أولويات نتنياهو: مواجهة حماس أم حزب الله؟
د.صالح النعامي
ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ انتهاء جولة التصعيد الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو التطور الذي أفضى إلى توليه وزارة الحرب بعد استقالة أفيغدور ليبرمان، إلى أن إسرائيل تتجه إلى إحداث تحول في المستقبل القريب على سياساتها الأمنية بهدف مواجهة تحديات تؤثر على واقعها الإستراتيجي.
وقد عمد نتنياهو خلال 72 ساعة على تكرار عبارة "إسرائيل في أوجه مواجهة تحديات أمنية وإستراتيجية تتطلب من الشعب أن يكون مستعدا للتضحية" أربع مرات.
وبواسطة هذه الحجة تمكن نتنياهو من محاصرة قادة "حزب البيت اليهودي"، وإجبارهم على التراجع عن التهديد بالاستقالة من الحكومة، ناهيك عن أن التحولات الأمنية "الوشيكة" التي ينذر بها رئيس الحكومة الإسرائيلي أقنعت قادة المستوطنات في محيط قطاع غزة، إلى تغيير موقفهم من سياسات حكومته؛ وباتوا يشيدون بالمسؤولية التي يبديها، على الرغم من أنهم كانوا الأكثر صخبا في انتقادهم له بسبب سلوك إسرائيل في جولة التصعيد الأخيرة ضد المقاومة في غزة.
ونظرا لأن حديث نتنياهو عن أن إسرائيل ستواصل "المعركة" جاء بعد التوصل لوقف إطلاق النار مع المقاومة إثر جولة التصعيد الأخيرة مع المقاومة في غزة، التي أثار أداء جيش الاحتلال خلالها انتقادات واسعة وتوجيه اتهامات للمستوى السياسي والعسكري بالمسؤولية عن تهاوي قوة الردع الإسرائيلية، فأن هذا قد يدفع للاعتقاد، ولأول وهلة، بأن نتنياهو يقصد أنه معني بترميم الردع من خلال عمل مفاجئ ومباغت ضد المقاومة الفلسطينية في غزة.
لكن نتنياهو يعي تماما أن كل المحاذير الإستراتيجية التي دفعته إلى تجنب الانجرار لمواجهة شاملة مع المقاومة في غزة حتى الآن لازالت قائمة، وعلى رأسها غياب مصالح إسرائيلية في القطاع والخوف من التورط في الوحل الغزي نظرا لعدم وجود طرف ثالث يمكن أن يتولى مقاليد الأمور في القطاع، ناهيك عن وعي نتنياهو بأن بقاء مظاهر الأزمة الاقتصادية والإنسانية في القطاع ستقلص من تأثير أي عمل عسكري ضد المقاومة في القطاع.
لكن في المقابل، فان موقف الرأي العام الإسرائيلي بات عاملا مهما وحاسما بعد جولة التصعيد الأخيرة، سيما بعدما أدرك نتنياهو حجم وعمق خيبة الأمل الجماهيرية جراء تهاوي الردع، الذي عكسه تجرؤ المقاومة على قصف العمق الإسرائيلي بشكل هدف إلى إلحاق أضرار كبيرة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن نتنياهو سيكون ملزما بإضفاء صدقية على تعهداته الكثيرة والمتواصلة بإصلاح الواقع الأمني واستعادة الردع، فأنه قد يبادر إلى شن عمل عسكري محدود ضد غزة لتأمين هذا الهدف.
ولكن حتى لو لم يقدم نتنياهو على هذا الخيار، إما لأنه يخطط لتنفيذ عمل ما على جبهة أخرى غير الجبهة الجنوبية، أو بسبب غلبة تخوفاته من مخاطر الانجرار لمواجهة شاملة مع غزة، فأنه بكل تأكيد سيبدي أقل قدر من الصبر إزاء أية أنماط سلوك تصدر عن غزة وينظر إليها على أنها تهديد لإسرائيل، سواء إطلاق صورايخ وقذائف الراجمات وحتى بعض مناشط حراك مسيرات العودة ذات الطابع "العنفي" مثل اختراق الحدود واستخدام البالونات الحارقة، ناهيك عن أن إسرائيل قد تستخدم قدرا أكبر من قوة النيران في حال تفجر تصعيد مستقبلي مع المقاومة، وذلك بهدف ترميم الردع من جانب، واسترضاء الرأي العام الإسرائيلي.
