محمود الزهار
www.mik1111.blogspot.com --- www.mik111.wordpress.com
هو الرجل الذي لطالما بدا ظاهره للكثيرين بصورةٍ تختلف جذرياً عن الصور الحقيقية التي تحتفظ بها "كاميرات" عالمه الداخلي.. حتى في طريقة رده على الهاتف حين تتصل به فإنه يخالف المعهود بتحية "الألو" الاعتيادية أو "السلام عليكم" ..ليفاجئك بأن "تحيته" تتمثل في كلمةٍ "قاطعة صارمة" اسمها "نعم"..وبلا مبالغة فإن "نعَمَه" تلك جافةٌ بالقدر الذي قد يدفع المتصل إلى الاستعجال في إنهاء "مكالمةٍ" قد يخرج منها صحفيٍ لا يعرف إلا القشور عن شخصية الدكتور محمود الزهار بخلاصةٍ واحدة: "الجواب واضح من عنوانه".
حين اتصلتُ به لتحديد موعدٍ كان على سفرٍ إلى حيث "حبيبته مصر" التي كان فيها "مشغولاً لشُوشته" – كما يقول المصريون- باجتماعات "المصالحة" المنعقدة آنذاك على قدمٍ وساق، سألته:"متى من المتوقع عودتك؟!"، فكان الجواب كـ"المدب" محرجاً:"حين أعود ستعرفين!"، أردتُ أن أحجز في أجندة ذاكرته موعداً حتى لو كان مؤجلاً، فحاولتُ أن أذكره بطريقة غير مباشرة أني الصحفية التي سبق لها وأن أزالت عن "وجهه" مساحيق التجهم في "مقابلة سابقة".
في حقيقة الأمر كان للقيادي البارز في حركة حماس "ذاكرة حديدية" والتي أفصح عنها بالفعل لا بالكلام، حين حددّ الموعد حال عودته لغزة، ليكون له مع "فلسطين" لقاءٌ لم يأخذ الطابع الذي اهترأت به مقابلاته السياسية..وإنما "العنوان العريض" لطرحنا كان حول قناعاته في كل ما يتعلق بقالب القيادة الذي يقتنع بمبادئه بعد سنينٍ طويلة استغرقها في اختباراتٍ الخطأ والتجربة، ليكون "تلسكوبه" الذي يرى به جوهر القيادة إرثاً سيتركه لمن بعده كي يستفيد منه أي شخص تؤهله قدراته لأن يكون "ربّاناً للسفينة" حتى لو لم يتفق معه تماماً في بعض تصوراته.
حين اتصلتُ به لتحديد موعدٍ كان على سفرٍ إلى حيث "حبيبته مصر" التي كان فيها "مشغولاً لشُوشته" – كما يقول المصريون- باجتماعات "المصالحة" المنعقدة آنذاك على قدمٍ وساق، سألته:"متى من المتوقع عودتك؟!"، فكان الجواب كـ"المدب" محرجاً:"حين أعود ستعرفين!"، أردتُ أن أحجز في أجندة ذاكرته موعداً حتى لو كان مؤجلاً، فحاولتُ أن أذكره بطريقة غير مباشرة أني الصحفية التي سبق لها وأن أزالت عن "وجهه" مساحيق التجهم في "مقابلة سابقة".
في حقيقة الأمر كان للقيادي البارز في حركة حماس "ذاكرة حديدية" والتي أفصح عنها بالفعل لا بالكلام، حين حددّ الموعد حال عودته لغزة، ليكون له مع "فلسطين" لقاءٌ لم يأخذ الطابع الذي اهترأت به مقابلاته السياسية..وإنما "العنوان العريض" لطرحنا كان حول قناعاته في كل ما يتعلق بقالب القيادة الذي يقتنع بمبادئه بعد سنينٍ طويلة استغرقها في اختباراتٍ الخطأ والتجربة، ليكون "تلسكوبه" الذي يرى به جوهر القيادة إرثاً سيتركه لمن بعده كي يستفيد منه أي شخص تؤهله قدراته لأن يكون "ربّاناً للسفينة" حتى لو لم يتفق معه تماماً في بعض تصوراته.
إنها حقاً "جينات"
بدا جلياً أن حفيده معاذ يحظى بمكانةٍ أثيرة في قلبه.. بدليل أن نقطة البداية التي استهلها الزهار كانت من "القائد الصغير" معاذ ابن ابنته سماح زوجة الشهيد أحمد عوض، مسؤول وحدة التصنيع السابق في كتائب القسام، وكأن "جينات القيادة" بالفعل تنتقل عبر الأجيال وفقاً لتوصيفه.
الاستعداد الفطري للقيادة أول المبادئ التي يجزم الزهار بأنها حجر الأساس، موضحاً مقصده:" لو نظرنا إلى معاذ ابن الخمس سنوات ففي تقييمي هو قائد، حيث ألحظ أنه يحب مصاحبة الكبار ويبادر إلى عمل الأشياء بنفسه، فإذا ما أرادت أمه حمل شيءٍ يسارع لحمله عنها، كما أنه لا يحب أن يكون جزءاً من مجموعة بل رئيسا لها، وهذا ما أعنيه تماماً "بالقيادة بالفطرة"، إذ يتصرف المرء بغريزةٍ تلقائية من غير أن يكون قاصداً بأنه يريد قيادة غيره، ليصبح ذلك جزءاً من سلوكه يرافقه طيلة حياته".
لفتَ انتباهي "مُجسم" للكرة الأرضية على المنضدة التي بجوار "ضيفنا"..والذي منه انتقل إلى الحديث عن العوامل المكتسبة، ففي نظر الزهار أن "الرؤية" تحتل المرتبة الأولى والتي يوضحها بقوله:"كلما اتسعت مدارك القائد يتحسن أداؤه، فبإمكانه أن يشير إلى أي جزء في الكرة الأرضية ليكون جزءاً منها، بمعنى أنه لا يكفي القائد أن يعرف في أي بيئةٍ سياسية واجتماعية واقتصادية يعمل، بل عليه أن يدرك البيئات المُختلفة المؤثرة من حوله بالسلب والإيجاب، إن الأمر أيضاً هو أشبه بمن يدرس "حساب المثلثات" فيتعين عليه عندئذٍ ألا يكتفي بمعرفة الدرس الأول، بل لا بد وأن يُلم بالدرس الأخير".
