الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ...
لا زال بعض الناس يتساءل عن الخلل الذي قد يترتب عن تمجيد مجرم كقاسم سليماني وإطلاق لقب شهيد القدس عليه لكن لابد أولا من تحرير محل النزاع فلا مشكلة في المعاهدة مع إيران ولا في التعزية للضرورة في كل ذلك إن كان ذلك بالألفاظ والأفعال المقبولة شرعا وسنجد منها ما يكفينا قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} وقال عمر رضي الله عنه: "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس" (ذكره ابن تيمية في منهاج السنة وقال إسناده ثابت) والخلل ينحصر في شيئين: الزيادة على الضرورة في التعزية قولا وفعلا إلى درجة التعظيم، وتلقيب الهالك بشهيد القدس وأنا أحاول أن أبين ذلك الخلل مع بعض التنبيهات الأخرى في النقاط التالية:
1. الإخلال بالولاء والبراء: ولا بد أولا من بيان حقيقة الرافضة الذين ينتمي إليهم سليماني ثم موقفنا منهم:
أولا: حقيقة الرافضة:
ـ حقيقة الاختلاف في تكفيرهم:
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: "إن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع".
وقد فهم الشيخ العلامة ملا علي القاري من هذا النص أن النووي لا يرى تكفير الروافض لدخولهم في "أهل البدع" ولكنه أشار إلى أمر مهم وهو أن الرافضة يتطور مذهبها ويتغير، وأن متأخري الرافضة ليسوا كسابقيهم، وأن رافضة زمانه غير الرافضة الذين تحدث عنهم النووي وغيره من أهل العلم؛ فعقب على كلام النووي السابق قائلا في (مرقاة المفاتيح):
"قلت: وهذا في غير حق الرافضة الخارجة في زماننا فإنهم يعتقدون كفر أكثر الصحابة فضلاً عن سائر أهل السنة والجماعة، فهم كفرة بالإجماع بلا نزاع".
والدليل على أن الأئمة بما فيهم النووي يكفرون من يكفر الصحابة وأن الإمامية في عصر النووي لم يكونوا يكفرون الصحابة رضي الله عنهم، أو لم يشتهر عنهم ذلك وهذا الأقرب لوجود روايات تكفر الصحابة في أصول الإمامية الموضوعة من قَبل النووي، الدليل على ذلك أن النووي نفسه يذكر في شرح مسلم أن الإمامية لا يكفرون الصحابة، وإنما يكفرهم غلاة الشيعة المسمون بالروافض وأن هذا التكفير هو سبب الحكم عليهم بالكفر عند العلماء وهذا نص كلامه: " قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) قال القاضي هذا الحديث مما تعلقت به الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت حقا لعلي وأنه وصى له بها ... ثم اختلف هؤلاء فكفرت الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره ... وهؤلاء أسخف مذهبا وأفسد عقلا من أن يرد قولهم أو يناظر وقال القاضي ولا شك في كفر من قال هذا لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم الإسلام وأما من عدا هؤلاء الغلاة فإنهم لا يسلكون هذا المسلك فأما الإمامية وبعض المعتزلة فيقولون هم مخطئون في تقديم غيره لا كفار"
فإذا عرفت هذا بان لك وجه ما نقل عن بعض أئمة أهل السنة المتقدمين من عدم تكفيرهم فإنهم مجمعون على تكفير من يكفر عامة الصحابة تقريبا ومن يتهم عائشة رضي الله عنها في عرضها ويكذب القرآن ومن يقول بتحريف القرآن وأنه ناقص وكل هذه المقولات تقولها رافضة اليوم وأشد منها وقد جمعوا ـ كما ذكر العلماء ـ أخس المذاهب وأخطرها؛ جمعوا مقالة القدرية في نفي القدر، والجهمية في نفي الصفات، وقولهم إن القرآن مخلوق، والصوفية - عند جملة من رؤساء مذهبهم - في ضلالة الوحدة والاتحاد، والسبيئة في إعطاء علي رضي الله عنه بعض صفات الألوهية، والقرامطة والباطنية في تحريف القرآن وأركان الإسلام والتقية والكتمان، والخوارج والوعيدية في تكفير المسلمين، والمرجئة في قولهم: إن حب علي حسنة لا يضر معها سيئة، بل ساروا في سبيل أهل الشرك في تعظيم القبور، والطواف حولها، بل ويصلّون إليها مستدبرين القبلة إلى غير ذلك مما هو عين مذهب المشركين فهم وإن شهدوا الشهادتين إلا أنهم نقضوها بنواقض كثيرة
قال ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 586): "وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت ... هؤلاء لا خلاف في كفرهم ... وأما من لعن وقبح مطلقا فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا فهذا لا ريب أيضا في كفره فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين ... وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام"
