يراجعني عدد من الأخوة على الخاص و العام كي أقول رأيي في تعليق صورة سليماني واعتقال ممزّق الصورة ، وكنت أنوي ألّا أتطرّق لأسباب معينة و عدلت وإليكم تقييمي لشأن العلاقة الحركية الإيرانية .
لقد دعمتنا إيران دعماً سخياً يجهل الكثيرون حجمه ، ذلك في وقت خذلنا فيه الجميع ، ومع أنّ الكثيرين قد دعموا بمالٍ وافر إلّا أنه من العسير أن تجد من يدعمك بأنواع السلاح الثقيل في وجه إسرائيل ابن النظام العالمي المدلل علناً بكل ما يحمله ذلك من تبعات وعقوبات في شتّى المجالات التي عانى منها الشعب الإيراني معاناة عظيمة ولازال ، وبالكاد تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لنظام سويفت المتحكم بحركة الدولار العالمية أن يفرج عن جزء يسير لشراء اللحقاحات .
كنت في غزة أم خارجها لا يمكن لك أن تبتهج سنوات طوال وأنت تشاهد إبداعات غزّة الجهادية دون أن تدرك أنها إبداعات في جزء كبير منها جهود إيرانية بما كانت تدعمه من مال و سلاح وتقنيات وخبرات و دورات ، ستصاب بالفصام عندما تصرخ فرحا لعملية كورنيت مصورة ثم تلعن من أوصله لك بعد دقائق .
بالإضافة إلى معاناة الدولة الإيرانية قدّم الحرس الثوري الإيراني بقيادة سليماني تضحيات كبيرة في نقل هذه الأسلحة ، لم تكن إيران تعلن أن سفنها تُقصف في البحار وتغرق بجنودها في خضم هذا المشوار الطويل بل كانت تتكتّم على ذلك حتى لا تقع في إحراج المطالبة بالرّد ، وفي الجهة الأخرى يصمت العدو الصهيوني هو الآخر عن الإعلان فيما يشبه التفاهمات التلقائية .
لم تطلب إيران يوما ثمنا مباشرا لهذا الدعم وكان الأخوة القادمون من إيران يلاحظون الدافع الديني لهذا الدّعم ، كان الأخوة يدركون أن الضلالات في عقيدة الشيعة لا تمنع من إمكانية ابتغاء وجه الله في قضية القدس والأقصى وهذا لا ينفي وجود مآرب أخرى مثل تحسين صورة الشيعة وسط الملياري مسلم وبروزهم حاضناً لقضية الإسلام الأولى .
ولم يكن يتوقف الدعم حتى مع علمهم أن الحكومة في غزة تقمع التشيّع وأن الأجهزة الأمنية تقوم باستدعاء بعض الأفراد ممن يقومون بنشر أفكار يُشتبه بشيعيتها ، بل في أحد الأيام هاجمت الأجهزة الأمنية بعض الأفراد أثناء ممارسات تشيعية وأوجعتهم ضربا وكان المسئول عن الحدث قد زار إيران وهو صديقي وسألته عن استقباله فذكر أنه كان في غاية الاحترام والتقدير .
قامت الثورة السورية العظيمة في وجه الأسد وكان موقف الحركة واضحا وداعما لحقّ الشعب السوري في نيل حريّته وغير متنكّر لما قدّمه النظام من خدمة طوال السنوات ولكن كانت عبارة مشعل واضحة " لكم فضل علينا ولكننا لا نساوم على دماء أمتنا " و أنّ الفضل هذا هو للشعب السوري الذي يُذبح أيضا وليس فقط للنظام .
حدث الاختلاف الكبير بين الحركة وإيران وشارك بعض أبناء الحركة في سوريا مباشرة في الثورة وشكّلوا تنظيما حارب الأسد وأوقفت إيران الدعم المالي الحكومي لكنها لم تتوقف أبدا عن الدعم العسكري و وسط هذا الخلاف كانت إيران تقول " هل هي المخازن مفتوحة لكم دون قيود خذوا ما تشاؤون طالما استطعتم إدخاله " وفي عام مرسي رحمه الله كان المدد لا يضاهى وخاضت غزّة حروب مقدّمة التحرير ورفعت رأس أمتها عاليا وقدّمت التضحيات الجسام التي نعيش اليوم ذكراها وذكرى شيخها العالم المحدّث العظيم .
