مبادرة بغزة لإحياء الخط العربي ~ محمد الكويفي

Change Language

لا خير في دراسة وعلم ونبوغ، اذا لم يصاحبه تقوى وعمل..

2023/04/29

مبادرة بغزة لإحياء الخط العربي


أنواع الخط العربي[عدل]
المقالة الرئيسة: فن الخط

كتاب تشريح الأفلاك من القرن الثامن عشر

سار الخط العربي في رحلة حياته مسيرة طويلة، فقد نشأ نشأة عادية وبسيطة، ثم تطور مع تطور الحضارة. وإذا ما تم دراسة هذه الرحلة، فيتبين أن مسيرته قبل الإسلام كانت بطيئة جدًا بينما نجده يقفز قفزات سريعة بعد الإسلام ويصل إلى درجة الإبداع، حيث تناوله الخطاطون بالتحسين والتزويق، وأضفوا عليه من إبداعهم جماليات لم تخطر على بال فنان سابق. استطاع الخطاط العربي أن يبتكر خطوطًا جديدة من خطوط أخرى فهذا ابن مقلة يبتكر خط الثلث، وقد اشتقه من خطي الجليل والطومار، وسماه في أول الأمر خط البديع، ثم استطاع أن يحسِّنه ويجوده حتى فاق فيه غيره، واشتهر بنيل قصب السبق فيه إلى عصرنا هذا، واعتبر مهندسًا للحروف العربية. ثم جاء ابن البواب فزاد الخط جودة وجمالًا، واستطاع الخطاط التركي ممتاز بك أن يبتكر خط الرقعة من الخط الديواني وخط سياقت حيث كان خط الرقعة خليطًا بينهما. استمرت رحلة الخط جودة وتطويرًا، حتى كان الخط الحديث الذي ظهرت له نماذج كثيرة خالية من القواعد والضوابط.

سميت الخطوط العربية بأسماء المدن أو الأشخاص أو الأقلام التي كتبت بها، وقد تداخلت هذه الخطوط في بعضها، واشتق بعضها من الآخر، وتعددت رسوم الخط الواحد، فكانت لكثرتها تشكل فنًا من الفنون التي أبدعها الخطاطون العظام كالخط الكوفي مثلًا.[71] ومن أهم أشهر الخطوط في العربية:
الخط الكوفي[عدل]
المقالة الرئيسة: الخط الكوفي

يعتبر الخط الكوفي من أقدم الخطوط، وهو مشتق من الخط النبطي الذي ينسب إلى الأنباط، والذي كان متداولًا في شمال شبه الجزيرة العربية وجبال حوران، وقد اشتقه أهل الحيرة والأنبار عن أهل العراق، وسمي فيما بعد بالخط الكوفي حيث انتشر منها إلى سائر أنحاء الوطن العربي، ولأن الكوفة قد تبنَّته ورعته في البدء. وقد كتبت به المصاحف خمسة قرون حتى القرن الخامس الهجري، حين نافسته الخطوط الأخرى كالثلث والنسخ وغيرهما. أقدم الأمثلة المعروفة من هذا الخط من القرآن نسخة سجلت عليه وقفية مؤرخة في (168 هـ / 784 - 785م) وهي محفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة.

كان الخطاطون والوراقون يزخرفون المصاحف وعناوين السور زخرفة جميلة، وبعضهم يزخرفون بداية المصحف ونهايته أيضًا بزخارف جد بديعة، من مربعات ومستطيلات، وزخارف متعاشقة، وصور مقرنصات نازلة وانظرة. وأشجار مروحية أو نخيل، مما يزيد جمال الخط جمالاً أخاذاً. تمتاز حروف الخط الكوفي بالاستقامة، وتكتب غالبًا باستعمال المسطرة طولًا وعرضًا، وقد اشتهر هذا الخط في العصر العباسي حتى لا يكاد يوجد مئذنة أو مسجدًا أو مدرسة أو خانًا يخلو من زخارف هذا الخط. ويعتمد هذا الخط على قواعد هندسية تخفف من جمودها زخرفة متصلة أو منفصلة تشكِّل خلفية الكتابة.

