قصة سيدنا اسماعيل
هاجَر
إبراهيم من
أرض النهرين (من شمال النهرين من حران)، أخذ معه زوجته سارة وابن اخيه
لوط،
ذهبوا إلى مملكة الاقباط، وهناك حدثت قصة الملك مع سارة وأن إبراهيم قال
لها: قولي: أنا أخته. وأهدى الملك إياها هاجر ثم خرجوا من مصر.
مضى إبراهيم إلى
فلسطين، في الطريق وعندما وصلوا إلى قرية
سدوم على سواحل
البحر الميّت، أمر إبراهيم لوطاً أن يسكن في تلك القرية، ويدعو أهلها إلى عبادة الله.
أما إبراهيم فقد واصل طريقه مع زوجته سارة، وهاجر، إلى أرض فلسطين. رأى
إبراهيم وادياً جميلاً تحيطه الراوبي والتلال فالقى رحله هناك. ومنذ ذلك
التاريخ وقبل آلاف السنين سكن إبراهيم الأرض التي تدعى اليوم بمدينة
الخليل.
ضرب إبراهيم خيامه في ذلك الوادي الفسيح وترك ماشيته ترعى بسلام, كان
ذلك الوادي في طريق القوافل المسافرة، لهذا كان يقصده الكثير من المسافرين
فيجدون عنده الماء العذب، والطعام الطيب والكرم والاستقبال الحسن، ويجدون
عنده الكلمات الطيبة.
كان إبراهيم يتحدث مع ضيوفه، وكان همّه أن يعبد الناس الله الواحد الأحد لا شريك له، ولا معبود سواه.
و تمرّ الايام والأعوام وعرف الناس إبراهيم الرجل الصالح الكريم. عرفوا
أخلاقه وكرمه وحبّه للضيوف، عرفوا صلاحه وعبادته وتقواه، وعرفوا حبّه للخير
والناس.
منزلته في القرآن الكريم
وصفه القرآن أنه من الصابرين ومن الصالحين حيث يقول تعالى :
﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ *
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [سورة
الأنبياء/85-86]
الرحيل
وهب الله إبراهيم ولداً هو إسماعيل. كان طفلاً محبوباً ملأ قلب أبيه
فرحاً ومسرَّة. لهذا كان يحتضنه ويقبّله وكان يقضي بعض أوقاته في خيمة أمّه
هاجر.
سارة المرأة الصالحة كانت تحبّ إبراهيم، تحبّ أن يفرح زوجها.. ولكنها بدأت تغار من هاجر. هاجر التي رزقت طفلاً أمّا هي فظلّت محرومة.
سارة لا تريد للغيرة أن تأكل قلبها.. لا تريد أن تكره أو تحقد على هاجر بسبب ذلك..
من أجل هذا قالت لزوجها إبراهيم : انها لا تريد أن ترى هاجر بعد الآن..
لأنها إذا رأت هاجر فستغار منها وتحقد عليها وهي لا تريد أن تدخل النار
بسبب ذلك.
الله رؤوف بعباده.. كانت سارة محرومة من الأطفال تحمّلت العذاب والهجرة
بسبب إيمانها بزوجها إبراهيم وهي صابرة طوال هذه السنين.. ظلّت مؤمنة بربها
وبرسوله إبراهيم.
إلى البيت العتيق
و شاء الله ان يأخذ إبراهيم هاجر وابنها إسماعيل إلى أرض بعيدة هي أرض
مكة في الجنوب.
امتثل إبراهيم لأمر الله فشدّ الرحال إلى مكة المكرمة لم يذهب اليه من قبل.
و سار إبراهيم مع زوجته هاجر، ومعها إسماعيل الطفل الرضيع سارا أيّاماً
طويلة.. وفي كل مرّة وعندما يرى إبراهيم مكاناً جميلاً أو وادياً معشباً
كان ينظر إلى السماء، كان يتمنّى أن يكون قد وصل المكان الموعود.
و لكن الملاك يهبط من السماء ويخبره باستئناف المسير.
