مكانتها ودورها العالميين، وتحولت إلى دولة تابعة ومنفذة للأوامر الأمريكية وفي ظل هذه الظروف الداخلية السيئة، والضغوط الدولية المجحفة، حدث تغير في هرم السلطة بوصول بوتين إلى الحكم، فأحدث ثورة في كل المجالات، وفي السياسة الخارجية وفي دور روسيا فكيف تجددت هذه السياسة الخارجية؟ وما هو مجال تنفيذها في أرض الواقع؟ وكيف استعادت روسيا مكانتها العالمية؟
تجديد الدور الروسي في العالم العربي
كانت هناك رغبة وإرادة لدى القيادة الجديدة بأن يعترف العالم بحق روسيا في استرجاع المكانة التي قدتها وفي جعلها تتصرف كقوة كبرى بمسؤوليات عالمية. ولهذا ركزت هذه القيادة على ذلك، وواجهت صعوبات بعضها متعلق بترتيب الأوضاع الداخلية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وبمحدودية القدرات الاقتصادية، وصعوبات خارجية، فرضها النظام الدولي الجديد، الذي يمتاز ببروز أهمية العامل الاقتصادي وزيادة التحالفات والتكتلات الإقليمية، وبروز قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والعولمة. ولكن الصعوبة الأكبر هي هيمنة أمريكا على السياسة العالمية، وعدم سماحها مع الغرب لروسيا بالقيام بدور مؤثر في هذه السياسة.
أشرت هذه المرحلة إلى عهد مختلف في تاريخ السياسة الروسية الخارجية نحو السعي إلى تحقيق لمصالح الاستراتيجية لروسيا، وإعادتها إلى مكانتها العالمية. فأضفى بوتين على هذه السياسة دينامية جديدة بتغيرات وبتقديرات براغماتية تعي جيداً المواقع الملائمة والأدوار التي على روسيا أن تؤديها على الساحة الدولية. فتطلب الأمر ضرورة استقرار الجبهة الداخلية، بسبب التداخل بين السياسة الداخلية والخارجية؛ فبدأ بخوض حرب ضد عدو لدود هو المافيا المالية وعصب الفساد، وإعادة بناء اقتصاد قوي، واستقرار سياسي واجتماعي، وتحقيق انسجام داخلي واسع يساند السياسة الخارجية الجديدة، وكذلك محاربة الانفصال في القوفاز والشيشان، إضافةً إلى تحريك الآلة العسكرية. كما بدأ في رسم دوائر حمراء لمصالح روسيا الاستراتيجية في الداخل والخارج، ووضع نظرة استراتيجية في علاقة روسيا الخارجية وبخاصة مع أمريكا، ونجح في ذلك بسبب الدعم القوي من الشعب الروسي له
. وتميزت السياسة الخارجية الروسية الجديدة بالبراغماتية، أي إعطاء الأولوية للمصالح القومية، وتغليب النظرة الواقعية؛ حيث سعى بوتين إلى خلق تأثير روسي في المجال الإقليمي السوفياتي السابق، كطريقة إلى تحسين المكانة الروسية عالمياً. كما ركز على تطوير فكرة روسيا قوة عالمية تمتد على قارتين، وكذا ضمان حريتها واستقلالها من أجل تنفيذ سياستها الداخلية والخارجية.
وهكذا هدفت السياسة الروسية الخارجية الجديدة إلى تطوير دور روسيا في عالم متعدد الأقطاب، لا يخضع لهيمنة قوة عظمى واحدة، والعمل على استرجاع دورها في آسيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى، وعدم السماح للغرب بتهميش هذا الدور، وبخاصة إعادة هيمنة روسيا على دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، ودول آسيا الوسطى وذلك للحفاظ على الأمن القومي الروسي، والتحكم في النزاعات العرقية في الجوار الإقليمي. ولهذا عملت هذه السياسة على وقف محاولات التحرر لهذه المنطقة من الهيمنة الروسية، لأنه إذا لم تقم روسيا بذلك، فإن الفراغ الناتج ستملؤه دول معادية ومنافسة لروسيا، وتمثل مصدر تهديد لها. إذاً، عملت روسيا على إعادة بعث دورها، لتكون قطباً دولياً جديداً، مستغلة في ذلك ما تملكه من مقومات تاريخية وجغرافية وعسكرية واقتصادية، سنتناولها لاحقاً. فعملت على إعادة بناء اقتصادها الداخلي، وبناء مؤسساتها، وتعزيز قواها العسكرية والنووية، لردم الهوة بينها وبين الغرب والتي أحدثها انهيار الاتحاد السوفياتي. فروسيا التي ورثت تركة مهمة من ثروة هذا الأخير المعنوية والعسكرية، ظهرت ذليلة أمام هجوم أمريكا الكاسح، وأمام طموحات هذه الأخيرة وسياسة مصالحها وجيواستراتجيتها في العالم. غير أن روسيا بدأت تستعيد وعيها وقواها المختلفة، باعتبارها قوة عظمى تقف على الساحة العالمية، وتقاوم لإثبات وجودها ودورها.