ثَلاثَة خُطُوط كُوفِيَّة مِنَ الأعْلَى إلى الأسْفَل: كُوفِي قَدِيْم، كُوفِي مَشْرِقِي، كُوفِي مُضَفَّر

تطور هذا الخط تطورًا مذهلًا، حتى زادت أنواعه على سبعين نوعًا، كلها ترسم بالقلم العادي على المسطرة، ولم يعد وقفًا على الخطاطين، فقد برع فيه فنانون ونقاشون ورسامون، وغير مهتمين بالخط، بل برع فيه كثير من هواة الرسم والذوق، وابتكروا خطوطاً كثيرة لها منها: الكوفي البسيط، والكوفي المسطَّر ويسمى المربع أو الهندسي التربيعي، والخط الكوفي المسطَّر المتأثر بالرسم، والخط الكوفي المسطَّر المتأثر بالفلسفة، والخط الكوفي المتشابك، والكوفي المتلاصق، والكوفي المورَّق.[72]

يعتبر الخط الكوفي أفضل أنواع الخطوط العربية للفن والزخرفة، وهذا ما دعا غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب لأن يقول: «إن للخط العربي شأن كبير في الزخرفة، ولا غرو فهو ذو انسجام عجيب مع النقوش العربية، ولم يستعمل في الزخرفة حتى القرن التاسع الميلادي غير الخط الكوفي ومشتقاته كالقرمطي والكوفي القائم الزوايا».[73] ولا يعتبر من يتقن هذا الخط خطاطًا بارعًا، بل يعتبرونه فنانًا، لأنه لم يعد وقفًا على الخطاطين، بل برع فيه النحاتون على الرخام أيضًا، والمزخرفون على جدران الجص وغيره. وقد تراجع الخط الكوفي من واجهات الأبنية، وكتابات الخطاطين منذ القرن السادس الهجري، إذ راح الخط النسخي يحلُّ محله شيئًا فشيئًا، ثم حل محل الخط الكوفي القديم بالمنطقة المغربية الإسلامية خط جديد مازال يستعمل في المغرب وطرابلس وما بينهما، وعرف باسم الخط العربي. وراح هذا الخط يملأ عناوين الكتب وخطوطها، ورؤوس الفصول والأبواب والحواشي في سائر الكتب التي تنسخ من طرابلس إلى أقصى المغرب، ومن ثم إلى الأندلس، حتى وجد هذا الخط في زخارف ونقوش على الحجر والجبس في الجدران والقصور والحصون والقلاع والمساجد، وعلى أبواب ونوافذ المنشآت الضخمة، وفي بيوت وقصور الأمراء والأثرياء. يستعمل الخط الكوفي بأنواعه المختلفة والكثيرة للزخارف والزينة، وأحيانًا يغوص الخطاطون فيه في التعقيد والإبهام، حتى ليصعب على القارئ العادي أن يقرأ كلمة منه. وكتبت به المصاحف على الرق حتى القرن التاسع الميلادي حيث ظهرت الخطوط الكوفية فيها غليظة ومستديرة، وذات مدَّات قصيرة. وقد استخدم الخط الكوفي في مصر والشام والعراق خلال القرن التاسع وشطرًا من القرن العاشر الميلادي، واستمر استعماله حتى القرن الحادي عشر حيث قلَّ استعماله في كتابة القرآن الكريم، وأصبح خط النسخ بديلًا له، حيث بقيت البسملة في المصاحف بهذا الخط.[74][75]
خط الرقعة أو الرقاع[عدل]
المقالة الرئيسة: خط الرقعة

هو خط يستخدمه كثير من الناس في كتاباتهم اليومية، وهو من أصول الخطوط العربية وأسهلها، يمتاز بجماله واستقامته، وسهولة قراءته وكتابته، وبعده عن التعقيد، ويعتمد على النقطة، فهي تكتب أو ترسم بالقلم بشكل معروف. يقال إن تسميته نسبة إلى كتابته على الرقاع القديمة، لكن هذه التسمية لم تلاق استحسانًا لدى بعض الباحثين الذين قالوا إن الآراء غير متفقة على بدء نشوء خط الرقعة وتسميته، التي لا علاقة لها بخط الرقاع القديم، وأنه قلم قصير الحروف، يحتمل أن يكون قد اشتق من الخط الثلثي والنسخي وما بينهما، وأن أنواعه كثيرة. وكان فضل ابتكاره للعثمانيين، إذ ابتكروه حوالي عام 850 هـ، ليكون خط المعاملات الرسمية في جميع دوائر الدولة، لامتياز حروفه بالقصر وسرعة كتابتها.


