تغيُّر جديد ومثير طرأ على قضية اعتقال عدد من الدعاة السعوديين؛ حيث أشارت وسائل الإعلام المحلية إلى تورّط الموقوفين في العمل ضمن "خلية تجسس"، في خطوة هي الأكثر إثارة في هذه القضية حتى اللحظة.
وكانت تقارير إعلامية أكدت، خلال الأيام القليلة الماضية، اعتقال السلطات السعودية عدداً من الدعاة البارزين؛ وذلك في إطار حملة تستهدف بعض الوجوه التي لم تُبدِ معارضة علنيّة لبعض الخطوات التي اتُّخذت مؤخراً، وذلك لأنها -فيما يبدو- لم تؤيّد هذه الخطوات بشكل علني.
وكالة رويترز للأنباء، نقلت الثلاثاء (12 سبتمبر 2017)، عن مصادر سعودية، أن الدعاة المعروفين: سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، اعتقلوا نهاية الأسبوع. قبل أن يعلن "جهاز رئاسة أمن الدولة"، الذي أنشئ مؤخراً، إحباط مخطط إرهابي كان يستهدف مقرّين تابعين لوزارة الدفاع في العاصمة الرياض، من خلال عملية انتحارية بواسطة أحزمة ناسفة، إلى جانب الإعلان عن ضبط "خلية تجسس".
ولم يشر الجهاز إلى الدعاة الموقوفين صراحة، لكنه قال إن من تم القبض عليهم بينهم سعوديون، في حين جاء الإعلان بعد يوم واحد تقريباً من توقيف الدعاة، قبل أن تلفت الصحف السعودية إلى تورّط الدعاة في خلية "التجسس" المذكورة.
- خلية تجسس
عدد من صحف السعودية، الصادرة الأربعاء 13 سبتمبر 2017، خرجت بعناوين تتهم الموقوفين بالانتماء لما قالوا إنها "خلية تجسس"، في سابقة هي الأولى من نوعها بحق أسماء لطالما لاقت تبجيلاً داخل حدود المملكة وخارجها على حدٍّ سواء.
وبحسب صحيفة "عكاظ" السعودية، فقد دأب أحد أبرز من تم اعتقالهم (الذي لم تسمّه) على "لعب دور خفي في تنظيم الأنشطة الضخمة التي يرعاها في تربية الشباب على الثورة، وإعدادهم لقيادة المظاهرات والاعتصامات في دول الخليج، وخاصة السعودية".
وأكدت الصحيفة أن "أحد المقبوض عليهم من المتخصصين في التنظير للثورات، وكان يلقي محاضرات وندوات في مراكز تابعة لجماعة الإخوان"، كما أنه، والحديث ما زال للصحيفة، "عمل فترة طويلة على جمع التبرّعات بطرق غير نظامية لتمويل مشاريع ثورية عدة يسعى إلى ترسيخها في أذهان الشباب من خلال منظمة إخوانية كان يديرها، وتعمل بتمويل من إحدى الدول الراعية والممولة للإرهاب".
وكانت رئاسة أمن الدولة أعلنت، الثلاثاء 12 سبتمبر 2017، أنها "تمكّنت خلال الفترة الماضية من رصد أنشطة استخبارية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدّراتها وسلمها الاجتماعي؛ بهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية".
وقالت رئاسة أمن الدولة: إنه "تم تحييد خطر هؤلاء، والقبض عليهم بشكل متزامن، وهم سعوديون وأجانب، ويجري التحقيق معهم للوقوف على كامل الحقائق عن أنشطتهم والمرتبطين معهم في ذلك".
ولا ينتمي الدعاة الثلاثة إلى مجموعة رجال الدين الذين يدعمون صراحة نظام الحكم في السعودية، لكنهم يملكون عدداً كبيراً من المتابعين على الإنترنت، إذ يحظى سلمان العودة بأكثر من 14 مليون متابع، في حين يتابع عوض القرني أكثر من مليوني شخص.
واللافت أن هؤلاء الدعاة لم ينخرطوا في الأزمة الأخيرة مع قطر، ولم يعلنوا أيضاً دعم موقف السعودية، في حين صدر من بعضهم دعاء.
اقرأ أيضاً :
"علماء المسلمين" يدعو للإفراج الفوري عن دعاة سعوديين
- هجوم كبير
صحيفة "مكة" نقلت عن الكاتب الصحفي السعودي، سلمان الدوسري، قوله: "لا توجد دولة تقبل بأن يكون هناك من يستغل شهرته أو مكانته للتحريض على السلم الأهلي، ومع ذلك استمرت الدولة في إعطائهم (الموقوفين) بدلاً من الفرصة عشرات الفرص".
كما نقلت الصحيفة نفسها عن الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، أحمد الفراج، أن "أخطر ما يمكن أن تمارسه الخلايا التجسّسية هو بثّ الفوضى، وتجنيد الشباب والأتباع ضد وطنهم مع تنظيمات خارجية موجّهة، عبر ما يسمى بالحسابات السوداء في مواقع التواصل الاجتماعي، والترويج لأنظمة خارجية، والتعزيز لها، فيما يبثون الشائعات والإحباط داخل وطنهم، وهذا أمر خطير جداً".
في السياق ذاته، نقلت صحيفة "المدينة" عن مصادر لم تسمّها، أنه "تم رصد أنشطة استخبارية للمجموعة الموقوفة لصالح جهات خارجية لها تاريخ طويل في التواصل والإسهام في أنشطة مشبوهة تضرّ بأمن الدولة".