إذاً، شهدت روسيا تحولات عميقة على صعيد مقومات القوة الكلية، بما يشمل ذلك من الانسجام والتماسك السياسي الداخلي، والقدرة العسكرية، والأداء الاقتصادي، والمكانة الدولية، لأنها ترى أنه لا يمكنها أن تكون فاعلاً رئيساً مع انكماش اقتصادها، ولا يمكن أن يكون لها دور مؤثر دولياً، إلا إذا كانت قوية وكانت هذه التحولات من القوة والسرعة بحيث لا نجد مثيلاً لها في العالم الحديث، وبخاصة بعد الهزات والأزمات الحادة، والارتباك السياسي الكبير، وهيمنة أقلية واسعة الثراء على شؤون السياسة والاقتصاد والإعلام، وانفلات المشكلات العرقية، وتفشي الفساد والجريمة المنظمة وغياب الاستقرار والأمن. في ظل هذه الأوضاع شكلت السياسات التي اتُّبعت منذ سنة 2000، محاولة إصلاحية شاملة لمعالجة الاختلالات الضخمة التي حدثت، والاستفادة من المكانة الدولية للاتحاد السوفياتي السابق، من خلال العمل على إعادة هيبة الدولة، وإصلاح الاقتصاد وبنائه، وقمع الحركات الانفصالية الداخلية، وتطوير القدرة العسكرية. تم ذلك ببناء القوة الذاتية الروسية بشكل مستقل عن النماذج الغربية الجاهزة. فحدثت تحولات عميقة في ميادين مختلفة كانت لها انعكاساتها الإيجابية على توجيه السياسة الروسية الخارجية، تمثلت هذه التحولات في الأمور التالية:
تحولات السياسة الداخلية
كانت السياسة الداخلية ميدان التركيز المهمّ لبدء تنفيذ الجهود الإصلاحية بسبب الاختلالات الكبيرة على مستوى النظام السياسي، ومستوى الأداء الاقتصادي، والأحوال الاجتماعية والأمنية .فقد كان هناك تدهور شامل قبل 2000، فتم القيام بإصلاح سياسي واقتصادي شامل بعد التخريب الكبير الذي تعرضت له الدولة طيلة فترة التسعينيات؛ تم ذلك وفق نظرة براغماتية تأخذ في الحسبان الظروف الداخلية والمتغيرات الدولية. وتركزت النظرة الإصلاحية على طموحات واسعة في مجالات إعادة هيبة الدولة، والنهوض الاقتصادي، والتصدي للنزعات الانفصالية، ورفض أي تدخل خارجي فيها، ومحاربة الفساد والجريمة المنظمة بملاحقة الطغمة المالية والصناعية المتهمة بذلك، وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد. حقق بوتين بإحكام قبضته على روسيا هدفه الأساسي بإدخال الإصلاحات على نظام الدولة، وإعادة بنائها بشكل قوي ومستقر.
التحولات الإقتصادية
في سنة 2000 ورثت روسيا تركة اقتصادية ثقيلة، إذ كان الاقتصاد يعاني حالات تدهور متعددة: تفاقم الديون التي وصلت أكثر من 200 مليار دولار، عجز الحكومة عن تسديد رواتب الموظفين والجنود في مواعيدها، انتشار الفقر، وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 20 مليوناً، وتراجع الإنتاج الصناعي والزراعي بعد توقف الإنتاج في 50 بالمئة من المؤسسات الصناعية، منها ٧٠ بالمئة من الصناعات الثقيلة، كما اختفت الاحتياطات الذهبية، إلى جانب تفشي الفساد والرشوة وسيطرة عصابات المافيا على جل ميادين النشاط الاقتصادي والمالي، وانتشار الجريمة وانفلات الأمن. وكان لكل ذلك انعكاسات على تراجع السياسة الروسية الخارجية ودور روسيا في الاقتصاد العالمي، حيث انشغلت بمشاكلها الداخلية، وتخلت عن دورها في الكثير من القضايا الدولية. ولذلك كان أول ما طرحه بوتين هو أقصدة السياسة الخارجية، أي خلق بيئة اقتصادية جديدة في روسيا ونتيجة لذلك نما الاقتصاد الروسي نمواً كبيراً، وانتعش النشاط الاقتصادي. ففي نهاية 2001 حقق هذا الاقتصاد أفضل أداء له، كما زاد التحسن في مناخ الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وانتعش سوق الأسهم وبخاصة في قطاع المحروقات، كما ظهر فائض الموازنة العامة للدولة والميزان التجاري، وارتفع احتياطي البنك المركزي من الذهب والعملات الصعبة. وتمكنت روسيا من تسديد ديونها، وتم التقليل من الاعتماد على المساعدات من صندوق النقد الدولي. كما ارتفعت مداخيل السكان، فارتفعت الأجور بنسبة 90 بالمئة، ومعاشات المتقاعدين ب 80 بالمئة، وتراجع معدل البطالة ومع نهاية 2008، أصبح الاقتصاد الروسي يختلف بشكل كبير عما كان عليه في التسعينيات، وتوقعت التحليلات آنذاك، أن تصبح روسيا القوة العالمية الرابعة اقتصادياً في عام 2010 .