ويعطي الزهار إيضاحاً أكثر للمسألة بتشبيهٍ يسوقه، فهو يُشّبه القائد "بربّان سفينة"، حيث إن البيئة الأولى المحيطة به هي السفينة بمن فيها، أما البيئة الثانية فهي البحر، فلو أنه عاش في بيئة البحر فقط فلن يستطيع الوصول حتماً إلى ما هو أبعد، بينما يتعين عليه معرفة كيفية الوصول إلى الشاطئ عبر اجتيازه لكل الممرات المائية، أما محدود الرؤية فلا يصلح أن يكون قائداً إلا إن أوجدته الظروف.
أثر الدين في القيادة
وأمام "حديثٍ زخم كهذا كان لا بد من ارتشاف فنجان من القهوة الذي أرفقه بتقديمه التمهيدي السابق حيث شدد فيه على أن القراءة عنصر رئيسي في تنشئة القيادة، فحسب وصفه هي "تمنع العقل من الصدأ" لا سيما إذا كان يعمل في الحقل السياسي، فتكون حاجته للقراءة أكثر من مجرد مصطلحاتٍ سياسية، فكثيرٌ من القيادات السياسية في العالم لا تفهم معنى المصطلح وتستخدمه من الباب الدارج" حسب تجربته، مضيفاً:"لقد لعبت القراءة دوراً جوهرياً بالنسبة لي، فأنا مثلاً طبيب وما زلتُ أؤدي دوراً في تخصصي، لكني اكتسبتُ الأدب والثقافة بالقراءة وليس بالتعلم".
وبالتطرق إلى البند الرابع يشيرُ الزهار إلى أن التجربة بلا شك تزيد من قدرة الإنسان على القيادة، مبيناً ذلك:"التجربة تضعكَ أمام معضلة، والمعضلة إما أن تُحل بطريقةٍ ناجحة فتكتسبها وتصبح مخزونًا، أو أن تكون غير ناجحة فتتوقى منها، وهنا تبرز قضية "التجربة والخطأ" وهذا مهمٌ جداً في إثراء تجربة الحياة".
"ما الذي يميز حركة حماس في مبادئها القيادية من وجهة نظرك؟!..يجيب:"بالدرجة الأولى حماس تعتمد على "قراءة الدين" الذي يكسب أصحابه الكثير من المعلومات المجانية، فالإنسان الذي يعيش ضمن بيئةٍ ظالمة عندما يقرأ قوله تعالى:"وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا"، يدرك من خلال تعرفه على تجربة الأمم السابقة أن القرار بإهلاك القرى الظالمة هو "قرارٌ" رباني لكنه بحاجة للعمل، مما يجعل المرء موقناً بضرورة عدم الخضوع للظروف الحالية، ويعطيه الأمل بزوال الظلم كي ينطلق لنشره بين الآخرين، فيصبح بذلك قائداً مبشراً لا مثبطاً مستنهضاً بذلك همم الناس، فهو يؤمن بأن القادم بيد الله وحده، ليأخذ في الاعتبار أن المطلوب منه بذل الجهد حتى وإن لم يتحقق في الوقت الحالي".
ويواصل طرح فكرته:"بالنظر إلى شعب فلسطين وما وقع عليه من ظلم فإن من لا يتمسك بالقرآن من الطبيعي أن يلتقط أي حافز يقدم له "مثل عملية السلام" لاعتقاده بأن هذا الحافز فرصته الوحيدة، أما الرؤية القرآنية فترى صورة مختلفة"، لذا كانت دراسة الدين لحماس جزئية مهمة ليس فقط في التعبد والتعلم، بل في السياسة والاقتصاد وكافة مناحي الحياة".
العلم..جزءٌ من الدفّة
أثناء اللقاء كانت برفقتي الزميلة مريم الشوبكي، التي لأكثر من مرة طلب مني "الطبيب القائد" أن أعطيها الفرصة في الأسئلة ممازحاً إياني:"أنت ديكتاتورية" ليكون ردي:"سامحك الله"، لتسأل مريم بدورها:"يلحظ أيضاً أن أبناء حركة حماس متفوقون علمياً..أعتقد أن ذلك أضاف إليكم..أليس كذلك؟!"، ليوافقها الرأي بأن التفوق العلمي عنصر مهم اتسمت به قيادة حركته، مبيناً:"بالفعل كان العلم عامل قوة لنا، فحتى من لم يكمل جامعته فإن مستوى التعلم والفطنة عنده عال جداً، ولو رجعنا إلى خريطة الفترة الذهبية، سنجد الشيخ أحمد ياسين الذي كان مدرسًا، ومثله محمد شمعة وعبد الفتاح دخان، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والمهندس إسماعيل، والدكتور إبراهيم المقادمة، فبهذه المواصفات، أي بالتدين والعلم، ثم بالتجربة، أضحت حركة حماس اليوم على مستوى الشارع والعالم تحقق تقدماً أكبر بكثير مما قبل عشر سنوات وهذا مؤشر أنها نجحت في ظل حجم الأزمات الكبرى التي تعرضت لها حماس، محققة هذا الوجود والانتشار مما خلق لها قيادة مميزة في إدارة الدفة في المرحلة الراهنة".
بدا جلياً أن حفيده معاذ يحظى بمكانةٍ أثيرة في قلبه.. بدليل أن نقطة البداية التي استهلها الزهار كانت من "القائد الصغير" معاذ ابن ابنته سماح زوجة الشهيد أحمد عوض، مسؤول وحدة التصنيع السابق في كتائب القسام، وكأن "جينات القيادة" بالفعل تنتقل عبر الأجيال وفقاً لتوصيفه.
