نحن الآن في العام 2092، أنت وآباءك وأخوتك وأصدقاءك وعيالك وحبايبك وأعداءك وكارهيك ، هياكل عظمية تحت الأرض، سواءً رقدت هناك طويلاً أو لم يمرّ على رقدتها أشهر أو سنوات يسيرة.
كل ما يثير مخاوفك الآن، وكل صراعاتك الحالية، وآمالك وآلامك ، واشتباكاتك، والغل والغيظ والشعور بالظلم والحزن أو متعة التفوق والسيادة ، والخصومات ، والسباقات لإرتقاء السلم الاجتماعي ، واللي خايف منه وخايف عليه، هو في حقيقته المؤكدة شيء عابر ومحدود زمنياً.
احنا مجرد خيالات لحظية في مسرح سيزول هو الآخر.. لحظات وهنتبخر كلنا لتحل محلنا خيالات جديدة. لا كنت متحكم في الخيالات الموجودة قبلك، ولا متحكم في ظروف خيالك ، ولا الخيالات اللي موجود حواليك ، ولا هتتحكم في الخيالات التي ستأتي بعدك.
اذا ترسخ الفهم لهذا المعنى - وهو معنى مبني على حقيقة كونية وجودية حقيقية مُطلقة واقعة لا محالة، وليس تنظير عاطفي واهم - ، تعيد الحياة تشكيل نفسها تلقائياً ، لتصبح أكثر انتظاماً واتساعاً، لتتخلص من كل الضجيج الوهمي، وتركز على ما هو يهمك فعلاً.
التفكير بمنطق الزوال، عمره ما كان تفكير عدمي أو سلبي أو مثير للسخرية كما يروّج البعض، بل هو أهم قوة دافعة لحياة حقيقية.
التفكير من هذا المنطق، يجعلك - بدون جهد - تقطع ديول لحظات كتير أهدرتها في الخوف والقلق والحزن والأمال الطفولية ، تصفي خلافاتك، تعيش لحظات السعادة بعمق ، وتتجاوز لحظات الحزن أسرع ، تتعامل مع الآخرين بشكل أفضل ، تكون أكثر جرأة في التجربة وأقل تحسساً من الرفض ، تقفل مواضيع كتير مفتوحة، تلاشت أهميتها تماماً بناءً على إدراكك الجديد.
ما تمرّ به الآن، لحظي وعابر وتافه، حتى لو بدالك طويل وغير منتهي وشديد الأهمية. سواءً كان ممتع أو يشعرك بمشاعر طيبة وتخاف زواله ، أو كان مؤلم ويشعرك بمشاعر بغيضة وتتمنى زواله. اطمئن ، في الحالتين سيحدث أن يزول فعلاً. بل سيزول ما هو أهم: أنت.
وربما أفضل تعبير لهذه الحقيقة، الخطاب الشهير لستيف جوبز سنة 2005 في ستانفورد، بعد تشخيصه بالسرطان، لما قال :
" تذكير نفسي بأنني سوف أموت، هو أهم أداة اختبرتها على الإطلاق ساعدتني لاتخاذ الخيارات الكبيرة في الحياة. لأن كل شيء ، كل التوقعات الخارجية، كل الكبرياء، كل الخوف من الإحراج والفشل، كل هذه الأشياء تسقط تماما في مواجهة الموت، تاركة وراءها فقط ما هو مهم حقا.
أن تتذكَّر بأنك سوف تموت هي أفضل طريقة أعرفها لكي تتجنَّب الوقوع في فخ التفكير بأن لديك شيئا تخسره. أنت عارٍ بالفعل، لا يوجد أي سبب لعدم اتباع قلبك. "
ليس لدينا شيئاً لنخسره.
عماد أبو الفتوح