ج. السياسة الطاقوية
روسيا عملاق في مجال الطاقة، فهي تملك سابع أكبر احتياطي نفطي في العالم ب 4.6 بالمئة كما أنها أكبر دول العالم في احتياطات الغاز الطبيعي ب 35 بالمئة. ولذلك أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم سنة 2006، والأولى في تصدير الغاز، والثانية في تصدير النفط ومشتقاته. ولكل هذا زاد النفوذ النفطي الروسي في الأسواق العالمية وبخاصة الأوروبية. كل هذا سمح لروسيا ببناء سياسة طاقوية، تضمن استقلالية القرار الخارجي لها وتطوير قدراتها الدفاعية، وتحقيق قدرة على التأثير وممارسة دور فاعل على المستويين الإقليمي والعالمي.
وهكذا فقد نجح (بوتين) في وقف التدهور والتخبط الذي عانته روسيا، واستطاع تكوين إدارة قوية للحكم إذ عمل على إعادة البناء الداخلي، والنهوض بالقدرات الشاملة لروسيا، واستعادة مكانتها إقليمياً ودولياً، مما مكنها من تجاوز الوضع الاقتصادي غير المستقر، وإعادة التماسك الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الأمن والاستقرار، وبعث الروح القومية. وفي كل هذا استطاع بناء القوة الذاتية الروسية باستقلالية عن النماذج الغربية الجاهزة، مستفيداً مما تملكه روسيا من مقومات مهمّة فما هي هذه المقومات؟
مقومات السياسة الروسية الخارجية الجديدة
لروسيا مقومات القوى الكبرى، وهذا ما ساعدها على النهوض واسترجاع مكانتها. العالمية، وبخاصة بوجود القيادة الواعية القادرة على استغلال هذه المقومات جيد.
المقومات الجيوسياسية
تمثل روسيا مفترق طريق بين قارتي أوروبا وآسيا. ومن هذا يظهر الموقع الجيوسياسي المهمّ لها. فمن حيث المساحة، تعتبر روسيا أكبر دولة في العالم بأكثر من 17 مليون كلم أكبر من تسع مساحة العالم. وهي تمتد على طول 10 آلاف كلم من الغرب إلى الشرق وهذه المساحة الشاسعة تعتبر أحد أهم عناصر القوة الروسية من منظورين مهمّين هما:
المنظور الأمني: فبفضل هذا العمق الجغرافي، نجحت روسيا من دون غيرها من الدول الكبرى في هزيمة نابليون في عام 1810، وهتلر في عام 1941، ورغم التقدم التكنولوجي العسكري، وظهور الصواريخ عابرة القارات ودورها في الاستراتيجيات الحربية، فإن العمق الجغرافي ما زال أحد أهم عناصر القوة الروسية.
المنظور الإقتصادي: وهذه المساحة الشاسعة غنية بالثروات الطبيعية المهمّة، بها حوالى 220 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، و 120 ألف نهر يبلغ طول كل منها 10 كلم فأكثر، وأهمها نهر الفولغا أطول الأنهار في أوروبا، ونهر لينا. وهناك ٢ مليون بحيرة عذبة ومالحة، أهمها بحيرة بايكال أكبر وأعمق بحيرة في العالم بعمق 1620م، وطول 636 كلم، ومتوسط عرض 48 كلم، وبها حوالى 20 بالمئة من احتياطي المياه العذبة في العالم بـ 23ألف م3 كما تطل روسيا على كثير من البحار، أهمها بحر قزوين أكبر بحيرة مالحة في العالم. ويوجد في هذه البحار الكثير من الموانئ المهمّة، وبخاصة على بحر البلطيق، وعلى بحر بارنيتس في الشمال، وعلى البحر الأسود، وفي فلاديستوك على المحيط الهادي.
هذه المقومات الجغرافية جعلت القيادة الروسية الجديدة تضع أولويات لسياستها الخارجية الجديدة تبعاً لمعطيات الجيوسياسية، وليس تبعاً لمعطيات الأيديولوجية التي انهارت فقد أدركت هذه القيادة أهمية هذا الجانب الجيوسياسي لبلدها باعتباره قلب العالم الأوراسي.
المقومات السكانية
روسيا هي خامس أكبر دول العالم في عدد السكان ( 144 مليون نسمة )، ورغم معاناتها حالياً من انخفاض معدلات المواليد، فإنه من المؤكد أنها من أكبر دول العالم سكاناً، ولها قوة بشرية متعلمة ومدربة جيداً، فلا تتجاوز الأمية ٢ بالمئة من إجمالي السكان فوق ١٥ سنة، كما أن لديها قاعدة من العلماء في مختلف التخصصات المهمّة. وهذا يعتبر مقوماً مهمّاً من مقومات قوة الدولة، أي الكم والنوع.