الاستعداد الفطري للقيادة أول المبادئ التي يجزم الزهار بأنها حجر الأساس، موضحاً مقصده:" لو نظرنا إلى معاذ ابن الخمس سنوات ففي تقييمي هو قائد، حيث ألحظ أنه يحب مصاحبة الكبار ويبادر إلى عمل الأشياء بنفسه، فإذا ما أرادت أمه حمل شيءٍ يسارع لحمله عنها، كما أنه لا يحب أن يكون جزءاً من مجموعة بل رئيسا لها، وهذا ما أعنيه تماماً "بالقيادة بالفطرة"، إذ يتصرف المرء بغريزةٍ تلقائية من غير أن يكون قاصداً بأنه يريد قيادة غيره، ليصبح ذلك جزءاً من سلوكه يرافقه طيلة حياته".
لفتَ انتباهي "مُجسم" للكرة الأرضية على المنضدة التي بجوار "ضيفنا"..والذي منه انتقل إلى الحديث عن العوامل المكتسبة، ففي نظر الزهار أن "الرؤية" تحتل المرتبة الأولى والتي يوضحها بقوله:"كلما اتسعت مدارك القائد يتحسن أداؤه، فبإمكانه أن يشير إلى أي جزء في الكرة الأرضية ليكون جزءاً منها، بمعنى أنه لا يكفي القائد أن يعرف في أي بيئةٍ سياسية واجتماعية واقتصادية يعمل، بل عليه أن يدرك البيئات المُختلفة المؤثرة من حوله بالسلب والإيجاب، إن الأمر أيضاً هو أشبه بمن يدرس "حساب المثلثات" فيتعين عليه عندئذٍ ألا يكتفي بمعرفة الدرس الأول، بل لا بد وأن يُلم بالدرس الأخير".
ويعطي الزهار إيضاحاً أكثر للمسألة بتشبيهٍ يسوقه، فهو يُشّبه القائد "بربّان سفينة"، حيث إن البيئة الأولى المحيطة به هي السفينة بمن فيها، أما البيئة الثانية فهي البحر، فلو أنه عاش في بيئة البحر فقط فلن يستطيع الوصول حتماً إلى ما هو أبعد، بينما يتعين عليه معرفة كيفية الوصول إلى الشاطئ عبر اجتيازه لكل الممرات المائية، أما محدود الرؤية فلا يصلح أن يكون قائداً إلا إن أوجدته الظروف.
أثر الدين في القيادة
وأمام "حديثٍ زخم كهذا كان لا بد من ارتشاف فنجان من القهوة الذي أرفقه بتقديمه التمهيدي السابق حيث شدد فيه على أن القراءة عنصر رئيسي في تنشئة القيادة، فحسب وصفه هي "تمنع العقل من الصدأ" لا سيما إذا كان يعمل في الحقل السياسي، فتكون حاجته للقراءة أكثر من مجرد مصطلحاتٍ سياسية، فكثيرٌ من القيادات السياسية في العالم لا تفهم معنى المصطلح وتستخدمه من الباب الدارج" حسب تجربته، مضيفاً:"لقد لعبت القراءة دوراً جوهرياً بالنسبة لي، فأنا مثلاً طبيب وما زلتُ أؤدي دوراً في تخصصي، لكني اكتسبتُ الأدب والثقافة بالقراءة وليس بالتعلم".
وبالتطرق إلى البند الرابع يشيرُ الزهار إلى أن التجربة بلا شك تزيد من قدرة الإنسان على القيادة، مبيناً ذلك:"التجربة تضعكَ أمام معضلة، والمعضلة إما أن تُحل بطريقةٍ ناجحة فتكتسبها وتصبح مخزونًا، أو أن تكون غير ناجحة فتتوقى منها، وهنا تبرز قضية "التجربة والخطأ" وهذا مهمٌ جداً في إثراء تجربة الحياة".
"ما الذي يميز حركة حماس في مبادئها القيادية من وجهة نظرك؟!..يجيب:"بالدرجة الأولى حماس تعتمد على "قراءة الدين" الذي يكسب أصحابه الكثير من المعلومات المجانية، فالإنسان الذي يعيش ضمن بيئةٍ ظالمة عندما يقرأ قوله تعالى:"وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا"، يدرك من خلال تعرفه على تجربة الأمم السابقة أن القرار بإهلاك القرى الظالمة هو "قرارٌ" رباني لكنه بحاجة للعمل، مما يجعل المرء موقناً بضرورة عدم الخضوع للظروف الحالية، ويعطيه الأمل بزوال الظلم كي ينطلق لنشره بين الآخرين، فيصبح بذلك قائداً مبشراً لا مثبطاً مستنهضاً بذلك همم الناس، فهو يؤمن بأن القادم بيد الله وحده، ليأخذ في الاعتبار أن المطلوب منه بذل الجهد حتى وإن لم يتحقق في الوقت الحالي".
ويواصل طرح فكرته:"بالنظر إلى شعب فلسطين وما وقع عليه من ظلم فإن من لا يتمسك بالقرآن من الطبيعي أن يلتقط أي حافز يقدم له "مثل عملية السلام" لاعتقاده بأن هذا الحافز فرصته الوحيدة، أما الرؤية القرآنية فترى صورة مختلفة"، لذا كانت دراسة الدين لحماس جزئية مهمة ليس فقط في التعبد والتعلم، بل في السياسة والاقتصاد وكافة مناحي الحياة".
العلم..جزءٌ من الدفّة
أثناء اللقاء كانت برفقتي الزميلة مريم الشوبكي، التي لأكثر من مرة طلب مني "الطبيب القائد" أن أعطيها الفرصة في الأسئلة ممازحاً إياني:"أنت ديكتاتورية" ليكون ردي:"سامحك الله"، لتسأل مريم بدورها:"يلحظ أيضاً أن أبناء حركة حماس متفوقون علمياً..أعتقد أن ذلك أضاف إليكم..أليس كذلك؟!"، ليوافقها الرأي بأن التفوق العلمي عنصر مهم اتسمت به قيادة حركته، مبيناً:"بالفعل كان العلم عامل قوة لنا، فحتى من لم يكمل جامعته فإن مستوى التعلم والفطنة عنده عال جداً، ولو رجعنا إلى خريطة الفترة الذهبية، سنجد الشيخ أحمد ياسين الذي كان مدرسًا، ومثله محمد شمعة وعبد الفتاح دخان، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والمهندس إسماعيل، والدكتور إبراهيم المقادمة، فبهذه المواصفات، أي بالتدين والعلم، ثم بالتجربة، أضحت حركة حماس اليوم على مستوى الشارع والعالم تحقق تقدماً أكبر بكثير مما قبل عشر سنوات وهذا مؤشر أنها نجحت في ظل حجم الأزمات الكبرى التي تعرضت لها حماس، محققة هذا الوجود والانتشار مما خلق لها قيادة مميزة في إدارة الدفة في المرحلة الراهنة".