ولكن شيخ الإسلام وسائر العلماء وهم يكفرون هذه المقالات، إلا أن تكفيرهم للمعين مشروط بقيام الحجة عن طريق بلوغ الرسالة والحق وانتفاء الموانع ولذلك تجد الراجح من كلامهم تكفير علماء الرافضة دون عوامهم لأن الحكم على الناس إنما هو بالظاهر دون البواطن التي أمرها إلى الله تعالى وحده والأصل في ذلك القياس على المسلم الذي ظاهره الإسلام فنحكم عليه ظاهرا بالإسلام وأن مآله إلى الجنة ونصلي عليه ولا نقول لعله كفر في آخر لحظاته ـ مع احتمال ذلك ـ لأن هذا خلاف الظاهر وهو أمر لا نقدر على الاطلاع عليه فلم نكلف به ولكن لا نجزم باطنا أنه من أهل الجنة إذ قد يكون علام الغيوب سبحانه قد اطلع على كفر في قلبه لم نطلع عليه ولا وحي يخبرنا به فكذلك الحال مع الكافر ومعنى الحكم الظاهر أننا نطلق الحكم على المعين بالإسلام أو بالكفر دون قيد ونقصد بحسب الظاهر يعني إذا سئلنا هل تجزمون بإسلامه ودخوله الجنة أو بكفره وتخليده في النار نفينا الجزم ويدل على ذلك ما صح عن أبي أمامة رضي الله عنه وأخرجه الإمام أحمد في مسنده أنه نظر إلى قتلى من الخوارج فقال: "كلاب النار" وما صح عن علي رضي الله عنه وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه أنه قال: "قتلاي وقتلى معاوية في الجنة"
والظاهر أن علماء الشيعة وكبراءهم قد بلغهم الحق وفهموا القرآن واطلعوا على أقوال أهل السنة دون عوامهم فيكفر أعيان علمائهم ظاهرا دون أعيان العوام ولكن جهل العوام هذا إن كان واسعا قديما فلا شك أنه اليوم أضيق لاتساع وسائل العلم والمعرفة وانتشار الإعلام الحر اليوم فالأظهر أنه قد بلغهم الحق ولهذا السبب والله أعلم ذهب بعض العلماء اليوم كالشيخ الطريفي إلى أن الأصل هو كفر كل من نطق بالعربية من هؤلاء العوام دون غيره
وتبقى هنا شبهة وهي أن هذا العالم أو العامي الذي بلغه الحق لعله اجتهد وسعه فلم يهتد فلعله معذور بذلك والجواب عن ذلك أن المكلف عموما إذا بلغته الرسالة والحق فقد قامت عليه الحجة ووجب عليه الإذعان ولا يعذر بالإعراض أبدا وذلك أن الله تعالى قال: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وقد كلف الناس بالدخول في العبادة "ياأيها الناس اعبدوا ربكم" وأخبر أنه لا يقبل منهم عبادة من غير طريق الإسلام "إن الدين عند الله الإسلام" "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" وعلق هذا التكليف بمجرد بلوغ الرسالة "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" فثبت بذلك أن كل من بلغته الرسالة فقد قامت عليه الحجة وأنه بوسعه معرفة الحق والإذعان له وإلا لم يكلفه الله تعالى بذلك ولم يحاسبه عليه فما من أحد العذر أحب إليه من الله تعالى فإن لم يهتد فهو معرض مقصر غير معذور قطعا ولا فرق في ذلك بين العالم وغيره لأن التكليف يشملهم
وما يقال في الكفار يقال في أهل الأهواء من فرق الإسلام الضالة كالخوارج والمعتزلة والروافض عند من لا يكفرهم فإنه لا يعذر منهم من وصله الحق ويلحقه الوعيد
ومن هنا يتبين الخطأ الجسيم الذي وقع فيه بعض المعاصرين بإعذارهم أهل هذه الفرق من المسلمين بالاجتهاد بل قالوا إن المجتهد منهم له أجر لأنه اجتهد فأخطأ وهو قول محدث لا أعلم قائلا به ولا أتصور أن أحدا من أهل العلم يمكن أن يقول به لشدة شذوذه وبعده عن رائحة العلم ولازم قولهم إعذار الكفار أيضا وقد صرح به بعضهم وهذه مصيبة هذا الزمان ضعف الإيمان وغلبة الهوى الذي يدفع صاحبه إلى التكبر والتجرؤ على مخالفة إجماع الأمة المعصومة ومناطحة جبال السلف خير القرون الذين اصطفاهم الله تعالى لدينه بقرونه الضعيفة ومكمن الخلل أنهم لضعف إيمانهم وتعظيمهم للنصوص انطلقوا من عقولهم وعواطفهم فرأوا هذا الذي أتعب نفسه في الاجتهاد فظنوا بعقولهم القاصرة أنه معذور فحكموا عقولهم على النص وحرفوه بما يوافق عقولهم ولو انطلقوا من الإيمان بالنص وتعظيمه لعلموا أن الخالق سبحانه أعلم بما خلق وأن نص خالق العقل والواقع هو الذي ينبغي أن يكون حكما على العقل والواقع ثم إنه بالإضافة لعدم تعظيم النص هناك خلل في الفهم أيضا لأن عزة الله تعالى تأبى إلا أن تفضح جهل المتكبر المتألي على الله تعالى وذلك أن الأجرين للمجتهد المصيب هما أجر للاستدلال الصحيح وأجر للنتيجة الصحيحة الموافقه للحق أما المجتهد المخطئ فله أجر على استدلاله الصحيح في الجملة لكنه خاطئ بخصوص هذه المسألة المجتهد فيها فيشترط لحصوله على الأجر أن يكون اجتهاده صحيحا مستساغا شرعا في الجملة وإلا لم يكن اجتهاده معتبرا أصلا ولذلك قالوا لا اجتهاد مع النص والمجتهد المخطئ مع صحة اجتهاده واستدلاله في الجملة معذور لا إثم عليه بل هو من أهل الحق والهدى لثبوت الأجر في حقه وأهل الأهواء ثبت ذمهم وتأثيمهم فعلم أن اجتهادهم واستدلالهم غير معتبر وأنهم غير معذورين أصلا وحقيقة لمخالفتهم الحق والهدى كما سبق ولذلك فارقوا أهل الحق الذين هم أهل السنة وبهذا فرق العلماء بين البغاة والخوارج بأن الأولين خرجوا بتأويل مستساغ شرعا في الجملة فعذروا ولم يخرجوا من دائرة أهل السنة وقد يؤجرون إن خرجوا طلبا للحق في ظنهم والآخرون خرجوا بتأويل غير مستساغ شرعا فأثموا ولم يعذروا وضلوا فخرجوا من دائرة أهل السنة وكانوا من أهل الأهواء