وإذا كانت إسرائيل حقا معنية بالاهتمام بتنفيذ عمل في جبهة أخرى، فأنها قد تلجأ إلى تبريد جبهة غزة من خلال توظيف الدور المصري عبر إحياء التباحث حول مسار التهدئة، لكن بحيث لا تتجاوز مخرجات هذا التباحث السماح بمواصلة تقديم المنحة القطرية لدفع رواتب موظفي حكومة غزة وتمويل الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء.
مع العلم أنه قد يتم توظيف إحياء مباحثات التهدئة كجزء من مخطط لتخدير المقاومة واستدراجها للتخلي عن احتياطتها ومن ثم مباغتتها بعمل مفاجئ.
وفي المقابل، فأن هناك العديد من الدلائل على أن مواجهة التحديات على الجبهة الشمالية هي "المعركة التي لم تنته"، والتي تعهد نتنياهو باستكمالها.
وتدل الكثير من المؤشرات على أن فرص انفجار الجبهة الشمالية قد تعاظمت كثيرا مؤخرا. فحسب التقديرات الإسرائيلية، فأن إيران، التي تجلدت واستوعبت على مدى أكثر من عام الغارات الإسرائيلية التي استهدفت تواجدها في سوريا، يمكن أن تلجأ إلى تفجير الجبهة الشمالية ردا على تعاظم وطأة العقوبات الأمريكية عليها واشتداد حدة الحصار عليها.
وقد أشار ألون بن دافيد، معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة العاشرة الليلة الماضية، إلى أن الساحة الجغرافية للحدث الأمني الذي يتوقع نتنياهو أن تضطر إسرائيل للتدخل للرد عليه، تقع خارج الحدود الإسرائيلية، وأن مخاوف تل أبيب تستند إلى تأويل المخابرات الإسرائيلية لنوايا الأطراف المرتبطة بهذا الهدف، دون أن يسمي البقعة الجغرافية والأطراف المرتبطة بهذا الحدث المتوقع.
وعلى الرغم من أن جميع التقييمات التي قدمتها محافل التقدير الإستراتيجية في إسرائيل قد أجمعت خلال العامين الماضيين على أن كلا من إيران وحزب الله غير معنيين بتفجير الأوضاع في سوريا ولبنان، إلا أن تحولا طرأ على هذه التقديرات بعد بدء تنفيذ الموجة الجديدة من العقوبات الأمريكية على طهران.
ومما يزيد الأمور تعقيدا بالنسبة لإسرائيل، حقيقة أن هذه المخاوف تتعاظم في ظل قطيعة شبه تامة مع الروس ومجاهرة الرئيس الروسي فلادمير بوتين بعدم رغبته في لقاء نتنياهو، ناهيك عن أن هامش المناورة الذي تتمتع به إسرائيل في سوريا تقلص إلى حد كبير بعد سقوط الطائرة الروسية قرب اللاذقية قبل 3 أشهر.
في الوقت ذاته، فأن ادعاء إسرائيل أنها تملك معلومات تفيد بأن حزب الله يقيم مصانع لانتاج صواريخ ذات قدرات إصابة دقيقة، يفاقم خطورة تبعات أية مواجهة على الجبهة الشمالية؛ حيث أن دقة الإصابة ستكمل مزايا أخرى خطيرة لترسانة الصواريخ التي يملكها حزب الله، وتتمثل في المدى الطويل والرأس التفجير الكبير، وهذا ما يفاقم من خطورة استخدامها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تمثل دعوة نتنياهو لـ "الشعب بالاستعداد للتضحية" مؤشرا على أن في نيته المبادرة بشن هجوم لضرب مصانع الصواريخ، التي استغل كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في التحذير منها، أم أنه بصدد تنفيذ حملة واسعة ومكثفة لضرب التواجد الإيراني في سوريا؟ أو أن تل أبيب بصدد العمل في سوريا ولبنان معاً؟.