التدرج الطبيعي في التجربة
"ترى هل قيادة الدولة تختلف عن قيادة المؤسسة والحزب؟!.. قبل أن يجيب عن هذا التساؤل كان "شراب الزهورات" قد حضر بناء على قرار من "المُضيف" في حقي أنا ومريم..ارتشف قليلا منه وواصل حواراً دسماً وشيقاً بكل ما للكلمة من معنى، فقال:"كلا لا يختلف وإنما الانتقال من مستوى لآخر تطورٌ طبيعي، فقد تجدي شخصًا مر بكل هذه المراحل، وقد يمر البعض في مرحلة من المراحل، وعلى سبيل المثال فكرة حركة الإخوان المسلمين بدأت بأسرة، وبعد ذلك اتسعت وأصبحت حركة ومن ثم تطورت لمؤسسات، وبعدها شاركت في الانتخابات فأصبحت في إطار الدولة".
ويتابع شرحه لفكرته:"قيادة ظاهرة الإبعاد لمرج الزهور بحد ذاتها كانت ظاهرة مميزة رغم صغرها لكن تأثيرها كان كبيراً لأنها نقلت الحركة من الرؤية المحلية للرؤية الكونية، وبعد ذلك جاءت قضية الانتخابات ونَقلتنا إلى المجلس التشريعي والدولة، وبالتالي ليس هناك فصل، فكلما تحصنت قيادة الدولة بسلسلة التجارب السابقة كلما كان الأمر أفضل، فعدم المرور بتجربة التدرج الطبيعي على الأغلب يودي بها إلى الفشل.
إنه محور بالطبع يجرنا إلى أسئلة أخرى متشعبة تنبثق عنه، "هل انتقال حركة حماس من المعارضة إلى الحُكم جعل نهج القيادة مختلفاً؟!..يقول:"لا لم يختلف، لكنه وسَّعَ دائرة المسؤوليات، فالقيادة تبقى ذاتها في كل الأحوال، بمعنى أن تأخذ مجموعةٌ من الناس برأيك لتحقيق أهدافٍ معينة، وتدقيقاً لسؤالك فنحن لم نكن في معارضة لأن المعارضة تكون في حال الأقلية في الإطار السياسي أو الحكومي أو البرلماني، نحن كنا في برنامج مقاومة شاملة وليس مسلحاً فحسب، حيث تطور شيئاً فشيئا، كان ذلك يقتضي اتخاذ قرار منذ البداية، هل نريد أن نكون في هذا المشروع، إن كان نعم فلا بد وأن ندفع الثمن، وهذه قضية تفسر لماذا كثير من الناس دخلت في إطار القيادة في المقاومة ثم تنحت لأنها غير قادرة على أن تدفع ثمنها حتى آخر المشوار، فنحن ما فعلناه أننا انتقلنا من دائرة العمل المقاوم إلى ضم السلطة أو الحكومة لهذه الدائرة".
وعن اختلاف درجة التأثير في الأفراد من قائد لآخر.. يشير إلى أن ذلك يعود إلى درجة إيمان الإنسان بما يقول واستخدامه لأدوات الإقناع، فالمطلوب وفقاً لما توصل إليه هو توظيف القدرة على الإقناع التي لا تأتي إلا بالتجربة والخبرة والأفق الواسع، فهناك أناس تستطيع أن تقول رأيها ولكن لا تقدر على إقناع الآخرين، بينما هناك أشخاص لديهم قدرات متواضعة لكن قدرتهم العالية على الإقناع تجعلهم يحققون الكثير.
وبمثالٍ خفيف الظل يقرب إلينا مسألة التأثير بالشكل الآتي قال الزهار:"القيادة هي كمن يذهب للسوق، فالقيادي الناجح، يعرف مسبقاً ماذا سيطبخ فيختار الكمية المناسبة من المقادير، ليُشكل من أقل المشتريات ما يكفي لطبخته، وأعرف الكثيرين في مواقع قيادية يذهب للسوق ويشتري كل ما في السوق ولا يستطيع أن يصنع منها طبخة واحدة، حيث لا يوظف علمه وتجربته في كتابة ورقة واحدة، وإذا لم يتم توظيف التجربة والمعلومة لا تتحقق القيادة".
في الميدان تتطور
الدكتور محمود الزهار الذي يعمل كالمكوك، فما بين اجتماعاتٍ متتالية و زيارات وسفر فإنه في فسحة الوقت وفي أوج التعب يستأنف مشاريع كتبه، التي أهدانا نسختين من آخرها وهو "حقيقة الحضارات الكونية"..هذا الرجل الذي لطالما اعتبره الكثيرون "مشكلةً" بسبب مواقفه الصريحة يعتبر أن "القيادة" تتطور يومياً بل لحظياً وكل ذلك يكون بفضل التجربة.
يستشهد بمواقف عملية من ذاكرته المزدحمة:" أذكر أني عندما توليتُ قيادة العمل الدبلوماسي في فترةٍ ما كنت أظن أن الأمر يقتصر على لقاءات مع الأجانب فحسب، لكني مع دخول هذا المعترك الرسمي اكتشفتُ أنه "عالمٌ آخر" بدءاً بأصغر التفاصيل المتعلقة بالملبس والمجلس والكلام، ومروراً بما يجب أن يقال وما يجب ألا يقال، والأكثر من ذلك: كيف يقال، وانتهاء بمواجهة المشاكل وكيفية التعامل معها من خلال دراسة المصلحة والمنفعة.