و هكذا كان إبراهيم يسير ويسير ومعه زوجته هاجر وهي تحمل طفلها الرضيع.
و بعد أيام طويلة وصلوا أرضاً جرداء عبارة عن وادٍ ليس فيه سوى الرمال، وبعض شجيرات الصحاري الجافّة.
في ذلك المكان هبط الملاك وأخبر إبراهيم بانه قد وصل الأرض المقدسة.
نزل إبراهيم في ذلك الوادي.. كان وادياً خالياً من الحياة ليس فيه نهر ولا نبع ولا يعيش فيه إنسان.
إنها إرادة الله أن يعيش الصبي إسماعيل وامّه في هذا المكان.
الوداع
قبّل إبراهيم طفله إسماعيل.. بكى من أجله.
على إبراهيم أن يعود ويترك هاجر وابنها في هذا المكان بكى إبراهيم من أجلها وهو يبتعد عائداً إلى فلسطين.
التفت هاجر حواليها لم تر شيئاً سوى الرمال وسوى صخور الجبال الصماء.. قالت لزوجها :
ـ أتتركنا هنا.. في هذا الوادي ولم تغضب أو... غير ذالك لان من صفات زوجات الانبياء ((الصبر)) ؟!
ـ فسألته : آلله أمرك بهذا ؟ فأشار برأسه نعم.
كانت هاجر امرأة مؤمنة عرفت ان الله رؤوف بعباده ويريد لهم الخير والبركات.
قالت لإبراهيم :
ـ ما دام ان الله قد أمرك فلن يضيعنا.
ابتعد إبراهيم بعد أن ودّع ابنه وزوجته.
وقف فوق التلال ونظر إلى السماء وابتهل إلى الله أن يحفظهما من الشرور.
وقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي
زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم
مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (إبراهيم:37)
اختفى إبراهيم في الافق البعيد. لم تعد هاجر تراه، أمّا إسماعيل فلم يكن يعلم ماذا يجري حوله..
فرشت هاجر لابنها جلد كبش، وقامت لتصنع لها ولطفلها خيمة صغيرة.
كانت تعمل بكل طمأنينة، وكأنها في بيتها.. كانت تؤمن أن هناك من يرعاها
ويرعى وليدها. في النهار تجمع بعض الحطب وفي المساء توقد النار وتصنع لها
رغيفاًً تتعشّى به، وكانت تسهر معظم الليل وهي تنظر إلى السماء المرصعة
بالنجوم.
مضت عدّة أيام وهاجر على هذه الحال.. نفد ما معها من الماء.. لم يبق في القربة حتى قطرة واحدة.
نفد الماء كلّه.. لم تبق منه قطرة واحدة.. الوادي الموحش يملأه الصمت.
راحت هاجر تدير بصرها في جنبات الوادي.. ولكن لا شيء، ايقنت ان هذه أرض
جرداء خالية من الماء.. لم يمرّ بها إنسان من قبل ولا يطير في سمائها
طائر..
بكى إسماعيل الطفل الرضيع كان عطشاناً يبحث عن قطرة ماء.. انه لا يدرك ما يجري حوله..
لا يدري في أي مكان هو في هذه الأرض.
نظرت امّه اليه باشفاق.. ماذا تفعل..من أين لها أن تأتي بالماء في هذه الصحراء ؟!
فجأة تفجَّرت في قلبها إرادة الأمومة.. لابدّ ان تفعل شيئاً.. لا بد أن يوجد في هذه الأرض ماء ولو قطرة..
لعل في خلف هذا الجبل غدير أو نبع.. لعل خلف ذاك التلّ بئر حفره إنسان طيّب من أجل القوافل المسافرة.
نهضت هاجر.. نظرت حواليها لتتأكد من عدم وجود ذئب أو ضبع يفترس ابنها
الرضيع.. لا شيء سوى شجيرات الشوك هنا وهناك.. ركضت هاجر باتجاه جبل الصفا.
كانت تركض بعزم وأمل وكان هناك خوف في قلبها.. فقد يختطف الذئب صغيرها الظامئ إسماعيل..