ولذا تقسم العقائد والفرق إلى دوائر متداخلة أوسطها وأعدلها عقيدة الحق والتوحيد الخالص وهي التي في المركز ومعيارها ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما عليه إجماع وهدي السلف الصالح أهل القرون الثلاثة المفضلة الذين جعلهم الله تعالى معيار الحق والهدى عند الاختلاف وهذه العقيدة تمثل صميم عقيدة أهل السنة والجماعة
ثم التي تليها تمثل الحدود العامة لأهل السنة وتشتمل على عقائد صحيحة مشوبة بأخطاء ومخالفة للسنة وهدي السلف الصالح ولكن بتأويل مستساغ في الجملة في الشرع أو اللغة فمن أجل هذا التأويل المقبول لا يخرج أصحاب هذه العقائد عن الحد العام لأهل السنة لأن هذه التأويلات لما كانت خاطئة في ذاتها لمخالفتها لمعيار الصواب المنصوب خرجت من دائرة المركز ولكنها لما استندت إلى أدلة سائغة في الجملة اكتسبت نوع عذر أبقاها ضمن الدائرة العامة لأهل الحق ولم يخرجها عنها وأصحابها يقتربون من الدائرة الخالصة ويبتعدون عنها بقدر ما يحملون من شوائب ومخالفات ومن أمثلة هذه العقائد العقيدة الأشعرية والماتريدية
ثم التي تليها تمثل الحدود العامة لأهل الإسلام وتشتمل على أصول الإيمان مشوبة بأخطاء ومخالفات للنصوص الثابتة مبنية على تأويلات غير مستساغة شرعا أو لغة (ولا يمكن أن تكون مستساغة كما مر) فلا يعذرون بها ولكنها لا تنفي أصول العقائد ولكن تشوهها فأهلها هم أهل الأهواء والبدع الضالة وهم مندرجون في فرق الضلال الثنتين والسبعين التي تستحق النار (إما تخليدا وإما مؤقتا) كما ورد في الحديث ولكنهم ليسوا من الخالدين فيها هنا لكونهم مسلمين في الجملة لمحافظتهم على أصول الإيمان وذلك كالخوارج والقدرية ولكن غلاة القدرية الذين ينفون القدر مطلقا كفار وفق هذا المعيار لأنهم ينفون أصلا من أصول الإيمان ولكن الذين ينفون منهم خلق الله تعالى لأفعال العباد ضلال من دائرة أهل الأهواء وليسوا بكافرين لأنهم يثبتون أصل القدر وخالفوا في دقيقة من دقائقه
وما وراء هذا الحد فهو يمثل عقائد الكفر بأنواعها وسبلها المتفرقة والتي توجب الخلود في النار لأنها تناقض أصول الإيمان دون تأويل سائغ وكل من ناقض أصول الإيمان بعد بلوغ الرسالة إليه فلا يمكن أن يكون معذورا أصلا كما مر
ونعود إلى الرافضة فأقول: بغض النظر عن تكفيرهم فإن العلماء مجمعون على ضلالهم بل على كونهم من شر فرق الأهواء وأخبثهم وهذا يكفينا قال شيخ الإسلام فيهم بعد أن ذكر جملة من شناعات عقائدهم في مجموع الفتاوى (28/ 482، 486): "فبهذا يتبين أنهم شر من عامة أهل الأهواء وأحق بالقتال من الخوارج. وهذا هو السبب فيما شاع في العرف العام: أن أهل البدع هم الرافضة فالعامة شاع عندها أن ضد السني هو الرافضي فقط لأنهم أظهر معاندة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرائع دينه من سائر أهل الأهواء ... ومن اعتقد من المنتسبين إلى العلم أو غيره أن قتال هؤلاء بمنزلة قتال البغاة الخارجين عن الإمام بتأويل سائغ... فهو غالط جاهل بحقيقة شريعة الإسلام... وإنما هم خارجون عن نفس شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته شراً من خروج الحرورية، وليس لهم تأويل سائغ، فإن التأويل السائغ هو الجائز الذي يقر صاحبه عليه كتأويل العلماء المتنازعين في موارد الاجتهاد وهؤلاء ليس لهم ذلك بالكتاب والسنة والإجماع، ولكن لهم تأويل من جنس تأويل مانعي الزكاة والخوارج واليهود والنصارى، وتأويلهم شر تأويلات أهل الأهواء" وقال في منهاج السنة (1/20، 59، 4/363): "هم أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلماً، يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم ورضوا عنه - ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين ... واتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف ... والذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقاً ملحداً عدواً لدين الإسلام وأهله ... أمّا الفتنة فإنما ظهرت في الإسلام من الشيعة، فإنهم أساس كل فتنة وشر، وهم قطب رحى الفتن" إلى غير ذلك مما يطول نقله.