كما يستذكر الزهار كيف وازن ما بين الحزم واللين، ويستحضر تحديداً ما واجهه بعد أربعة أيام من تولّيه لوزارة الخارجية عندما حاول شاب أن يسيء إليه ولم يستجب لطلبه بالتوقف عن إساءته ،يقول:"عندئذٍ كان لزاماً علي أن اتخذ قراراً، في وزارة لم يكن فيها أي موظف ينتمي لحركة حماس، فأمرت بإحالة الشاب للتحقيق بالرغم من كل الوساطات التي حاولت أن تُثنيني، لأنه لم يكن هناك من حلٍ إلا الحزم".
"ترى هل قيادة الدولة تختلف عن قيادة المؤسسة والحزب؟!.. قبل أن يجيب عن هذا التساؤل كان "شراب الزهورات" قد حضر بناء على قرار من "المُضيف" في حقي أنا ومريم..ارتشف قليلا منه وواصل حواراً دسماً وشيقاً بكل ما للكلمة من معنى، فقال:"كلا لا يختلف وإنما الانتقال من مستوى لآخر تطورٌ طبيعي، فقد تجدي شخصًا مر بكل هذه المراحل، وقد يمر البعض في مرحلة من المراحل، وعلى سبيل المثال فكرة حركة الإخوان المسلمين بدأت بأسرة، وبعد ذلك اتسعت وأصبحت حركة ومن ثم تطورت لمؤسسات، وبعدها شاركت في الانتخابات فأصبحت في إطار الدولة".
ويتابع شرحه لفكرته:"قيادة ظاهرة الإبعاد لمرج الزهور بحد ذاتها كانت ظاهرة مميزة رغم صغرها لكن تأثيرها كان كبيراً لأنها نقلت الحركة من الرؤية المحلية للرؤية الكونية، وبعد ذلك جاءت قضية الانتخابات ونَقلتنا إلى المجلس التشريعي والدولة، وبالتالي ليس هناك فصل، فكلما تحصنت قيادة الدولة بسلسلة التجارب السابقة كلما كان الأمر أفضل، فعدم المرور بتجربة التدرج الطبيعي على الأغلب يودي بها إلى الفشل.
إنه محور بالطبع يجرنا إلى أسئلة أخرى متشعبة تنبثق عنه، "هل انتقال حركة حماس من المعارضة إلى الحُكم جعل نهج القيادة مختلفاً؟!..يقول:"لا لم يختلف، لكنه وسَّعَ دائرة المسؤوليات، فالقيادة تبقى ذاتها في كل الأحوال، بمعنى أن تأخذ مجموعةٌ من الناس برأيك لتحقيق أهدافٍ معينة، وتدقيقاً لسؤالك فنحن لم نكن في معارضة لأن المعارضة تكون في حال الأقلية في الإطار السياسي أو الحكومي أو البرلماني، نحن كنا في برنامج مقاومة شاملة وليس مسلحاً فحسب، حيث تطور شيئاً فشيئا، كان ذلك يقتضي اتخاذ قرار منذ البداية، هل نريد أن نكون في هذا المشروع، إن كان نعم فلا بد وأن ندفع الثمن، وهذه قضية تفسر لماذا كثير من الناس دخلت في إطار القيادة في المقاومة ثم تنحت لأنها غير قادرة على أن تدفع ثمنها حتى آخر المشوار، فنحن ما فعلناه أننا انتقلنا من دائرة العمل المقاوم إلى ضم السلطة أو الحكومة لهذه الدائرة".
وعن اختلاف درجة التأثير في الأفراد من قائد لآخر.. يشير إلى أن ذلك يعود إلى درجة إيمان الإنسان بما يقول واستخدامه لأدوات الإقناع، فالمطلوب وفقاً لما توصل إليه هو توظيف القدرة على الإقناع التي لا تأتي إلا بالتجربة والخبرة والأفق الواسع، فهناك أناس تستطيع أن تقول رأيها ولكن لا تقدر على إقناع الآخرين، بينما هناك أشخاص لديهم قدرات متواضعة لكن قدرتهم العالية على الإقناع تجعلهم يحققون الكثير.
وبمثالٍ خفيف الظل يقرب إلينا مسألة التأثير بالشكل الآتي قال الزهار:"القيادة هي كمن يذهب للسوق، فالقيادي الناجح، يعرف مسبقاً ماذا سيطبخ فيختار الكمية المناسبة من المقادير، ليُشكل من أقل المشتريات ما يكفي لطبخته، وأعرف الكثيرين في مواقع قيادية يذهب للسوق ويشتري كل ما في السوق ولا يستطيع أن يصنع منها طبخة واحدة، حيث لا يوظف علمه وتجربته في كتابة ورقة واحدة، وإذا لم يتم توظيف التجربة والمعلومة لا تتحقق القيادة".
في الميدان تتطور
الدكتور محمود الزهار الذي يعمل كالمكوك، فما بين اجتماعاتٍ متتالية و زيارات وسفر فإنه في فسحة الوقت وفي أوج التعب يستأنف مشاريع كتبه، التي أهدانا نسختين من آخرها وهو "حقيقة الحضارات الكونية"..هذا الرجل الذي لطالما اعتبره الكثيرون "مشكلةً" بسبب مواقفه الصريحة يعتبر أن "القيادة" تتطور يومياً بل لحظياً وكل ذلك يكون بفضل التجربة.
يستشهد بمواقف عملية من ذاكرته المزدحمة:" أذكر أني عندما توليتُ قيادة العمل الدبلوماسي في فترةٍ ما كنت أظن أن الأمر يقتصر على لقاءات مع الأجانب فحسب، لكني مع دخول هذا المعترك الرسمي اكتشفتُ أنه "عالمٌ آخر" بدءاً بأصغر التفاصيل المتعلقة بالملبس والمجلس والكلام، ومروراً بما يجب أن يقال وما يجب ألا يقال، والأكثر من ذلك: كيف يقال، وانتهاء بمواجهة المشاكل وكيفية التعامل معها من خلال دراسة المصلحة والمنفعة.
كما يستذكر الزهار كيف وازن ما بين الحزم واللين، ويستحضر تحديداً ما واجهه بعد أربعة أيام من تولّيه لوزارة الخارجية عندما حاول شاب أن يسيء إليه ولم يستجب لطلبه بالتوقف عن إساءته ،يقول:"عندئذٍ كان لزاماً علي أن اتخذ قراراً، في وزارة لم يكن فيها أي موظف ينتمي لحركة حماس، فأمرت بإحالة الشاب للتحقيق بالرغم من كل الوساطات التي حاولت أن تُثنيني، لأنه لم يكن هناك من حلٍ إلا الحزم".