كان صراخ إسماعيل يدوّي في أذنها..
ارتقت هاجر قمّة جبل الصفا.. فنظرت في الوادي.. رأت ما يشبه تموجات الماء.. انحدرت باتجاه الوادي..
و لكن لا شيء لم تكن هناك غير الرمال.. لقد كان مجرد سراب ما رأته في قلب الوادي..
عادت هاجر تركض نحو طفلها إسماعيل.. ما يزال يبكي يصرخ يريد ماءً.. نظرت إلى جبل المروة في أمل.. لعل هناك ماءً..
راحت تركض بأقصى سرعة.. وكانت الرمال تتطاير تحت قدميها..
تراءى لها ما يشبه الماء.. ركضت.. ركضت.. ركضت.. بسرعة.. ولكن لا شيء سوى السراب.. انقطع بكاء إسماعيل غاب عن بصرها..
عادت بسرعة.. رأته من بعيد يبكي.. ما يزال يطلب الماء.. وربّما كان يبحث عن أمّه.. كان خائفاً..
راحت هاجر تعدو بين جبل الصفا وجبل المروة تبحث عن ماء لوليدها
إسماعيل.. سيموت من الظمأ، سيموت من العطش.. نظرت إلى السماء صاحت من كل
قلبها : يا رب :
ارتقت جبل المروة غاب إسماعيل عن بصرها.. انقطع بكاؤه.. خافت هاجر ربّما يكون قد مات.. ربّما افترسه ذئب جائع..
أقبلت تعدو بكل ما أُتيت من قدرة رأت من بعيد إسماعيل هادئاً كان يحرّك يديه وقدميه وكان هناك نبع قد تفجّر عند قدميه الصغيرتين.
نظرت هاجر إلى السماء وهي تبكي، لقد استجاب الله دعوتها فتدفق الماء من قلب الرمال..
أسرعت هاجر لتصنع حوضاً حول الماء.. ليكون فيما بعد بئر زمزم.
قبيلة جرهم
شمّت الطيور رائحة الماء فراحت تدور حول النبع سعيدة..
هاجر فرحت بمنظر الطيور البيضاء وهي تحلق في سماء الوادي.
إسماعيل أيضاً كان سعيداً وهو يراها تلعب في الفضاء.
كان السكان في تلك الصحاري يعيشون حياة الرحّل.. ذات يوم مرّت قبيلة جرهم قريباً من الوادي فرأى الناس طيوراً تحلق في السماء..
عرفوا أنّ في ذلك الوادي ماءً.. لهذا توجهوا نحوه..
عندما انحدرت قوافلهم في الوادي شاهدوا منظراً عجيباً لم يكن هناك سوى امرأة مع ابنها الرضيع..
قالت لهم المرأة : أنا هاجر زوجة إبراهيم خليل الرحمن.
كان افراد قبيلة جرهم أُناساً طيبين.. قالوا لهاجر :
ـ هل تسمحين لنا في السكن في هذا الوادي ؟
السيدة هاجر قالت لهم : حتى استأذن لكم خليل الرحمن.
ضرب أفراد جرهم خيامهم قريباً من الوادي ريثما يأتي إبراهيم فيستأذنوه..
جاء إبراهيم ورأى مضارب الخيام.. رأى قطعان الماشية والجمال لهذا فرح بقدوم تلك القبيلة العربية.
و منذ ذلك الوقت استوطنت قبيلة جرهم الوادي وعاش إسماعيل وهاجر حياة طيبة..
أفراد القبيلة قدّموا لإسماعيل كثيراً من الخراف، وضربوا له ولوالدته
خيمة جميلة تقيهم حرّ الشمس في الصيف وتحميهم من المطر في الشتاء..
كبر إسماعيل وتعلّم لغة العرب.. كان فتى طيباً ورث أخلاق أبيه إبراهيم
وتأثَّر بأخلاق العرب الطيبين تعلّم منهم الكرم والضيافة والشجاعة
والفروسية.