يستعمل خط الرقعة في كتابة عناوين الكتب والصحف اليومية والمجلات، واللافتات والدعاية. ومن ميزة هذا الخط أن الخطاطين حافظوا عليه، فلم يشتقوا منه خطوطًا أخرى، أو يطوروه إلى خطوط أخرى، تختلف عنه في القاعدة، كما هو الحال في الخط الفارسي والديواني والكوفي والثلث وغيرها. يعتبر خط الرقعة من الخطوط المتأخرة من حيث وضع قواعده فقد وضع أصوله الخطاط التركي الشهير ممتاز بك المستشار في عهد السلطان عبد المجيد خان حوالي سنة 1280 هـ، وقد ابتكره من الخط الديواني وخط سياقت حيث كان خليطًا بينهما قبل ذلك. يُعد خط الرقعة الخط الذي يكتب به الناس في البلاد العربية عدا بلدان المغرب العربي عمومًا، وإن كان بعض العراقيين يكتبون بالثلث والنسخ.
خط النسخ[عدل]
المقالة الرئيسة: خط النسخ

البسملة مَكْتُوبَة بِخَطِّ النَّسْخ.

يعتبر خط النسخ من أقرب الخطوط إلى خط الثلث، بل إنه من فروع قلم الثلث، ولكنه أكثر قاعدية وأقل صعوبة، وهو لنسخ القرآن الكريم، وأصبح خط أحرف الطباعة. وهو خط جميل، نسخت به الكتب الكثيرة من المخطوطات العربية، ويحتمل التشكيل، ولكن أقل مما امتاز به خط الثلث. وقد امتاز هذا الخط في خطوط القرآن الكريم، إذ وجد أن أكثر المصاحف بهذا الخط الواضح في حروفه وقراءته، كما أن الحكم والأمثال واللوحات في المساجد والمتاحف كتبت به.

خط النسخ الذي يكتبه الخطاطون اليوم، هو خط القدماء من العباسيين الذين ابتكروا وتفننوا فيه، فقد حسَّنه ابن مقلة، وجوده الأتابكيون وتفنن في تنميقه العثمانيون، حتى وصل بحلَّته القشيبة، بالغًا حدَّ الجمال والروعة. تستعمل الصحف والمجلَّات هذا الخط في مطبوعاتها، فهو خط الكتب المطبوعة اليوم في جميع البلاد العربية. وقد طور المحدثون خط النسخ للمطابع والآلات الكاتبة، ولأجهزة التنضيد الضوئي في الحاسوب، وسموه الخط الصحفي لكتابة الصحف اليومية به.[76][77]
خط الثلث[عدل]
المقالة الرئيسة: خط الثلث

البَسْمَلَة كُتِبَت بخَطِّ الثَلُث.

يعتبر خط الثلث من أجمل الخطوط العربية، وأصعبها كتابة، كما أنه أصل الخطوط العربية، والميزان الذي يوزن به إبداع الخطاط. ولا يعتبر الخطاط فنانًا مالم يتقن خط الثلث، فمن أتقنه أتقن غيره بسهولة ويسر، ومن لم يتقنه لا يُعد بغيره خطاطًا مهما أجاد. وقد يتساهل الخطاطون في قواعد كتابة أي نوع من الخطوط، إلاّ أنهم أكثر محاسبة، وأشد تركيزًا على الالتزام في القاعدة في هذا الخط، لأنه الأكثر صعوبة من حيث القاعدة والضبط.

نَمُوذَج لِخَطِّ الثَلُث مَكْتُوب عَلَى أَحَد أَقْواسِ تاج محل.

تطور خط الثلث عبر التاريخ عما كان عليه في الأصل الأموي الطومار، وابتكر منه خط المحقق والخط الريحاني خطاط بغداد ابن البواب. ثم خط التوقيع ثم خط الرقاع ثم خط الثلثين وهو خط أصغر من خط الطومار، وخط المسلسل الذي ابتدعه الخطاط الأحول المحرر، ثم خط الثلث العادي، وخط الثلث الجلي وخط الثلثي المحبوك والخط الثلثي المتأثر بالرسم، والخط الثلثي الهندسي، والخط الثلثي المتناظر. استعمل الخطاطون خط الثلث في تزيين المساجد، والمحاريب، والقباب، وبدايات المصاحف. وخطّ بعضهم المصحف بهذا الخط، واستعمله الأدباء والعلماء في خط عناوين الكتب، وأسماء الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية والشهرية، وبطاقات الأفراح والتعزية، وذلك لجماله وحسنه، ولاحتماله الحركات الكثيرة في التشكيل سواء كان بقلم رقيق أو جليل.