وإلى أن جاء نظام السيسي الذي صنع التصحّر حول غزّة ولم تستطع غزة جلب الدعم كما السابق وفتح الله من بركات السماءو الأرض من الحديد والبارود لم تعد الأمور كما كانت ، ولكن علمنا الإسلام وعقيدة أهل السنة والجماعة ألّا نتعامل مع الآخرين بمنطلق انتهازي ، بل ننكر عند ما يستحق الإنكار ونشكر عند ما يستحق الشكر .
اليوم تعيش إيران تهديد وجودي ، والرؤية أن أمريكا وإسرائيل ذاهبتان إلى معركة استئصالية لا يبقى معها النظام الإيراني وقد تتفاجئوا برحيله كليا عبر ضربات متتالية ، هذه الرؤية تنبع من الهاجس الصهيوني من إعادة استنساخ نموذج نبوخذ نصّر في تحقيق الوعد الثاني ؛ الوهم الذي من أجله دمّروا صدّام مع فقره وغلبه وانعدام نوويته ويبحثون الآن عن مشتبه به آخر ولا يبدو أحدٌ يشبه المذكور كإيران وامتداداتها ، وترامب هو الآخر قد يجد فرصة لإعلان الحرب التي تعطيه أحقية دستورية بإعلان الأحكام العرفية وتمديد رئاسته لسنتين والسيطرة العسكرية على مفاصل الدولة والكثير .
في ظنّي أنّ الأمور ذاهبة للقضاء على النظام الإيراني بكل ما تملكه أمريكا من قوة فتاكة ، وسيكون ذلك بمساعدة بعض الأنظمة العربية وسيتعمل أمريكا على استكمال التطبيع بكل عمق ، وستعمل على عمل دولة اتحادية كونفدرالية تشمل إسرائيل والدول العربية وتكون فيها إسرائيل القائد وتكون عقيدة هذا الاتحاد ما سيسمونه " الدين الإبراهيمي" بمعنى أن إبراهيم هو أبو الجميع وهو من يمكن الالتقاء عليه كي تتشرّب الشعوب المسلمة المباديء الصهيونية بسلاسة ولهذا أطلقوا على التطبيع " الاتفاق الإبراهيمي" .
في ظنّهم أنّ الدول جميعها ستركع خاصة مع سياسة التهديد القصوى وسياسة الإغراء كما حدث في صحراء المغرب وإخراج السودان من قائمة الإرهاب وستبقى غزّة في ظنهم المقلة السوداء في وسط هذه السيطرة اليهودية الكبرى وستؤجل معركتها لحين الانتهاء من الجميع وعندها إما تفنى عن بكرة أبيها وإما تحصل المعجزة بوعد الآخرة ويفاجيء الله هذا العالم .
إنّها كما أسماها أخٌ لي مرحلة المسارعة من هذه الأنظمة رغبا ورهبا ولا يدركون معية الله ومفاجآته للخلائق " فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ، فعسى الله أن يأتى #بالفتح أو #أمرٍ من عنده "
نحن لن نقف موقف الشامت بدولة إن واجهت حربا على يد أمريكا وإسرائيل ولن يسجّل التاريخ موقفا مخزيا لأهل السنّة كما سجّله على دويلات كثيرة نذكرها الآن في قصصنا ، خاصّة أننا أحد أسباب هذه الحرب ونحن من سنكون الهدف الآخير ، ولا أستبعد أنّ المناورة الأخيرة كانت للمساعدة في إيصال رسالة تحمل بعض الوفاء مع استشعار الخطر سابق الذكر من طرف قادة غزة .
أرجو ألّا يفهم أحد ما سبق من حديثي تقييم لعقيدة الشيعة أو سكوتا عن الجرائم التي حصلت لأهل سوريا ولكن بدلا من الجواب بنعم ولا ، وأوافق ولا أوافق وهي إجابات لا أحسن استعمالها أحببت أن أضع القاريء في مجمل التصوّر الذي تسير عليه غزة وقيادتها فإن وافقها فبها ونعمت وإن لم يوافقها فليكن معتدلا في تقييم إخوانه ولا ينصّب نفسه قاضيا سليطا على طائفة تخوض لسنوات حروبا عظيمة في مختلف الساحات لأجل التحرير بينما الواقع يستغرب مجرّد استمرار البقاء وعدم الفناء في ظل هذه العداوات ، إنها رعاية الله لأمرٍ أراده ولا رادّ لقضائه وإنّنا على موعد مع الفتح القريب .
" ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه "
#####منقول