الكعبة.. رمز التوحيد
الله أمر إبراهيم أن يبني بيته والكعبة يكون رمزاً للتوحيد ومكاناً لعبادة الله.
قال إبراهيم لولده :
إنّ الله يامرني أن ابني بيته فوق هذا التل الصغير !
لبّى إبراهيم أمر الله ولبّى إسماعيل دعوة أبيه إبراهيم لبناء بيت الله.
كان على إبراهيم الشيخ الكبير وإسماعيل الفتى أن ينهضا بهذه المهمة الشاقة.
عليهما أولاً أن ينقلا الصخور المناسبة للبناء من الجبال المحيطة بالوادي.
و كان عليهما أن يجمعا التراب ويوفرا الماء الكافي لصنع " الملاط " اللازم في بناء البيت.
و هكذا بدأ البناء نقلوا أوّلاً الصخور من الجبال المحيطة بالوادي وصنعا حوضاً للماء وجمعا التراب.
كان الفتى إسماعيل يتولّى حمل الصخور.. كان ينتخب الصخور الصلبة لتكون أساساً قوياً في البناء..
جمع كثيراً من الصخور الخضراء اللون.. ثم صبَّ الماء في حوض التراب ليصنع طيناً لزجاً يشدّ الصخور إلى بعضها.
كان إبراهيم يرصف الصخور الخضراء الواحدة بعد الأخرى ليبني أساس البيت..
أمّا إسماعيل فكان يناول أباه الصخور..
في كل يوم كانا يبنيان سافاً واحداً، ثم يعودا في اليوم التالي لبناء ساف آخر وهكذا.
في كل يوم كان البناء يرتفع قليلاً.. وفي كل يوم كان إبراهيم وإسماعيل
يطوفان حول البيت ويقولان : ربّنا تقبل منّا انك أنت السميع العليم.
ارتفع البيت في السماء تسعة أذرع أي ما يقرب من الثمانية أمتار رأى إبراهيم فراغاً في زارية البيت العليا.
في تلك الليلة كانت الشهب تتوهّج في السماء وسقط نيزك فوق سفوح الجبال القريبة.
في الصباح انطلق إبراهيم إلى الجبل المطلّ على الوادي وقعت عيناه على
حجر أبيض مثل الثلج كان حجراً بحجم الفراغ.. لهذا حمله إبراهيم ووضعه في
مكانه.
انتهى بناء البيت.. بيت الله الحرام ليكون أول بيت يعبد فيه الله وحده لا شريك له.
كان للكعبة بابان باب باتجاه الشرق، وباب باتجاه الغرب جمع إبراهيم
نباتاً طيب الرائحة يدعى " الأذخر " فوضعه على الباب، وجاءت هاجر أم
إسماعيل وأهدت إلى الكعبة كساءً.
الحج الابراهيمي
انطلق إبراهيم إلى الجبل وارتقى القمّة ثم هتف بأعلى صوته يدعو الاجيال البشرية إلى حج البيت العتيق.
سمعت قبيلة جرهم والقبائل العربية المجاورة نداء إبراهيم خليل الرحمن.
لم يحج ذلك العام سوى إبراهيم وإسماعيل وهاجر.
هبط الملاك جبريل يُعلّم إبراهيم مناسك الحج.
اغتسلوا بمياه زمزم وارتدوا ثياباً بيضاء ناصعة وبدؤوا طوافهم حول
الكعبة سبع مرات، وأدّوا الصلاة ودعوا الله أن يتقبل منهم أعمالهم..
و بعدها انطلقوا لقطع الوادي بين جبلي الصفا والمروة وتذكرت هاجر تفاصيل
ذلك اليوم قبل أكثر من اثني عشر عاماً عندما كان إسماعيل صبياً في المهد.
تذكّرت بكاءه وبحثها عن الماء.. تذكّرت كيف قطعت هذا الوادي الموحش سبعة أشواط تبحث عن الماء وكيف توجهت بقلبها إلى السماء ؟
و كيف تدفق الماء عند قدمي إسماعيل ؟!