يعتبر ابن مقلة المتوفى سنة 328 هـ، واضع قواعد هذا الخط من نقط ومقاييس وأبعاد، وله فضل السبق عن غيره. وجاء بعده ابن البواب علي بن هلال البغدادي المتوفى سنة 413 هـ، فأرسى قواعد هذا الخط وهذبه، وأجاد في تراكيبه، ولكنه لم يتدخل في القواعد التي ذكرها ابن مقلة من قبله فبقيت ثابتة إلى اليوم. ورغم أن الخطاطين الإيرانيين قد سبقوا غيرهم في الخط الفارسي النستعليق، إلا أن هناك عددٌ من اللوحات بهذا الخط في طهران، واستطاع الخطاط الإيراني أن يكسب فيها مقدرته الفنية.[78]
الخط الفارسي[عدل]
المقالة الرئيسة: الخط الفارسي

شِعِر فَارسي مَكنُوب بِخَطِّ التَّعْلِيْق في قَلْعَة أَغْرَة فِي مَديْنَةِ أغرة شَمَال الهند.

ظهر الخط الفارسي في بلاد فارس في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، ويسمى خط التعليق وهو خط جميل تمتاز حروفه بالدقة والامتداد، كما يمتاز بسهولته ووضوحه وانعدام التعقيد فيه، ولا يتحمل التشكيل، رغم اختلافه مع خط الرقعة. كان الإيرانيون قبل الإسلام يكتبون بالخط البهلوي، فلما جاء الإسلام وآمنوا به، انقلبوا على هذا الخط فأهملوه، وكتبوا بالخط العربي، وقد اشتق الإيرانيون خط التعليق من خط كان يكتب به القرآن آنئذ، ويسمى خط القيراموز، ويقال إن قواعده الأولى قد استنبطت من خط التحرير وخط الرقاع وخط الثلث.

وقد طوَّر الإيرانيون هذا الخط، فاقتبسوا له من جماليات خط النسخ ما جعله سلس القياد، جميل المنظر، لم يسبقهم إلى رسم حروفه أحد، وقد وضع أصوله وأبعاده الخطاط الشهير مير علي الهراوي التبريزي المتوفى سنة 919 هـ، والذي يحتمل أنه كان تلميذًا لزين الدين محمود، ثم انتقل مير علي سنة 1524م من هراة إلى بلاد الأوزبك في بخارى، حيث عمل على استمرار التقاليد التي أرستها مدرسة هراة في فنون الخط. نتيجة لانهماك الإيرانيين في فن الخط الفارسي الذي احتضنوه واختصوا به، فقد مرَّ بأطوار مختلفة، ازداد تجذرًا وأصالة، واخترعوا منه خطوطًا أخرى مأخوذة عنه، أو هي امتداد له، فمن تلك الخطوط خط الشكستة: اخترعوه من خطي التعليق والديواني. وفي هذا الخط شيء من صعوبة القراءة، فبقي بسبب ذلك محصورًا في إيران، ولم يكتب به أحد من خطاطي العرب أو ينتشر بينهم. الخط الفارسي المتناظر: كتبوا به الآيات والأشعار والحكم المتناظرة في الكتابة، بحيث ينطبق آخر حرف في الكلمة الأولى مع آخر حرف في الكلمة الأخيرة، وكأنهم يطوون الصفحة من الوسط ويطبعونها على يسارها، ويسمى خط المرآة الفارسي. الخط الفارسي المختزل: كتب به الخطاطون الإيرانيون اللوحات التي تتشابه حروف كلماتها بحيث يقرأ الحرف الواحد بأكثر من كلمة، ويقوم بأكثر من دوره في كتابة الحروف الأخرى، ويكتب عوضًا عنها، وفي هذا الخط صعوبة كبيرة للخطاط والقارئ على السواء.[79]
خط الإجازة أو التوقيع[عدل]
المقالة الرئيسة: إجازة (خط)

يسمى أيضًا خط التوقيع وأيضًا الخط الريحاني، وسمي بالإجازة لاستخدامه في كتابة الإجازات الخطية أي الشهادات الدراسة. ظهور هذا الخط بدأ في بغداد وتطور في الدولة العثمانية وانتشر بعدها. يميز هذا الخط أنه مزيج بين خط النسخ وخط الثلث، فهو ببساطة وجمال النسخ وهيبة ووقار الثلث ويسر الناظر في القراءة وترتاح له النفس.[80][81]