ثانيا: موقفنا من الرافضة:
الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه فالأصل بغض أهل الكفر والضلال والبدع المغلظة والتبرؤ منهم وتجب مجاهدتهم لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله خالصا لله فراية الكفر وكذا البدعة القريبة من الكفر كأهل الأهواء الذين يختلف العلماء في تكفيرهم كالخوارج والروافض يقصد كسرها ومحقها والإغلاظ عليها لخطورتها على الدين والعقيدة فإن الأولى تضاد الدين والثانية تشوهه وقتال من يغير التنزيل يشبه قتال من يكفر بالتنزيل كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن منكم من يقاتل على تأويله، كما قاتلت على تنزيله" فقام أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما فقال: "لا ولكنه خاصف النعل"، وعلي رضي الله عنه يخصف نعله يعني قتاله للخوارج (أخرجه أحمد في مسنده وصححه الأرنؤوط) مع التفريق بين الكفار والمسلمين من أهل الأهواء في درجة التبرؤ وبعض الأحكام الفقهية المبنية على ذلك وما ورد في ذم الخوارج وقتالهم هو الأصل في هذه مسألة أهل الأهواء المغلظة القريبة من الكفر فإن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد عليهم وأغلظ إغلاظا عظيما فأخبر أنهم مع اجتهادهم في العبادة يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وأنهم شر الخلق والخليقة وأنهم شر قتلى تحت أديم السماء وخير القتلى من قتلوه وأخبر أنه لو يعلم الذين يقاتلونهم ما لهم عند الله لاتكلوا بل قال: "فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة" وقال "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" وكلها أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما وقد أشار شيخ الإسلام في الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 349) إلى التفريق في الحكم والتولي بين من أمرنا بقتالهم كالبغاة ومن أمرنا بقتلهم كالخوارج والروافض
والروافض يدخلون دخولا أوليا في وعيد الخوارج لأن صفة الخوارج الأساسية هي الخروج على أهل الحق وأمة الإسلام بالسيف بتأويل باطل وهي متحققة في الرافضة بطريق الأولى لا سيما المعاصرون بعد ابتداع الخميني لفكرة ولاية الفقيه التي جعلتهم يحملون السيف على أهل السنة نيابة عن المهدي بعد أن كان القتال محرما عندهم حتى خروج المهدي من السرداب فهم شر من الخوارج وقد مر معنا قول شيخ الإسلام فيهم: "إنهم شر من عامة أهل الأهواء، وأحق بالقتال من الخوارج" وقال في مجموع الفتاوى (28/ 499) عن الخوارج: "الخروج والمروق يتناول كل من كان في معنى أولئك ويجب قتالهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم كما وجب قتال أولئك وإن كان الخروج عن الدين والإسلام أنواعا مختلفة وقد بينا أن خروج الرافضة ومروقهم أعظم بكثير"
ويمتاز الرافضة بدخولهم في المنافقين الذين أمرنا بمجاهدتهم كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» (متفق عليه) وقال: «لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» (مسلم) قال ابن تيمية في الصارم المسلول (ص: 581): "فمن سبهم فقد زاد على بغضهم فيجب أن يكون منافقا لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر"
هذا هو الأصل في التعامل مع أهل البدع المغلظة وعلى رأسهم الروافض ولذا نص العلماء على وجوب مجانبة أهل البدع والتبرؤ من ضلالاتهم ومجاهدتهم لمن قدر والتحذير منهم:
فعن عاصم بن شُمَيْخ قال: رأيت أبا سعيد -يعني الخدري - بعد ما كبر ويداه ترتعش يقول: "قتالهم –أي الخوارج– أجلّ عندي من قتال عِدَّتهم من الترك. قال ابن حجر في الفتح :(12/301) "قال ابن هبيرة في حديث أبي سعيد في قتال الخوارج) : وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين. والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح وحفظ رأس المال أولى"
وعن الفضيل بن عياض - رحمه الله - قال : ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلاّ من نفاق )
وعنه أيضا قال: من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع، فقد غش الإسلام.
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه مرفوعا: « من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» (رواه الطبراني في الأوسط وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة وحسنه عبد الله الدويش في تنبيه القارئ على تقوية ما ضعفه الألباني ص: 158 وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 18/346: "هذا الكلام معروف عن الفضيل بن عياض" ).