الله ربّنا أراد لهذه الحوادث ان تبقى في ذاكرة البشر، يتذكّروا دائماً ان الله هو وحده القادر على كل شيء.
صعد إبراهيم وابنه إسماعيل جبل الصفا ونظر إلى بيت الله بخشوع وهتفا :
ـ لا اله الاّ الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
القربان
هبط الملاك جبريل وأمر إبراهيم ان يتزوّد بالماء ثم يذهب إلى جبل عرفات
ومنى، ومن ذلك الوقت سمّي يوم الثامن من ذي الحجة الحرام بيوم التروية.
أمضى إبراهيم ليلته هناك.. نظر إلى السماء المرصّعة بالنجوم.
نظر إلى ما خلق الله من الكواكب التي تشبه المصابيح فسجد لله الخالق
البارئ المصور له اللأسماء الحسنى يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
أغمض إبراهيم عينيه ونام.. في عالم المنام رأى إبراهيم شيئاً عجيباً!!
رأى نفسه يذبح ولده إسماعيل.. إنتبه من نومه..كانت السماء ما تزال زاخرة بالنجوم ورأى ابنه نائماً عاد إبراهيم إلى نومه..
مرّة أخرى تكررت ذات الرؤيا.. رأى نفسه يذبح ابنه ويقدمه قرباناً إلى رب العالمين !!
استيقظ إبراهيم وقد انفلق عمود الفجر.. توضأ وصلى.. واستيقظ إسماعيل فتوضأ وصلى طلعت الشمس وغمرت التلال بالنور.
كان إبراهيم حزيناً.. ان الله يمتحنه مرّة أخرى.. يمتحنه هذه المرّة يذبح ابنه.. ماذا يفعل ؟
لو أمره الله سبحانه بان يقذف نفسه في النار لفعل، ولكن ماذا يفعل في
هذه المرّة عليه أن يذبح ابنه ؟! ترى ماذا يفعل ؟ هل يخبر ابنه بذلك هل
يذبحه عنوة واذا أخبر ابنه هل يقبل ابنه بالذبح، هل يتحمل إسماعيل آلام
الذبح ؟
إسماعيل رأى أباه حزيناً فقال له :
ـ لماذا أنت حزين يا أبي ؟
قال إبراهيم :
ـ هناك أمر أقلقني.. يا بني إنّي ! أرى في المنام أنّي أذبحك فماذا ترى ؟
أدرك إسماعيل أن الله يأمر رسوله إبراهيم أنّ يضحي بولده.. إسماعيل كان
يحب أباه كثيراً يعرف أنّ أباه لا يفعل شيئاً الاّ بأمر ربّه.. انه خليل
الرحمن الذي امتحنه الله عندما كان فتى في بابل وحتى بعد أن أصبح شيخاً
كبيراً.
عرف إسماعيل أن الله يمتحن خليله إبراهيم.. لهذا قال له :
ـ يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين.
إبراهيم فرح بذلك كان إسماعيل ولداً بارّاً مطيعاً ومؤمناً بالله ورسوله.
الذبيح
أخذ إبراهيم مدية وحبلاً وذهب إلى أحد الوديان القريبة..
كان إسماعيل يرافق أباه ساكتاً يهيّأ نفسه للحظة الذبح، ويدعو الله أن يمنحه الصبر لتحمل الآلام في سبيله..
هاجر عندما رأت إبراهيم وإسماعيل قد انطلقا نحو الوادي، فكّرت انهما ذهبا لجمع الحطب..
وصل إبراهيم وإسماعيل الوادي..
نظر إسماعيل إلى أبيه كانت عيناه مليئتان بالدموع.. هو أيضاً بكى من أجل ابيه الشيخ ـ فأراد أن ينهي الأمر بسرعة قال لأبيه :
ـ يا أبي احكم وثاقي، واكفف ثيابك حتى لا تتلطخ بالدم فتراه أمي.. يا أبي واشحذ السكين جيداً وأسرع في ذبحي فان آلام الذبح شديدة.
بكى إبراهيم وقال :
ـ نِعْمَ العون أنت يا بني على أمر الله.