ج. المقومات الاقتصادية
تملك روسيا الكثير من الموارد الطبيعية، وتعد من أغنى دول العالم، فهي تمتلك سابع أكبر احتياطي نفطي في العالم ب 49 مليار برميل، ما يعادل 4.6 بالمئة من الاحتياطي العالمي، ما يجعلها ثاني أكبر منتج ومصدِّر بعد السعودية، إذ تنتج 7.5 مليون برميل يومياً، وتصدر حوالى 3.2 مليون برميل يوميا من النفط الخام، أي 40 بالمئة من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالى 70 مليون طن من منتجات التكرير سنوياً. وتملك 29 مصفاة بقدرة انتاجية تزيد على 9 ملايين برميل يومياً كما أنها أكبر دول العالم في احتياطات الغاز الطبيعي ب 35 بالمئة، بحوالى 54.3 تريليون م3، ومن ثم فمن الجانب النفطي تعتبر روسيا قوة اقتصادية عظمى. كما يوجد فيها تريليون م ٣ معادن أخرى ذات أهمية كبرى مثل الحديد والنيكل والألماس والفوسفات والفضة والرصاص والذهب والأخشاب. وفي الميدان الزراعي، وكما أشير قبل قليل، تضم 220 مليون هكتار من الأراضي الزراعية و 120 ألف نهر. والأزمة الاقتصادية التي مست روسيا في السنوات الأخيرة، لم تكن لضعف الإمكانات والمقومات الاقتصادية، بل بسبب سوء تسيير وإدارة الموارد المتاحة وتوظيفها، وكذلك بسبب عدم الاستقرار السياسي. ومع تغير القيادة منذ عام 2000 وتحقيق الاستقرار الداخلي، استرجع الاقتصاد الروسي عافيته، وشهد انتعاشاً وتحسناً بل وازدهاراً واضحاً. ويظهر ذلك من خلال تحقيق إنجازات معتبرة في الاقتصاد الكلي: ارتفاع الناتج القومي الإجمالي وارتفاع نسبة نموه الحقيقي، ارتفاع نصيب الفرد من هذا الناتج، انخفاض معدل التضخم، وانخفاض نسبة البطالة، إضافة إلى تحسن أداء المؤسسات الاقتصادية. كما ارتفعت وتيرة الاستثمارات الحكومية، ما خلق جواً مناسباً للاستثمارات الخارجية. فمثلاً في 2002 بلغ النمو الاقتصادي 4.7 بالمئة، وفي 2003 حقق 7.3 بالمئة. كما يرجع هذا التحسن والازدهار في الاقتصاد لارتفاع أسعار الصادرات، وتحصين الاقتصاد ضد اضطرابات أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية، بإنشاء صندوق الاستقرار، وهو صندوق الادخار من مبيعات 13.5 مليون دولار، وارتفع خلال 2005 إلى 17 مليون دولار. النفط، الذي بلغ رصيده عام 2005 كل هذا يدل على عودة روسيا بقوة إلى الساحة الاقتصادية الدولية.
د. المقومات الاستراتيجية والعسكرية
ظلت روسيا في العهد السوفياتي لأكثر من نصف قرن، قوة عسكرية عظمى متكافئة مع أمريكا، بل ومتفوقة عليها في الأسلحة التقليدية. وورثت عنه أسلحة متنوعة وبخاصة ترسانتها النووية الإستراتيجية: 90 بالمئة من لقوات الاستراتيجية النووية، ترسانته النووية الاستراتيجية، 85 بالمئة من قوات الأسلحة التكتيكية النووية،85 بالمئة من القوات البحرية، 58 بالمئة من القوات البرية، 79 بالمئة من الصواريخ العابرة للقارات، 100 بالمئة من الغواصات النووية، 90 بالمئة من القاذفات بعيدة المدى، وأكثر من 12 ألف رأس نووي استراتيجي. وفي ظل التدهور العام، شهدت روسيا تدهوراً واضحاً لجيشها وتراجعاً في قدراتها البحرية، إلا أنه بوصول بوتين إلى الحكم، أعطى اهتماماً لإعادة تنظيم الجيش والأسطول، بما يمكّن روسيا من استعادة قدراتها العسكرية والحفاظ على مصالحها ومكانتها كقوة كبرى. ورغم أن الصناعات العسكرية ومبيعات السلاح، كانت من أكثر الميادين تأثراً بانهيار الاتحاد السوفياتي، إذ عانت تدهوراً كبيراً بسبب تراجع الطلب الداخلي والخارجي وانتشار حالة الفوضى والارتباك والفساد في التعامل الحكومي مع قطاع الصناعة العسكرية طيلة التسعينيات. ورغم هذا استطاع هذا القطاع أن يحافظ بل ويسترجع أهميته من خلال مبيعات السلاح الخارجي، والتي تحولت إلى ركيزة أساسية للاقتصاد الروسي منذ 2000، إذ أصبحت مصدراً مهمّاً للدخل القومي، وأداة لتعزيز مكانة روسيا على الساحة الدولية؛ فروسيا هي ثاني أكبر دولة بعد أمريكا في مبيعات السلاح في العالم. وهناك مقومات عسكرية غير مادية وهي الجوانب التنظيمية والكفاءة والخبرات المكتسبة في الحروب والمعنويات، وهي عوامل أساسية في الجانب العسكري، فمثلاً نجد أن أول رجل فضاء هو روسي، ونسبة المتعلمين في روسيا هي 90 بالمئة، وروسيا دولة متقدمة في هندسة الصواريخ وعلم المعادن، ولها نخبة كبيرة جداً من العلماء والمهندسين في علوم الرياضيات والذرة، حيث الروس هم الأفضل في العالم عددا وكفاءة.