اخترع هذا الخط الخطاط يوسف الشجري المتوفى سنة 200 هـ، وسماه الخط الرياسي، كما سمي خط التوقيع، لأن الخلفاء كانوا يوقعون به، وكان يُكتب به الكتب زمن الخليفة المأمون. وقد تطور هذا الخط فيما بعد، فقد حسنه الخطاط مير علي سلطان التبريزي، وكان الخطاطون ومازالوا يكتبون به إجازاتهم لتلاميذهم، أسوة بالقدماء. يستعمل هذا الخط في الأغراض التي يستعمل فيها خط الثلث، كما أنه يحتمل التشكيل كخط الثلث، ويكون في ابتداء حروفه ونهاياتها بعض الانعطاف، ويزيدها ذلك حسنًا كأنها أوراق الريحان، ولذلك يسمى الخط الريحاني. وقد قل الذين يكتبون به في العصر الحاضر.[82]
خط الديواني[عدل]
المقالة الرئيسة: خط ديواني

شِعِر لصَفِيَّة بنْت عَبْدِ الله الرَّب مَكتوب بِخَطِّ دِيْوانِي.

الخط الديواني هو أحد الخطوط التي ابتكرها العثمانيون، ويُقال إن أول من وضع قواعده وحدد موازينه الخطّاط إبراهيم منيف، وقد عُرف هذا الخط بصفة رسمية بعد فتح السلطان العثماني محمد الفاتح للقسطنطينية عام 857 هـ، وسمِّي بالديواني نسبة إلى دواوين الحكومة التي كانت يكتب فيها. يعد الخط الديواني هو نفس الخط الريحاني، إلا أنه يختلف عنه بتداخل حروفه في بعضها بأوضاع متناسبة متناسقة خصوصًا ألفاته ولاماته، فان تداخلها في بعضها يشبه أعواد الريحان. ولذلك سمِّي هذا قديمًا بـ الريحاني. وفي هذا العصر أطلق عليه الخط الغزلاني، نسبة إلى الخطاط مصطفى بك غزلان، حيث كان يتقنه اتقانًا عظيمًا، وقد تعلَّمه على يد محمود شكري باشا رئيس الديوان الملكي المصري.

يتميّز الخط باستداراته، فلا يخلو حرف من أقواس، وإن أصل رسوم الخط الديواني تكتب مباشرة بالقلم القصب بعرض قطعته خال من رسم التصنيع، ويتم التعديل بقلم أدق حتى في حروفه ذات الأذناب المرسلة الدقيقة وهي الألف والجيم والدال والواو والراء. غير أن الخطاط المتمرس يكتب هذا النوع بقلم واحد فيدوره حسب متطلبات الحروف ذات النهايات الرفيعة وكذلك في رسم الألف النازل واللام والكاف وكأس الحاء ومشتقاته والميم وغيرها ذات النهايات الرفيعة. ومن مميزاته أيضًا أن يكون هناك التقاء الحروف وتلاصقها عبر مسار خط أفقي مستقيم إلا إن بعض الحروف يتحتم عليها الخروج من ذلك المسار لتعطي بعدًا أكثر جمالية لمرونة الحرف في هيكلية إبداعية مبتدعة تهفو نحو أفق يكتظ بمفردات واسعة من الأناقة والرتابة والقوام الرشيق.

الخط الديواني هو خط لين مطواع يصلح لأغلب الكتابات وهو مرن في الكتابة مما سهل الكتابة على الخطاطين. اختُص بالكتابات الرسمية في ديوان الدولة العثمانية، وكتابته تكون بطراز خاص، وخاصة بديوان الملوك والأُمراء والسلاطين وهو كتابة التعيينات في الوظائف الكبيرة، وتقليد المناصب الرفيعة وإعطاء البراءات، وما يصدره الملوك من الأوامر الخاصة وغير ذلك، وأحياناً يكتب به أسماء الكتب والإعلانات.[83]
خط الطغراء[عدل]
المقالة الرئيسة: خط طغري

طُغْراء السُّلْطَان مَحْمُود الثَّانِي.