موقف آخر كان يتطلب منه أن يكون حكيماً والذي تمثل فيما قاله:"عندما طالبتني جامعة الدول العربية بالقبول بالمبادرة العربية كنت على قناعة بأن للقبول أو الرفض ثمنًا سندفعه، فأمضيتُ فترة عملي وزيراً للخارجية دون أن أقدم إجابةٍ بالقبول أو الرفض".
يتم إعفاء "المصلحَجية"
ويبدو الزهار سعيداً بأنه لمس فعلياً كيف تمددت تجربة حركته لتصل إلى نطاق عالمي، مفصحاً عن ذلك:"تصوري أن أحد المسؤولين الأوروبيين الذي كان يتقلد موقعاً رفيعاً - ولن أذكر اسمه- ضحى بمستقبله السياسي من أجل أن يجلس معنا، فقد اقتنع أنه لا بد أن تكون هناك علاقة مع حماس، وقد تم تحويله الآن لأحد المؤسسات الدولية، هذا الرجل الآن هو من يجمع لنا شخصيات مهمة نلتقي بها لنتحدث لها عن رؤيتنا، فهذا الرجل دفع ثمن مستقبله السياسي لمبدئه، مما يبرهن أن الفضيلة ليست مرهونة بديانة أو شخصية معينة".
ووفقاً لقاعدةٍ أخرى تقول إن شخصية القائد تجتذب بالفعل من هم مثله..يصمت قليلاً أمامها ليقول بصوتٍ مؤثر:"بالطبع يجذبني من تقلّ لديه حِصةُ النفس"، فقد كان أكثر الأشخاص الذين صادفتهم في حياتهم على هذا النوع من الخلق هو الدكتور إبراهيم المقادمة رحمة الله عليه، الذي كانت حصة نفسه "صفرا" في كل شيء.
طرحتُ عليه سؤالاً ربما يستفز الكثيرين فيما يتعلق بظاهرة القادة الذين يعملون لمصالحهم الشخصية، حيث يرى "أبا خالد" أن هذا الأمر موجودٌ في كل مكان بما في ذلك "حركة حماس"، معتبراً أن هذا النوع من القادة لا يمكنه أن ينجح إلا في بيئة من "المغفلين"، أما في ظل وجوده بين أصحاب الوعي فلن يُسمح له بالترقية، والسبب يعود وفق تقديره إلى "نقصٍ في تركيبة شخصية هؤلاء".
أما بالنسبة للقيادات الشابة التي لا يعرف الكثير منها عن القيادة إلا "المظاهر البراقة"، فيقول إنه تتم معالجتها عادةً بطرق سليمة عبر النصيحة، ولكن عندما تنعقد انتخابات يتم إعفاء هذا النوع من الشباب.
أنا لست دودة
"د.محمود جاوزت السبعين من عمرك..فهل ما زال النمو الشخصي لديك موجودًا على أجندتك؟!..يصحح لي المعلومة "ضاحكاً" بأنه لم يتجاوز بعد السادسة والستين!، مؤكداً أنه كلما تقدم به العمر يزداد إيمانه بضرورة تطوير الأداء وتطبيقه أيضاً، وهذا يدخل بالنسبة له في توسع علاقاته مع العالم عبر سبلٍ شتى.
ولكل من يستعد لأن يتسلم دفة القيادة في أي مجالٍ كان، فإن "ضيفنا" يوصيه بالتالي:"يكون القائد ناجحاً كلما نفذّ ما يريده بأيادي الآخرين وليس بالسطوة"، ويشدد على ذلك بهذه "الإشارة اللطيفة":"أنا أعرف قائدًا حين يريد شراء "مكنسة" لمؤسسته فإنه يرسل أحدهم ليسأل عن المكنسة المناسبة، ثم يذهب بنفسه ليشتريها، وما أريد قوله إن التفويض لا يفقد الإنسان قيمته ولا قدره، يل يعطي الآخرين ثقةً بالنفس وجزءاً من صناعة القرار".
وبالنسبة للزهار فإن التحدي في "عرفه الخاص" يتمثل في المشكلة التي لابد من اجتيازها، وبناء على طبيعة التحدي يستخدم الطريقة المناسبة لمواجهته، كأن يستلزم حزماً أو ليناً، ومن هنا يقول إن أخطر ما في التحدي هو القرار، أما عن القوة الدافعة التي تدفعه للاستمرار فيؤكد أنها فكرة المشروع التي يتبناها ويضحي من أجلها.
وعلى من يختار هذا الطريق أن يأخذ في الحسبان بأن التضحية أمر لا بد منه، فبالتضحية يعلو القائد دون أن تكون "وسيلةً مقصودة" للارتقاء وفق نظرية الزهار، وقد كان ذلك نهج حياة أبا خالد من عهد شبابه، عندما قال لزوجته في بداية حياتهما:"اعلمي أنني لستُ دودةً تأكل وترجع"، مضيفاً:"لقد ضحيتُ بوقتي الذي هو من وقت الآخرين، فبعدما تزوجت بأسبوعين أصبحت عضو الجمعية الطبية، التي أصبحت بمرور الوقت "عدو النساء"، ناهيك عن التضحية بـ"راحة البال" له ولمن حوله هي عنصر آخر ضحى به".
كم كانت مؤثرةً تلك الدمعة التي لاحت في عينيه حين تعمّق الزهار في قانون التضحية:"من يعرف ابنيّ الشهيدين خالد وحسام سيدرك أنني خسرتُ كثيراً، لكن في المقابل هناك مكسبٌ أكبر، فمن يُضحي بالغالي يكون ثمنه غاليًا، فلا يحسبنّ أحدكم أن "قلبي حجر" فأنا مثل أي أب يضعف للذكرى، ويحن أمام موقفٍ عابر".