المبحث الثالث :
الاقتصاد الروسي في الميزان الدولي نبذة عن الاقتصاد الروسي:
حقق الاقتصاد الروسي خلال عام 2008 معدل نمو بلغت نسبته 6%، وذلك عقب 7 سنوات من متواصلة من النمو الذي بلغ متوسطه 7% سنويًا منذ الأزمات المالية. التي حدثت عام 1998.
تعدى متوسط النمو في كل من الاستثمار الرأسمالي الثابت ومتوسط دخل الفرد نحو 10% على مدار الست سنوات الأخيرة ، ولكن حث تباطأ في متوسط نموهما خلال عام 2008 ، كما شهد العقد الأخير انخفاض نسبة الفقر والبطالة بشكل كبير واتسع نطاق الطبقة المتوسطة.
كما عملت روسيا على تحسين موقفها المالي الدولي ، وأصبحت تحقق فائض في ميزان مدفوعاتها منذ عام 2000 ، كما ارتفع احتياطي النقد الأجنبي المتوفر لديها من 12 مليار دولار خلال عام 1999 إلى 600 مليار دولار في نهاية يوليه 2008، وقد بلغ الدين الخارجي نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي ، وقد انخفضت نسبة الدين الخارجي الحكومي في حين شهدت القروض التجارية الأجنبية قصيرة الأجل ارتفاعًا كبيرًا ، وقد بدأت تنعكس الآثار الإيجابية لهذه الاتجاهات خلال النصف الثاني من عام 2008 .
تأثر القطاع المصرفي بالأزمة المالية العالمية حيث واجه أزمة سيولة ، وقد استجابت روسيا سريعًا لمواجهة هذه التحديات وبدأت خطة لإنقاذ القطاع المالي بها وذلك من خلال توفير ما يزيد عن 200 مليار دولار لزيادة السيولة في القطاع المالي ولمساعدة الشركات على سداد ديونها الخارجية وكذلك لتنشيط سوق المال.
وقد حدد الرئيس الروسي ميدفيديف عددًا من الأولويات الاقتصادية لروسيا وتتضمن تلك الأولويات : تحسين كل من البنية التحتية ، البحث والتطوير ، والاستثمار ، إلى جانب تقليل الدور الذي تلعبه الحكومة في الاقتصاد ، إصلاح النظام الضريبي والقطاع المصرفي ، محاربة الفساد.
وتحتاج الحكومة الروسية لتنويع الاقتصاد ، حيث يعتمد الاقتصاد الروسي بصفة أساسية على الطاقة والمواد الخام الأخرى والتي تتحكم في عوائد الصادرات الروسية وإيرادات الموازنة الحكومية.
ثانياً: مؤشرات الاقتصادية:
اجمالي الناتج القومي: 2.225 تريليون دولار(2008)
مساهمة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي:
القطاع الزراعي: 4.1%
القطاع الصناعي: 41.1%
قطاع الخدمات: 54.8% (2008)
معدل النمو في الناتج القومي: 6% (2008)
متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي: 15.8 ألف دولار.
أهم الموارد الطبيعية:
قاعدة عريضة من الموارد الطبيعية التي تشتمل على احتياطي رئيسي من البترول ، الغاز الطبيعي ، الفحم ، العديد من المعادن الإستراتيجية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من المعوقات الهائلة مثل المناخ والتضاريس وبعد المسافة التي تحول دون استغلال هذه الموارد.
أهم الصناعات:
نطاق واسع من الصناعات التعدينية والاستخراجية التي تنتج الفحم ، النفط ، الغاز الطبيعي ، الكيماويات والمعادن ، تصنيع الآلات بما فيها الطائرات والمركبات الفضائية ، صناعات الدفاع والتي تشمل الردار ، الصواريخ ، المكونات الاليكترونية المتقدمة ، صناعة السفن ، معدات النقل ، أجهزة الاتصالات ، المعدات الزراعية ، الجرارات ، معدات البناء والإنشاء ، مولدات الطاقة الكهربائية، الأجهزة الطبي ة والعلمية ، السلع الاستهلاكية المعمرة ، المنسوجات ، الصناعات الغذائية ، الصناعات اليدوية.
أهم المنتجات الزراعية:
الحبوب، بنجر السكر، الخضروات، بذور عباد الشمس، الفواكه، اللحوم، الألبان.
القوة العاملة: 75.7 مليون دولار (2008).
توزيع القوة العاملة:
قطاع الزراعة: 10.2%.
قطاع الصناعة: 27.4%.
قطاع الخدمات: 62.4% (2007).
نسبة البطالة: 6.2% (2008).
معدل التضخم: 13.9% (2008).
قيمة الصادرات (fob): 476 مليار دولار.
أهم الصادرات:
البترول والمنتجات البترولية ، الغاز الطبيعي ، الأخشاب والمنتجات الخشبية ، المعادن ، الكيماويات و منتجات متنوعة من المنتجات المدنية و العسكرية.