وهذا الإمام أحمد يرى أنه يستعان باليهود والنصارى (لقتال الكفار)، ولا يستعان بالجهمية، قال المروزي للإمام أحمد: أيُستعان باليهود والنصارى وهم مشركون، ولا يُستعان بالجهمي؟ قال: «يا بني، يغتر بهم المسلمون» [الآداب الشرعية لابن مفلح (1\256).]. وهذه لفتة مهمة عظيمة من إمام أهل السنة رحمه الله
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى" :(28\231) وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا فقال: "إذا سكتَّ أنت، وسكتُّ أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟ " ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين. حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: "إذا صام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه. وإذا تكلم في أهل البدع، فإنما هو للمسلمين. هذا أفضل" فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم، من جنس الجهاد في سبيل الله. إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك، واجبٌ على الكفاية باتفاق المسلمين. ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء، لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب. فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين، إلا تبعاً وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء" ا.ه.
وقال الحسن: ليس لأصحاب البدعة غيبة
وقال ابن المبارك عن أحد الرجال: إلا إنه إذا جاء الحديث يكذب فقال أحدهم : يا أبا عبد الرحمن، تغتاب؟ قال: اسكت. إذا لم نبيّن، كيف يُعْرَف الحق من الباطل.
وقال عاصم: جلست إلى قتادة ـ إمام البصرة في زمانه ـ فذكر عمرو بن عبيد، فوقع فيه فقلت: لا يا أبا الخطاب إني أرى العلماء يقع بعضهم في بعض فقال: يا أحول أوَلا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعةً، فينبغي لها أن تُذكر حتى تُحذر؟
و عن أبي داود صاحب السنن قال: "رأيت أحمد سلّم عليه رجل من أهل بغداد ممن وقف -أي في مسألة خلق القرآن- فيما بلغني، فقال له: اغرب لا أراك تجيء إلى بابي، في كلام غليظ، و لم يرد عليه السلام و قال له: و ما أحوجك أن يُصنع بك كما صنع عمر بن الخطاب بصبيغ و دخل بيته، و ردّ الباب" أقول: هذا في من وقف عن قول الحق في وقت الفتن فكيف بمن ضل وابتدع
وجاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة"
ومعظم ما سبق في غير المحاربين من أهل البدع (ويستثنى منه التعامل مع صاحب البدعة بقصد استصلاحه وهدايته) فكيف بمجرميهم الذين يحاربون دين الله تعالى وأولياءه كما تفعل إيران اليوم
ثالثا: نعم يجوز عقد معاهدات وهدنة معهم في حين يقاتلون إخواننا كما حصل مع أبي بصير رضي الله عنه فقد كان يقاتل قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم مصالحا لها ولم يكن أبو بصير تحت يده لكن دون مداهنة في الدين ودون أن نلقي إليهم بالمودة ونمدحهم لأن المودة ركن الموالاة القلبي والمدح مظهر من مظاهرها والمودة ممنوعة لأعداء الشريعة ظاهرا وباطنا وإن اختلفت درجتها كما مر قال تعالى {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ... ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} وحاطب رضي الله عنه لم يكن يودهم باطنا قطعا فالمعنى تلقون إليهم الألفاظ والأفعال التي يدل ظاهرها على المودة قال القرطبي في تفسيره (18/ 52): "قوله تعالى: (تلقون إليهم بالمودة) يعني بالظاهر، لأن قلب حاطب كان سليما، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أما صاحبكم فقد صدق) وهذا نص في سلامة فؤاده وخلوص اعتقاده" وجاء في روح البيان لإسماعيل حقي (9/ 473): "أى توصلون محبتكم بالمكاتبة ونحوها من الأسباب التي تدل على المودة"
وكثير من الناس يلتبس عليه الأمر ويلبس على الناس من ناحية جواز التحالف والمعاهدات مع الكفار فضلا عن المبتدعة ويتهم الناصحين بأنهم مصطفون في خندق أمريكا والصهاينة وهذا كلام خارج محل النزاع أصلا وتبريرات باردة يخضع صاحبها لفوبيا التخوين أو انتقاد سلوك القيادة وقصر للعداوة على عدو دون آخر وفي ذلك من المسالمة لأعداء الله ما فيه فما المانع من أن نقول الحق ونحدد أعداءنا بدقة من خلال الوحي فما يمنع من أن تكون أمريكا والصهاينة أعداء الأمة وأن يكون الرافضة وغيرهم من المجرمين أعداءها أيضا ولا يعني مهادنة طرف شطبه من قائمة الأعداء ثم موادته وموالاته فالكلام في إظهار المودة المنافي لكمال التبرؤ لا في مجرد عقد الصلح والمعاهدات