أحكم إبراهيم الوثاق على كتفي إسماعيل.. كان إسماعيل مستسلماً تماماً لأمر الله.
اغمض عينيه.. إبراهيم أمسك بجبين ولده وأحناه إلى الأرض.
جثا إسماعيل الفتى بهدوء كان يودع الحياة، يودع أمه وأباه.. وضع إبراهيم السكين على عنق إسماعيل.. لحظة واحدة وينتهي كل شيء.
ماذا حصل في تلك اللحظات المثيرة ؟! هل ذُبح إسماعيل ؟ كلاّ.
سمع إيراهيم نداءً سماوياً.. يأمره بذبح كبش فداءً لإسماعيل..
نظر إبراهيم إلى جهة الصوت.. فرأى كبشاً سميناً ينزل من فوق قمة الجبل.. كان كبشاً أملح له قرون !
حلَّ إبراهيم الوثاق عن ابنه إسماعيل.. ثم قدَّم الكبش وذبحه باسم الله وقدّمه قرباناً إلى ربّنا الرحيم.
و من ذلك اليوم أصبح تقديم الاضاحي من مناسك الحج.
المسلمون في كل مكان يذهبون لزيارة بيت الله.. البيت الذي بناه إبراهيم
وإسماعيل لعبادة الله.. يطوفون حوله ويمجّدون اسمه.. ويسعون بين الصفا
والمروة كما سعت هاجر من قبل، ويُقدِّمون القرابين كما قدّم إبراهيم
قرباناً من قبل.. يفعلون ذلك لأنهم على دين إبراهيم ودين إبراهيم هو دين
الإسلام الحنيف.
أنا ابن الذبيحين :
هل تعلمون من قال هذه العبارة ؟
إنّه
محمد,..
من ذرّيته عبد المطلب جدّ محمد وهو الذي حفر زمزم وفي عهده هاجم
الجيش الحبشي مكة لتدمير
الكعبة فدعا عبد المطلب
الله أن يحمي
البيت الحرام من شرّ الأعداء واستجاب الله دعاء حفيد إبراهيم وإسماعيل وأرسل طيراً أبابيل قصفت جيش ابرهة الحبشي ومزقته..
دعا عبد المطلب الله ان يرزقه عشرة بنين ونذر إن رزقه الله ذلك أن يذبح أحدهم قرباناً لله..
الله رزق عبد المطلب عشرة أبناء.. فقال عبدالمطلب :
ـ لقد رزقني الله عشرة أبناء وعليّ أن أفي بالنذر.
اقترع عبد المطلب بين بنيه العشرة فخرجت القرعة على عبد الله والد محمد فأراد عبد المطلب أن يذبح ابنه وفاءً بنذره.
أهل مكّة كانوا يحبّون عبد الله كثيراً لهذا قالوا لعبد المطلب : لا تذبح إبنك واقرع بينه وبين الابل.. واعط ربّك حتى يرضى..
و هكذا كان عبد المطلب بقرع بينه وبين عشرة من الابل فتخرج القرعة على
عبد الله حتى أصبح عدد الابل مئة وعندها خرجت القرعة على الابل.. لقد رضي
الله بالفداء.
فأمر عبدالمطلب بالابل ان تنحر وأن يوزع لحومها على الفقراء والجياع.
لقد كان عبد الله على وشك أن يذبح ولكن الله رضي بفدائه فهو كإسماعيل الذي افتداه الله بذبح عظيم.
لهذا كان محمد يقول : أنا ابن الذبيحين، لأنه ابن عبد الله بن عبد المطلب الذي هو من ذريّة ذبيح الله إسماعيل.
و اليوم عندما يذهب المسلمون كل عام إلى
مكة لأداء مراسم
الحج فانهم يتذكرون جميعاً قصة إسماعيل.
{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَإذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا
آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
* فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ *
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ
أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ
ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ
أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ *
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ *
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي
ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ *
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ
قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ
مَإذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء
اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ *
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء
الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي
الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ }[2].