خط الطغراء أو الطرة أو الطغرى، هو أحد أشكال الخط العربي الذي يكتب بخط الثلث على شكل مخصوص. وأصلها علامة سلطانية تكتب في الأوامر السلطانية أو على النقود الإسلامية أو غيرها، ويذكر فيها أسم السلطان أو لقبه. قال بطرس البستاني: «واتخذ السلاطين والولاة من الترك والعجم والتتر حفاظا لأختامهم، وقد يستعيض السلاطين عن الختم برسم الطغراء السلطانية على البراءات والمنشورات ولها دواوين مخصوصة، على أن الطغراء في الغالب لا تطبع طبعا بل ترسم وتكتب وطبعها على المصكوكات كان يقوم مقام رسم الملوك عند الإفرنجة». قيل أن أصل كلمة طغراء كلمة تترية تحتوى على اسم السلطان الحاكم ولقبه وأن أول من أستعملها السلطان الثالث في الدولة العثمانية مراد الأول. ويروى في أصل الطغراء قصة مفادها أنها شعار قديم لطائر أسطوري مقدس كان يقدسه سلاطين الأوغوز، وأن كتابة طغراء جاءت بمعني ظل جناح ذلك الطائر.[84]

الآيَات (68-69) من سورة المائدة من مُصْحَف مَكْتُوب بالخَط المَغْرَبِي (حوالي 1250-1350م) مَوجُد في مكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة

يُعد خط الطغراء أرقى ما وصل إليه فن الجمال التزييني بالخطوط، تهدف الخطوط في طغراء إلى التوافق مع الأشكال الفنية والهندسية، وقد تطورت الطغراء مع الزمن وأصبحت في العصور الحديثة أكثر بساطة من حيث التصوير، وأوضح قراءة من حيث الخط، وقد تخصص في رسمها الخطاطون الذين كانوا يجمعون البراعة في الكتابة والتصوير معًا. كما تمثل الطغراء لوحة تجريدية حقيقية بانفراجاتها المستقلة والمليئة بالأزهار المنتشرة بشكل حلزوني في سبيل ملء الفراغ. تكتب الطغراء عادة بنوعين من الخطوط، هما الثلث أو الديواني، تنساب خطوطها بشكل متناغم ومتقاطع لتعطي تكوينًا انسيابيًا صلبًا، يعاني من زخم في وسطه مع باقي حركات الطغراء. وقد اتخذت الطغراء شكلًا ثابتًا يقوم على ثلاثة امتدادات من الألف أو اللام تتناقص في طولها، وثلاثة أقواس ترجع بدايتها إلى الخلف قليلاً بشكل مفاجئ إلى الأمام ومن خطين يتقوسان إلى الخلف ويرتدان إلى الأمام ويتمددان، وخط لين يعاني صعوداً يليه هبوط مفاجئ ليقطع القوسين، وأخيراً نجد ألفاً صغيرة تقطع القوسين.[85][86]
الخط المغربي[عدل]
المقالات الرئيسة: الخط المغربي وخط أندلسي

ظهر نوع من الخط الكوفي المحلي في بلاد المغرب والأندلس، عُرف بالخط الكوفي المغربي، وشاع استخدامه في كتابة مصاحفها ومكاتباتها، وهو أقرب إلى خط النسخ والثلث، حيث يتميز بحروفه التي تجمع في شكلها بين حروف الخط الجاف واللين معًا، مما يعطيها طابعًا مميزًا. يلجأ كاتب هذا النوع من الخط إلى كتابة بعض الحروف مثل اللام والنون والياء النهائية بهيئة أقواس نصف دائرية تهبط على مستوى السطر وتتكرر على امتداده، كما يمزج الخطاط بين هذه الاستدارات وبين الحروف الأخرى ذات الشكل الجاف وفي الزوايا، مما يذكر بالكتابة العربية البدائية، وقد ظل هذا النوع مستخدمًا حتى حل محله خط النسخ في كتابة المصاحف في القرن السابع الهجري.

أبرز ما يميز الخط المغربي: ليونة في عراقات النون وأشباهها فقد تقوست وخالفت أصلها اليابس. رسمت الألف على استقامة وحذف منه العقف الذي كان يلحقها من جهة اليمين. تنحدر الألف المتصلة عن مستوى السطر فتكون زائدة كوفية هي من المميزات التي نراها باقية في الخط المغربي، ولعل هذا راجع إلى بدء رسمها من أعلى. بحكم عدم وجود قواعد محددة لهذا الخط، لا يمكن فرض أبجدية خاصة، إذ كثيرًا ما يعمد الخطاط في هذا الخط إلى طمس الأحرف وذلك باستعمال أشكال متغيرة للحرف الواحد ويربط الكلمات ببعضها، مما يجعل الأسطر متماسكة تماسكًا محكمًا يساهم في دعم البنية الأفقية للصفحة، وإن تعذرت القراءة فإن ذلك من خاصيات هذا الخط.[87][88]
انتشار الخط العربي[عدل]

كتاب عربي قديم مخطوط في علم الهندسة والفلك.