رابعا: نسلم أنه قد يضطر المجاهدون للتنازل عن بعض مظاهر البراء للضرورة ولكن الضرورة تقدر بقدرها فالخلل كائن في الزياده على الضرورة لا في الضرورة نفسها مثل فتح بيت العزاء للهالك في غزة وتلقيبه بشهيد القدس فإن هذا تبرع غير متحتم علينا وهم يقبلون منا أدنى من ذلك بكثير لأنهم يحتاجوننا أكثر مما نحتاجهم فنحن نحتاجهم لمصلحة مادية آنية وهم يحتاجون أهل غزة ليستخدموهم وسيلة لخداع الناس وإقناعهم أنهم مع المقاومة الشريفة وليسوا ضد السنة لينخدع بهم الناس ويؤيدوا مشروعهم حتى إذا تمكنوا أظهروا حقدهم كما حصل في سوريا وكما صرح الدكتور القرضاوي أنهم خدعوه واستخدموه في خديعة التقارب أربعين سنة ثم اكتشف حقيقتهم وكشفها
وهم أشد عداء لأهل السنة من اليهود والنصارى كما ذكر ابن تيمية وغيره لأن لديهم ثارات موتورة وحقد عظيم دفين لأهل السنة حتى أنهم يجعلون أول عمل يعمله المهدي عند خروجه وتمكنه أن يخرج رفات أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيحرقهما والأمة في حالة حرب معهم كاليهود بل رقعة الحرب معهم أكبر بكثير لولا قدسية فلسطين ونحن نستهجن أن نرى عباس مثلا يذهب بنفسه فيعزي مجرمي اليهود ويظهر المودة لهم دون ضرورة وننكر ذلك أشد الإنكار لما في ذلك من مظاهر الموالاة فكذلك ينبغي أن يكون الأمر مع الرافضة ويجب أن ندرك الفرق بين المعاهدة والمهادنة وبين الموالاة وذلك كالفرق بين المدارة التي هي من الإيمان كما في الحديث والتي لا تمس الدين والعقيدة وبين المداهنة على حساب الدين {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}
ولا يعني ذلك عدم شكر من أسدى إلينا معروفا من الكفار أو من أعداء الله عموما ولكن لا يجوز أن يكون ذلك على حساب العقيدة أيضا فأبو طالب خدم النبي صلى الله عليه وسلم خدمة عظيمة وشكره النبي صلى الله عليه وسلم لكن دون مساس بالعقيدة أو مداهنة فيها أما ما يتعلق بها فقد أخبر أنه خالد في النار ونهي عن الاستغفار له وقال علي رضي الله عنه لما مات كما في الحديث الصحيح "إن عمك الشيخ الضال قد مات" وأقره النبي صلى الله عليه وسلم دون أدنى مداهنة في الدين فإن كان ثم ضرورة فتقدر بقدرها كما أسلفت
خامسا: ولا ينبغي أن ننسى الركن الثاني لأوثق عرى الإيمان وهو الموالاة للمؤمنين والذي يوجب عدم كسر قلوبهم لحساب أعداء الله تعالى ووالله كم من قلب منكسر في سوريا والعراق واليمن بل وإيران من أهل السنة الذين ذبح هذا المجرم السفاح قلوبهم بذبح أطفالهم وأحبابهم في جرائم طائفية يندى لها جبين الإنسانية ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين عبس في وجه أعمى لا يرى عبوسه لكنه جاء يريد الإيمان لحساب أشراف قريش الذين رجى إيمانهم مع أن مصلحة إيمان هؤلاء أعظم للإسلام يومئذ من أي مصلحة مادية فأنزل الله تعالى عتابه لحبيبه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات قرآنا يتلى إلى يوم القيامة
2. تلبيس الحق وتعديل الباطل بتمجيد أهله:
ـ تمجيد أهل الباطل وتحسين صورتهم يؤدي إلى تشويه وتلبيس الحق بباطلهم وتضليل الناس ونحن أمناء على الحق والهدى وشهداء الله على الناس في الأرض روى البخاري عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَجَبَتْ ) ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ ( وَجَبَتْ ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا وَجَبَتْ ؟ قَالَ : ( هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ).
وهذا يتضمن النهي عن أن نحيف أو نقصر في شهادة الحق لأنا الأمناء على قول الحق وأوتينا ميزانه الذي يوزن به الرجال والأفكار فإذا طففنا خنا والعياذ بالله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
ـ وفي هذا التمجيد مناقضة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم في الغلظة على أهل البدع والضلال لتنفير الناس من ضلالهم فيؤدي ذلك إلى انطلاء ضلالهم على الناس وذلك هدم للإسلام كما مر معنا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء كلاب النار وأنهم شر قتلى تحت اديم السماء وشر الخلق والخليقة ونحن نقلب الميزان فنعطيهم وسام الشرف والبطولة في الدين والجهاد بوصف قائدهم بشهيد القدس فكأننا نقول هم خير القتلى وشر القتلى من قتلوه
ـ في وصف الرافضي سليماني بشهيد القدس تضليل للناس وتشويه للراية لأنه يوهم أن طريقه هو طريق تحرير القدس في حين أن هذا المنهج الرافضي لا يصلح لذلك قطعا ووضوح راية الحق وخلوصها من أهم أسباب تحرير القدس الذي سيحرر بهذه الراية الواضحة الخالصة لا بغيرها