والتضحية لا تقتصر لدى د.محمود على رحيل "فلذات الكبد"، بل تتعداها أيضاً إلى خسارة بعض العلاقات التي شعرها أنها قد تأتي على حساب المشروع، مهما كانت مكانة هؤلاء الأشخاص.
يتم إعفاء "المصلحَجية"
ويبدو الزهار سعيداً بأنه لمس فعلياً كيف تمددت تجربة حركته لتصل إلى نطاق عالمي، مفصحاً عن ذلك:"تصوري أن أحد المسؤولين الأوروبيين الذي كان يتقلد موقعاً رفيعاً - ولن أذكر اسمه- ضحى بمستقبله السياسي من أجل أن يجلس معنا، فقد اقتنع أنه لا بد أن تكون هناك علاقة مع حماس، وقد تم تحويله الآن لأحد المؤسسات الدولية، هذا الرجل الآن هو من يجمع لنا شخصيات مهمة نلتقي بها لنتحدث لها عن رؤيتنا، فهذا الرجل دفع ثمن مستقبله السياسي لمبدئه، مما يبرهن أن الفضيلة ليست مرهونة بديانة أو شخصية معينة".
ووفقاً لقاعدةٍ أخرى تقول إن شخصية القائد تجتذب بالفعل من هم مثله..يصمت قليلاً أمامها ليقول بصوتٍ مؤثر:"بالطبع يجذبني من تقلّ لديه حِصةُ النفس"، فقد كان أكثر الأشخاص الذين صادفتهم في حياتهم على هذا النوع من الخلق هو الدكتور إبراهيم المقادمة رحمة الله عليه، الذي كانت حصة نفسه "صفرا" في كل شيء.
طرحتُ عليه سؤالاً ربما يستفز الكثيرين فيما يتعلق بظاهرة القادة الذين يعملون لمصالحهم الشخصية، حيث يرى "أبا خالد" أن هذا الأمر موجودٌ في كل مكان بما في ذلك "حركة حماس"، معتبراً أن هذا النوع من القادة لا يمكنه أن ينجح إلا في بيئة من "المغفلين"، أما في ظل وجوده بين أصحاب الوعي فلن يُسمح له بالترقية، والسبب يعود وفق تقديره إلى "نقصٍ في تركيبة شخصية هؤلاء".
أما بالنسبة للقيادات الشابة التي لا يعرف الكثير منها عن القيادة إلا "المظاهر البراقة"، فيقول إنه تتم معالجتها عادةً بطرق سليمة عبر النصيحة، ولكن عندما تنعقد انتخابات يتم إعفاء هذا النوع من الشباب.
أنا لست دودة
"د.محمود جاوزت السبعين من عمرك..فهل ما زال النمو الشخصي لديك موجودًا على أجندتك؟!..يصحح لي المعلومة "ضاحكاً" بأنه لم يتجاوز بعد السادسة والستين!، مؤكداً أنه كلما تقدم به العمر يزداد إيمانه بضرورة تطوير الأداء وتطبيقه أيضاً، وهذا يدخل بالنسبة له في توسع علاقاته مع العالم عبر سبلٍ شتى.
ولكل من يستعد لأن يتسلم دفة القيادة في أي مجالٍ كان، فإن "ضيفنا" يوصيه بالتالي:"يكون القائد ناجحاً كلما نفذّ ما يريده بأيادي الآخرين وليس بالسطوة"، ويشدد على ذلك بهذه "الإشارة اللطيفة":"أنا أعرف قائدًا حين يريد شراء "مكنسة" لمؤسسته فإنه يرسل أحدهم ليسأل عن المكنسة المناسبة، ثم يذهب بنفسه ليشتريها، وما أريد قوله إن التفويض لا يفقد الإنسان قيمته ولا قدره، يل يعطي الآخرين ثقةً بالنفس وجزءاً من صناعة القرار".
وبالنسبة للزهار فإن التحدي في "عرفه الخاص" يتمثل في المشكلة التي لابد من اجتيازها، وبناء على طبيعة التحدي يستخدم الطريقة المناسبة لمواجهته، كأن يستلزم حزماً أو ليناً، ومن هنا يقول إن أخطر ما في التحدي هو القرار، أما عن القوة الدافعة التي تدفعه للاستمرار فيؤكد أنها فكرة المشروع التي يتبناها ويضحي من أجلها.
وعلى من يختار هذا الطريق أن يأخذ في الحسبان بأن التضحية أمر لا بد منه، فبالتضحية يعلو القائد دون أن تكون "وسيلةً مقصودة" للارتقاء وفق نظرية الزهار، وقد كان ذلك نهج حياة أبا خالد من عهد شبابه، عندما قال لزوجته في بداية حياتهما:"اعلمي أنني لستُ دودةً تأكل وترجع"، مضيفاً:"لقد ضحيتُ بوقتي الذي هو من وقت الآخرين، فبعدما تزوجت بأسبوعين أصبحت عضو الجمعية الطبية، التي أصبحت بمرور الوقت "عدو النساء"، ناهيك عن التضحية بـ"راحة البال" له ولمن حوله هي عنصر آخر ضحى به".
كم كانت مؤثرةً تلك الدمعة التي لاحت في عينيه حين تعمّق الزهار في قانون التضحية:"من يعرف ابنيّ الشهيدين خالد وحسام سيدرك أنني خسرتُ كثيراً، لكن في المقابل هناك مكسبٌ أكبر، فمن يُضحي بالغالي يكون ثمنه غاليًا، فلا يحسبنّ أحدكم أن "قلبي حجر" فأنا مثل أي أب يضعف للذكرى، ويحن أمام موقفٍ عابر".
والتضحية لا تقتصر لدى د.محمود على رحيل "فلذات الكبد"، بل تتعداها أيضاً إلى خسارة بعض العلاقات التي شعرها أنها قد تأتي على حساب المشروع، مهما كانت مكانة هؤلاء الأشخاص.
"سيبلغ ما زَوي لي"
وعن الفروقات بين القيادة السياسية والعسكرية، يرى أنه لا فرق بينهما لكن على العسكري أن يفهم في أي إطار سياسي يعمل؟ ولماذا دخل المعركة؟ مضيفاً: "كلما كان العسكري مُسيّسًا ومثقفًا يكون أقرب من تحقيق الهدف"، وعلى القيادة العسكرية أن تتبع القيادة السياسية لأن العسكري سيفٌ في يد السياسي".