أهم شركاء التصدير:
هولندا 12.2%، إيطاليا: 7.8%، ألمانيا 7.5%، تركيا 5.2%، بيلاروسيا 5%، أوكرانيا: 4.7%. (2007)
قيمة الواردات (fob): 3.2 مليار دولار
أهم الواردات:
المحركات ، الآلات و المعدات ، البلاستيك ، الأدوية ، الحديد والصلب ، السلع الاستهلاكية ن اللحوم ، الفواكه والمكسرات.
أهم الشركاء الاستيراد:
ألمانيا 13.3%، الصين 12.2%، أوكرانيا 6.7%، اليابان 6.4%، الولايات المتحدة الأمريكية 4.8%، بيلاروسيا 4.4%، كوريا الجنوبية 4.4%، إيطاليا 4.3% (2007).
موسكو والاتحاد الإقتصادي الأورارسي
تؤثر العديد من العوامل في سلوك موسكو حيال مبادرة الاتحاد الاقتصادي مثل استراتيجية موسكو في تعزيز مساعيها الأمنية والاقتصادية، فضلاً عن أن الاقتصاد الروسي نفسه يقرر طبيعة الموارد التي يمكن لموسكو أن تجندها في مساعيها من أجل تعزيز النفوذ والإقناع والضغط، لأن القوة التي تمارسها لتحقيق هداف سياستها الخارجية لن تخرج عن تلك التي تتناسب مع قوتها الاقتصادية. وتجدر الاشارة إلى أن القيادة الروسية تنشط في بعض الأحيان لمواجهة ما تعتبره اجراءات يتخذها منافسوها لاحتواء أو تطويق مصالح موسكو أو حلفائها.
شهدت أسعار النفظ إبان ولاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هبوطاً حاداً، من 110 دولارات إلى 50 دولاراً للبرميل الواحد ما بين أيلول/سبتمبر 2014 وشباط/فبراير 2015، وجاءت العقوبات المفروضة على روسيا لتفاقم من حدة التراجع الاقتصادي، فأظهر هذان التطوران أن إدارة بوتين لاقتصاد البلاد في وضع سيء وفي هذا السياق تُعد مبادرة بوتين لإنشاء " الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي" رسالة منه وعلى طريقته الخاصة، على أنه سينشيء تحالفاته الخاصة ووفق شروطه، وفيها ايضاً رسالة لجمهور الناخبين الروس بأنه ماض في القتال من أجل الحقوق العرقية للأقلية الروسية في اوكرانيا وغيرها على الرغم من فرض عقوبات قاسية على بلاده، وبأنه لم يتخل عن الجماعات الروسية في "دونيتسك ولوهانسك" في شرق أوكرانيا وأنه سيواصل دعم "الانفصاليين الروس" من أجل أن ينتزعوا أفضل صفقة ممكنة من الحكومة الأوكرانية.
ورغم أن ذلك طمأن جمهور الناخبين الروس غير أنه أقلق جيران روسيا بشأن نواياها المحتملة، وهو ما حَمَل أحد أبرز المراقبين إلى أن يشير إلى أن الأزمة الأوكرانية ستبُقي قادة دول وسط آسيا متيقظين في ليلهم . ومن هنا يُقا ل إن "اعتداء روسيا على أوكرانيا لم ينُتج أزمة دولية فقط، وإنما أيضا مخاوف في أوساط الدول المجاورة لروسيا؛ حتى أن الدول التي تتعاون مع روسيا باتت تخشى أن تكون هي التالية على قائمة الضم الروسي". وأثارت وسائل الإعلام الغربية في تقارير نشرتها بأن مخاوف حكومات دول وسط آسيا دفعتها إلى متابعة أحداث شبه جزيرة القرم بنوع من العصبية، خشية أن يعُدّ ما أظهرته روسيا من قدر كبير من الحزم نذير شؤم بالنسبة لهذه الدول.
دول آسيا الوسطى والاتحاد، التحديات والمخاوف
فرضت التحركات العسكرية الروسية ضد القرم عددا من الفرص والتحديات على أجندة "بوتين" لفترة ما بعد توحيد والتي يشكل الاتحاد الاقتصادي الجزء الحاسم فيها. وبالنسبة لهذه الأخيرة يذكر ،(CIS) أعضاء رابطة الدول المستقلة المحللون عددا من العوامل التي تدفع دول آسيا الوسطى الخمسة، كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، للاستجابة للاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي؛ أولها الهجرة وغيرها من العوامل الاقتصادية؛ وثانيها وجود الأقليات الروسية في هذه الدول؛ وثالثها وجود القواعد العسكرية الروسية واتفاقات الدفاع التاريخية. وتماشيا مع هذه . التحديات، على قادة دول آسيا الوسطى أن يتعاملوا مع مجموعة مركبة من الأولويات.
وحسب البروفيسور "فلاديمير غلمان"، فإن استجابة السياسة الخارجية الروسية ستعتمد على مدى عمق واستمرار الأزمة المالية التي تعصف بروسيا حالياً حيث شكلت عائدات النفط والغاز ما يزيد على 68% من مجموع عائدات الصادارات الروسية في عام 2013 ، والتي تركَّز معظمها في مجال النفط ومنتجاته. ومن هنا فإن هبوط أسعار النفط أعاق النمو الاقتصادي في روسيا؛ ففي كانون ثاني/ يناير 2015 تنبأ البنك الدولي بنسبة نمو للاقتصاد الروسي تقل عن 2.9للعام نفسه.