ـ وفيه تضليل للناس ومناقضه للمنهج الرباني القائم على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن كثرة العمل والاجتهاد لا ينفع مع مشاقة النبي صلى الله عليه وسلم وتنكب طريقه فإن القاعدة المتفق عليها عند أهل السنة أن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وصوابا أي وفق السنة قال تعالى "وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا" قال العلماء هي في أهل الشرك وأهل البدع من الروافض والخوارج وغيرهم ومثالها في أهل الشرك ما حصل مع المنافق قزمان الذي قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد وكان شديد البأس وقتل وحده ستة أو سبعة من المشركين فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه في النار ومثالها في أهل البدع ذو الخويصرة الذي قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان وأشباهه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم ..." ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم فيه وفي أمثاله من الروافض والخوارج الغلاة الذين يكفرون أهل السنة ويحاربونهم "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" "كلاب النار" كما مر فالنبي صلى الله عليه وسلم يبطل جهاد أحدهم معه وهو أشرف الجهاد وأعظمه ونحن نمجد مقاومتهم وقتالهم الذي هو في معظمه بل كله ضد أهل السنة
3. فيه إخلال بالمنهج الرباني من نواحي أخرى وهي:
أولا: أن المنهج الرباني الذي يسير عليه المجاهدون في غزة وترفع لواءه حماس من ميزاته أن الوسائل فيه ربانية أيضا فالتعليل الدائم بالمصلحة يشوه هذا المنهج لأنه يحوله الى منهج براغماتي فما الفرق بين المجاهدين وبين العلمانيين إذا كانت المصلحة هي التي توجههم غالبا دون الاهتداء والالتزام التام بالمنهج الرباني ومن قدم العقل على النقل تأبى العزة الإلهية له الهداية {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} والمصالح قد تختلف العقول في تحديدها ولذلك جمعت كلمه السبل في الآية فقد ترى بعض العقول الأخرى أن المصلحة في عدم الاصطفاف الواضح الى جانب إيران وأن الاصطفاف معها خطأ ومناقضة لسياسه الحركة غير المتحيزة وضرب لمصداقيتها ولأنه قد يتسبب في توريط الحركة بل والفلسطينيين كما حصل مع عرفات لما انحاز للعراق ولأن الشيعة ممن كتبت عليهم الذلة في الحياة الدنيا كما قال العلماء لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} والروافض من أعظم المفترين فالعقول تختلف في تقدير المصالح ولذلك ينبغي أن يكون الحَكم على العقل هو منهج خالق العقل الذي لا يتطرق اليه الباطل و كل مصلحة تخالف حكمه وهديه فهي متوهمة باطلة بل هي في حقيقتها ومالها مفسدة محققة
والمنهج الرباني والهدي النبوي بين أن المفترين لا يعول عليهم كما مر وبين أن مصلحة وضوح الراية أسما من أي مصلحة وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم المال الإمارة مقابل السكوت عن باطلهم فأبى مع أنه كان يمكن أن يوافق تكتيكيا ليستخدم المال والملك بعد ذلك لفرض الدين ونشره ولكن وضوح الراية وصفاؤها أهم من أي مصلحة مادية {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} وقال تعالى في أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فسبحان الله يعاتب الله المؤمنين في الأسرى لأنهم قدموا في مرحلة التأسيس والبناء المال (الذي أرادوا أن يستعينوا به على الجهاد والدعوة والفقر) مع حاجتهم الشديدة إليه على أساس ترسيخ الراية ووضوح الولاء والبراء الذي هو أوثق عرى الإيمان والذي جسده قول الفاروق رضي الله عنه "حتَّى يَعْلَمَ اللهُ أنَّه ليس في قُلوبِنا هَوادَةٌ للمُشْرِكينَ"
مجرد تقديم دون فعل أي شيء مناقض أو مخل بهذا المبدأ فجعل الله تعالى ذلك منهم التفاتا إلى الدنيا وأدنى منهم العذاب العظيم حتى بكى النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لو كان المال على حساب الإخلال بالمبدأ ووضوح الراية
وقد رأينا حماس أخذت بهذا المبدأ في أغلب مواقفها بل هو جزء أصيل من منهجها كموقف شيخها الياسين من رفض التوقيع على أوسلو مقابل الخروج من السجن المؤبد وموقفها في الإبعاد وموقفها في الخروج من سوريا والتخلي عن مصالحها العظيمة هناك ومقولتها المشهورة "بشار وقف معنا على الحق فلن نقف معه على الباطل" ونحن نرجو الله ونتوسل إليه ثم نرجو إخواننا الأحباب في قيادة هذه الحركة الطيبة ألا تضعف عن هذا النهج في سلوكها
ثانيا: الإمامة في الدين ورفع لوائه لا ينال إلا بمنهج القوة في الدين ولا يصلح معه التساهل والضعف قال تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وأهم مظاهر القوة التي تحتاجها الإمامة هي قوة اليقين وقوة الإرادة والاتباع قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان (1/ 24): "لما كان فى القلب قوتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه، ويعود عليه بصلاحه وسعادته فكماله باستعمال قوة العلم فى إدراك الحق، ومعرفته، والتمييز بينه وبين الباطل، وباستعمال قوة الإرادة والمحبة فى طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل. فمن لم يعرف الحق فهو ضال، ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه. ومن عرفه واتبعه فهو مُنْعَمٌ عليه" ونحن أحوج ما نكون اليوم لهذا المنهج لأنها مرحلة التأسيس والغربة الثانية والتأسيس يحتاج إلى القوة وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم قال أنس رضي الله عنه للتابعين: "إنكم لتعملون أعمالاً، هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات" (صحيح البخاري) وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم وحدة هذا المنهج بتوحيد المسمى حيث قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة" ونحن على أعتاب الخلافة الثانية بإذن الله وقد قال الإمام مالك رحمه الله: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها" (رواه أحمد في مسنده وحسنه الأرنؤوط)