وتتلخص رؤية الزهار لمستقبل القيادة الفلسطينية في قوله:"أنا أرى فلسطين متحركة والعالم الإسلامي وحدة واحدة ودور العالم الإسلامي يغطي وجه الأرض، والدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول في جزء منه "زوى الله تعالى الدنيا فرأيت مشارقها ومغاربها وأن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي" ولذلك أنا أعتبر نفسي في هذه الخطوة جزءا من هذا المشروع، وبإذن الله يكتب لنا أجر الوصول، فقد لا يحدث ذلك في عهدنا، وهنا تتضح زمرة المؤمنين وزمرة الكافرين والتمييز بينهما".
كان سؤالي الأخير له:"بصراحة هل هناك "أزمة قيادة" لدى مجتمعنا الفلسطيني"..ينفي ذلك مستدركاً:"كل ما هنالك أن ظاهرة كبار السن غابت عن القيادة الحديثة، فالعدو فهم ذلك فضرب القيادات الكبيرة ليحرم الحركة منها، لكن التجربة انتقلت إلى الإخوة بسرعة وأجادوا التعامل معها، والإشكالية التي تواجهنا أن القيادة موزعة بين الضفة وغزة والخارج، وهذه الجغرافيا السياسية تلقي بظلالها على اتخاذ القرار، وكي نحل هذه القضية فلا بد من إيجاد صيغة نستطيع أن نحافظ عليها لنتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب حتى لا تضيع الفرص".
لحظة الانطلاق ستحين
اقتربنا إلى ختام "دروسه الحكيمة" التي أكد فيها أن أسرة القائد جزء منه، فأي إنجاز يفعله هم حقيقةً شاركوا فيه، لذا على زوجة وأبناء القائد أن يدركوا بأنهم جزءٌ من صناعته، وأن ينزعوا عنهم قناعةً زائفة بأن ما يحققه يأتي على حسابهم حتى لا يعانوا في حياتهم.
كان آخر ما رآه الزهار عبر تلسكوبه في سماء القيادة نصيحة لمن يحبونه أن يحملوا هذا الإرث:"يجب على القائد أن يقرأ بوعي، ويفهم مشروعه، ويتثقف ويُضحي بالوقت ويبذل الجهد، فالقيادة ليست أن تأخذ شهادة في مجال معين، وإنما هي عملية تراكمية وتأتي في لحظات غير متوقعة، لذا عليه أن يجهز نفسه ويكون مستعداً في اللحظة المناسبة للانطلاق بالسفينة"...إلى هنا انتهى لقاؤنا بصاحب "النَعَم" الجافة الصارمة التي في طيات صاحبها الكثير مما يجدر التعلم منه "إنسانياً وقيادياً"..لمن أراد حقاً التعلم!.
وعن الفروقات بين القيادة السياسية والعسكرية، يرى أنه لا فرق بينهما لكن على العسكري أن يفهم في أي إطار سياسي يعمل؟ ولماذا دخل المعركة؟ مضيفاً: "كلما كان العسكري مُسيّسًا ومثقفًا يكون أقرب من تحقيق الهدف"، وعلى القيادة العسكرية أن تتبع القيادة السياسية لأن العسكري سيفٌ في يد السياسي".
وتتلخص رؤية الزهار لمستقبل القيادة الفلسطينية في قوله:"أنا أرى فلسطين متحركة والعالم الإسلامي وحدة واحدة ودور العالم الإسلامي يغطي وجه الأرض، والدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول في جزء منه "زوى الله تعالى الدنيا فرأيت مشارقها ومغاربها وأن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي" ولذلك أنا أعتبر نفسي في هذه الخطوة جزءا من هذا المشروع، وبإذن الله يكتب لنا أجر الوصول، فقد لا يحدث ذلك في عهدنا، وهنا تتضح زمرة المؤمنين وزمرة الكافرين والتمييز بينهما".
كان سؤالي الأخير له:"بصراحة هل هناك "أزمة قيادة" لدى مجتمعنا الفلسطيني"..ينفي ذلك مستدركاً:"كل ما هنالك أن ظاهرة كبار السن غابت عن القيادة الحديثة، فالعدو فهم ذلك فضرب القيادات الكبيرة ليحرم الحركة منها، لكن التجربة انتقلت إلى الإخوة بسرعة وأجادوا التعامل معها، والإشكالية التي تواجهنا أن القيادة موزعة بين الضفة وغزة والخارج، وهذه الجغرافيا السياسية تلقي بظلالها على اتخاذ القرار، وكي نحل هذه القضية فلا بد من إيجاد صيغة نستطيع أن نحافظ عليها لنتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب حتى لا تضيع الفرص".
لحظة الانطلاق ستحين
اقتربنا إلى ختام "دروسه الحكيمة" التي أكد فيها أن أسرة القائد جزء منه، فأي إنجاز يفعله هم حقيقةً شاركوا فيه، لذا على زوجة وأبناء القائد أن يدركوا بأنهم جزءٌ من صناعته، وأن ينزعوا عنهم قناعةً زائفة بأن ما يحققه يأتي على حسابهم حتى لا يعانوا في حياتهم.
كان آخر ما رآه الزهار عبر تلسكوبه في سماء القيادة نصيحة لمن يحبونه أن يحملوا هذا الإرث:"يجب على القائد أن يقرأ بوعي، ويفهم مشروعه، ويتثقف ويُضحي بالوقت ويبذل الجهد، فالقيادة ليست أن تأخذ شهادة في مجال معين، وإنما هي عملية تراكمية وتأتي في لحظات غير متوقعة، لذا عليه أن يجهز نفسه ويكون مستعداً في اللحظة المناسبة للانطلاق بالسفينة"...إلى هنا انتهى لقاؤنا بصاحب "النَعَم" الجافة الصارمة التي في طيات صاحبها الكثير مما يجدر التعلم منه "إنسانياً وقيادياً"..لمن أراد حقاً التعلم!.
www.mik1111.blogspot.com --- www.mik111.wordpress.com