وبالنسبة لدول وسط آسيا الخمسة فإن هذه الظروف تشكل لها أربعة من التحديات، وإن بدرجات متفاوتة.
تواجه تركمانستان وكازاخستان تراجعا ثابتا في الواردات بسبب هبوط أسعار النفط والغاز لأنهما تعتمدان على صادرات الهيدروكربون.
تعاني دول آسيا الوسطى المربوطة عملاتها بالروبل من انخفاض قيمة قوتها الشرائية على المستوى المحليبسبب انخفاض قيمة الروبل، لا بل يضُاف إلى ذلك عبء دينها المربوط بالدولار الأمريكي حيث أصبحت صادراتها إلى روسيا مكلفة جدا مقارنة بالروبل.
تأثرت سلبا وعلى وجه التحديد، اقتصاديات كل من طاجيكستان وأوزبكستان، وكذلك قيرغيزستان وغيرها وإن بدرجة أقل؛ بسبب تراجع كل من العقود الروسية ومدخول الحوالات المالية من العمالة المهاجرة في روسيا.
بالنسبة لكل من طاجيكستان وقرغيزستان تحديدا،ً يبدو أن الحصول على معونات روسية بشكل استثمارات وعقود روسية، وخاصة في مجال قطاع البنى التحتية، كسبيل للخروج من الأزمة الحالية سيتأجل حتى تتحسن ظروف روسيا.
ويبقى المدى الذي ستصل إليه دول وسط آسيا في تأثرها بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا هو التحدي الأبرز بالنسبة لحكوماتها، ومن أخطرها الانتهاء بنظام سياسي واجتماعي عرضة للاضطرابات والفساد والفقر والاضطهاد، لاسيما وأن اقتصاديات هذه الدول تعتمد بشكل أساسي على الحوالات المالية التي بلغت خلال السنوات الأخيرة 49% من الناتج المحلي الإجمالي في طاجيكستان ( بلغت عام 2008 على سبيل المثال 2.2 مليار دولار)، و30% في قرغيزستان. وبذلك تعد العودة القسرية للمهاجرين إلى دولهم الفقيرة تهديدا أكثر واقعية واحتمالا من ذلك المتعلق بالغزو أو بانتزاع الأراضي، وذلك حسب دبلوماسي غربي في "دوشنبه"، موضحا: "أستطيع رؤية سيناريو خروج التظاهرات إلى الشوارع يقودها المهاجرون العائدون الذين لا يعدون ساخطين فحسب، وإنما أكثر من ذلك، فهم لا يجدون وظائف في بلادهم".
وبالإشارة إلى المعضلات التي تواجهها دول وسط آسيا، كتبت "مارلين لريول" عن الخيارات الضيقة والحاجات المتزايدة لاقتصادات هذه الدول التي بقيت تعتمد بشكل كبير على الحوالات المالية من روسيا. فطاجيكستان وقرغيزستان لم تجد خياراً سوى الحفاظ على علاقات استثنائية مع روسيا وتمنحها امتيازات. ولم يقتصر ذلك على هاتين الدولتين، وإنما تضاف إليهما أوزبكستان، وإن بدرجة أقل؛ فهذه الدول الثلاثة "مضطرة لأن تبُقي على آمالها بأن يستمر الاقتصاد الروسي بالازدهار وأن لا يتهاوى. ذلك أنه في حال أضرت العقوبات الدولية بنمو الاقتصاد الروسي على نحو خطير، فإن التبعات على الاقتصاد الكزخي، وعلى الاستثمارات الروسية في قرغيزستان وطاجيكستان –والتي تأثرت أصلا بسبب الارتفاع المضطرد لأسعار الوقود الروسي- وعلى ملايين الأسر في دول وسط آسيا الذين يعتمد مستقبلهم على الحوالات المالية من روسيا؛ فإن كل هذه التبعات ستكون وخيمة وستشكل خطرا كبيرا على شرعية الأنظمة المستقرة في هذه الدول" وبالتأكيد، سببت تصريحات فلاديمير زيرينوفسكي، القومي الروسي وزعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، الكثير من السخط عندما أعلن في شباط/ فبراير 2014 بأنه يشعر بحاجة دول وسط آسيا لأن تعود مجددا إلى السيطرة الروسية وفق نوع من الاتفاقيات الفيدرالية.
ويتخوف البعض في كازاخستان بأنه إذا تم خرق مذكرة بودابست لعام 1994 بشأن الضمانات الأمنية لكل من روسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا فإن "أحدا لا يمكنه بعد الآن أن يثق بهذه الضمانات التي تمنحها الدول النووية لها، كما أن الضم الخاطف للقرم أخاف العديد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وإلى جانب أوكرانيا، هنالك الجمهوريات المنشقة الموالية لروسيا في ترانسنيستريا بمولدافيا، ومناطق الحكم الذاتي في كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بجورجيا الذين يتطلعون إلى مزيد من الدعم الروسي من أجل تحسين موقفهم.