ولنا في قوة يقين وإرادة واستمساك أبي بكر رضي الله عنه بالحق والهدي النبوي لعبرة وقدوة حسنة حين أنفذ جيش أسامة رضي الله عنه اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم مع شدة حاجته إليه وحين قاتل المرتدين دون مداهنة أو هوادة مع كثرتهم وشوكتهم وقلة المسلمين ولو ضعف يقين أبي بكر وتراخت إرادته واتباعه لنبيه صلى الله عليه وسلم لهلكت الأمة وقد كان يستحضر قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وختاما أقول:
لعل البعض يقول لماذا لم تكن النصيحه في السر فأقول نحن ننصح في السر ولكن الاقتصار على السر إنما يكون إذا كان الخطأ لا يمس العقيدة ولا يلبس على الناس الحق أو يشوش الراية والمنهج وإلا وجب على أهل العلم البيان وقد أخذ الله تعالى منهم الميثاق على ذلك ويجب عليهم حراسة العقيدة لأنهم ورثه النبي صلى الله عليه وسلم والأمناء على دينه
ويجب التنبيه والتأكيد هنا على أن النصيحة والتنبيه لا يعني بحال التقليل من شأن الجهاد والمجاهدين بل يبقى الجهاد الخالص لله ذروة سنام الإسلام ويبقى المجاهدون في سبيل الله تاجا على رؤوسنا ورأس الأمة كلها ومن حبنا لهم ننصحهم ونحرص على استقامة منهجهم وخلوص رايتهم فذا سر نصرهم وتمكينهم
كما أن موقف أهل العلم ينبغي أن يكون تأسيسيا وتكميليا أيضا لسد الثغرات التي قد تحصل أثناء العمل الميداني وذلك للمحافظة على وضوح الراية ونقائها حتى يعلم الناس أن هذا الخطأ السلوكي إن حصل لا يمثل منهج الحركة ولا يوافق عليه جميع أبنائها وأبناء غزة وليس هو من صميم منهجها فلا ينسب الخطأ إلى المنهج لكن إلى السلوك وهو أهون بكثير
وليس همنا نقد الأشخاص بل ما نريد لكل المجاهدين في كل الدنيا إلا الخير والعزة لا سيما في غزة لأن جهادهم من أعظم الجهاد وأبينه قال صلى الله عليه وسلم: "أولُ هذا الأ مرِ نبوةٌ ورحمةٌ، ثمَّ يكونُ خلافةٌ ورحمةٌ، ثمّ يكون مُلكاً ورحمةً، ثمّ يتكادمون عليه تكادُم الحُمُرِ، فعليكُم بالجهادِ، وإن أفضل جهادِكم الرِّباطُ، وإن أفضلَ رباطِكم عسقلانُ" (أخرجه الطبراني في الكبير وجود الألباني إسناده)
بل إن من ينصحهم في الحق خير لهم ممن يطريهم في باطل ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (2\249) أن يوسف بن أسباط حذّر من بدعة أحد العلماء، فسأله رجل: ما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ . فأجابه: لم يا أحمق؟ أنا خيرٌ لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا، فتتبعهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضرّ عليهم.
وقد يقول قائل كل هذا الكلام من أجل كلمة قيلت أو فعل فعل فأقول إن هذا الطول مقصود أن يكون معناه إذا كان كل هذا من أجل كلمة فكيف لو كان الأمر أكبر فيكون حاجزا عما هو أكبر كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنها ستكون عليكم أمراء يَدَعون من السنة مثل هذه فإن تركتموها جعلوها مثل هذه فإن تركتموها جاؤوا بالطامة الكبرى". (رواه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات(.
أسأل الله تعالى لي ولكل إخواني وأحبابي المجاهدين في كل مكان التوفيق والسداد والمغفرة والرضوان
: للفائدة:
هذا رد د.أبو همام المزيني على مقال الشيخ رامي الدالي الذي تكلم فيه عن تعزية حماس لإيران بمقتل سليماني:
يا دكتور رامي يابركتنا كلامك الشرعي لا خﻻف عليه لكن يا حبيبي التحالفات تكون بين مختلفين وليس بين اتباع نفس الدين هذه واحدة.
ثانيا:التحالفات تدخل ضمن السياسة الشرعية وهي واسعة وليس ضمن المبادئ والعقائد وهي شديدة الضيق وهذه مسالة ارجو من كل احبابي الانتباه لها اننا هنا في معرض سياسة شرعية وليس تقرير عقائد.
ثالثا:تحديد هل القدر من التعزية مناسب ام مبالغ فيه هو عملية تقديرية تختلف من شخص لاخر فما يراه رامي مبالغا فيه قد يراه اسماعيل انه قدر مناسب وطالما ان القيادة لها الحق في التقدير فلذا لا يصح الاعتراض عليها طالما تمارس حقها.
رابعا: بعيدا عن كون سليماني من طائفة كذا ومذا ألم يخاطب الرسول الكريم هرقل بعظيم الروم والمقوقس بعظيم القبط وكسرى بعظيم الفرس وهم على كفر بين واضح عندنا فيه من الله برهان.
يا احباب ثقوا بقيادتكم فهي تفهم في الشريعة ولها مستشارين وتفهم في السياسة ولها مستشارين.
ادعو الجميع مراجعة كتاب السياسية الشرعية.
محبك يا د رامي يا بركة
ابو همام