كتاب عربي قديم في علم الفلك يرجع إلى القرن الثامن عشر الميلادي.

كان للإسلام أثر عظيم في انتشار الكتابة العربية وتطورها وازدهارها، فقد شجَّع على القراءة والكتابة، وكانت الآية الأولى التي نزلت على المسلمين تتضمّن الأمر بالقراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وذكر الله في موضع آخر الأمر بالكتابة حيث أقسم بالقلم وما يسطر به (ن والقلم وما يسطرون)، وغيرها الكثير من الآيات والأحاديث النبوية. ولما انتقل مركز النشاط السياسي والثقافي من الحجاز إلى العراق في أواخر الخلافة الراشدة عرفت جميع الخطوط في تلك المنطقة باسم الخط الحجازي باعتباره مصدر نشأتها، والذي كان يميل إلى الليونة أو شبه الليونة، ولكن مع انتقال مركز النشاط السياسي إلى العراق كان هناك اتجاه إلى استخدام الخط الجامد وهو الخط الكوفي، حيث ازدهر هذا الخط وبشكل خاص في مدينة الكوفة، وعُني أهالي الكوفة بهذا الخط عناية خاصة، وأجادوا أصوله وهندسته وأشكاله، وكانت تكتب به المصاحف واللوحات التذكارية وشواهد القبور، واستمر استخدام الخط الكوفي حتى نهاية العصر الفاطمي، ثم بدأ الأيوبيون في الاعتناء بالخط النسخي حتى شاع في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكتبت به الكتب والمطبوعات والمنشورات، كما أن الخط العربي تنوعت أشكاله منذ بداية رحلته، وازدهرت هذه الأشكال في أيام العباسيين فظهر الكثير من الأقلام والخطوط الجديدة ومن أشهر هذه الأشكال خط الثلثي الذي وصل إلى مناطق بعيدة في الأقطار الإسلامية حتى إنه استخدم في بعض النقوش العربية في البنغال.

مع أن الخط العربي قد وجد متأخرًا بالنسبة لبعض الخطوط الأخرى كالخط السنسكريتي والخط اليوناني، إلا أنه انتشر بسرعة فائقة، ولم يكن انتشاره محدودًا في بلاد العرب، بل تعدَّى ذلك إلى اللغات الأخرى كاللغة الماليزية والأندونيسية والأردية والبنجابية والكشميرية والبلوشية والأفغانية والفارسية والكردية والعثمانية في آسيا، وكذلك اللغة السنغالية والزنجبارية والصومالية والأريتيرية والسواحلية في أفريقيا، واستخدمته بعض شعوب أوروبا لفترة محدودة في بلاد البلقان. واتجه المسلمون في البنغال إلى استخدام الخط العربي بدلاً من الخط البنغالي في اللغة البنغالية، غير أنه مع مرور الزمن وإهمال حكام المسلمين للغة العربية ترك أهل البنغال الخط العربي، وقد حفظ التاريخ بعض دواوين الشعر والمخطوطات البنغالية بالخط العربي والتي كانت قد دونت في العصور الوسطى. بدأ استخدام اللغة العربية في الهند منذ الأيام الأولى للفتح الإسلامي للسند وذلك في عام 89 هـ / 708م، وكان أول نقش عثر عليه في الهند هو نقش المسجد الجامع في بنبهور بالسند والمؤرخ سنة 107 هـ / 727م، وهو أقدم النماذج التي استخدم فيها الخط العربي للكتابة على الأحجار في العصور الإسلامية، وهذا النقش عبارة عن لوحة كتبت بالخط الكوفي وهي تخلو من الشكل والإعجام، ومن النماذج النادرة للخط الكوفي في الهند نقش هوند (Hund) المؤرخ سنة 482 هـ / 1090م، والذي كتب في عهد الغزنويين، وترجع معظم النقوش المعثورة في الهند إلى القرن السابع الهجري الموافق القرن الثالث عشر الميلادي أي في أوائل فترة السلاطين المماليك بدلهي، وتحتوي على أنواع مختلفة من الخطوط الكوفية مثل الكوفي البسيط والمورق والمزهر، في حين لا تزال بعض المخطوطات المكتوبة بالخط النسخي والتي دونت في عصر السلاطين في البنغال محفوظة في المتاحف المختلفة، ومن الخطوط العربية الرئيسة التي استخدمت في الهند خط الثلث.[89]