وبخصوص المنطقة الشمالية من كازاخستان حيث تتركز القومية الروسية، تشير "سمانثا برليتش" إلى أنه: "إذا اختارت كازاخستان أن لا تتعاون مع روسيا، فستكون رهينة السياسة الخارجية الروسية، فبعد ضم موسكو للقرم لم يبقَ أمام كازاخستان سوى التعاون مع الخطط الروسية للدمج، انطلاقا من أن التوافق مع روسيا وسياسات بوتين تعدّ طريق. كازاخستان من أجل الحفاظ على وحدة أراضيها".
وفي الوقت الحاضر فإن الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي يعُدّ الخيار الآمن في العاصمة الكزخية "أستانا". وفي واقع الأمر فإن تبعات عدم تجاوب كازاخستان سيسبب الكثير من الإشكالات لها كما سبق وأشارت لريول، والتي تضيف :"قد يواجه النظام مستويات لا يعُتدّ بها من الرأي العام المؤيد لروسيا؛ غير أن الإجماع الأهلي والمجتمعي في كازاخستان مبني على تحسين مستوى المعيشة، ومن هنا فإن فشل الاتحاد الجمركي/ الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي في إحداث أثر إيجابي في الاقتصا د الكزخي، من شأنه أن يؤثر بصورة سلبية على شرعة روسيا في البلاد والرواية التصالحية التي تتبناها السلطات الكزخية
الخلاصة
عرفت روسيا بعد الانهيار الاتحاد السوفيتي العديد من التغيرات في أوضاعها الداخلية ، فبعد استلام الرئيس بوريس السلطة ، عمل على إبعاد روسيا عن ماضيها الشيوعي ، ما استلزم منه إتباع سياسة موالية للغرب تحصل من خلالها روسيا على مجموعة من المساعدات التي تمكنها من الخروج من أزماتها وخاصة الاقتصادية , الامر الذي فرض على صناع القرار الروس أنذاك أتباع سياسة خارجية موالية للغرب ، أملا في أن يكون هذا التقارب سببا لخروج روسيا من
ازماتها الاقتصادية والاجتماعية
وتبعا لهذا التوجهة فقد تراجعت علاقات روسيا مع الدول الشرق الاوسط ابان تلك الفترة من الزمن حيث ركزت النخبة الروسية على المعضلات البنيوية الداخلية لذلك استلم فلاديمير بوتين الحكم في روسيا وهي تعيش مرحلة إنتقالية غير مستقرة الامر الذي استدعاه الي انتهاج سياسات داخلية وخارجية صارمة لاجل القضاء على هذة المشكلات معتمدا في ذلك على ما تملكه روسيا من ثروات .
وخلاصة الي ذلك توصلن الي عدة نتائج
1_لعبت مجموعة من العناصر دوراً فعلاً في إعادة دفع القوة الروسية الي نهوض
2_ساعد نمو الاقتصادي الذ شهدته روسيا ايضاً في انتهاج سياسة خارجية أكثر نشاطا
3_شكلت مجموعة من المتغيرات المختلفة الدافع الاساس لتوجية السياسة الخارجية الروسية نحو منطقة الشرق الاوسط
5_تقوم العلاقات الروسية مع الدول المنطقة على اساس المصالح الامنية الاقتصادية
المراجــــــــع والمصادر :
أوتكين ، أناتولي ، الاستراتيجية الامريكية للقرن الحادي والعشرين ،ترجمة :أنور محمد إبراهيم ،محمد نصر الدين الجبالي ، القاهرة ، المجلس الاعلى للثقافة ، الطبعة الاولى 2003
الإمارة ، لمى مضر جريء ، المتغيرات الداخلية والخارجية في روسيا الاتحادية وتاثيرها على سياستها تجاه منطقة الخليج العربي خلال فترة 1990_2003
بوقارة ن حسين السياسة الخارجية : دراسة في عناصر التشخيص والاتجاهات النظرية للتحليل ،الجزائر ،دار هومة ،2012
بيتر ،مارش ،صنع السياسة الخارجية والمهارات الدبلوماسية ترجمة :المركز الثقافي للتعريب والترجمة .القاهرة دار الكتاب الحديث ، 2009
بريماكوف ، يفجيني ، العالم بعد 11سيتمبر وغزو العراق ،ترجمة : عبد الله حسن ، دمشق ،دار الفكر ، الطبعة الاولى ، 2010
حسن ،خليل ، العلاقات الدولية : النظرية والواقع ، بيروت ، دار المنهل اللبناني 2011
زكي ، محمد فاضل ، السياسة الخارجية وأبعادها في السياسة الدولية ،بغداد مطبعة شفيق ،1975
الهزايمة ، محمد عوض ، فضايا دولية : تركة قرن مضى وحمولة قرن أتى عمان ،2004
جريدة ،ناصر ، خاف ، خالد ، الثورات العربية في ميزان الاسكندرية ،دار الوفاء لدينا الطباعة والنشر ، الطبعة الاولى ، 2012
هويدي ،أمين ،التحولات الاستراتيجية الخطيرة :البيروسترويكا وحرب الخليج الاولى ، القاهرة ندار الشروق ، الطبعة اولالى ، 1997