وأشارت المصادر إلى أن المجموعة "ساهمت في التحريض بشكل مباشر وغير مباشر ضد الوطن ورموزه، وهي تشارك بصفة مستمرّة في المؤتمرات واللقاءات والندوات المشبوهة"، لافتة إلى أن عناصر هذه المجموعة "سبق إيقاف بعضهم والتنبيه عليهم بإيقاف أنشطتهم العدائية".
اللافت أن عدداً من الدعاة والعلماء دخلوا أيضاً على خط الهجوم، وأدلوا بتصريحات تدعم ما يجري بحق الدعاة الموقوفين، بل وتطالب بمعاقبتهم.
هيئة كبار العلماء، التي يرأسها مفتي البلاد عبد العزيز آل الشيخ، شددت في عدد من التغريدات على موقع "تويتر"، الثلاثاء، على أن "استهداف الوطن في عقيدته وأمنه ولحمته الوطنية جريمة يؤخذ على يد مرتكبها، ولا تقبل هوادة فيها".
وفي تصريح خاص لصحيفة "المدينة"، قال الشيخ صالح الفوزان، عضو الهيئة، الأربعاء 13 سبتمبر 2017، إن الأشخاص الذين يعملون مع الجهات الخارجية ضد مصالح الوطن "مفسدون في البلاد"، داعياً إلى تطبيق العقوبات الرادعة التي تمنعهم وتنذر غيرهم.
وانضم الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ عبد الرحمن السديس، لقافلة المدافعين عن الدولة، مشيداً بـ "ما يقوم به جهاز أمن الدولة من مكافحة التطرّف والإرهاب، وما يقوم به رجال الأمن من عمل مشرّف في حماية الوطن والمقدّسات من عبث المندسّين والخونة والإرهابيين"، بحسب صحيفة "المدينة".
وشهدت مواقع التواصل هجوم عدد من الشخصيات العامة والشيوخ والمسؤولين على الدعاة الموقوفين.
وحقق وسم #القبض_على_خلايا_استخباراتية، مشاركات تجاوزت الـ 123 ألف مشاركة خلال أول 90 دقيقة، بمعدل 23 تغريدة في الثانية، بحسب صحيفة "الحياة".
وغرّد الأمير سعود محمد العبد الله، عبر الهاشتاغ، قائلاً: "رجال أمن الدولة أنتم مصدر اعتزازنا وفخرنا". في حين كتب الأمير خالد آل سعود: "أقولها للمرة الألف: من لا خير فيه لدينه فسوف يبيع وطنه بثمنٍ بخس. دام عزك وأمنك يا وطنا".
شكرا لرجال الأمن الأبطال في #رئاسة_أمن_الدولة على جهودهم في #القبض_على_خلايا_استخباراتية وإحباط المخططات الإرهابية. حمى الله وطننا من كل شر.
— عواد بن صالح العواد (@AwwadSAlawwad) ١٢ سبتمبر، ٢٠١٧
وكتب وزير الثقافة والإعلام، الدكتور عواد بن صالح العواد: "شكراً لرجال الأمن الأبطال في رئاسة أمن الدولة على جهودهم في القبض على خلايا استخبارية وإحباط المخططات الإرهابية".
وغرّد الشيخ ناصر القطامي قائلاً: "محاولات يائسة لاستهداف أمننا، وزعزعة استقرارنا، واختراق وحدتنا، وإضعاف تلاحمنا، وتشكيكنا في قيادتنا وعلمائنا".
محاولات يائسة لاستهداف أمننا، وزعزعة استقرارنا، واختراق وحدتنا، وإضعاف تلاحمنا، وتشكيكنا في قيادتنا وعلماءنا . #القبض_على_خلايا_استخباراتيةpic.twitter.com/caztkU5QID
— ناصر القطامي (@nasseralqtami) ١٢ سبتمبر، ٢٠١٧
- السجن 20 عاماً
وقالت مصادر لصحيفة "الوطن"، إن النيابة العامة "ستباشر، الأربعاء 13 سبتمبر 2017، استلام ملفات أعضاء خلية الخيانة الوطنية"، مضيفة أن "رئاسة أمن الدولة ستزود النائب العام بجميع الأدلة والقرائن والمستندات التي تم رصدها وتحريزها خلال فترة التحرّي عن أعضاء الخلية من السعوديين والمقيمين، لتبدأ النيابة استجوابهم ومواجهتهم بتلك القرائن".
ويواجه الموقوفون تهماً من بينها: "التحريض ضد الوطن ورموزه، والمشاركة في فعاليات مشبوهة، واستدراج الشباب بالمال والجنس والمخدرات لتبنّي منهجهم، والتحريض على الانخراط في نشاطات معادية، ودعم تنظيمات تستهدف المملكة".
وتعتزم النيابة العامة المطالبة بتطبيق الأمر الملكي رقم 44/أ في 3 /4 /1435هـ (2014)، والخاص بنظام مكافحة الإرهاب وتمويله، والذي ينص على معاقبة المنتمين للتيارات المتطرفة بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على عشرين سنة، بحسب "المدينة".
وكان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد استنكر، الاثنين 11 سبتمبر 2017، اعتقال الداعية سلمان العودة، وعدد من العلماء السعوديين، مطالباً السلطات هناك بالإفراج "الفوري" عنهم.
وقال الأمين العام للاتحاد، علي محيي الدين القره داغي، في بيان: إن الشيخ "العودة عضو بمجلس أمناء الاتحاد، ويُشهد له بجهوده في مجال الدعوة الإسلامية، وهي جهود مباركة موسومة بالوسطية التي ينتهجها الاتحاد".