أما في جنوب شرق آسيا فقد استخدم الخط العربي الجاوي لتدوين تراث الملايو بعد دخول الإسلام لتلك البلدان، والذي يرجع وفق أوثق الروايات إلى القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي، إلى أن سقطت البلاد أواخر القرن الثامن عشر في قبضة الاستعمار البريطاني الذي أحل الحرف اللاتيني محلَّ الحرف العربي، وتحتوي المكتبة الوطنية الماليزية نحو 4.600 مخطوطة بالخط العربي الجاوي القديم.[90]

دخل الخط العربي إلى أوربا من عدة طرق وهي: طريق آسيا الوسطى وبعد دخول العثمانيين مدينة القسطنطينية. طريق الحملات الصليبية المتكررة على مشرق العالم العربي ومغربه. طريق الأندلس بعد الفتح العربي الإسلامي لها وانتشار الجامعات الكبرى فيها ودخول أبناء ملوك أوروبا فيها، ونقل الحضارة الإسلامية إلى أوروبا عن طريقها. طريق صقلية حيث دخل العرب المسلمون إلى إيطاليا وحاصروا روما. وبذلك أوصل العرب الثقافة والمعرفة والعلوم إلى أوروبا جانب الخط. أكثر ما وجد من شواهد الخط العربي ما وجد في أبواب ونوافذ الكنائس والكاتدرائيات، وقصور الملوك والأمراء والنبلاء للزينة، وذلك في صقلية وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، ودخلت كثير من هذه الخطوط متاحف روما وباريس وفينا وأمستردام. لما امتدت فتوحات العثمانيين إلى وسط أوروبا، تعمقوا فيها غربًا فوصلوا سويسرا والنمسا، وشيدوا القلاع والحصون، وتركوا آثارًا وبصمات عربية اللسان والحرف.[91]
الخط الكرشوني[عدل]
المقالة الرئيسة: كرشوني

عند انتشار اللغة العربية في مواطن الآراميين في بلاد الشام والعراق على أثر الفتوحات العربية، نشأت طريقة جديدة عند الآراميين المسيحيين وهم السريان لكتابة العربية، وهي التي تسمى الكرشوني (أو الجرشوني بالجيم المصرية) (بالإنجليزية: Garshuni) وهي أن تكتب اللغة العربية بالحروف السريانية، وذلك منذ منتصف القرن السابع الميلادي. وكأن السريان أرادوا بهذه الطريقة إعادة أبجديتهم التي كُتبت بها اللغة العربية في عهد كتابتها الأولى. هذه الطريقة ما زالت مستعملة عند عموم طوائف السريان إلى يومنا هذا، فتجد جميع طقوسهم وكتبهم المقدسة الكنسية المترجمة إلى العربية تكتب بالأبجدية السريانية، وتوجد نسخ كثيرة من هذا النوع قديمة وحديثة في جميع الكنائس السريانية.

نَمُوذَج للخَط الكَرْشَونِي

ولمَّا كان في الأبجدية السريانية اثنان وعشرون حرفًا فقط، وهذه ليست كافية لكتابة اللغة العربية التي تحتاج إلى ثمانية وعشرين حرفًا، عمد السريان إلى الطريقة التي اعتمدها العرب أولًا عندما استمدوا الأبجدية السريانية الآرامية للغتهم، فصوروا كل حرفين متجانسين شكلاً بحرف واحد، فصوّروا التاء والثاء بحرف (التاو)، والدال والذَال بحرف (الدولث)، والصاد والضاد بحرف (الصودى)، والطاء والظاء بحرف (الطيث)، والجيم والغين بحرف (الجومل)، والكاف والخاء بحرف (الكوف). وميَّزوا بين هذه الحروف بطريقة الترقيق والتفشية السريانية المعروفة عندهم، فوضعوا نقطة حمراء فوق الحرف القاسي كالدال، ونقطة حمراء تحت الحرف اللين كالذال، وهكذا أعادوا الحروف الآرامية السريانية إلى سابق عهدها مع اللغة العربية.

التعليقات
0 التعليقات

0 الردود:

إرسال تعليق

شكرا لك
بصراحة استفدت كثيرا من هذه التدوينة
ان شاء الله في ميزان حسناتك