رأي حول الأزمة بين آذربيجان وأرمينيا
من المناسب أن يتم تحليل الوضع الراهن من خلال مواكب الأحداث والتطورات السياسية في العلاقات الدولية، لأنه قد نقع في الخطأ إذا أوقفنا عقارب الزمن عند الأحداث التاريخية ولم نتعاطى مع المدخلات الجديدة...
تاريخيا وبعد الثورة في إيران، يمكن القول أن هناك دولتين فقط لديهما صفر مشاكل مع إيران، وهما سلطنة عمان وأرمينيا، وكلاهما يفترقان عن إيران مذهبا وعرقا...
يمكن قراءة آذربيجان ضمن العناوين التالية والتي تفيد في تحليل الأزمة القائمة:
- بداية فإن المذهب الشيعي فيها شعائري وهي دولة علمانية تشبه إلى حد كبير إيران أيام الشاه، والحقيقة فالدين والمذهب آخر شيء يمكن أن يفكروا فيه وليس في أولويات صانع القرار مطلقا، لذلك فإن إيران الثورة وإن كانت شيعية المذهب لا يشترط أن تكون على وفاق مع آذربيجان العلمانية.
- تشكل آذربيجان معضلة جيوسياسية كامنة لإيران حيث أنها تقع على حدود ولاية آذربيجان الإيرانية التي تتشابه معها في القومية، وهي تدعم طموح الانفصاليين فيها.
- آذربيجان قامت بمحاولات لضم أراضي من إيران التي كانت لازالت للتو خارجة من حربها مع العراق.
- آذربيجان الدولة قاعدة ناتو ولديها علاقات متميزة مع الكيان الصهيوني...
في هذا السياق يمكن استخلاص فكرة "العداء"، أو حالة القلق التي يمكن أن تحصل بين الدولتين الجارتين..
لكن هناك مستجدات تفرض على إيران أن تعدل من علاقاتها مع الجيران عبر القوقاز وخاصة آذربيجان، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
- التقارب التركي الإيراني على الصعيد الاقتصادي، وعلى صعيد بعض الملفات السياسية.
- قبل سنتين جاءت حكومة في أرمينيا قريبة من المعسكر الأمريكي وقامت بتقارب مع الكيان الصهيوني، وأخذت مس
روسيا بوتن وإيران مسافة منها ويمكن وصف هذه العلاقة الآن بالفاتورة، ولا أقول متوترة..
لذلك جاءت تصريحات المسؤولين الإيرانيين مؤخرا وبشكل صريح في اعتبار قراباغ أراض أذرية، وفي نفس الوقت طالبت بالحل السياسي.. فهي راعت كلا من التطور الإقليمي وكذلك المعضل الداخلي القومي..
مع استحضار عامل انشغال الكبار في العالم وأقصد الولايات المتحدة الأمريكية في أزماتها الداخلية، بدأت بعض المكونات الإقليمية في التحرك في ملفات كانت تحت السيطرة ولكنها كانت تحمل في طياتها نارا تحت الرماد... كذلك من المناسب التذكير بالموقف الفرنسي الداعم تاريخيا لأرمينيا لكنه يقف اليوم عاجزا عن التدخل لصالحها لأسباب اقتصادية وعدم تحمل الحروب..
قرأت آذربيجان الموقف بدقة، انكشاف ظهر أرمينيا من كل حلفائها، علاقات فاترة مع كل من إيران وروسيا، وانكشاف الظهر الفرنسي لأسباب موضوعية وانشغال الأمريكي..
إيران تمارس دور دولة متوسطة الحجم في هذه الأزمة من ناحية شكل القوة، وتحاول أن تكسب من فرصة الأزمة الحاصلة، فتواصلت على الفور مع كل من نظرائهم في الخارجية الأذرية والروسية، لترفع أسهمها في أزمة آخر ما تريد منها أن تدخل فيها مع طرف ضد آخر، وذلك بسبب ما يكفيها من صداع، وفي نفس الوقت فهي تسطيع أن تتوسط لدى بعض المكونات التي يمكن أن تكون وقود للأزمة فتحيده، كالعامل الكردي، وهي كذلك تستطيع بالتعاون مع تركيا لعب دور العتلة التي يمكن أن ترفع قيمتهما كقوى إقليمية وتحاول منع تدخل قوى دولية خارج المنطقة.. في ذات السياق أخطأت أرمينيا في حساباتها بل وأجحفت بحق نفسها إذ أخذت كبر هذه الأزمة، وستخرج بخسارة بالغة..
على صعيد السيناريوهات، أرجح تصاعد يمكن احتواء للأزمة، سيفضي إلى تغيير إقليمي ليس لصالح المعركة بين طرفيها المعلنين في أرمينيا وآذربيجان، فتغيير الحدود الدولية مسألة لا يفصل فيها لاعبين محليين، أما التغيير الذي أقصده هو تصاعد النفوذ التركي في المنطقة، دخول الطرف الإيراني بطريقة مخملية مقبولة وببوادر حسن نوايا مع الجارة آذربيجان، وتحدي كبير للنفوذ الصهيوني في المنطقة من خلال تكتل مصلحي جديد يتشكل بين إيران وتركيا وروسيا في منطقة عبر القوقاز..
ما يشغلني..
هو المعادلات المستقبلية...
في قوى إقليمية لديها مشاريع وتحاول النهوض وتستغل الفرص..
هذه القوى هي التي سيكون لها بصمة دائمة ومستقبل..
وهنا بالتحديد أقصد.. محاولات عمل تكتل ثلاثي تركي إيراني روسي...
قد يفضي إلى ما يسميه كثير من المنظرين والدبلوماسيين "بشبكة أمان إقليمية" تصد تدخلات القوى العظمى في المنطقة.
مداخلة من دكتور خالد قدومي